الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رآه راجحًا فيهم، وقد ذكر منهم: الخضر، وإخوة يوسف، وإبراهيم ابن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولقمان، وذا القرنين.
وفيما يلي بيان رأيه في كل منهم، معقبًا عليه بتقويمه:
1 - الخضر:
يرى ابن حجر رحمه الله نبوة الخضر، كما يرى استمرار حياته وتعميره، فقد سئل عن نبوته وحياته، فأجاب بأن:"المعتمد حياته ونبوته"
(1)
.
التقويم:
الخضر بفتح أوله وكسر ثانيه، أو بكسر أوله وإسكان ثانيه، عبد من عباد الله، ذكرت قصته مع نبي الله موسى عليه السلام في القرآن الكريم مجملة، وفصلت بعض أحواله في السنة النبوية، وقد اختلف الناس حوله اختلافًا كثيرًا
(2)
.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "الخضر اختلف في اسمه، وفي اسم أبيه، وفي نسبه، وفي نبوته، وفي تعميره"
(3)
.
وقد اقتصر كلام ابن حجر حوله على تحقيق القول في نبوته وحياته، ولذا سأقتصر في تقويمه عليهما.
فأما ما يتعلق بنبوته:
فقد اختلف أهل العلم فيها على أقوال أشهرها قولان:
أحدهما: أنه نبي وهو قول الجمهور، واختلف القائلون به في كونه نبيًّا رسولًا أو نبيًّا فقط، وأكثرهم على القول بنبوته دون رسالته
(4)
.
(1)
الفتاوى الحديثية (ص 241)، وانظر:(ص 410)، تحفة المحتاج (4/ 111)، التعرف (ص 123).
(2)
انظر: فتوى في الخضر لابن تيمية ضمن جامع المسائل له (5/ 131)، والزهر النضر في حال الخضر لابن حجر، والخدر في أمر الخضر للقارئ (ص 73)، وما بعدها، جواب سؤال يتعلق بما ورد فيما أظهر الخضر للشوكاني ضمن الفتح الرباني له (3/ 1249).
(3)
فتح الباري (6/ 433).
(4)
انظر: تفسير القرطبي (11/ 16)، مدارج السالكين (2/ 475 - 476)، فتح الباري (6/ 434)، الزهر النضر (ص 68)، الحذر في أمر الخضر (ص 83)، روح المعاني للألوسي (15/ 320).
والثاني: أنه ولي لا نبي، وهو قول بعض الصوفية ومن وافقهم
(1)
.
والصحيح قول الجمهور بأنه نبي لا ولي، وقول من قال منهم بنبوته دون رسالته، والأدلة على ذلك كثيرة، وقد ذكرها غير واحد من أهل العلم.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "والذي لا يتوقف فيه الجزم بنبوته"
(2)
.
ويقول العلامة الألوسي رحمه الله: "
…
والمشهور ما عليه الجمهور [يعني القول بنبوته] وشواهده من الآيات والأخبار كثيرة، وبمجموعها يكاد يحصل اليقين"
(3)
.
وأما ما يتعلق بحياته وتعميره:
فقد اختلف أهل العلم فيها أيضًا على قولين:
أحدهما: القول بوفاته، وهو ما عليه المحققون من أهل العلم
(4)
.
والثاني: القول بتعميره، وهو قول لبعض الصوفية ومن وافقهم
(5)
، وحكاه بعضهم عن أكثر أهل العلم
(6)
، وفي حكايته نظر ظاهر.
والأدلة من الكتاب والسنة والمعقول تدل على قول من قال بوفاته وتؤيده.
فمن الكتاب:
أ- قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34]. فالخضر إن كان بشرًا فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز
(1)
انظر: نشر المحاسن الغالية لليافعي (ص 48، 70).
(2)
الزهر النضر (ص 162).
(3)
روح المعاني (15/ 320).
(4)
انظر: جامع المسائل (5/ 131)، المنار المنيف لابن القيم (ص 72)، البداية والنهاية (1/ 312)، الزهر النضر (ص 86 - 89)، فتح الباري (6/ 434).
(5)
انظر: لطائف المنن لابن عطاء الله السكندري (ص 151)، نشر المحاسن الغالية (ص 395).
(6)
انظر: شرح صحيح مسلم (15/ 135 - 136)، تهذيب الأسماء واللغات للنووي (1/ 176 - 177).
تخصيصه منه إلا بدليل صحيح، والأصل عدمه حتى يثبت، ولم يذكر ما فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله
(1)
.
ب - قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: 81].
قال ابن عباس رضي الله عنه: "ما بعث الله نبيًّا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء، ليؤمن به وينصرنه"
(2)
.
فالخضر إن كان نبيًّا أو وليًا فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حيًّا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه، ولم يثبت أن الخضر اجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم-كما سيأتي- فدل ذلك على موته
(3)
.
ومن السُّنَّة: قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة لا يبقى على ظهر الأرض أحد"
(4)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله، ما على الأرض نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة"
(5)
.
قال ابن الجوزي: "فهذه الأحاديث الصحاح تقطع دابر دعوى حياة الخضر"
(6)
.
(1)
انظر: المنار المنيف (ص 69 - 70)، البداية والنهاية (1/ 312).
(2)
أخرجه ابن جرير (3/ 330) برقم (7327) من طريق المثنى وأحمد بن حازم، كلاهما عن أبي نعيم، عن سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.
وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 405) بلفظه عن ابن عباس، وبنحوه عن جمع من الصحابة والتابعين.
(3)
انظر: البداية والنهاية (1/ 312).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب السمر في العلم (1/ 63) برقم (116)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: لا تأتي مائة سنة (4/ 1965) برقم (2537) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما به.
(5)
أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تأتي مائة سنة (4/ 1966) برقم (2538) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه به.
(6)
نقله عنه ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 313)، وأصل كلامه في كتابه عجالة المنتظر في شرح حال الخضر وهو غير مطبوع، ولم أقف على من ذكر له نسخة خطية.
وأما المعقول: فقد نقل العلامة ابن القيم عن الحافظ ابن الجوزي -رحمهما الله- وجوهًا من المعقول تدل على موت الخضر، منها:
أ - أن الذي أثبت حياته يقول: إنه ولد آدم لصلبه أو الرابع من ولد ولده، ومحال أن يعمر كل هذه المدة الطويلة، فإن مثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر.
ب - أن الخضر لو كان كذلك، لكانت خلقته ليست على خلقتنا، بل كان مفرطًا في الطول والعرض، ولم يذكر أحد ممن زعم رؤيته أنه رآه على خلقة عظيمة.
ج - أن الخضر لو كان كذلك، لكان ممن مات زمن نوح عليه السلام فإن العلماء قد اتفقوا على أن نوحًا لما نزل من السفينة مات من كان معه، ثم مات نسلهم، ولم يبق غير نسل نوح، بدليل قوله عز وجل:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)} [الصافات: 77]، ومعلوم أن الخضر ليس من نسل نوح عند القائلين بتعميره.
د - أنه لو كان حيًّا؛ لكان جهاده الكفار، ورباطه في سبيل الله، ومقامه في الصف ساعة، وحضوره الجمعة والجماعة، وتعليمه العلم خيرًا له وأفضل من سياحته بين الوحوش في الصحاري والبراري، وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه، والعيب له
(1)
؟ .
وبمجموع هذه الأدلة فإن الراجح -والله أعلم- القطع بموته.
وغاية ما استدل به القائلون بتعميره ثلاثة أدلة:
الأول: الأحاديث الدالة على بقائه وتعميره، وكلها ضعيفة لا تقوم بها حجة
(2)
.
(1)
انظر: المنار المنيف (ص 73 - 76)، وقد ذكرها أيضًا الألوسي في روح المعاني (15/ 321).
(2)
انظر: الموضوعات لابن الجوزي (1/ 119)، جامع المسائل لابن تيمية (5/ 133)، المنار المنيف (ص 67)، البداية والنهاية (1/ 311)، الزهر النضر (ص 80)، فتح الباري (6/ 434 - 435)، الفوائد الموضوعة للكرمي (ص 58)، أسنى المطالب للحوت (ص 296).