الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأشاعرة فيها-: "وبالجملة فهذا المبحث لم يَصْفُ"
(1)
.
ثانيهما: عدم اهتمام ابن حجر بالمسألة، وتهوينه من شأنها، وظنه أن الخلاف فيها ليس فيه كبير فائدة -كما سبق نقله عنه- والحق أن المسألة مهمة، وأن الخلاف فيها له ثمرة ظاهرة، فمن فروعها: القول في أسماء الله وهل هي مخلوقة أم لا؟ ومن أصولها: صفات الله سبحانه والقول في كلامه جل وعلا وهل هو مخلوق أم لا؟
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض حديثه عنها: "القول في أسمائه هو نوع من القول في كلامه"
(2)
.
وبكل حال فقول ابن حجر -عفا الله عنه- في هذه المسألة مضطرب، والجمع بين أقواله فيها متعذر، والترجيح بينها غير ممكن؛ لعدم معرفة المتقدم منها من المتأخر، وكلها باطلة مجانبة للصواب.
ثانيًا: أسماء الله هل هي توقيفية أم لا
؟ :
يرى ابن حجر رحمه الله أن "أسماء الله توقيفية على الأصح فلا يجوز اختراع اسم أو وصف له تعالى إلا بقرآن أو خبر صحيح وإن لم يتواتر
…
"
(3)
.
ويستثني من ذلك ما كان وروده بصيغة المصدر، أو الفعل، أو ذكر على سبيل المقابلة والمشاكلة
(4)
، حيث يقول: "لا يجوز أن يذكر اسم أو صفة إلا إن ورد في القرآن وصح الخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
ولا يكفي (3)
= شرح جوهرة التوحيد، حاشية على أم البراهين، تحفة البشر على مولد ابن حجر، توفي سنة (1277 هـ).
انظر: الأعلام (1/ 71)، معجم المؤلفين (1/ 84).
(1)
تحفة المريد (ص 88).
(2)
مجموع الفتاوى (6/ 186).
(3)
تحفة المحتاج (1/ 10) وانظر: فتح المبين (ص 81)، إتحاف أهل الإسلام (ص 54)، التعرف (ص 113)، تنبيه الأخيار (ل 16/ أ).
(4)
يعرف البلاغيون المشاكلة بتعريفات عدة أشهرها قولهم: "هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقًا أو تقديرًا".
انظر: الإيضاح للقزويني (ص 360)، والتبيان للطيبي (ص 347).
ورود أصله المصدر أو الفعل، ولا ورود لفظه على جهة المقابلة
…
"
(1)
.
وبناء على ذلك أنكر ابن حجر تسمية الله عز وجل ببعض الأسماء:
1 -
حيث أنكر تسمية الله سبحانه بالنظيف
(2)
، ورمضان
(3)
، والدهر
(4)
، والصانع
(5)
، والواهب
(6)
؛ لعدم ورود النصوص بها.
2 -
وأنكر تسمية الله تعالى بالزارع
(7)
، والرامي
(8)
، والمسبت
(9)
، لورودها بصيغة المصدر أو الفعل.
3 -
وأنكر تسمية الله عز وجل بالماكر
(10)
؛ لوروده على سبيل المقابلة والمشاكلة.
التقويم:
اتفق -من يثبت الأسماء لله تعالى- على تسمية الله عز وجل بما سمى به نفسه مما ورد في نصوص الوحيين، وتنازعوا فيما عداها من الأسماء مما صح معناه في اللغة والعقل والشرع ولم يرد إطلاقه فيهما هل يجوز تسمية الله به أم لا؟
"فالجمهور منعوا إطلاق ما لم يأذن به الشرع مطلقًا، وجوزه المعتزلة مطلقًا، ومال إليه بعض الأشاعرة كالقاضي أبي بكر الباقلاني، وتوقف إمام الحرمين الجويني
…
"
(11)
.
والقول بأن أسماء الله توقيفية هو قول أهل السنة والجماعة قاطبة
(12)
،
(1)
تنبيه الأخيار (ل 17/ أ)، وانظر: تحفة المحتاج (1/ 10)، والترف (ص 113).
(2)
انظر: تنبيه الأخيار (ل 16/ أ)، فتح الإله بشرح المشكاة (ص 356).
(3)
انظر: إتحاف أهل الإسلام (ص 54)، الفتاوى الحديثية (ص 181)، فتح الإله (ص 24).
(4)
انظر: حاشية الإيضاح (ص 5)، الزواجر (1/ 113)، العمدة شرح البردة (ص 412).
(5)
انظر: تحفة المحتاج (4/ 108).
(6)
انظر: تنبيه الأخيار (ل 17/ أ).
(7)
انظر: تنبيه الأخيار (ل 17/ أ).
(8)
انظر: المصدر السابق (ل 17/ أ).
(9)
انظر: المصدر السابق (ل 17/ أ).
(10)
انظر: المصدر السابق (ل 17/ أ)، تحفة المحتاج (1/ 10).
(11)
لوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/ 124).
(12)
انظر: أصول السنة لابن أبي زمنين (ص 60)، مجموع الفتاوى (5/ 26)، بدائع الفوائد (1/ 183)، لوامع الأنوار (1/ 124 - 125)، القواعد المثلى لابن عثيمين (ص 16).
وجمهور الأشاعرة
(1)
والماتريدية
(2)
، وهو الحق الذي تدل عليه النصوص من الكتاب والسنة، ومنها:
1 -
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] فهذه الآية تدل على أن أسماء الله توقيفية من وجهين:
أ- قوله: "الأسماء" فالألف واللام فيها للعهد، والأسماء المعهودة هي التي جاء النص عليها في الكتاب والسنة
(3)
.
ب- قوله: "الحسنى" فهذا الوصف يدل على أنه ليس في الأسماء الأخرى أحسن منها، وأن غيرها لا يقوم مقامها ولا يؤدي معناها
(4)
.
2 -
قوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
"قال أهل التفسير: من الإلحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة"
(5)
.
3 -
قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وقوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف: 33].
فهاتان الآيتان تدلان على تحريم الخوض في الأمور الغيبية مع عدم الدليل، ويدخل في ذلك أسماء الله تعالى باعتبارها من الأمور المغيبة التي لا تعرف إلا عن طريق الوحي.
4 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو
(1)
انظر: أصول الدين للبغدادي (ص 119)، المواقف للإيجي (ص 333)، وشرحها للجرجاني (8/ 210)، تحفة المريد للباجوري (ص 89).
(2)
انظر: التوحيد للماتريدي (ص 42، 94)، التمهيد للنسفي (ص 10)، إشارات المرام للبياضي (ص 116).
(3)
انظر: المحلى لابن حزم (1/ 29).
(4)
انظر: بدائع الفوائد (1/ 168).
(5)
فتح الباري لابن حجر (11/ 221)، وانظر: المحلي لابن حزم (1/ 29)، تفسير البغوي (3/ 307).
أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك
…
"
(1)
الحديث.
"فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآميين وتسمياتهم"
(2)
.
وعليه فما ذهب إليه ابن حجر رحمه الله من كون أسماء الله توقيفية موافق لِمَا تدل عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وما ذهب إليه أهل السنة والجماعة ومن وافقهم.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن القول بأن أسماء الله توقيفية لا ينافي الإخبار عنه بما لم يرد؛ إذ "ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته"
(3)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يُفَرَّق بين دعائه والإخبار عنه، فلا يُدعى إلا بالأسماء الحسنى، وأما الإخبار عنه، فلا يكون باسم سيئ، لكن قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسمع، وإن لم يحكم بحسنه، مثل اسم شيء، وذات، وموجود"
(4)
.
وأما ما قرره من استثناء ما ورد بصيغة المصدر أو الفعل، أو كان على سبيل المقابلة والمشاكلة من عموم أسماء الله عز وجل فهو موافق لقول أهل السنة والجماعة، وهو الحق الذي لا محيد عنه؛ وذلك لكونها تحتمل المدح
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (10/ 253) برقم (9376)، وأحمد (6/ 246) برقم (3712)، وأبو يعلى (9/ 198) برقم:(5297)، وابن حبان (3/ 253) برقم (972)، والطبراني في الكبير (10/ 169 - 170) برقم (10352)، والحاكم في المستدرك (1/ 509 - 510)، من طرق عن فضيل بن مرزوق، عن أبي سلمة الجهني، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه به.
قال الهيثمي في المجمع (10/ 136): "رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح، غير أبي سلمة الجهني، وقد وثقه ابن حبان". والحديث صححه الألباني في الصحيحة (1/ 336) حديث: (199).
(2)
شفاء العليل (2/ 757).
(3)
بدائع الفوائد (1/ 182).
(4)
مجموع الفتاوى (6/ 142).