الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: أن قوله هذا يلزم منه أن تكون آية النبي هي صرف الناس عن المعارضة سواء كان فعله خارقًا أو غير خارق
(1)
.
2 - ذكره لبعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
-:
يرى ابن حجر رحمه الله أن نبينا صلى الله عليه وسلم أعطي مثل معجزات الأنبياء قبله، وفاقهم بما اختص به، يقول في ذلك:
"انطوى تحت منشور آياته كل آية لغيره من الأنبياء، فلم يعط أحد منهم كرامة أو فضيلة إلا وقد أعطي مثلها، أو أعظم منها
…
ومنه: أن آدم لما أعطي خلق الله تعالى بيده، أعطي نبينا شق صدره، وملأه من ذلك الخلق النبوي
…
وإدريس: لما أعطي المكان العلي، أعطي نبينا المعراج الأفخم الأعظم.
ونوح: لما نجى هو وقومه، أعطي نبينا أن الله لم يهلك أمته بعذاب عام
…
وإبراهيم: لما نجى من النار، نجى نبينا من نار الحرب، قال الله تعالى:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64].
ولما أعطي موسى قلب العصا حية، أعطي نبينا حنين الجذع، الذي هو أبهر وأغرب
…
وانفراق البحر، أعطي لنبينا انشقاق القمر الذي هو أبهر؛ لأنه تصرف في العالم العلوي
…
وتفجر الماء من الحجر، أعطي نبينا تفجيره من بين أصابعه، وهو أبلغ؛ لأن الحجر من جنس الأرض التي ينبع منها الماء.
والكلام، أعطي نبينا مثله ليلة الإسراء، وزيادة الدنو
…
وهارون: الفصاحة، أعطي نبينا أفصح منها، على أنها في العبرانية، والعربية أفصح منها
…
(1)
انظر: النبوات (1/ 242).
ويوسف: شطر الحسن، وتأويل الرؤيا، أعطي نبينا الحسن كله، وعبَّر عن المرائي، فوقعت كما عبر ما لا يدخله الحصر، وتعبير يوسف إنما كان في ثلاث مراءٍ كما في سورته.
وتليين الحديد لداود: أعطي نبينا أن العود اليابس اخضرَّ في يديه
…
وسليمان وداود كلام الطير، أعطي نبينا أنه كلمه الحجر، وسبَّح في كفه الحصى، وكلمه ذراع الشاة المسمومة
…
والريح التي غدوها شهر ورواحها شهر، أعطي نبينا البراق، وهو أسرع من الريح
…
وأيضًا الريح سخرت لسليمان لتحمله إلى نواحي الأرض، ونبينا صلى الله عليه وسلم زويت له الأرض أي: جمعت، حتى رأى مشارقها ومغاربها، وفرق بين من يسعى إلى الأرض، ومن تسعى له الأرض.
وتسخير الجن: أعطي نبينا أن الله مكنه من شيطان تفلَّت عليه في صلاته، فأراد أن يربطه بسارية، وسخر له الجن حتى أسلموا، ولم يسخروا لسليمان إلا في العمل
…
وعيسى: إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، أعطي نبينا رد العين إلى محلها بعد ما سقطت، فعادت أحسن ما كانت
…
وتسبيح الحصى وحنين الجذع، أبلغ من تكليم الموتى، لأن هذا من جنس من يتكلم.
وبالجملة فقد أوتي صلى الله عليه وسلم مثلهم، وزاد بخصائص لا تحصى"
(1)
.
وقد أورد ابن حجر رحمه الله كثيرًا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، وذكر أدلتها من الكتاب والسنة، وكلام أهل العلم في بعضها بما يدل على إعجازها، وفيما يلي سياق ما ذكره، حيث قال:
"معجزاته صلى الله عليه وسلم كثيرة
…
وهي:
ما قبل نبوته:
كقصة الفيل، والنور الذي خرج معه حتى أضاء له قصور الشام
(1)
المنح المكية (2/ 653)، وانظر:(1/ 119)، الفتاوى الحديثية (ص 237)، التعرف (ص 114)، العمدة (ص 434)(ص 288).
وأسواقها، وحتى رؤيت أعناق الإبل ببصرى، ومسح الطائر لفؤاد أمه حتى لم تجد ألمًا لولادته، والطواف به في الآفاق، وغيض ماء بحيرة ساوة، وخمود نار فارس، وسقوط شرفات إيوان كسرى، وما سمع من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه، وانتكاس الأصنام وخرورها لوجهها من غير دافع لها من أمكنتها إلى سائر ما نقل من العجائب في أيام ولادته، وأيام حضانته وبعدها إلى أن أبقاه الله
(1)
؛ كإظلال الغمام له أي: في السفر، وشق الصدر
(2)
.
وهذا القسم لا يسمى معجزة حقيقية؛ لتقدمه على التحدي جملة وتفصيلًا، وإنما يسمى إرهاصًا، أي: تأسيسًا للنبوة
…
وأما بعد موته:
وهو غير محصور؛ إذ كل خارق وقع لخواص أمته، إنما هو في الحقيقة له، إذ هو السبب فيه.
وأما من حين نبوته إلى وفاته:
وهذا هو الذي الكلام فيه.
فمنه: انشقاق القمر
(3)
…
ومنه: رد الشمس
(4)
…
ومنه: تسبيح الحصى في كفه
…
ومنه: تسليم الحجر عليه
(5)
…
ومنه: ما صح من كلامه مع أُحد لما صعده هو وأبو بكر وعمر وعثمان
…
ومنه: كلام الشجر وسلامه عليه
…
(1)
انظر: المولد الشريف (ص 41 - 62)، مولد النبي صلى الله عليه وسلم (ص 37 - 52)، العمدة (ص 337) وما بعدها.
(2)
انظر: المنح المكية (1/ 268)(2/ 663)، المولد الشريف (ص 63)، مولد النبي صلى الله عليه وسلم (ص 53)، النخب الجليلة (ص 92)، العمدة شرح البردة (ص 392).
(3)
انظر: المنح المكية (2/ 663)، العمدة (ص 388).
(4)
انظر: المنح المكية (2/ 666).
(5)
انظر: الفتاوى الحديثية (ص 237).
ومنه: حنين الجذع
(1)
…
ومنه: سجود الجمل له
…
ومنه: كلام الذئب
…
ومنه: كلام الحمار
…
وكلام الغزالة
…
ومنه: نبع الماء الطهور من بين أصابعه
(2)
…
ومنه: إحياء الموتى
…
"
(3)
.
كما عرض ابن حجر لبعض معجزاته صلى الله عليه وسلم في مواضع متفرقة من كتبه كالإسراء والمعراج
(4)
، وإخباره عن المغيبات
(5)
، وتسبيح الطعام في يده
(6)
، وأمَّيته صلى الله عليه وسلم
(7)
.
التقويم:
معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تميزت على معجزات غيره من الأنبياء والرسل بكثرة عددها وظهور إعجازها.
يقول القاضي عياض رحمه الله: "معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم أظهر من سائر معجزات الرسل بوجهين:
أحدهما: كثرتها
…
الثاني: وضوح معجزاته صلى الله عليه وسلم
…
"
(8)
.
ولهذا ذكر بعض أهل العلم أن معجزاته صلى الله عليه وسلم تبلغ ألفًا
(9)
، وقال
(1)
انظر: المنح المكية (1/ 368)، فتح الإله (ص 224).
(2)
انظر: المنح المكية (2/ 727).
(3)
أشرف الوسائل (ص 244 - 253).
(4)
انظر: المنح المكية (1/ 409)، أشرف الوسائل (ص 46 - 47)، النخب الجليلة (ص 91)، الجوهر المنظم (ص 23).
(5)
انظر: المنح المكية (1/ 491)، الجوهر المنظم (ص 57).
(6)
انظر: المنح المكية (2/ 731).
(7)
انظر: الدر المنضود (ص 92).
(8)
الشفا (1/ 523 - 525).
(9)
انظر: دلائل النبوة للبيهقي (1/ 10)، الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص 300)، الجواب الصحيح (1/ 522).
آخرون: بأنها تزيد على ألف ومائتين
(1)
، وقال غيرهم: بأنها تبلغ ثلاثة آلاف
(2)
.
ووازن غير واحد منهم بين معجزاته صلى الله عليه وسلم ومعجزات غيره من الأنبياء وبينوا ما اختصه الله تعالى به من مشاركته لهم في معجزاتهم، وتفوقه عليهم بظهور معجزاته
(3)
، ومن أوائلهم الإمام الشافعي رحمه الله حيث روي عنه أنه قال:"ما أعطى الله نبيًّا ما أعطى محمدًا". فقيل له: أعطي عيسى إحياء الموتى؟ فقال: "أعطي محمد صلى الله عليه وسلم حنين الجذع الذي كان يقف يخطب إلى جنبه حتى هيئ له المنبر، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك"
(4)
.
وعليه فما قرره ابن حجر رحمه الله من كون نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أعطي معجزات الأنبياء قبله، وفاقهم بما اختص به عددًا وإعجازًا موافق لما قرره أهل العلم.
وأما ما ذكره من تقسيم معجزاته صلى الله عليه وسلم بحسب زمن وقوعها قبل النبوة، وبعدها، وبعد وفاته، فهو تقسيم معتبر
(5)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من آيات الأنبياء ما كان قبل ولادتهم، وقبل إنبائهم، وما يكون بعد موتهم؛ فإن الآية هي دليل على صدق الخبر بأنه رسول الله، وهذا الدليل لا يختص لا بمكان ولا زمان"
(6)
.
(1)
انظر: شرح صحيح مسلم (1/ 2).
(2)
انظر: فتح الباري (6/ 583).
(3)
انظر: دلائل النبوة لأبي نعيم (ص 587 - 625)، الشفا (1/ 525 - 528)، الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام للقرطبي (ص 348)، البداية والنهاية (6/ 291)، الخصائص الكبرى (2/ 304)، المواهب اللدنية للقسطلاني (2/ 584).
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي (ص 83)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 116)، من طريق عمرو بن سوَّاد عن الشافعي به.
(5)
انظر: النبوات (2/ 794، 852)، الجواب الصحيح (6/ 380)، وقد جرى عليه أبو نعيم والبيهقي في سياقهما لدلائله صلى الله عليه وسلم.
(6)
النبوات (2/ 794).
ولكن يلاحظ على ابن حجر في تقريره لذلك ما يلي:
1 -
أنه جعل ما قبل نبوته صلى الله عليه وسلم لا يعد معجزة؛ لتقدمه على التحدي جملة وتفصيلًا بزعمه، وهو باطل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "آيات النبوة وبراهينها تكون في حياة الرسول وقبل مولده، وبعد مماته، لا تختص بحياته، فضلًا عن أن تختص بحال دعوى النبوة، أو حال التحدي، كما ظنه بعض أهل الكلام"
(1)
.
وقد سبق بيان بطلان اعتبار اشتراط التحدي ومقارنة دعوى النبوة في تعريف المعجزة وشروطها.
2 -
أنه حصر دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم في المعجزات، فلم يذكر سواها، وهو باطل؛ فإن معرفة صدق النبي لا تنحصر في المعجزات فقط، بل تكون بها وبغيرها من الطرق مثل: النظر في أحوال الأنبياء وما عرفوا به من الصدق والأمانة، وما تميزوا به من محاسن الأخلاق وجميل الصفات، والنظر في ما جاؤوا به من الشرائع التي تنتظم بها مصالح العباد في دينهم ودنياهم، والنظر في عاقبتهم وتأييد الله لهم وإظهارهم على من خالفهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هذه الطريقة هي من أتم الطرق عند أهل الكلام والنظر حيث يقررون نبوة الأنبياء بالمعجزات، ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء لكن كثيرًا من هؤلاء بل كل من بنى إيمانه عليها يظن أن لا تعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات
…
وللنظار هنا طرق متعددة:
منهم من لا يجعل المعجزة دليلًا بل يجعل الدليل استواء ما يدعو إليه وصحته وسلامته من التناقض كما يقوله طائفة من النظار.
ومنهم من يوجب تصديقه بدون هذا وهذا.
ومنهم من يجعل المعجزة دليلًا ويجعل أدلة أخرى غير المعجزة،
(1)
الجواب الصحيح (6/ 380).