الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتوى بأن ذلك العمل بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، فإن عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه منه من بعدهم يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحًا؛ إذ لو كان صحيحًا لم يعزب عن فهم السلف الصالح، ويفهمه من بعدهم.
كما يمنع اعتبار ذلك النص دليلًا عليه؛ إذ لو كان دليلًا عليه لعمل به السلف الصالح، فاستنباط الحافظ ابن حجر العسقلاني الاحتفال بالمولد النبوي من حديث صوم يوم عاشوراء، مخالف لِمَا أجمع عليه من جهة فهمه، ومن جهة العمل به، وما خالف إجماعهم فهو خطأ؛ لأنهم لا يجمعون إلا على هدى
(1)
.
جـ - أن تخريج الاحتفال بالمولد على صيام يوم عاشوراء من التكلف المردود؛ لأن العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع
(2)
.
هـ - أن صيام يوم عاشوراء قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم ورغب فيه، بخلاف الاحتفال بمولده فإنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولم يرغّب فيه، ولو كان في ذلك شيء من الفضل لبين ذلك لأمته كما بين لهم فضل اتباعه والصلاة والسلام عليه
(3)
.
والثاني: المعارضة:
بما تقدم من بيان بدعية الاحتفال بالمولد النبوي، وعموم النصوص الدالة على أن كل بدعة ضلالة.
2 - السماع:
ذكر ابن حجر رحمه الله أقسام السماع، وبيّن حكم كل مثها، فقال: "أقسام الغناء المحرم وغيره:
(1)
انظر: الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي للشيخ حمود التويجري (ص 30)، القول الفصل (ص 78).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (1/ 80)، الرد القوي (ص 32).
(3)
انظر: الرد القوي (ص 32)، الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف للجزائري (ص 43).
القسم الأول: في سماع مجرد الغناء من غير آلة.
اعلم أن مذهبنا أنه يكره الغناء وسماعه إلا
…
في عرس ونحوه
…
أو إن حرك لحال سني مذكر للآخرة.
وبه يعلم أن كل شعر فيه الأمر بالطاعة أو كان حكمة أو كان في مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من خصال البر كحث على طاعة أو سنة أو اجتناب معصية يكون كل من إنشائه وإنشاده وسماعه سنة"
(1)
.
و"الغناء إنشادًا واستماعًا على قسمين:
الأول: ما اعتاد الناس استعماله لمحاولة عمل، وحمل ثقيل، وقطع مفاوز سفر ترويحًا للنفوس وتنشيطًا لَها، كحداء الأعراب بإبلهم، وغناء النساء لتسكين صغارهن، ولعجب الجواري بلعبهن، فهذا إذا سلم المغني به من فحش وذكر محرم، كوصف الخمور والقينات، لا شك في جوازه ولا يختلف فيه، وربما يندب إليه إذا نشط على فعل خير، كالحداء في الحج والغزو، ومن ثم ارتجز صلى الله عليه وسلم هو والصحابة رضوان الله تعالى عليهم في بناء المسجد، وحفر الخندق كما هو مشهور
…
وكالأشعار المزهدة في الدنيا المرغبة في الآخرة، فهي من أنفع المواعظ فالحاصل عليها أعظم الأجر
…
الثاني: ما ينتحله المغنون العارفون بصنعة الغناء المختارون المدن من غزل الشعر مع تلحينه بالتلحينات الأنيقة، وتقطيعه لها على النغمات الرقيقة التي تهيج النفوس وتطربها
…
فهذا هو الغناء المختلف فيه على أقوال العلماء
…
"
(2)
.
"والذي يتقوى في النفس رجحانه تحريم الغناء الملحن وسماعه
…
لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] أي: الغناء
…
وقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} فسعره
(1)
كف الرعاع (ص 49 - 50).
(2)
المصدر السابق (ص 59 - 60).
مجاهد بالغناء والمزامير
(1)
.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] قال مجاهد: هو الغناء
(2)
…
"
(3)
.
"القسم الثاني: في سماع الغناء المقترن برقص أو نحو دف أو مزمار ووتر
…
والمقصود هنا أن الغناء إذا أبيح أو كره إن انضم إليه محرم يصير بانضمام المحرم إليه محرمًا، وإذا حرم يشتد إثمه بانضمام المحرم إليه، وأن الرقص إن كان فيه تَكَسُّر كفعل المخنث كان حرامًا، وإن خلا عن ذلك كان مكروهًا، فإذا انضم القسم الحرام منه إلى الغناء المحرم ازداد الإثم والتحريم، وكذا إذا كان المحرم أحدهما، لأن المكروه وإن كان لا إثم فيه، لكنه بانضمامه إلى محرم يزداد إثمًا"
(4)
.
التقويم:
السماع في اللغة: مصدر سمع يسمع سمعًا وسماعًا
(5)
.
يقول ابن فارس: "السين والميم والعين أصل واحد، وهو إيناس الشيء بالإذن
…
تقول: سمعت الشيء سماعًا"
(6)
.
والمراد به هنا: "تنبيه القلب على معاني المسموع، وتحريكه عنها طلبًا وهربًا، وحبًا وبغضًا، فهو حاب يحدو بكل أحد إلى وطنه ومألفه"
(7)
.
وهو على أضرب ثلاثة:
أحدها: سماع شرعي، وهو سماع القرآن.
(1)
انظر: تفسير ابن جرير (8/ 108).
(2)
انظر: تفسير ابن جرير (9/ 420).
(3)
كف الرعاع (ص 69 - 70).
(4)
المصدر السابق (ص 71 - 72).
(5)
انظر: تهذيب اللغة (2/ 1755)، الصحاح (3/ 1231)، لسان العرب (8/ 162)، القاموس المحيط (ص 943).
(6)
معجم مقاييس اللغة (ص 491 - 492).
(7)
مدارج السالكين (1/ 482)، وانظر: كشف القناع عن حكم الوجد والسماع للقرطبي (ص 43).
وثانيها: سماع بدعي، وهو سماع الغناء.
وثالثها: سماع مباح، وهو سماع القصائد المزهدة في الدنيا والمرغبة في الآخرة الدالة على مكارم الأخلاق وجميل الأفعال
(1)
.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "الكلام في السماع مدحًا وذمًا يحتاج فيه إلى معرفة صورة المسموع وحقيقته، وسببه والباعث عليه، وثمرته وغايته.
فبهذه الفصول الثلاثة يتحرر أمر السماع، ويتميز النافع منه والضار، والحق والباطل، والممدوح والمذموم.
فالمسموع على ثلاثة أضرب.
أحدهما: مسموع يجبه الله ويرضاه، وأمر به عباده، وأثنى على أهله، ورضي عنهم به.
الثاني: مسموع يبغضه ويكرهه، ونهى عنه، ومدح المعرضين عنه.
الثالث: مسموع مباح مأذون فيه، لا يحبه ولا يبغضه، ولا مدح صاحبه ولا ذمه، فمن حرم هذا النوع الثالث فقد قال على الله ما لا يعلم، وحرم ما أحل الله، ومن جعله دينًا يتقرب به إلى الله فقد كذب على الله، وشرع دينًا لم يأذن به الله، وضاهى بذلك المشركين"
(2)
.
وبناء على ما سبق فما قرره ابن حجر رحمه الله من التفصيل في أحكام السماع، وقوله بجوازه إذا كان بغير آلة ولا رقص، ويتضمن التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، ولم يكن على التلحينات والتقطيعات المحترفة، وبحرمته مع عدم ذلك هو الحق الذي لا محيد عنه، وهو الذي عليه المحققون من أهل العلم
(3)
.
(1)
انظر: كشف القناع (ص 47) وما بعدها، مختصر الفتاوى المصرية (ص 591 - 594)، مدارج السالكين (1/ 482)، نزهة الاستماع في مسألة السماع لابن رجب (ص 34) وما بعدها.
(2)
مدارج السالكين (1/ 482).
(3)
انظر: تحريم الغناء والسماع للطرطوشي (ص 222) وما بعدها، كشف القناع (ص 43) وما بعدها، مختصر الفتاوى المصرية (ص 591) وما بعدها، الكلام على مسألة السماع =