الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجيب عنه يضعف هذا القول ويوهيه.
2 -
أن تقدير الخبر بكلمة (موجود) يلزم منه أن يكون كل معبود بحق أو باطل هو الله عز وجل؛ إذ الآلهة الموجودة المعبودة من دون الله كثيرة، وهذا هو مذهب أهل الاتحاد
(1)
(2)
.
3 -
أن تقدير ابن حجر الخبر بكلمة (موجود) يناقض ما ذكره في معنى لا إله إلا الله من كون معناها: لا معبود بحق إلا الله.
وعليه فإن الصواب هو تقدير الخبر بكلمة (حق)، وأما تقديره بكلمة (موجود) فلا يكفي إلا إذا ذكر قيد الاستحقاق بحيث ينعت اسم لا بحق، ويكون التقدير لا إله حقًّا موجودٌ إلا الله وحينئذ يزول المحذور
(3)
.
ثالثًا: فضل لا إله إلا الله:
قرر ابن حجر فضل لا إله إلا الله، وذكر أنه "ورد في فضلها أحاديث كثيرة"
(4)
.
وبيّن أن "أفضل الأذكار التي لم يخصها الشارع بحال أو زمن القرآن وبعده التهليل"
(5)
.
وذكر أن التهليل أفضل من التحميد، حيث سئل عن المفاضلة بينهما فأجاب بقوله: "ظاهر كلام الأئمة وصريحه أن الأول أفضل
…
"
(6)
.
(1)
الاتحاد معناه - عند القائلين به من الصوفية - تصيير الذاتين واحدة، وهو حال الصوفي الواصل، وقيل: هو شهود وجود واحد مطلق من حيث إن جميع الأشياء موجودة بوجود ذلك الواحد، معدومة في أنفسها، لا من حيث أن لما سوى الله وجودًا خاصًا به يصير متحدًا بالحق، وقيل: هو شهود الوجود الحق المطلق الذي لكل موجود بالحق، فيتحد به الكل من حيث كون كل شيء موجودًا به، معدومًا بنفسه، لا من حيث إن له وجودًا خاصًا اتحد به، فإنه محال.
انظر: معجم اصطلاحات الصوفية للكاشاني (ص 49)، المعجم الصوفي للحنفي (ص 11)، وانظر في الرد عليه: مجموع الفتاوى (2/ 172).
(2)
انظر: معنى لا إله إلا الله للزركشي (ص 80)، معارج القبول (2/ 416).
(3)
انظر: معارج القبول (2/ 416).
(4)
الفتاوى الحديثية (ص 103).
(5)
المصدر السابق (ص 150).
(6)
المصدر السابق (ص 212).
ولكن ابن حجر مع تقريره ما سبق في فضل لا إله إلا الله، وقوله بأفضلية التهليل على التحميد، عقد مقارنة بين الذكر بالتهليل والذكر بلفظ الجلالة فقط فقال: "ذكر لا إله إلا الله أفضل من ذكر الجلالة مطلقًا هذا بلسان أئمة الظاهر، وأما أهل الباطن فالحال يختلف باختلاف أحوال السالك، فمن هو في ابتداء أمره ومقاساته لشهود الأغيار وعدم انفكاكه عن التعلق بها وعن إرادته وشهواته وبقائه مع نفسه يحتاج إلى إدمان الإثبات بعد النفي حتى يستولي عليه سلطان الذكر وجاذب الحق المرتبة على ذلك، فإذا استولت عليه تلك الجواذب حتى أخرجته عن شهواته وإرادته وحظوظه وجميع أغراض نفسه صار بعيدًا عن شهود الأغيار والاستغراق فيما يناسب حاله من ذكر الجلالة فقط؛ لأن ذلك فيه تمام لذاته ودوام مسرته ونعمته ومنتهى أربه ومحبته
…
"
(1)
.
التقويم:
فضل كلمة التوحيد مغروس في الفطر، ومتقرر في العقول، والإحاطة ببيانه هنا متعذر.
يقول العلامة ابن رجب
(2)
رحمه الله: "كلمة التوحيد لها فضائل عظيمة لا يمكن هاهنا استقصاؤها؛ فلنذكر بعض ما ورد فيها: فهي كلمة التقوى
…
وكلمة الإخلاص، وشهادة الحق، ودعوة الحق، وبراءة من الشرك، ونجاة هذا الأمر، ولأجلها خُلق الخلق
…
"
(3)
.
وقد أفرد غير واحد من أهل العلم الكلام على فضائلها في مصنفات خاصة
(4)
،
(1)
الفتاوى الحديثية (ص 102).
(2)
هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، أبو الفرج، زين الدين، السلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، سلفي حنبلي، من مؤلفاته: جامع العلوم والحكم، فتح الباري شرح صحيح البخاري، القواعد الفقهية، توفي سنة 795 هـ. انظر: الدرر الكامنة (2/ 321)، شذرات الذهب (6/ 230).
(3)
كلمة الإخلاص له (ص 52).
(4)
ممن صنف في فضائل كلمة التوحيد استقلالًا: ابن البنا الحنبلي، رسالة في فضل التهليل وثوابه الجزيل"، وابن رجب "كلمة الإخلاص"، وابن عبد الهادي "مسألة في التوحيد وفضائل لا إله إلا الله"، والمعصومي "مفتاح الجنة لا إله إلا الله".
وعدّها بعضهم فأوصلها إلى نحو مئتي فضيلة
(1)
.
وأما المفاضلة بين الذكر بها والذكر بالتحميد فهو محل خلاف بين أهل العلم، والخلاف جار بين أهل السنة والجماعة منهم.
يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "اختلف العلماء في أفضل الذكر: فقال منهم قوم: أفضل الكلام لا إله إلا الله
…
وقال آخرون: أفضل الذكر الحمد لله رب العالمين
…
ولكل واحد من القولين وجه وآثار تدل على ما ذهب إليه من قال به
…
" ثم ساق أدلة كل قول منها
(2)
.
والقول: بتفضيل التهليل على التحميد هو قول جماعة من المحققين كابن رجب
(3)
وابن عبد الهادي
(4)
(5)
وغيرهما.
ومما سبق يتضح أن ما ذكره ابن حجر في فضل لا إله إلا الله موافق لِمَا عليه أهل السنة والجماعة، وأن قوله: بتفضيل التهليل على التحميد موافق لقول المحققين منهم.
وأما تقريره تفضيل الذكر بالاسم المفرد على الذكر بلا إله إلا الله فهو مما وافق به الصوفية
(6)
، وخالف فيه أهل السنة والجماعة، ويرد عليه بما يلي:
1 -
أن الذكر بالاسم المفرد غير مشروع أصلًا لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هو مأثور عن أحد من سلف الأمة، وإنما
(1)
انظر: ما ذكره ابن عبد الهادي في مسألة في التوحيد وفضائل لا إله إلا الله (ص 87 - 117).
(2)
التمهيد (6/ 42)، وانظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/ 20).
(3)
انظر: كلمة الإخلاص (ص 62)، وجامع العلوم والحكم (2/ 20).
(4)
هو يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي القرشي العدوي العمري، المقدسي، الشهير بابن المبرد، فقيه حنبلي، من مؤلفاته: التمهيد في الكلام على التوحيد، مسألة في التوحيد وفضل لا إله إلا الله، جمع الجيوش والدساكر في الرد على ابن عساكر، توفي سنة 909 هـ.
انظر: الضوء اللامع (10/ 308)، شذرات الذهب (8/ 43).
(5)
انظر: التمهيد في الكلام على التوحيد (ص 211)، ومسالة في التوحيد (ص 91 - 92).
(6)
انظر: الأنوار القدسية في بيان قواعد الصوفية للشعراني (ص 219)، الدرة الخريدة شرح الياقوتة الفريدة للسوسي (4/ 100).
لهج به قوم من ضلال المتأخرين
(1)
.
2 -
أن الشرع لم يستحب من الذكر إلا ما كان كلامًا تامًا مفيدًا، والذكر بالاسم المفرد لا يعد كلامًا تامًا مفيدًا؛ إذ لا يدل على ذكر أو مدح أو تعظيم ولا يتعلق به إيمان ولا ثواب ولا يدخل به الذاكر عقد الإسلام، وأبعد من ذلك ذكر الاسم المضمر فإنه لا يدل على معين أصلًا، وإنما هو بحسب قصد المتكلم ونيته
(2)
.
3 -
أن القول بتفضيل الذكر بالاسم المفرد على التهليل وتفضيل الذكر بالاسم المضمر على الاسم المفرد جر كثيرًا ممن يقول بذلك إلى القول بأن التهليل هو ذكر العامة، والذكر بالاسم المفرد هو ذكر الخاصة، والذكر بالاسم المضمر هو ذكر خاصة الخاصة
(3)
.
ومعلوم أن التهليل هو ذكر الأنبياء الذين هم خاصة الخاصة بل هو أفضل قولهم؛ لِمَا روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الدعاء دعاء عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"
(4)
.
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (10/ 556، 567)، العبودية لابن تيمية (ص 73 - 82).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (10/ 396 - 397، 556)، الرد على المنطقيين لابن تيمية (ص 35)، طريق الهجرتين لابن القيم (ص 338).
(3)
انظر: الفتاوى (10/ 557)، العبودية (ص 83)، الرد على المنطقيين (ص 35).
(4)
أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات (5/ 541) برقم (3585)، وأحمد (11/ 548) برقم (6911) من طريق محمد بن أبي حميد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
ومحمد بن أبي حميد هو الأنصاري الزرقي الملقب بحماد ضعيف، قال الحافظ في التقريب:(ص 839 ترجمة 5873): "محمد بن أبي حميد إبراهيم الأنصاري، الزرقي، أبو إبراهيم المدني، لقبه حماد، ضعيف، من السابعة".
وقد أعله الترمذي به فقال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه، وحماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد، وهو أبو إبراهيم الأنصاري المدني، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث".
والحديث له شواهد، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 272): "رواه مالك في الموطأ من حديث طلحة بن عبد الله بن كريز بفتح الكاف مرسلًا، وروي عن مالك =
فالقول بأن التهليل هو ذكر العامة طعن في الأنبياء والمرسلين عليه السلام.
كما أن القول بذلك جر بعضهم إلى الوقوع في الأحوال الشيطانية والقول بوحدة الوجود
(1)
وأن كل موجود هو الله - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا -
(2)
.
4 -
أن ما استَدَلَّ به مَنْ فضَّل الذكر بالاسم المفرد والاسم المضمر على التهليل لا يخرج عن أمرين: إما دليل مطعون في ثبوته أو في دلالته، وإما ذوق
(3)
أو وجد لا يعارض بهما الأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على أن أفضل الذكر بعد القرآن التهليل
(4)
.
وما ذكره ابن حجر في تعليل قوله والاستدلال له لا يخرج عن ذلك؛ إذ هو قائم على الذوق والوجد الصوفيين وهما نسبيان فكل إنسان له اعتقاداته وإراداته، وتطلب نفسه تذوقها، والأذواق مختلفة والمواجيد
= موصولًا ذكره البيهقي وضعفه، وكذا ابن عبد البر في التمهيد
…
ورواه العقيلي في الضعفاء من حديث نافع عن ابن عمر بلفظ: "أفضل دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة، لا إله إلا الله" الحديث، وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف جدًّا، قال البخاري: منكر الحديث، ورواه الطبراني في المناسك من حديث علي نحو هذا، وفي إسناده قيس بن الربيع".
وقد حسن الحديث بشواهده الألباني في السلسلة الصحيحة (4/ 6) برقم (1503)؛ فالحديث حسن لغيره.
(1)
وحدة الوجود مذهب فلسفي صوفي يقوم على القول بالاتحاد العام بين الخالق والمخلوق، فوجود المخلوق هو وجود الخالق، بل الخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق، ولا وجود لموجودين خلق أحدهما الآخر، ومن أشهر من قال به: ابن عربي وابن الفارض ومن على منهجهما من أهل الاتحاد.
انظر: الفتاوى (2/ 364 - 365).
(2)
انظر: الفتاوى (10/ 397)، العبودية (ص 81).
(3)
يعرف الصوفية الذوق بقولهم: هو نور عرفاني، يقذفه الحق بتجليه في قلوب أوليائه يفرقون به بين الحق والباطل، من غير أن ينقلوا ذلك من كتاب أو غيره، فهو من ثمرات التجلي ونتائج الكشوفات.
انظر: الرسالة القشيرية (1/ 178)، معجم اصطلاحات الصوفية للكاشاني (ص 181)، الفتوحات المكية لابن عربي (2/ 548)، معجم مصطلحات الصوفية للحنفي (ص 104).
(4)
انظر: الفتاوى (10/ 396)، تطهير الاعتقاد للصنعاني (ص 40)، الدين الخالص (3/ 577).
متباينة، وما كان كذلك فليس حجة في نفسه، فضلًا عن أن يعارض به النصوص الصحيحة الصريحة
(1)
.
وعليه فإن ما علل به ابن حجر قوله لا يرقى لمعارضة النصوص الدالة على تفضيل التهليل على غيره من الأذكار المشروعة فضلًا عن الأذكار البدعية الممنوعة.
* * *
(1)
انظر: الفتاوى (13/ 73)، مدارج السالكين (1/ 495، 496)، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل للمعلمي (2/ 242).