الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القوم ومحاسنهم، من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح.
ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما مَنّ الله به عليهم من الفضائل، علم يقينًا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم صفوة الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله"
(1)
.
ويقول: "وأهل السنة متفقون على عدالة القوم، ثم لهم في التّصويب والتّخطئة مذاهب لأصحابنا وغيرهم:
أحدها: أن المصيب علي فقط.
والثاني: الجميع مصيبون.
والثالث: المصيب واحد لا بعينه.
والرابع: الإمساك عما شجر بينهم مطلقًا.
مع العلم بأن عليًّا وأصحابه هم أولى الطائفتين بالحق
…
"
(2)
.
والذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة أن عليًّا رضي الله عنه هو أولى بالحق في قتاله مع معاوية، وفي قتاله مع عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين -
(3)
.
وبما سبق نقله يتبين موافقة ابن حجر رحمه الله لما عليه أهل السنة والجماعة قاطبة من الإمساك عما شجر بين الصحابة واعتقاد الفضل لجميعهم والحكم باجتهادهم، وموافقته لِمَا عليه جمهورهم من كون علي رضي الله عنه أولى بالحق من فيره.
سابعًا: حكم سب الصحابة:
يرى ابن حجر رحمه الله كفر من طعن في الصحابة أو سبهم إذا كان طعنه أو سبه يخالف دليلًا قطعيًا، وتبديعه وتفسيقه مع عدم ذلك.
(1)
مجموع الفتاوى (3/ 154 - 156).
(2)
المصدر السابق (35/ 51).
(3)
انظر: شرح صحيح مسلم (9/ 39)، مجموع الفتاوى (3/ 407)(4/ 436 - 439)(35/ 51 - 55)، شرح العقيدة الطحاوية (2/ 723 - 724)، فتح الباري (6/ 619)(13/ 67)، لوائح الأنوار (2/ 38 - 39).
يقول رحمه الله: "سب الصحابة والطعن فيهم إن خالف دليلًا قطعيًا كقذف عائشة رضي الله عنها أو إنكار صحبة أبيها كان كفرًا، وان كان بخلاف ذلك كان بدعة وفسقًا"
(1)
.
وقد أكثر - غفر الله له - من النقل عن أهل العلم في تقرير قوله هذا وتأييده
(2)
.
التقويم:
سب الصحابة رضي الله عنهم محرم بدلالة الكتاب والسنة والإجماع
(3)
.
فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12]"وأدنى أحوال الساب لهم أن يكون مغتابًا"
(4)
.
وقوله عز وجل: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} [الهمزة: 1]، "والطاعن عليهم همزة لمزة"
(5)
.
وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب: 58]، "وهم صدور المؤمنين فإنهم هم المواجهون بالخطاب في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} حيث ذكرت"
(6)
.
(1)
الصواعق (2/ 621 - 622)، وانظر: الزواجر (2/ 230 - 234)، تحفة المحتاج (4/ 111)، التعرف (ص 71)، تنبيه الأخيار (ل 22/ ب).
(2)
نقل ابن حجر رحمه الله أقوال أهل العلم في حكم الساب في الأعلام بقواطع الإسلام (ص 257) ولم يعقب عليها بشيء، ونقل عن التقي السبكي في الصواعق (1/ 128 - 151) نقلًا مطولًا استوعب فيه إحدى رسائل السبكي المضمنة فتاواه (2/ 570 - 593) مما أوقع بعض الباحثين في الخطأ بظن الكلام له لطوله.
(3)
انظر: النهي عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب لمحمد بن عبد الواحد المقدسي (ص 25 - 44، 66)، الشفا (2/ 1108 - 1114)، شرح صحيح مسلم (16/ 93)، الصارم المسلول (3/ 1067) وما بعدها، فتاوى السبكنى (2/ 570 - 593)، إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر للسيوطي (ص 63 - 72)، الرد على الرافضة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ضمن مجموع مؤلفاته (11/ 15 - 20)، إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي صلى الله عليه وسلم للشوكاني (ص 50، 69)، صب العذاب على من سب الأصحاب للألوسي (ص 470).
(4)
الصارم المسلول (3/ 1067).
(5)
المصدر السابق (3/ 1067).
(6)
المصدر السابق (3/ 1067).
وقوله جل وعلا: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، وقوله:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].
ومن السُّنّة: قوله صلى الله عليه وسلم: "الا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه"
(1)
.
وأما الإجماع: فقد أجمع أهل العلم على تحريم سبهم والطعن عليهم إجماعًا قطعيًا.
يقول العلامة الألوسي رحمه الله: "حرمة سب الصحابة رضي الله عنهم مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان، أو يتنازع فيه اثنان"
(2)
.
وسب الصحابة رضي الله عنهم ليس على مرتبة واحدة، بل له مراتب متفاوتة، فإن سبهم أنواع، فمنها سب يطعن في عدالتهم، ومنها سب لا يوجب الطعن في عدالتهم، والسب قد يكون لجميعهم أو أكثرهم، وقد يكون لبعضهم، وهذا البعض قد يكون ممن تواترت النصوص بفضله وقد لا يكون كذلك
(3)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من سبهم سبًّا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم - مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك - فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا يحكم بكفره بمجرّد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء.
(1)
أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب لو كنت متخذًا خليلًا (3/ 1130) برقم (3673)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة (4/ 1947) برقم (2540).
(2)
الأجوبة العراقية (ص 49).
(3)
انظر: الشفا (2/ 1108 - 1114)، الصارم المسلول (3/ 1110 - 1111)، إلقام الحجر (ص 67 - 72)، الرد على الرافضة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ضمن مجموع مؤلفاته (11/ 18 - 19)، وللاستزادة: نواقض الإيمان القولية والعملية للدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف (ص 405 - 435).
وأما من لعن وقبَّح مطلقًا فهذا محل الخلاف فيهم، لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرًا قليلًا لا يبلغون بضعة عشر نفسًا، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب في كفره؛ فإنه مكذب لِمَا نصّه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم، والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق
…
"
(1)
.
ويقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "من اعتقد فسقهم أو فسق مجموعهم وارتدادهم وارتداد معظمهم عن الدين، أو اعتقد حقيّة سبهم وإباحته، أو سبهم مع اعتقاد حقية سبهم أو حليّته فقد كفر بالله ورسوله فيما أخبر من فضائلهم وكمالاتهم المستلزمة لبراءتهم عما يوجب الفسق والارتداد وحقية السب أو إباحته، ومن كذبهما فيما ثبت قطعًا صدوره عنهما فقد كفر
…
ومن خص بعضهم بالسب:
فإن كان ممن تواتر النقل في فضله وكماله كالخلفاء فإن اعتقد حقية سبه أو إباحته فقد كفر؛ لتكذيبه ما ثبت قطعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكذبه كافر، وإن سبه من غير اعتقاد حقية سبه أو إباحته فقد تفسق؛ لأن سباب المسلم فسوق، وقد حكم بعض فيمن سب الشيخين بالكفر مطلقًا، والله أعلم.
وإن كان ممن لم يتواتر النقل في فضله وكماله فالظاهر أن سابه فاسق، إلا أن يسبه من حيث صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك كفر"
(2)
.
وعليه فحكم الساب يختلف باختلاف اعتقاده، ومن سبَّه، ومتعلق سبِّه، وكلام ابن حجر رحمه الله المتقدم اقتصر على بعض هذه الاعتبارات.
(1)
الصارم المسلول (3/ 1110 - 1111).
(2)
الرد على الرافضة ضمن مجموع مؤلفاته (11/ 18 - 19).