المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌13 - شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم - آراء ابن حجر الهيتمي الاعتقادية (عرض وتقويم في ضوء عقيدة السلف)

[محمد بن عبد العزيز الشايع]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌الدراسات السّابقة:

- ‌خطة البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌أولًا: فيما يتعلق بجمع المادة العلمية:

- ‌ثانيًا: فيما يتعلق بعرض المسائل ودراستها:

- ‌ثالثًا: فيما يتعلق بكتابة البحث وتوثيقه:

- ‌التمهيد في ترجمة ابن حجر الهيتمي، وبيان مصادره ومنهجه في تقرير العقيدة، وموقفه من شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم

- ‌المبحث الأول ترجمة موجزة لابن حجر الهيتمي

- ‌المطلب الأول عصر ابن حجر سياسيًا، ودينيًا، واجتماعيًا، وعلميًا

- ‌أولًا: الحالة السياسية:

- ‌ثانيًا: الحالة الدينية:

- ‌ثالثًا: الحالة الاجتماعية:

- ‌رابعًا: الحالة العلمية:

- ‌المطلب الثاني حياته الشخصية

- ‌أولً‌‌ا: اسمه، ولقبه، وكنيته:

- ‌ا: اسمه

- ‌ب- لقبه:

- ‌ج- كنيته:

- ‌ثانيً‌‌ا: مولده، ونشأته، ورحلاته:

- ‌ا: مولده

- ‌ب- نشأته:

- ‌ج- رحلاته:

- ‌ثالثًا: وفاته:

- ‌المطلب الثالث حياته العلمية

- ‌أولًا: شيوخه:

- ‌ثانيًا: تلاميذه:

- ‌ثالثًا: مؤلفاته:

- ‌رابعًا: مذهبه العقدي:

- ‌خامسًا: مذهبه الفقهي:

- ‌المبحث الثاني مصادر ابن حجر في تلقي العقيدة، ومنهجه في تقريرها

- ‌أولًا: مصادره في تلقي العقيدة:

- ‌1 - القرآن الكريم:

- ‌2 - السنة النبوية:

- ‌3 - الإجماع:

- ‌4 - العقل:

- ‌ثانيًا: منهجه في تقرير العقيدة:

- ‌1 - معارضته النقل بالعقل، وتقديمه العقل عليه. وحكمه بموجبه:

- ‌2 - إعماله المجاز والتأويل والتفويض في بعض نصوص الكتاب والسنة:

- ‌3 - قصره شمولية بعض النصوص الشرعية، وذلك بتقييده مطلقها وتخصيصه عموماتها دون دليل شرعي:

- ‌4 - استدلاله بالأحاديث الضعيفة في تقرير المسائل العقدية:

- ‌5 - تجويزه الاحتجاج بالحديث الضعيف في المناقب، واستدلاله به فيها:

- ‌6 - حكايته الإجماع على غير وجهه، ودعواه تحققه باتفاق طائفته:

- ‌7 - استعماله المصطلحات البدعية، والألفاظ المجملة:

- ‌8 - اعتماده على غيره في تقريره لبعض المسائل العقدية، وتقليده لهم، دون تحققه من صحة كلامهم:

- ‌9 - تعصبه لمذهبه، وحصره الحق فيه:

- ‌10 - عداؤه الشديد لمن خالفه، وخصومته له، وبخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة - ابن القيم - رحمهما الله - كما سيظهر في المبحث التالي

- ‌المبحث الثالث موقف ابن حجر من شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم

- ‌الباب الأول آراؤه في الإيمان بالله

- ‌تمهيد في تعريف التوحيد وبيان أقسامه

- ‌أولًا: تعريف التوحيد وبيان أقسامه عند أهل السنة والجماعة:

- ‌ثانيًا: تعريف التوحيد وبيان أقسامه عند ابن حجر:

- ‌الفصل الأول آراؤه في توحيد الربوبية

- ‌تمهيد في تعريف توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول معرفة الله تعالى

- ‌أولًا: حكم معرفة الله والطريق إليها:

- ‌التقويم:

- ‌ثانيًا: دلائل معرفة الله تعالى:

- ‌المبحث الثاني الفطرة

- ‌المبحث الثالث حكم إيمان الْمُقَلّد

- ‌الفصل الثاني آراؤه في توحيد الألوهية

- ‌تمهيد في تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وفضلها

- ‌أولًا: معنى لا إله إلا الله:

- ‌ثانيًا: إعراب لا إله إلا الله:

- ‌ثالثًا: فضل لا إله إلا الله:

- ‌المبحث الثاني معنى العبادة، وبيان بعض أنواعها

- ‌أولًا: معنى العبادة:

- ‌ثانيًا: أنواع العبادة:

- ‌ثالثًا: موقفه من صرف العبادة لغير الله:

- ‌المبحث الثالث موقفه مما يُنافي توحيد الألوهية أو يقدح فيه

- ‌1 - الذبح لغير الله أو بغير اسمه:

- ‌2 - النذر لغير الله:

- ‌3 - السحر:

- ‌4 - الأوفاق:

- ‌5 - الكهانة والعرافة وما ألحق بهما:

- ‌6).6 -التنجيم:

- ‌7 - الرمل والخط:

- ‌8 - التمائم:

- ‌9 - الرّقى:

- ‌10 - الطيرة:

- ‌11 - الرياء:

- ‌1).12 -اتخاذ القبور مساجد، والطواف بها، وإسراجها، والبناء فوقها، والكتابة عليها، والقراءة عندها:

- ‌أ- اتخاذ القبور مساجد:

- ‌ب- الطواف بالقبور:

- ‌جـ - اتخاذ السرج على القبور:

- ‌د- البناء على القبور:

- ‌هـ - الكتابة على القبور:

- ‌و- القراءة على القبور:

- ‌13 - شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث آراؤه في توحيد الأسماء والصفات

- ‌أولًا: الاسم والمسمى:

- ‌ثانيًا: أسماء الله هل هي توقيفية أم لا

- ‌ثالثًا: عدد أسماء الله، وتعيين الاسم الأعظم منها:

- ‌رابعًا: شرحه لبعض أسماء الله الحسنى:

- ‌المبحث الثاني آراؤه في صفات الله

- ‌أولًا: آراؤه في الصفات إجمالًا:

- ‌الأول: الرد عليه في قوله بأن ظواهر نصوص الصفات غير مرادة:

- ‌الثاني: الرد عليه في قوله بجواز التفويض والق ويل في نصوص الصفات:

- ‌أولًا: التأويل:

- ‌ثانيًا: التفويض:

- ‌الثالث: الرد عليه في زعمه أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم:

- ‌ثانيًا: آراؤه في الصفات تفصيلًا:

- ‌ آراؤه في الصفات الذاتية:

- ‌1 - صفة العلو:

- ‌2 - صفة اليمين لله تعالى:

- ‌3 - صفة الأصابع:

- ‌4 - صفة النور:

- ‌5 - صفة الصورة لله تعالى:

- ‌ آراؤه في الصفات الفعلية:

- ‌1 - صفة الكلام:

- ‌أولًا: الرد على قوله: إن كلام الله اسم مشترك بين الكلام النفسي القديم واللفظ الحادث:

- ‌ثانيًا: الرد على قوله: إن كلام الله بغير حرف ولا صوت:

- ‌ثالثًا: الرد على قوله: إن المراد بسماع كلام الله خلق فهمه في القلب وسمعه في الآذان، لا سماعه حقيقة:

- ‌2 - صفة النزول:

- ‌النزول صفة فعلية ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع

- ‌3 - صفة القرب:

- ‌4 - صفة المحبة:

- ‌5 - صفة الرحمة:

- ‌6 - صفة الغضب:

- ‌الباب الثاني آراؤه في بقية أركان الإيمان

- ‌الفصل الأول آراؤه في الإيمان بالملائكة

- ‌تمهيد في تعريف الملائكة

- ‌المبحث الأول: معنى الإيمان بالملائكة وما يتضمنه

- ‌أولًا: رأيه في معنى الإيمان بالملائكة:

- ‌ثانيًا: رأيه فيما يتضمنه الإيمان بالملائكة تفصيلًا:

- ‌1 - وجودهم:

- ‌2 - خلقهم:

- ‌3 - عددهم:

- ‌4 - أعمالهم:

- ‌5 - موتهم:

- ‌المبحث الثاني المفاضلة بين الملائكة، والمفاضلة بينهم وبين صالحي البشر

- ‌أولًا: المفاضلة بين الملائكة:

- ‌ثانيًا: المفاضلة بين الملائكة وبين صالحي البشر:

- ‌المبحث الثالث عصمة الملائكة

- ‌الفصل الثاني آراؤه في الإيمان بالكتب

- ‌تمهيد في تعريف الكتب

- ‌المبحث الأول معنى الإيمان بالكتب وما يتضمنه

- ‌المبحث الثاني نزول القرآن ومعناه

- ‌المبحث الثالث إعجاز القرآن

- ‌الفصل الثالث آراؤه في الإيمان بالرسل

- ‌تمهيد في تعريف النبي والرسول، والفرق بينهما

- ‌المبحث الأول آراؤه في الإيمان بالأنبياء والرسل عمومًا

- ‌أولًا: معنى الإيمان بالرسل:

- ‌ثانيًا: المفاضلة بين الأنبياء:

- ‌ثالثًا: رأيه في نبوة من اختلف في نبوته:

- ‌1 - الخضر:

- ‌2 - إخوة يوسف عليه السلام:

- ‌3 - إبراهيم ابن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - لقمان:

- ‌5 - ذو القرنين:

- ‌رابعًا: عصمة الأنبياء:

- ‌المبحث الثاني آراؤه في الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌1 - تعريف المعجزة، وشروطها:

- ‌2 - ذكره لبعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثانيًا: خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌1 - تعريف الخصائص، وأقسامها:

- ‌2 - ما ذكره من خصائصه صلى الله عليه وسلم

- ‌القسم الأول: ما عده من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وهو ثابت:

- ‌القسم الثاني: ما عده من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وهو غير ثابت:

- ‌1 - اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأنه أول النبيين في الخلق والنبوة:

- ‌2 - اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأئه خلق من نور:

- ‌3 - اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأنه المقصود من الخلق، والممد لها، وخليفة الله فيها:

- ‌4 - اختصاصه صلى الله عليه وسلم بإحياء أبويه وإيمانهما به:

- ‌5 - اختصاصه صلى الله عليه وسلم بجواز رؤيته يقظة بعد وفاته:

- ‌ثالثًا: حكم سبه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث آراؤه في كرامات الأولياء

- ‌أولًا: تعريف كرامات الأولياء:

- ‌ثانيًا: الفرق بين الكرامة والمعجزة وخوارق السحر:

- ‌ثالثًا: جواز الكرامة ووقوعها، والرد على من خالف ذلك:

- ‌الفصل الرابع آراؤه في الإيمان باليوم الآخر

- ‌تمهيد في تعريف اليوم الآخر

- ‌المبحث الأول آراؤه في الحياة البرزخية

- ‌أولًا: فتنة القبر:

- ‌1 - عموم فتنة القبر، وبيان من يستثنى منها:

- ‌الأول: من لم يكلف كالأطفال:

- ‌الثاني: الشهيد:

- ‌الثالث: المرابط:

- ‌الرابع: الصّدِّيق:

- ‌الخامس: النبي:

- ‌السادس: المَلَك:

- ‌السابع: من مات ليلة الجمعة أو يومها:

- ‌الثامن: من قرأ سورة الملك كل ليلة:

- ‌التاسع: الكافر:

- ‌2 - اختصاص هذه الأمة بفتنة القبر:

- ‌3 - عدد الملائكة الموكلين بالسؤال، وأسماؤهم، وصفاتهم، ولغتهم:

- ‌ثانيًا: عذاب القبر ونعيمه:

- ‌1 - وجوب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه:

- ‌2 - وقوع عذاب القبر ونعيمه على الروح والجسد:

- ‌ثالثًا: حقيقة الروح:

- ‌المبحث الثاني آراؤه في أشراط الساعة

- ‌أولًا: تعريف أشراط الساعة:

- ‌ثانيًا: أشراط الساعة الصغرى:

- ‌1 - ظهور المهدي:

- ‌2 - خراب الكعبة:

- ‌3 - نفي المدينة شرارها:

- ‌ثالثًا: أشراط الساعة الكبرى:

- ‌1 - خروج الدجال:

- ‌2 - نزول عيسى عليه السلام:

- ‌3).3 -خروج يأجوج ومأجوج:

- ‌4 - طلوع الشمس من مغربها:

- ‌5 - خروج الدابة:

- ‌المبحث الثالث آراؤه في الحياة الآخرة

- ‌أولًا: البعث:

- ‌ثانيًا: الشفاعة:

- ‌ثالثًا: الصراط:

- ‌رابعًا: الميزان:

- ‌خامسًا: الرؤية:

- ‌1 - رؤية الله تعالى في الدنيا:

- ‌2).2 -رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة المعراج:

- ‌3).3 -رؤية الله تعالى في الموقف:

- ‌4 - رؤية الله تعالى في الجنة:

- ‌سادسًا: الجنة والنار:

- ‌1 - خلق الجنة والنار ووجودهما الآن:

- ‌2 - دوام الجنة والنار:

- ‌الفصل الخامس آراؤه في القضاء والقدر

- ‌تمهيد في تعريف القضاء والقدر والفرق بينهما

- ‌المبحث الأول معنى الإيمان بالقضاء والقدر وما يتضمنه

- ‌أولًا: معنى الإيمان بالقضاء والقدر وما يتضمّنه:

- ‌ثانيًا: بيانه لبعض الأمور التي لا تنافي الإيمان بالقضاء والقدر:

- ‌1 - القضاء بالمعاصي:

- ‌الأولى: من حيث الرّضا به:

- ‌الثانية: من حيث الاحتجاج به عليها:

- ‌2 - ردّ القضاء بالدّعاء:

- ‌3).3 -زيادة العمر بالبرّ والصلة:

- ‌المبحث الثاني آراؤه في أفعال العباد، والهدى والضّلال، وتنزيه الله عن الظّلم

- ‌أولًا: أفعال العباد:

- ‌ثانيًا: الهدى والضّلال:

- ‌ثالثًا: تنزيه الله عن الظّلم:

- ‌المبحث الثّالث آراؤه في التّحسين والتّقبيح، والحكمة والتّعليل في أفعال الله، وتكليف ما لا يطاق

- ‌أولًا: التّحسين والتّقبيح:

- ‌ثانيًا: الحكمة والتّعليل في أفعال الله:

- ‌ثالثًا: تكليف ما لا يطاق:

- ‌الباب الثالث آراؤه في الصحابة، والإمامة، ومسائل الأسماء والأحكام

- ‌الفصل الأول آراؤه في الصحابة والإمامة

- ‌المبحث الأول آراؤه في الصحابة

- ‌أولًا: تعريف الصحابة:

- ‌ثانيًا: فضل الصحابة:

- ‌ثالثًا: المفاضلة بين الصحابة:

- ‌رابعًا: المفاضلة بين الصحابة وبين من بعدهم:

- ‌خامسًا: عدالة الصحابة:

- ‌سادسًا: وجوب الإمساك عما شجر بين الصحابة:

- ‌سابعًا: حكم سب الصحابة:

- ‌المبحث الثاني آراؤه في الإمامة

- ‌أولًا: تعريف الإمامة:

- ‌ثانيًا: حكم الإمامة:

- ‌ثالثًا: طرق انعقاد الإمامة:

- ‌رابعًا: الواجب نحو الأئمة:

- ‌1 - النصيحة لهم:

- ‌2 - السمع والطاعة لهم:

- ‌3 - عدم الخروج عليهم:

- ‌خامسًا: إثبات إمامة الخلفاء الراشدين:

- ‌الفصل الثاني آراؤه في مسائل الأسماء والأحكام

- ‌تمهيد في تعريف مسائل الأسماء والأحكام، وبيان أهميتها

- ‌المبحث الأول آراؤه في مسائل الإيمان

- ‌أولًا: تعريف الإيمان:

- ‌ثانيًا: زيادة الإيمان ونقصانه:

- ‌ثالثًا: حكم الاستثناء في الإيمان:

- ‌رابعًا: هل الإيمان مخلوق أم لا

- ‌خامسًا: الفرق بين الإيمان والإسلام:

- ‌سادسًا: تعريف الكبيرة، وحكم مرتكبها:

- ‌1 - تعريف الكبيرة:

- ‌2 - حكم مرتكب الكبيرة:

- ‌المبحث الثاني آراؤه في مسائل الكفر والتكفير

- ‌أولًا: تعريف الكفر:

- ‌ثانيًا: التحذير من التكفير بغير حق، وضرورة الاحتياط في الحكم به:

- ‌ثالثًا: موانع التكفير:

- ‌رابعًا: اعتبار المقاصد في التكفير:

- ‌خامسًا: اعتبار اللازم في التكفير:

- ‌المبحث الثالث آراؤه في مسائل البدعة

- ‌أولًا: تعريف البدعة:

- ‌ثانيًا: أقسام البدعة:

- ‌ثالثًا: حكم البدعة:

- ‌رابعًا: موقفه من بعض البدع المنتشرة في عصره:

- ‌1 - الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌2 - السماع:

- ‌3 - صلاة الرغائب:

- ‌4 - الصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌13 - شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

ينبغي حمل الكراهة في كلامهم على كراهة التحريم لا كراهة التنزيه؛ إذ العلماء المتقدمون كثيرًا ما يطلقون الكراهة ويريدون بها كراهة التحريم هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الآثار التي استدل بها القائلون بجواز ذلك مطلقًا أو جوازه حال الدفن دون ما بعده ضعيفة لا تثبت

(1)

، إضافة إلى كون القراءة على القبور قد توقع في الغلو فيها والشرك بها من دون الله تعالى

(2)

.

وبناء على ما سبق فما ذهب إليه ابن حجر من استحباب القراءة على القبور مخالف لما عليه أئمة المذاهب الأربعة -ومنهم الأمام الشافعي الذي ينتسب إليه ابن حجر ويذهب مذهبه- فإنهم وإن اختلفوا في كراهة القراءة على القبور أو عدمها، إلا أنهم متفقون على عدم استحبابها.

وأما قول ابن حجر ببدعية الاجتماعات الحادثة عند القبور للقراءة والدعاء، ثم زعمه بعد ذلك بأن من تلك الاجتماعات ما هو بدعة حسنة تناقض ظاهر؛ فإن البدع المحدثة في دين الله كله سيئة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"كل بدعة ضلالة"

(3)

، وتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة مسلك بدعي، روج له الصوفية والقبورية لنشر بدعهم بين العامة وصدهم عن السنن -كما سيأتي-

(4)

.

‌13 - شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

-:

يعد ابن حجر -غفر الله له- من حاملي لواء القول باستحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والمنافحين عنه والرادين على من خالفه، وقد صنف في تقرير ذلك مصنفين أحدهما: الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم، والآخر: تحفة الزوار إلى قبر النبي المختار، علاوة على كتبه الأخرى التي عرض فيها لهذه المسألة

(5)

، بل بلغ به الأمر

(1)

انظر: المصادر السابقة.

(2)

انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (9/ 56).

(3)

سبق تخريجه (ص 7).

(4)

انظر: (ص 705).

(5)

انظر: فتح الإله بشرح المشكاة (ص 350)، الإيعاب شرح العباب (3/ 93/ أ)، المنح المكية (3/ 1087)(3/ 1090)، الدر المنضود (ص 126) وما بعدها، حاضية الإيضاح (ص 488، 505، 510)، فتح الجواد (1/ 244)، الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 421)، تحفة=

ص: 221

إلى تضمينها خطبه وحثه الحجاج القادمين إلى مكة عليها، وتحذيرهم من تركها

(1)

، حتى صار من بعده من القبورية عالة عليه في تقريرها

(2)

.

وفيما يلي عرض رأيه في ذلك مع التعقيب عليه بتقويمه:

يرى ابن حجر استحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، و"تأكد مشروعية الزيارة وقربها من درجة الوجوب، وشد الرحل إليها وإلى المسجد النبوي الذي حوى المطلوب"

(3)

.

ويذكر أن العلماء اختلفوا فيها بين الوجوب والندب، وأن "أكثر العلماء من الخلف والسلف على ندبها دون وجوبها، وعلى كلٍ من القولين فهي مع مقدماتها من نحو السفر إليها ولو بقصدها فقط دون أن ينضم لها قصد اعتكاف أو صلاة بمسجده صلى الله عليه وسلم من أهم القربات وأنجح المساعي"

(4)

.

ويقرر أن ذلك مما يدل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، والقياس حيث يقول: "اعلم

أن زيارته صلى الله عليه وسلم مشروعة مطلوبة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة وبالقياس"

(5)

.

ثم يفصل ابن حجر دلالة تلك الأدلة على مشروعية الزيارة وشد الرحال إليها، فيذكر أولًا دلالة الكتاب فيقول:

"أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)} [النساء: 64] دلت على حث الأمة على المجيء إليه صلى الله عليه وسلم، والاستغفار عنده، واستغفاره لهم وهذا لا ينقطع بموته

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ

= المحتاج (1/ 435)(2/ 58)، النخب الجليلة (ص 8).

(1)

انظر: النخب الجليلة في الخطب الجزيلة (ص 8).

(2)

انظر: الدرر السنية في الرد على الوهابية لدحلان (ص 4)، شواهد الحق للنبهاني (ص 58)، نصرة الإمام السبكي برد الصارم المنكي للسمنودي (ص 182)، مفاهيم يجب أن تصحح للمالكي (ص 213)، حقيقة التوسل والوسيلة لموسى محمد علي (ص 182).

(3)

تحفة الزوار (ص 51).

(4)

الجوهر المنظم (ص 8).

(5)

المصدر السابق (ص 6).

ص: 222

فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]

من خرج لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدق عليه أنه خرج مهاجرًا إلى الله ورسوله لما يأتي أن زيارته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كزيارته في حياته، وزيارته في حياته داخلة في الآية الكريمة قطعًا، فكذا بعد وفاته بنص الأحاديث الشريفة الآتية"

(1)

.

ثم يثني ابن حجر بدلالة السنة فيقول: "وأما السنة: فالأحاديث الواردة في الزيارة لقبره صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في السنة الصحيحة المتفق عليها أيضًا الأمر بزيارة القبور، وقبره صلى الله عليه وسلم سيد القبور وهو داخل في عموم ذلك بل أولى"

(2)

(3)

.

ثم يورد دلالة الاجماع فيقول: "وأما إجماع المسلمين فقد نقل جماعة من الأئمة حملة الشرع الشريف الذين عليهم المدار والمعول في نقل الخلاف والإجماع، وإنما الخلاف بينهم في أنها واجبة أو مندوبة

وأكثر العلماء من الخلف والسلف على ندبها دون وجوبها"

(4)

.

ثم يذكر دلالة القياس فيقول: "وأما القياس فقد جاء أيضًا في السنة الصحيحة المتفق عليها الأمر بزيارة القبور، فقبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منها أولى وأحق وأحرى وأعلى بل لا نسبة بينه وبين غيره

"

(5)

.

"وإذا ثبت أن الزيارة قربة، فالسفر إليها كذلك"

(6)

.

ولم يكتفِ ابن حجر -عفا الله عنه- بما أورده من دلالة الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، على نصرة قوله باستحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل استدل أيضًا ببعض الآثار الواردة عن السلف من الصحابة ومن بعدهم مما يظن أنه يؤيد قوله ويقوي مذهبه.

(1)

الجوهر المنظم (ص 6 - 7)، وانظر: تحفة الزوار (ص 54).

(2)

تحفة الزوار (ص 57)، وانظر: الجوهر المنظم (ص 8).

(3)

ساق ابن حجر كثيرًا من هذه الأحاديث في كتابيه الجوهر المنظم (ص 7 - ص 10)، وتحفة الزوار (ص 29) وما بعدها.

(4)

الجوهر المنظم (ص 7 - 8)، وانظر: تحفة الزوار (ص 67، 59، 82)، حاشية الإيضاح (ص 488).

(5)

الجوهر المنظم (ص 7)، وانظر: تحفة الزوار (ص 61).

(6)

تحفة الزوار (ص 67).

ص: 223

فقال: "وكذلك يستدل بفعل بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم-رضي الله عنه فقد ثبت أن بلالًا سافر من الشام إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المشرفة كما رواه ابن عساكر

(1)

بسند جيد"

(2)

، "ومما استفاض عن ابن عبد العزيز

(3)

أنه كان يبرد البريدي أي: يرسل الرسول من الشام، يقول له: سلم لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في صدر من صدر التابعين

"

(4)

.

ويرى ابن حجر أن استحباب شد الرحال لا يختص بقبر النبي صلى الله عليه وسلم بل يشاركه في ذلك قبور الأنبياء والأولياء حيث يقول: "زيارة قبور الأولياء قربة مستحبة، وكذا الرحلة إليها

"

(5)

.

كما يرى أن استحباب الزيارة وشد الرحال إليها لا يختص بالرجال وحدهم بل يشاركهم في ذلك النساء، يقول في ذلك: "ويسن زيارة قبور المسلمين للرجال وتكره لغيرهم إلا مع خشية فتنة فتحرم، نعم يسن لهن حيث لا خشية فتنة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وألحق به ابن الرفعة

(6)

وغيره قبور الأنبياء والأولياء والعلماء"

(7)

.

(1)

هو علي بن الحسن بن هبة الله، أبو القاسم، ثقة الدين، ابن عساكر الدمشقي، أشعري المعتقد، شافعي المذهب، صاحب المصنفات، من مؤلفاته: تاريخ دمشق الكبير، وتبيين كذب المفتري في ما نسب إلى أبي الحسن الأشعري، الإشراف على معرفة الأطراف، توفي سنة 571 هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 554)، شذرات الذهب (4/ 239).

(2)

تحفة الزوار (ص 67).

(3)

هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموي، الخليفة العادل، الزاهد الراشد، كان من الأئمة المجتهدين، والخلفاء المتقين، أقام السنة، ونشر العدل، توفي سنة 101 هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 114)، شذرات الذهب (1/ 119).

(4)

تحفة الزوار (ص. 7).

(5)

الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 421 - 422)، وانظر: الجوهر المنظم (ص 10).

(6)

هو أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع الأنصاري، نجم الدين، أبو العباس، المعروف بابن رفعة، من مؤلفاته: الكفاية شرح التنبيه، والمطلب شرح الوسيط، والنفائس في هدم الكنائس، توفي 710 هـ.

انظر: الدرر الكامنة (1/ 284)، البدر الطالع (1/ 115).

(7)

فتح الجواد (1/ 244)، وانظر: الجوهر المنظم (ص 10).

ص: 224

وينكر ابن حجر على من حرم شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويحذر من الاغترار بقوله، فيقول: "ولا يُغْتَر بإنكار ابن تيمية لسن زيارته صلى الله عليه وسلم فإنه عبد أضله الله كما قال العز بن جماعة وأطال في الرد عليه التقي السبكي في تصنيف مستقل

"

(1)

.

التقويم:

زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إليها "من المسائل التي طالت ذيولها، واشتهرت أصولها، وامتحن بسببها من امتحن"

(2)

.

وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم تارة تكون دون شد الرحال وأخرى مع شدها:

فالأولى: مشروعة عند أهل العلم دون من شذ منهم، وذلك بشرط أن تكون الزيارة زيارة شرعية.

وأما الأخرى -وهي الزيارة مع شد الرحال-:

فهي لا تخلو من ثلاثة أحوال:

1 -

إما أن تكون بقصد المسجد النبوي وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم على السواء.

2 -

وإما أن تكون بقصد المسجد النبوي والصلاة فيه فقط.

3 -

وإما أن تكون بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقط.

فالحالة الأولى والثانية مشروعة، وأما الحالة الثالثة فهي محل النزاع ومدار البحث

(3)

.

وقد اختلف أهل العلم في جوازها على قولين:

الأول: تحريم شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول الجمهور.

والثاني: جواز شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول

(1)

حاشية الإيضاح (ص 489)، وانظر: الجوهر المنظم (ص 21، 13)، الإيعاب (3/ 93/ ب)، فتح الإله بشرح المشكاة (ص 350).

(2)

الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد للشوكاني (ص 83).

(3)

انظر: الرد على الإخنائي (ص 48، 24، 164)، والفتاوى (27/ 342)، والصارم المنكي (ص 18).

ص: 225

بعض أتباع الأئمة الأربعة

(1)

.

وهذان القولان -أعني القول بالتحريم والقول بالجواز- هما القولان المشهوران عن أهل العلم المتقدمين، وأما القول باستحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم-وهو الذي يقرره ابن حجر وينتصر له- فهو قول لم يقل به أحد من العلماء المتقدمين، وإنما قال به بعض المتأخرين

(2)

.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لم يقل أحد من علماء المسلمين إن السفر إلى ذلك واجب، ولا عرف عنهم القول بالاستحباب، بل إن السلف والقدماء على التحريم"

(3)

.

ويقول: "فدعوى من ادعى أن هذا قول الأئمة الأربعة أو جمهور أصحابهم أو جمهور علماء المسلمين فهو كذب بلا ريب وكذلك إن ادعى أن هذا قول عالم معروف من الأئمة المجتهدين، وإن قال إن هذا قول بعض المتأخرين أمكن أن يصدق في ذلك، وهو بعد أن يعرف صحة نقله نقل قولًا شاذًا مخالفًا لإجماع السلف، مخالفًا لنصوص الرسول

"

(4)

.

وعليه فإن القول باستحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول به ابن حجر وينتصر له ويحكي الاجماع عليه- قول باطل لا يصح؛ وذلك لأمرين:

الأول: أن الأدلة الصحيحة جاءت بتحريم ذلك، والتحذير منه، ومنها:

1 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام،

(1)

انظر: شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 224 - 225)، وشرحه على مختصر خليل (3/ 93)، وفتح الباري (3/ 65)، والمغني للموفق بن قدامة (3/ 117)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي (7/ 211)، وكشاف القناع للبهوتي (2/ 150).

(2)

انظر: الرد على الإخنائي (ص 33، 41، 176، 141، 153)، الصارم المنكي (ص 167)، الكشف المبدي للفقيه (ص 180 - 181)، تيسير العزيز الحميد (ص 359)، فتح المجيد (1/ 433)، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (2/ 51 - 52)، النبذة الشريفة النفيسة للشيخ حمد بن معمر (ص 169 - 170).

(3)

الرد على الإخنائي (ص 41).

(4)

الرد على الإخنائي (ص 141)، وانظر:(ص 153، 176، 153).

ص: 226

ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"

(1)

.

ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شد الرحال لغير هذه المساجد الثلاثة بقصد التقرب والعبادة، وإذا كان النهي عن ذلك يتناول المساجد التي هي بيوت الله تعالى وأشرف بقاع الأرض، فكون النهي يتناول القبور والمشاهد من باب أولى

(2)

.

2 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"

(3)

.

ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتخذ قبره عيدًا، والعيد كل ما يعتاد، وشد الرحال لقبره صلى الله عليه وسلم وسيلة لاتخاذه عيدًا، والوسائل لها أحكام المقاصد، ومما يدل على تناوله النهي عن شد الرحال لقبره صلى الله عليه وسلم قوله:"وصلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"

(4)

.

3 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1/ 353) برقم (1189)، ومسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (2/ 1014) برقم (1397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.

(2)

انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 671)، التوضيح عن توحيد الخلاق (ص 248، 250)، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (2/ 39 - 40، 52).

(3)

أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور (2/ 534) برقم (2042)، وأحمد (14/ 403) برقم (8804)، والطبراني في الأوسط (9/ 15 - 16) برقم (8026)، والبيهقي في حياة الأنبياء بعد وفاتهم (ص 95) برقم (14). من طرق عن عبد الله بن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.

والحديث إسناده حسن لأجل عبد الله بن نافع، قال فيه الحافظ في التقريب:(ص 552 ترجمة: 3683): "ثقة، صحيح الكتاب، في حفظه لين"، وبقية رجاله ثقات.

وقد حسن الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على الإخنائي (ص 92 - 93)، والحافظ ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (ص 308)، والحافظ السخاوي في القول البديع (ص 155)، والعلامة الألباني في تحذير الساجد (ص 17).

(4)

انظر: تهذيب سنن أبي داود لابن القيم (2/ 447)، والصارم المنكي (ص 308).

(5)

أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة (1/ 154) برقم (437)، ومسلم، =

ص: 227

ووجه الدلالة أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن الصلاة عليها أو إليها وتحري العبادة عندها -كما سبق-

(1)

وشد الرحال إلى القبور مفضٍ إلى اتخاذها مساجد

(2)

.

4 -

قول أبي هريرة رضي الله عنه: خرجت إلى الطور، فلقيت كعب الأحبار

فذكر حديثًا طويلًا، وفيه: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تُعمل المطي إلا لثلاتة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، والى مسجد إيلياء أو بيت المقدس"

(3)

.

= كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (1/ 376) برقم (530) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.

(1)

انظر: (ص 185).

(2)

انظر: تحذير الساجد (ص 21).

(3)

أخرجه الترمذي في أبواب الجمعة، باب الساعة التي ترجى في يوم الجمعة (1/ 501 - 502) برقم (491) مختصرًا دون ذكر الشاهد وأشار إليه بقوله:(وفي الحديث قصة طويلة". وأخرجه النسائي، كتاب الجمعة، باب ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة (13/ 113 - 114) برقم (1430)، ومالك في الموطأ، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة (1/ 164 - 166) برقم (290)، والحميدي في مسنده (2/ 421). برقم (944)، وأحمد في مسنده (39/ 267) برقم (23848)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 294)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 247) برقم (1001)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 54) برقم (581، 590)، وابن حبان (7/ 7) برقم (2779)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 136 - 137) برقم (1210). من طرق عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 123 - 124)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 294 - 295)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 249) برقم (1002)، وأبو يعلى في المسند (11/ 435) برقم (6558)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 55، 56) برقم (582، 584. 585)، والطبراني في الكبير (2/ 276) برقم (2157)(2158)(2159)، وفي الأوسط (1/ 471) برقم (857) من طرق عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.

وأخرجه الطيالسي (2/ 685) برقم (1445)، وأحمد (39/ 270) برقم (23850)، =

ص: 228

ووجه الدلالة منه أن الصحابي الذي روى الحديث قد فهم أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء داخلة في عموم النهي، وأنه لا يجوز السفر إليها، وقد أقره أبو هريرة على فهمه فلم ينكر عليه ذلك.

5 -

إجماع المتقدمين من أهل العلم على أن السفر إلى غير المساجد الثلاثة كزيارة القبور ليس مستحبًا ولا قربة ولا طاعة، وإن اختلفوا هل هو جائز أم لا، فالقول باستحباب ذلك خرق لإجماعهم، وخروج عن قولهم

(1)

.

الثاني: ضعف الأدلة التي استدل بها القائلون بالاستحباب -والتي ذكر بعضها ابن حجر- وإمكان الإجابة عنها، وفيما يلي مناقشة الأدلة التي ساقها ابن حجر لتدعيم قوله وتأييد مذهبه:

أما استدلاله بدلالة الكتاب، فقد ذكر عليها دليلين:

1 -

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].

ووجه الدلالة عنده -كما سبق- أن الآية دلت على الحث على المجيء إليه صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لمن جاء إليه، وأن هذا لا ينقطع بموته.

فالجواب عنه: أن الآية ليس فيها دلالة على ما ذكره، بل إن الآية تدل على نقيض قوله.

= والطبراني في الكبير (2/ 277) برقم (2160) من طرق عن عبد الملك بن عمير، عن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أبي بصرة رضي الله عنه بنحوه.

وأخرجه أحمد (45/ 206) برقم (27230)، والطبراني في الكبير (2/ 277) برقم (2161) من طريق مرثد بن عبد الله اليزني، عن أبي بصرة رضي الله عنه بنحوه.

والحديث صحيح، وقد صححه جمع من أهل العلم، منهم الإمام الترمذي حيث قال بعد إخراجه له مختصرًا:"وهذا حديث صحيح"، كما صححه الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ 449)، والعلامة الألباني في إرواء الغليل (3/ 228).

(1)

انظر: الرد على الإخنائي (ص 13، 48، 173).

ص: 229

يقول العلامة ابن عبد الهادي

(1)

رحمه الله: "فأما استدلاله بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الآية فالكلام فيها في مقامين:

أحدهما: عدم دلالتها على مطلوبه.

والثاني: بيان دلالتها على نقيضه.

وإنما يتبين الأمران بفهم الآية، وما أريد بها وسيقت له، وما فهمه منها أعلم الأمة بالقرآن ومعانيه، وهم سلف الأمة ومن سلك سبيلهم، ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم

وهذه هي عادة الصحابة معه صلى الله عليه وسلم

فلما استأثر الله بنبيه صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول: يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت، أفترى عطل الصحابة والتابعون وهم خير القرون على الإطلاق هذا الواجب؟

وكيف أغفل هذا الأمر أئمة الإسلام وهداة الأنام

فلم يدعوا إليه، ولم يحضّوا عليه، ولم يرشدوا إليه، ولم يفعله أحد منهم البتة

وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأوله المعترض تأويل باطل قطعًا ولو كان حقًّا لسبقونا إليه علمًا وعملًا وإرشادًا ونصيحةً، ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو في سنة لم يكن على عهد السلف.

وأما دلالة الآية على خلاف تأويله فهو أنه سبحانه صدرها بقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: 64]، وهذا يدل على أن مجيئهم إليه ليستغفر لهم إذ ظلموا أنفسهم طاعة له

ولم يقل مسلم إن على من ظلم نفسه بعد موته أن يذهب إلى قبره ويسأله أن يستغفر له، ولو كان هذا طاعة له لكان خير القرون قد عصوا هذه الطاعة وعطّلوها وَوُفِّق

(1)

هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة، أبو عبد الله، سلفي المعتقد، من أعلام المحدثين، وأحد تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية، من مؤلفاته: الصارم المنكي في الرد على السبكي، المحرر في الأحكام، توفي سنة 744 هـ.

انظر: الدرر الكامنة (3/ 331)، شذرات الذهب (6/ 141).

ص: 230

لها هؤلاء الغلاة العصاة"

(1)

.

2 -

قوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100].

ووجه الدلالة عنده -كما سبق- أن من خرج لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدق عليه أنه خرج مهاجرًا إلى الله ورسوله، وزيارته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كزيارته في حياته، وزيارته في حياته داخلة في الآية الكريمة قطعًا، فكذلك بعد وفاته.

والجواب عنه: أن الاستدلال بالآية على القول باستحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم "مردود من وجوه:

أ- أن الآية واردة في الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام، يدل عليه سياق الآية وسباقها

ويدل عليه أيضًا شأن نزولها

ويدل عليه أيضًا معنى الهجرة

فلا بد في معنى الهجرة من أمرين، الأول:

الخروج من أرض إلى أرض، والثاني: ترك الأولى للثانية، والخروج لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته يتحقق فيه الأمر الأول لا الثاني.

ب- أن مثل من يستدل بهذه الآية على كون الزيارة قربة كمثل من يستدل على كون الزيارة قربة بجميع الآيات والأحاديث التي ورد فيها ذكر الهجرة

مع أن أحدًا من أهل العلم والدين لم يستدل بهذه الأحاديث والآيات على كون الزيارة قربة.

ج- أنه لو سُلِّم دخول زيارته صلى الله عليه وسلم في الآية الكريمة في الحياة، فلا نسلم دخول زيارته صلى الله عليه وسلم بعد الممات فيها، والأحاديث الدالة على أن زيارته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كزيارته في حياته لم يثبت واحد منها"

(2)

.

وأما استدلاله بدلالة السنة، فقد ذكر منها دليلين إجماليين، وأفاض في ذكر الأدلة التفصيلية التي يرجع حاصلها إلى ما ذكر من الدليلين

(1)

الصارم المنكي (ص 317 - 318)، وانظر: صيانة الإنسان للهسواني (ص 23 - 41)، والكشف المبدي للفقيه (ص 125 - 134)، وأوضح الإشارة للنجمي (ص 494).

(2)

صيانة الإنسان (ص 42) وما بعدها.

ص: 231

الاجماليين، ولذا ساوردهما وأكتفي بالإجابة عنهما عن الإطالة بمناقشة الأدلة التفصيلية.

1 -

الأحاديث الواردة في فضل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم:

وقد ذكر ابن حجر نحوًا من خمسة عشر حديثًا منها -مستدلًا بها على قوله باستحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

والجواب عنها بطريقين:

الطريق الأول: طريق مجمل: وذلك بأن يقال إن هذه الأحاديث كلها لا تصلح للاحتجاج، ولا تقوم بها الحجة لأمرين:

أ- أن الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها موضوعة أو ضعيفة لا يصح منها شيء

(2)

.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أحاديث زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كلها ضعيفة، لا يعتمد على شيء منها في الدين؛ ولهذا لم يروِ أهل الصحاح والسنة منها شيئًا، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني

(3)

والبزار

(4)

وغيرهما"

(5)

.

(1)

انظر: الجوهر المنظم (ص 7 - 10)، وتحفة الزوار (ص 29) وما بعدها.

(2)

ممن نص على ذلك من أهل العلم: شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على الإخنائي (ص 189)، والحافظ ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (ص 29)، والشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد (ص 361)، والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد (1/ 436)، والشيخ حمد بن معمر في النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين (ص 170) وحكاه عن جمع من أهل العلم، ومن المعاصرين الشيخ حماد الأنصاري في كشف الستر (ص 6 - 7)، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الضعيفة (حديث رقم 47)، والشيخ بكر أبو زيد في التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث (ص 131).

(3)

هو علي بن عمر الدارقطني، أبو الحسن، الإمام الحافظ، المقرئ المحدث، له تصانيف عديدة منها: السنن، والصفات، والرؤية، توفي سنة 385 هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 449)، شذرات الذهب (3/ 116).

(4)

هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد بن عبيد الله، أبو بكر، العتكي البصري المعروف بالبزار، الإمام الحافظ، من مؤلفاته: البحر الزخار المعروف بالمسند، وكتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب الأشربة وتحريم المسكر، توفي سنة 292 هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 554)، شذرات الذهب (2/ 209).

(5)

قاعدة جليلة في التوسل (ص 133)، وانظر: الرد على الإخنائي (ص 87).

ص: 232

ب- أن الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم على فرض صحتها إنما تدل على مطلق الزيارة التي بدون سفر ومن غير شد للرحال، وحينئذٍ فهي لا تدل على ما استدل عليه ابن حجر من القول باستحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي خارجة عن محل النزاع أصلًا

(1)

.

الطريق الثاني: طريق مفصل: وذلك بتتبع هذه الأحاديث والكلام على كل واحد منها بما يناسبه من حيث الرواية والدراية، وقد قام بذلك جمع من أهل العلم في القديم والحديث، وصنفوا في ذلك مصنفات خاصة بما يغني عن الإطالة في الجواب عما ذكره ابن حجر منها

(2)

.

2 -

الأحاديث الواردة في الأمر بزيارة القبور، ويدخل فيها دخولًا أوليًا قبره صلى الله عليه وسلم، إذ هو سيد القبور وأشرفها.

والجواب عنها: بأن يقال إن هذه الأحاديث لا تدل على ما ذهب إليه ابن حجر من القول باستحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأمرين:

أ- أن هذه الأحاديث إنما تدل على الأمر بمطلق الزيارة التي بدون سفر ومن غير شد للرحال، فهي خارجة عن محل النزاع أيضًا

(3)

.

ب- أن هذه الأحاديث جاءت بالأمر بمطلق الزيارة فهي أحاديث عامة تخصصها الأحاديث الأخرى كالأحاديث الواردة في النهي عن زيارة النساء للقبور، والنهي عن زيارة القبور لمن ينوح عندها أو يقول هجرًا، أو يتعبد عندها ويتخذها مساجد، كذلك تخصصها الأحاديث الواردة في النهي عن شد الرحال للقبور

(4)

.

(1)

انظر: الرد على الإخنائي (ص 86).

(2)

ممن تتبع هذه الأحاديث بالتخريج والدراسة في القديم الحافظ ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (ص 20) وما بعدها، وفي الحديث الشيخ حماد والأنصاري في كشف الستر عما ورد في السفر إلى القبر، والشيخ صالح بن حامد الرفاعي في الأحاديث الواردة فضائل المدينة (ص 583) وما بعدها، والشيخ أحمد النجمي في أوضح الإشارة (ص 225) وما بعدها، والشيخ عمرو عبد المنعم في هدم المنارة (ص 229)، وما بعدها.

(3)

انظر: الرد على الإخنائي (ص 86).

(4)

انظر: المصدر السابق (ص 77).

ص: 233

وأما استدلاله بدلالة الاجماع، وزعمه أن جماعة من الأئمة قد نقلوا الاجماع على مشروعية شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الخلاف بينهم إنما هو في كون ذلك واجبًا أو مندوبًا.

فالجواب عنه من وجهين:

1 -

أن المقصود بقول من قال باستحباب السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم أو حكى الإجماع على ذلك من المتقدمين هو استحباب السفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه ويتبع ذلك زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ومما يدل على ذلك أن لفظ إتيان القبر، وزيارته، والسفر إليه، يتناول من يقصد المسجد، ومن لم يقصد إلا القبر، فالأول مشروع والثاني ممنوع؛ فوجب حمل الكلام على المعنى المشروع، خاصة مع كونه هو المعنى المعروف الشائع بينهم

(1)

.

2 -

أن المتقدمين من علماء السلف مجمعون على أن السفر لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليس بقربة ولا طاعة وإن اختلفوا هل هو حرام أم جائز فلم يقل أحد منهم بالاستحباب -كما سبق- فابن حجر ومن وافقه على القول باستحباب شد الرحال خرقوا إجماع الطائفتين، ولم يكتفوا بذلك بل ادعوا أن هذا الخرق للإجماع إجماع

(2)

! !

وأما استدلاله بدلالة القياس على ما جاء في السنة الصحيحة المتفق عليها من الأمر بزيارة القبور، وكون قبر نبينا صلى الله عليه وسلم منها، وأنه أولى وأحق وأعلى.

فالجواب عنه: أن هذا استدلال بالسنة لا بالقياس

(3)

، ولهذا فما قيل في الجواب عن الاستدلال بالأحاديث الواردة في الأمر بزيارة القبور يقال هنا؛ إذ الجواب عنهما واحد.

وأما قوله بان الزيارة إذا ثبت كونها قربة، فالسفر إليها كذلك.

فالجواب عنه من وجهين:

1 -

"أنه ليس كل ما كان جائزًا أو مستحبًا أو واجبًا جاز التوسل إليه

(1)

انظر: الرد على الإخنائي (ص 135)، والصارم المنكي (ص 343).

(2)

انظر: الرد على الإخنائي (ص 140).

(3)

انظر: صيانة الإنسان (ص 48)، الكشف المبدي (ص 152).

ص: 234

بكل طريق

بل لو توسل الإنسان إلى الطاعة بما حرمه الله لم يجز ذلك

وكون الرحلة إلى القربة قد تكون معصية محرمة كثير في الشريعة، كالرحلة للصلاة والاعتكاف والقراءة والذكر في غير المساجد الثلاثة، وكما لو رحلت المرأة إلى أمر غير واجب بغير إذن الزوج كحج التطوع، وكذلك العبد لو رحل إلى الحج بغير إذن سيده، وكذلك المرأة إذا رحلت بغير زوج ولا ذي محرم لزيارة غير واجبة، ففي مواضع كثيرة يكون العمل طاعة إذا أمكن بلا سفر، ومع السفر لا يجوز.

فإن قيل: ما رحل إليه هؤلاء المنهيون عن السفر ليس بقربة في حقهم، قيل له: ومن رحل لزيارة القبور لم يكن ما رحل إليه قربة في حقه"

(1)

.

2 -

أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ليست متوقفة على السفر لمجرد الزيارة، "لجواز أن يسافر لزيارة المسجد النبوي أو لأمر آخر من التجارة وغيرها، ثم بعد وصوله المدينة الطيبة يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فحينئذٍ تكون الزيارة متوقفة على مطلق السفر لا على سفر الزيارة، فيكون مطلق السفو قربة لا سفر الزيارة"

(2)

.

وأما استدلاله بفعل بلال رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز رحمه الله فهو متعقب بكونه لم يصح عنهما، وبيان ذلك كما يلي:

1 -

أن قصة بلال رضي الله عنه قد أخرجها الحاكم أبو أحمد محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري

(3)

في الجزء الخامس من فوائده

(4)

، ومن

(1)

الرد على الإخنائي (ص 177) وما بعدها.

(2)

صيانة الإنسان (ص 73)، وانظر:(ص 71 - 73)، والكشف المبدي (ص 174) وما بعدها.

(3)

هو محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي، المحدث الحافظ، من مؤلفاته: الأسامي والكنى، والفوائد وغيرها، توفي سنة 378 هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 370)، شذرات الذهب (3/ 93).

(4)

كتاب الفوائد للحاكم مفقود، وقد أشار الحاكم نفسه إلى روايته لهذا الأثر في كتابه الأسامي والكنى دون أن يخرجه فيه بسنده حيث قال في ترجمة أبي إسحاق إبراهيم بن=

ص: 235

طريقه ابن عساكر

(1)

والذهبي

(2)

عن محمد بن الفيض، عن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن أبي الدرداء، عن أبيه، عن جده سليمان، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنه.

والقصة بهذا الإسناد لا تصح.

يقول الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله: "هو أثر غريب منكر، وإسناده مجهول، وفيه انقطاع، وقد تفرد به محمد بن الفيض الغساني عن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال عن أبيه عن جده.

وإبراهيم بن محمد هذا شيخ لا يعرف

بل هو مجهول

ولم يرو عنه غير محمد بن الفيض، روى عنه هذا الأثر المنكر

ومحمد بن سليمان بن بلال -والد إبراهيم- شيخ قليل الحديث، لم يشتهر من حاله ما يوجب قبول أخباره

وأما سليمان بن بلال فإنه رجل غير معروف، بل هو مجهول الحال، قليل الرواية لم يشتهر بحمل العلم ونقله، ولم يوثقه أحد فيما علمناه

والحاصل أن مثل هذا الإسناد لا يصح الاعتماد عليه، ولا يرجع عند التنازع إليه"

(3)

.

وممن حكم بوضع القصة ونكارتها الحافظ الذهبي

(4)

، والحافظ ابن حجر العسقلاني

(5)

، والحافظ السيوطي

(6)

، والعلامة ابن عراق الكناني

(7)

(8)

= محمد بن سليمان (1/ 174): "كناه لنا أبو الحسين محمد بن الفيض الغساني الدمشقي وأخبرنا عنه بحديث"، كما أخرجه من طريق الحاكم ابن عساكر والذهبي وعزاه إليه ابن عبد الهادي -كما سيأتي-.

(1)

تاريخ دمشق (97/ 7).

(2)

سير أعلام النبلاء (1/ 357 - 358).

(3)

الصارم المنكي (ص 237 - 241).

(4)

انظر: سير أعلام النبلاء (1/ 358).

(5)

انظر: لسان الميزان (1/ 107 - 108).

(6)

انظر: ذيل الموضوعات (ص 104).

(7)

هو علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق الكناني، نور الدين، فقيه محدث، من مؤلفاته: تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، ونشر اللطائف في قطر الطائف، توفي سنة 963 هـ.

انظر: الكواكب السائرة (2/ 197)، شذرات الذهب (8/ 337).

(8)

انظر: تنزيه الشريعة المرفوعة (2/ 118).

ص: 236

والعلامة علي القاري

(1)

.

وأما ما زعمه ابن حجر من أن ابن عساكر قد رواها بسند جيد، فهو مما تابع فيه السبكي

(2)

، وقد قال ابن عبد الهادي في الرد عليه:"قوله إسناده جيد خطأ منه"

(3)

.

2 -

أما قصة عمر بن عبد العزيز رحمه الله فيجاب عنها بجوابين:

أ- أن هذه القصة قد رويت عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله على وجهين:

الأول: أنه كان يوجه بالبريد قاصدًا لمدينة ليقرئ النبي صلى الله عليه وسلم السلام:

وقد أخرج القصة على هذا الوجه البيهقي

(4)

من طريق عبد الله بن يوسف الأصفهاني، عن إبراهيم بن فراس، عن محمد بن صالح الرازي، عن زياد بن يحيى، عن حاتم بن وردان، قال:"كان عمر بن عبد العزيز يوجه بالبريد قاصدًا إلى المدينة ليقرئ عنه النبي صلى الله عليه وسلم السلام"

(5)

.

والقصة بهذا الإسناد لا تصح، يقول الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله: "إن ما نقل عن عمر بن عبد العزيز من إبراده البريد من الشام قاصدًا إلى المدينة لمجرد الزيارة، ليس بصحيح عنه؛ بل في إسناده ضعف وانقطاع

حاتم بن وردان

لم يلق عمر بن عبد العزيز ولم يدركه فروايته عنه مرسلة غير متصلة"

(6)

.

والثاني: أنه كان يرسل السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض من قدم عليه من المدينة إذا أراد الرجوع إليها:

(1)

انظر: المصنوع في معرفة الحديث الموضوع (ص 257 - 258).

(2)

انظر: شفاء السقام في زيارة خير الأنام له (ص 57 - 58).

(3)

الصارم المنكي (ص 237).

(4)

هو أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي، من فضلاء الأشاعرة ومتقدميهم، وأكابر الشافعية ومقدميهم، من مؤلفاته: الأسماء والصفات، ودلائل النبوة، والبعث والنشور، توفي سنة 458 هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 163)، شذرات الذهب (3/ 304).

(5)

شعب الإيمان، إتيان المدينة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 100) رقم (3869).

(6)

الصارم المنكي (ص 244 - 246).

ص: 237

وقد أخرج القصة على هذا الوجه البيهقي أيضًا من طريق أبي سعيد بن أبي عمرو، عن أبي عبد الله الصفار، عن ابن أبي الدنيا، عن إسحاق بن أبي حاتم المدائني، عن ابن أبي فديك، عن رباح بن بشير، عن يزيد بن أبي سعيد قال:"قدمت على عمر بن عبد العزيز إذ كان خليفة بالشام، فلما ودعته قال: إن لي إليك حاجة إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام"

(1)

.

قال العلامة ابن عبد الهادي رحمه الله: "هذا أجود ما روي عن عمر بن عبد العزيز في هذا الباب مع أن في ثبوته نظرًا، فإن رباح بن بشير شيخ مجهول لم يرو عنه غير ابن أبي فديك.

ولو فرض أنه شيخ معروف ثقة، فليس في روايته ذكر إبراد البريد لمجرد الزيارة، وإنما فيها إرسال السلام مع بعض من قدم على عمر من أهل المدينة

ويزيد بن أبي سعيد قصد الرجوع إلى بلده المدينة، وانضم إلى ذلك قصد آخر، وليس هذا محل النزاع، وإنما الخلاف في شد الرحال وإعمال المطي إلى مجرد زيارة القبور"

(2)

.

ب- "أنه لو ثبت عن عمر بن العزيز رحمه الله أنه كان يبرد البريد من الشام قاصدًا إلى المدينة لمجرد الزيارة والسلام، كان في فعله ذلك من جملة المجتهدين، ومن المعلوم أنه رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين ومن كبار الأئمة المجتهدين؛ فإذا قال قولًا باجتهاده وفعل فعلًا برأيه فإن قام دليله وظهرت حجته تعمين المصير إليه والاعتماد عليه، وإلا فهو ممن يحتج لقوله، ويستدل لفعله"

(3)

.

وبعد هذا العرض والمناقشة يتبين أن القول الصحيح هو تحريم شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وخطأ ابن حجر -غفر الله له- في قوله باستحباب ذلك وضعف أدلته التي ساقها للاستدلال له.

وأما ما زعمه من أن استحباب شد الرحال لا يختص بقبره صلى الله عليه وسلم بل

(1)

شعب الإيمان، إتيان المدينة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 100 - 101) رقم (3870).

(2)

الصارم المنكي (ص 245).

(3)

المصدر السابق (ص 246).

ص: 238

يشاركه في ذلك قبور الأنبياء والأولياء، فيرد عليه بنظير قوله في الاستحباب وهو أنه إذا بطل استحباب شد الرحال لقبره صلى الله عليه وسلم فقبر غيره من باب أولى؛ "إذ قبر نبينا منها أولى وأحق وأعلى، بل لا نسبة بينه وبين غيره".

وكذا قوله بأن استحباب الزيارة وشد الرحال إليها لا يختص بالرجال وحدهم بل يشاركهم في ذلك النساء.

فيجاب عنه: بأن أهل العلم استحبوا زيارة القبور للرجال، بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك

(1)

، وأما النساء فقد اختلفوا في مشروعية الزيارة في حقهن على أقوال، والقول الصحيح -والله أعلم- هو القول بتحريم زيارة القبور لهن

(2)

، ويدخل في ذلك قبره صلى الله عليه وسلم، إذ لا وجه لتخصيص النهي عن ذلك بغير قبره صلى الله عليه وسلم لعموم الأدلة وعدم وجود المخصص

(3)

.

وأما شد الرحال إلى القبور فقد تقدم أن القول الصحيح الذي تعضده الأدلة ولا تدل على سواه هو تحريم شد الرحال إلى القبور وهذا الحكم عام في حق الرجال والنساء.

وما حكاه ابن حجر -عفا الله عنه- عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وشنع به عليه من القول بتحريم الزيارة وإنكارها مطلقًا، مردود بكون شيخ الإسلام لم ينكر استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من غير شد رحل، بل أنكر الزيارة مع شد الرحال وفرق بين الأمرين، ثم هو في قوله هذا متبع لقول الجمهور وأهل العلم المتقدمين -كما سبق- فالإنكار عليه إنكار عليهم، والتشنيع عليه تشنيع عليهم

(4)

.

(1)

قال النووي في المجموع (5/ 310): "وهو قول العلماء كافة، نقل العبدري فيه إجماع المسلمين"، وتعقبه ابن حجر في الفتح (3/ 148) بثبوت القول بكراهة الزيارة مطلقًا عن بعض التابعين.

(2)

انظر: حاشية ابن عابدين (2/ 242)، والمجموع للنووي (5/ 281 - 282)، والمغني لابن قدامة (3/ 523 - 524).

(3)

انظر: مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/ 239 - 245)(6/ 129 - 130)، وجزء زيارة النساء للقبور للشيخ بكر أبو زيد (ص 11 - 13).

(4)

انظر: الصارم المنكي (ص 18)، جلاء العينين للألوسي (ص 577)، شفاء الصدور للكرمي (ص 167 - 168)، الكشف المبدي (ص 118 - 119).

ص: 239

والذي أوقع ابن حجر في فهمه الخاطئ لكلام شيخ الإسلام في ذلك، هو تقليده لغيره ومتابعته له على قوله، ومنهم العز بن جماعة وأبو الحسن السبكي اللذين استدل بقولهما وأشاد بهما.

يقول العلامة مرعي الحنبلي

(1)

رحمه الله: "ومن العجب أن ابن تيمية - رحمه الله تعالى- قائل بزيارة القبور حتى قبور الكفار

وكتبه في الفقه ومناسكه في الحج مصرحة بذلك

(2)

، ومع هذا فتجد كثيرًا من المتعصبين وممن يستحل الوقعية في أئمة الدين ينقلون عنه القول بتحريم زيارة قبور الأنبياء والصالحين، إما جهلًا أو بغضًا وعنادًا ممن شاع عنه ذلك في الأصل ثم قلده في ذلك من لا يحتاط لدينه ونسي قوله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يفضحنا يوم تبلى السرائر، وأن يجعلنا من المتأدبين مع الأئمة الأكابر"

(3)

.

الثاني: ما ينافي توحيد الألوهية أو يقدح فيه من الأقوال:

1 -

الحلف بغير الله:

يرى ابن حجر -عفا الله عنه- كراهة الحلف بغير الله إذا كان الحالف لا يعتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله، فإن كان يعتقد في المحلوف به ذلك فإن الحلف به يكون حينئذ كفرًا مخرجًا من الملة.

يقول في ذلك: "يكره الحلف بغير أسماء الله تعالى وصفاته كالنبي صلى الله عليه وسلم

(1)

هو مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر بن يوسف بن أحمد الكرمي المقدسي، من فقهاء الحنابلة المتأخرين، له تصانيف منها: أقاويل الثقات في تاويل الأسماء والصفات، وتحقيق البرهان في إثبات حقيقة الميزان، ودليل الطالب لنيل المطالب، توفي سنة 1033 هـ.

انظر: خلاصة الأثر (4/ 358)، الأعلام (7/ 203).

(2)

انظر: منسك شيخ الإسلام ضمن مجموعة الرسائل الكبرى (2/ 375)، ومجموع الفتاوى (26/ 98).

(3)

شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور (ص 167 - 168)، وانظر: جلاء العينين للألوسي (ص 577 - 599)، والكشف المبدي للفقيه (ص 62، 134، 194)، وأوضح الإشارة للنجمي (406)، وللاستزادة: دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام عرض ونقد د. عبد الله الغصن (ص 323) وما بعدها.

ص: 240

والملائكة والكعبة والحياة، وكذا الأمانة بل هي من أشدها كراهة

فالحلف بذلك كله مكروه بأي صفة كان، لا حرامٌ، ومحله إن لم يعتقد في المحلوف به أن يعظم بالحلف به كما يعظم الله فإن اعتقد ذلك كفر"

(1)

.

ويرى أن الأحاديث الدالة على أن الحلف بغير الله شرك أو كفر محمولة على من اعتقد التعظيم للمحلوف به كما يعتقد لله تعالى، يقول في ذلك: "أئمتنا

أطلقوا أن الحلف بغير الله مكروه، نعم إن اعتقد له من العظمة بالحلف به ما يعتقده لله كان الحلف حينئذ كفرًا وهو محمل حديث ابن عمر

(2)

والأحاديث"

(3)

.

ويبين ابن حجر أن النهي عن الحلف بغير الله عام في جميع صوره، ومنها الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول في الرد على من استثنى ذلك من عموم النهي:"نهى صلى الله عليه وسلم الناس عن الحلف به وبغيره من الخلق على حدٍّ واحد، فتحريم بعض الصور فقط تحكم"

(4)

.

ويرى ابن حجر أن مما يلحق بالحلف بغير الله قول بعض المجازفين: إن فعلت كذا فأنا كافر أو بريء من الإسلام أو النبي، حيث عد من

(1)

الفتاوى الحديثية (ص 190 - 191)، وانظر: تنبيه الأخيار (ل 19/ ب)، تحفة المحتاج (4/ 289)، فتح الجواد (2/ 372).

(2)

يشير إلى حديث ابن عمر "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"، والحديث أخرجه أبو داود كتاب الأيمان والنذور باب في كراهية الحلف بالآباء (3/ 570) برقم (3251)، والترمذي كتاب الأيمان والنذور باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله (4/ 93) برقم (1535)، والطيالسي (3/ 412) برقم (2208)، وأحمد (10/ 249) برقم (6072)، والطحاوي في المشكل (2/ 297) برقم (826)، وابن حبان (10/ 199) برقم (4358)، والحاكم (1/ 18)(4/ 297)، والبيهقي في الكبرى (10/ 29)، كلهم من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

قال الترمذي: "حديث حسن".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.

(3)

الزواجر (2/ 184)، وانظر: تحفة المحتاج (4/ 289)، وفتح الجواد (2/ 372).

(4)

تنبيه الأخيار (ل 19/ ب).

ص: 241

الكبائر: "الحلف بالأمانة أو بالصنم مثلًا، وقول بعض المجازفين: إن فعلت كذا فأنا كافر أو بريء من الإسلام أو النبي"

(1)

.

وقال في بيان حكم ذلك: "ويحرم إن فعل كذا فهو يهودي ونحوه، إن قصد تبعيد نفسه أو أطلق، وتلزمه التوبة، ويسن له أن يتشهد"

(2)

.

التقويم:

الحلف بالله تعالى تعظيم له سبحانه، والعدول بالحلف به إلى الحلف بغيره عدوان على مقام الرب عز وجل وتنقص لكماله؛ ولهذا وردت النصوص بالنهي عن الحلف بغير الله تعالى والتحذير من ذلك، وتسميته شوكًا وكفرًا، ومنها:

قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت"

(3)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله"

(4)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"

(5)

.

وعليه فإن الحلف بغير الله محرم، وصاحبه دائر بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر؛ وبيان ذلك أنه إن اعتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله كان حلفه كفرًا أكبر وشركًا أكبر يخرج به من الملة، وإن لم يعتقد ذلك في المحلوف به كان حلفه كفرًا أصغر وشركًا أصغر لا يخرجه عن الملة، وإن

(1)

الزواجر (2/ 184).

(2)

فتح الجواد (2/ 372)، وانظر: الزواجر (2/ 184).

(3)

أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم (4/ 2076) برقم (6646)، ومسلم، في كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله (3/ 1267) برقم (1646) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما به.

(4)

أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت (4/ 2077) برقم (6650)، ومسلم، كتاب الإيمان من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله (3/ 1267 - 1268) برقم (1647) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.

(5)

سبق تخريجه (ص 241).

ص: 242

كان قد أتى ذنبًا عظيمًا

(1)

.

يقول الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: "أجمع العلماء على أن اليمين لا تكون إلا بالله أو بصفاته، وأجمعوا على المنع من الحلف بغيره"

(2)

.

وبناء على ما سبق فإن ما ذهب إليه ابن حجر من كراهة الحلف بغير الله متعقب بما يلي:

أ- أن ظاهر النصوص من الأحاديث والآثار الواردة في النهي عن الحلف بغير الله تدل على أن النهي فيها للتحريم، خاصة مع كونه الأصل في النواهي ما لم يأت صارف يصرفها عن ذلك، ولا صارف هنا عن التحريم، فبقي الأمر على الأصل

(3)

.

ب- أن الحلف بغير الله يتضمن مضاهاة غير الله بالله، فإن العلماء متفقون على أن الحكمة من النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، وأن العظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده

(4)

، وإذا كان الأمر كذلك فلا يصح أن يقال بكراهة الحلف بغير الله، بل القول الصحيح تحريم ذلك.

جـ- أن ابن حجر قرر أن الحالف بغير الله إذا اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله كفر كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، وكان حلفه كذلك؛ وعليه فيمكن القول بأن الحلف بغير الله إذا كان محتملًا لهذا الاعتقاد الباطل، فكيف يقال فيما هو مضاه له وشيبه به ووسيلة إليه إنه مكروه كراهة تنزيه، فإن الشرع قد جاء بتحريم كل قول أو فعل يوقع في الشرك أو يكون سببًا له، والوسائل لها أحكام المقاصد.

(1)

انظر: مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/ 37)، تيسير العزيز الحميد (ص 593)، فتح المجيد (2/ 691)، النبذة الشريفة النفيسة للشيخ حمد بن معمر (ص 60 - 61)، القول المفيد لابن عثيمين (3/ 219).

(2)

تيسير العزيز الحميد (ص 590)، وانظر: التمهيد (14/ 366، 367)، والفتاوى (1/ 290، 335)، والاستغاثة لشيخ الإسلام (1/ 364، 365).

(3)

انظر: منهاج التأسيس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (ص 105)(ص 306).

(4)

انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (1/ 168)(11/ 105)، فتح الباري (11/ 531).

ص: 243

ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد، وقد حكى إجماع الصحابة على ذلك، وقيل: هي مكروهة كراهة تنزيه، والأول أصح قال عبد الله بن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أن أحلف بغير الله صادقًا"

(1)

؛ لأن الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم من الكذب"

(2)

.

وأما ما قرره ابن حجر من كون النهي عن الحلف بغير الله عامًا يشمل كل محلوف به سواه سبحانه ومنه الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو مما وافق فيه عامة أهل العلم من السلف والخلف

(3)

.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "الصواب الذي عليه عامة علماء المسلمين سلفهم وخلفهم، أنه لا يحلف بمخلوق ولا نبي ولا غير نبي ولا ملك من الملائكة، ولا ملك من الملوك، ولا شيخ من الشيوخ، والنهي عن ذلك نهي تحريم عند أكثرهم كمذهب أبي حنيفة وغيره وهو أحد القولين في مذهب أحمد"

(4)

.

وأما قول ابن حجر عن الحلف بغير ملة الإسلام كقول بعض المجازفين أنا يهودي أو نصراني إن فعلت كذا بأنه محرم وكبيرة عظيمة يجب التوبة منها والإقلاع عنها فهو محل إجماع أهل العلم من المذاهب

(1)

أخرجه عبد الرزاق (8/ 469) برقم (15929)، والطبراني في الكبير (9/ 183) برقم (8902) من طريق مسعد بن كدام، عن وبرة بن عبد الرحمن قال: قال ابن مسعود

فذكره.

قال الهيثمي في المجمع (4/ 177): "رواته رواة الصحيح".

وأخرجه ابن أبي شيبة (ص 18 - 19 في الجزء المفقود من المصنف) عن وكيع بن مسفر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن أبي وبرة عن ابن مسعود رضي الله عنه به.

والأثر صححه الألباني في إرواء الغليل (8/ 191).

(2)

الفتاوى (1/ 204).

(3)

انظر: تفسير القرطبي (6/ 270 - 271)، وأضواء البيان للشنقيطي (2/ 123).

(4)

الفتاوى (27/ 349).

ص: 244

الفقهية المشهورة

(1)

.

يقول العلامة النووي رحمه الله: "يحرم أن يقول إن فعلت كذا أنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام ونحو ذلك، فإن قاله وأراد حقيقة تعليق خروجه عن الإسلام بذلك صار كافرًا في الحال وجرت عليه أحكام المرتدين، وإن لم يرد ذلك لم يكفر لكن ارتكب محرمًا فيجب عليه التوبة

ويقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله"

(2)

.

2 -

سب الدهر:

يرى ابن حجر رحمه الله النهي عن سب الدهر، وأن حكمه يختلف باختلاف حال الساب، حيث عده من الكبائر فقال في تعداده لها: "سب الدهر من عالم

"

(3)

يعني بالنهي الوارد عن ذلك.

ثم أورد الأحاديث الدالة على النهي عن سب الدهر، وأعقبها بقوله:"عدّ هذا هو ظاهر الأحاديث ببادئ الرأي لا سيما قوله تعالى: "ويشتمني عبدي"

(4)

، فعد تعالى سب الدهر شتمًا له أي: يؤدي إليه وهو كفر، وما أدى إلى الكفر أدنى مراتبه أن يكون كبيرة، لكن كلام أئمتنا يأبى ذلك ويصرح بأن ذلك مكروه لا حرام فضلًا عن كونه كبيرة.

والذي يتجه في ذلك التفصيل وهو أن من سب الدهر:

إن أراد به الزمن فلا كلام في الكراهة.

(1)

انظر: بدائع الصنائع (3/ 8)، حاشية ابن عابدين (3/ 55)، الحاوي الكبير للماوردي (15/ 263)، المقدمات الممهدات (2/ 31)، نهاية المحتاج (8/ 169)، الإنصاف للمرداوي (11/ 31، 33)، زاد المعاد لابن القيم (2/ 470).

(2)

الأذكار (ص 319).

(3)

الزواجر (1/ 113).

(4)

يشير إلى الحديث القدسي: "استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني عبدي وهو لا يدري، يقول: وا دهراه وا دهراه وأنا الدهر".

والحديث أخرجه أحمد (16/ 340) برقم (10578)، وابن خزيمة (4/ 113) برقم (2479)، والحاكم (1/ 418)، من طرق عن يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ولم يتعقبه الذهبي بشيء.

ص: 245

أو الله تعالى فلا كلام في الكفر.

وإن أطلق فهذا محل التردد لاحتماله الكفر وغيره، وظاهر كلام أئمتنا الكراهة هنا أيضًا لأن المتبادر منه الزمن وإطلاقه على الله تعالى بطريق التجوز"

(1)

.

التقويم:

سب الدهر مما جاءت الأحاديث بالنهي عنه، وتكاثرت في التحذير منه، وهو مما ينافي التوحيد ويقدح فيه، لأنه في حقيقته سب لله تعالى إذ هو خالق الدهر والمتصرف فيه بما يشاء

(2)

.

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله مبينًا مفاسد سب الدهر:

"في هذا ثلاث مفاسد عظيمة:

إحداها: سبه من ليس بأهل أن يسب فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله منقاد لأمره، مذلل لتسخيره، فسابه أولى بالذم والسب منه.

الثانية: أن سبه متضمن للشرك، فإنه إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع، وأنه مع ذلك ظالم قد ضر من لا يستحق الضرر، وأعطى من لا يستحق العطاء

وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة، وأشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سبه كثيرة جدًّا، وكثير من الجهال يصرح بلعنه وتقبيحه.

الثالثة: أن السب منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال التي لو اتبع الحق فيها أهواءَهم لفسدت السماوات والأرض، وإذا وقعت أهواؤهم حمدوا الدهر وأثنوا عليه

"

(3)

.

وعليه فسب الدهر إيذاء لله، وشعار لأهل الجاهلية يجب التنزه عنه والتحذير منه.

(1)

الزواجر (1/ 113)، وانظر: حاشية الإيضاح (ص 5)، وتنبيه الأخيار (ل 15/ أ).

(2)

انظر: التمهيد لابن عبد البر (18/ 154 - 157)، شرح السنة للبغوي (12/ 357) شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 15)، مجموع الفتاوى (2/ 491 - 495)، فتح الباري (8/ 575)، غذاء الألباب للسفاريني (2/ 559 - 562)، تيسير العزيز الحميد (ص 608 - 609)، فتح المجيد (2/ 706 - 708).

(3)

زاد المعاد (2/ 354 - 355).

ص: 246

وأما حكمه فيختلف باختلاف مقصد قائله:

فإن سب الدهر قاصدًا ما يقصده أهل الجاهلية من تأثيره وفعله من دون الله كما قال تعالى عنهم: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]. فهذا شرك أكبر.

وإن سبه مع خلو قصده مما تقدم كأن يجري سب الدهر على لسانه دون اعتقاد لفاعلية الدهر وتأثيره فهذا شرك أصغر؛ ووجهه أن ألفاظ سب الدهر فيها منازعة لله في ربوبيته فصارت شركًا من هذا لوجه، إضافة إلى كونها ذريعة إلى الشرك الأكبر

(1)

.

وبناء على ما سبق فما قرره ابن حجر من التفصيل في حكم من سب الدهر على الوجه الذي ذكره، وقوله بكراهة ذلك إن أراد به سب الزمن، وتردده في الحكم عليه إن أطلق ولم يعين مراده باطل لوجوه، منها:

1 -

أن النهي عن سب الدهر يقتضي التحريم مطلقًا لا الكراهة، إذ الأصل في النهي التحريم، فالعدول عنه إلى الكراهة يحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على ذلك، فيبقى النهي على أصله.

2 -

أن سب الدهر إيذاء لله تعالى وشتم له سبحانه، وقد توعد الله من آذاه بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} [الأحزاب: 57]، وجعل نسبة الولد إليه شتمًا له سبحانه كما في الحديث القدسي:"شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له، أما شتمه فقوله: إن لي ولدًا، وأما تكذيبه فقوله ليس يعيدني كما بدأني"

(2)

.

وإذا كان الأمر كذلك فلا يصح أن يقال فيما هو أذية لله وقرين لنسبة الولد إليه في الشتم إنه مكروه أو أن يتردد في حكمه.

3 -

أن سب الدهر دائر بين أمرين لا ثالث لهما وهما سب الله تعالى أو الشرك به، وكلاهما موجب للتحريم لا الكراهة.

(1)

انظر: زاد المعاد (2/ 355)، وتيسير العزيز الحميد (ص 609).

(2)

أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} برقم (3193) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.

ص: 247

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "ساب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما، إما سبه لله تعالى أو الشرك به، فإنه إذا اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك وهو يسب من فعله فقد سب الله"

(1)

.

3 -

الاستسقاء بالأنواء:

يرى ابن حجر رحمه الله أن الاستسقاء بالأنواء وقول القائل: مطرنا بنوء كذا يحرم تارة ويجوز أخرى، وذلك بحسب اعتقاد قائل ذلك، ومراده بقوله، يقول في تقرير ذلك:

"من قال ذلك معتقدًا لتأثير الكوكب وحده أو مع الله تعالى كافر، وهذا مما لا خلاف فيه.

ومن قاله معتقدًا أن الكوكب جعله الله علامة على كذا بحسب ما استقر في العادة فليس بحرام.

وعلى هذا نص الشافعي رضي الله عنه فقال: إذا قال: مطرنا بنوء كذا يريد وقت كذا فهو كقوله: مطرنا في شهر كذا، وهذا لا يكون كفرًا من مسلم ولا حرامًا بخلاف قول أهل الشرك، لأنهم يعتقدون التأثير له

"

(2)

.

التقويم:

الاستسقاء بالأنواء يراد به إضافة المطر لها، ونسبة مجيئه إليها

(3)

.

والأنواء: جمع نوء، والنوء النجم

(4)

.

(1)

زاد المعاد (2/ 355).

(2)

الفتاوى الحديثية (ص 371)، وانظر: الزواجر (1/ 158 - 159)، تنبيه الأخيار (ل 19/ أ).

(3)

انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 321)، غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 440)، التمهيد لابن عبد البر (16/ 287)، شرح السنة للبغوي (4/ 420)، النهاية لابن الأثير (5/ 122)، تيسير العزيز الحميد (ص 451)، فتح المجيد (2/ 535).

(4)

انظر: تهذيب اللغة (4/ 3472)، معجم مقاييس اللغة (ص 1002)، الصحاح (1/ 79)، لسان العرب، القاموس المحيط (ص 69).

ص: 248

وقول القائل: مطرنا بنوء كلذا لا يخرج عن حاليق:

أحدهما: أن يعتقد أن المنزل هو النجم وحده، أو أنه شريك لله تعالى في ذلك فهذا كفر أكبر بالاتفاق.

وثانيهما: أن يعتقد أن المنزل هو الله وحده، وأن النجم سبب لذلك، أو علامة جعلها الله عليه، فهذا مما اختلف أهل العلم في حكمه

(1)

.

يقول الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: "الاستسقاء بالنجوم نوعان:

أحدهما: أن يعتقد أن المنزل للمطر هو النجم، فهذا كفر ظاهر؛ إذ لا خالق إلا الله، وما كان المشركون هكذا، بل كانوا يعلمون أن الله هو المنزل للمطر، كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 63] وليس هذا معنى الحديث

(2)

، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذا لا يزال في أمته، ومن اعتقد أن النجم ينزل المطر، فهو كافر.

الثاني: أن ينسب المطر إلى النجم، مع اعتقاده أن الله تعالى هو الفاعل لذلك المنزل له، إلا أنه سبحانه وتعالى أجرى العادة بوجود المطر عند ظهور ذلك النجم، فحكى ابن مفلح

(3)

خلافًا في مذهب أحمد في تحريمه وكراهته، وصرح أصحاب الشافعي بجوازه.

والصحيح أنه محرم، لأنه من الشرك الخفي، وهو الذي أراده

(1)

انظر: الأم للشافعي (1/ 252)، التمهيد (16/ 286)، شرح السنة للبغوي (4/ 421)، المنتقى للباجي (1/ 334 - 335)، شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 60)، والأذكار له أيضًا (ص 318)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (17/ 229)، فتح الباري (2/ 608)، تيسير العزيز الحميد (ص 454)، فتح المجيد (2/ 539)، القول المفيد لابن عثيمين (2/ 115).

(2)

يشير إلى حديث أبي مالك الأشعري وفيه: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن وذكر منها الاستسقاء بالنجوم"، والحديث أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة (2/ 644) برقم (934).

(3)

هو محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الراميني ثم الصالحي، أحد أعلام الحنابلة في وقته، وتلاميذ شيخ الإسلام ابن ثيمية، من مؤلفاته: الفروع، والآداب الشرعية، وأصول الفقه وغيرها، توفي سنة (763 هـ).

انظر: الدرر الكامنة (4/ 161)، شذرات الذهب (6/ 199).

ص: 249

النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر أنه من أمر الجاهلية، ونفاه، وأبطله، وهو الذي كان يزعم المشركون، ولم يزل موجودًا في هذه الأمة إلى اليوم، وأيضًا فإن هذا من النبي صلى الله عليه وسلم حماية لجناب التوحيد، وسدٌّ لذرائع الشرك

"

(1)

.

وعليه فما ذهب إليه ابن حجر من تحريم قول مطرنا بنوء كذا في حق من اعتقد تأثير الكواكب والنجوم وكفر قائله موافق لإجماع أهل العلم.

وأما قوله بجواز ذلك في حق من اعتقد تسبب الكواكب أو كونها علامة على ذلك، فهو وإن كان قولًا لبعض الشافعية إلا أن الصحيح خلافه لِمَا سبق.

وقول الشافعي رحمه الله الذي أورده ابن حجر للدلالة على ما ذهب إليه يختص بمن قال مطرنا بنوء كذا وأراد في وقت كذا دون من قال ذلك يريد تسبب النجم في المطر أو كونه علامة عليه، وفرق بين الأمرين. على أنه قد نص غير واحد على تحريم هذا اللفظ مطلقًا سدًا للذريعة وحماية لجناب التوحيد.

4 -

إطلاق لفظ: عبدي وأمتي:

يرى ابن حجر رحمه الله كراهة قول السيد لعبده وأمته عبدي وأمتي حيث يقول: "روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي"

(2)

، وفي رواية لمسلم:"لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي"

(3)

.

(1)

تيسير العزيز الحميد (ص 454، 455)، وانظر: كلام ابن مفلح الذي أشار إليه في المبدع (2/ 212).

(2)

أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي وأمتي (2/ 768) برقم (2552)، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب، باب حكم إطلاق لفظ العبد والأمة والمولى والسيد (4/ 1764) برقم (2249) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.

(3)

أخرجه مسلم، كتاب الألفاظ من الأدب، باب حكم إطلاق لفظ العبد والأمة والمولى والسيد (4/ 1764) برقم (2249).

ص: 250

ويؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في هذه: "كلكم عبيد الله" الإيماء إلى علة كراهة عبدي وأمتي بأنه موهم وجود حقيقة العبودية والأمتِّية لغير الله، وهو كذب بل كفر صريح فنهى عن ذلك اللفظ الموهم لذلك، وإن كان غير مراد بخلاف الفتاتية والغلامية والجارية، لا يوهم ذلك الإيهام ولا قريبًا منه فلا يكره"

(1)

.

التقويم:

قول السيد لعبده وأمته عبدي وأمتي من الألفاظ المنهي عنها وإن كانت تطلق لغة؛ لِمَا فيها من إيهام العبودية لغير الله، فالنهي عنها جاء تحقيقًا للتوحيد وبعدًا عن الشرك

(2)

.

والنهي عن قول السيد لعبده وأمته عبدي وأمتي نهي تنزيه لا تحريم باتفاق أهل العلم.

يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني شارحًا ترجمة البخاري في صحيحه: "باب كراهية التطاول على الرقيق، وقوله: عبدي وأمتي، وقول الله تعالى:{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}

(3)

[النور: 32].

"قوله: عبدي أو أمتي، أي: وكراهية ذلك من غير تحريم، ولذلك استشهد للجواز بقوله تعالى:{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وبغيرها من الآيات والأحاديث الدالة على الجواز، ثم أردفها بالحديث الوارد في النهي عن ذلك، واتفق العلماء على أن النهي الوارد في ذلك للتنزيه، حتى أهل الظاهر

"

(4)

.

وعليه فما قرره ابن حجر رحمه الله من كراهة تلفظ السيد بقوله عبدي وأمتي موافق لاتفاق أهل العلم.

(1)

الفتاوى الحديثية (ص 185 - 186)، وانظر: تنبيه الأخيار (ل 19/ أ).

(2)

انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (15/ 7)، والأذكار له (ص 322)، زاد المعاد (2/ 470)، فتح الباري (5/ 211)، تيسير العزيز الحميد (ص 655)، فتح المجيد (2/ 755)، القول المفيد لابن عثيمين (3/ 97 - 98).

(3)

صحيح البخاري (2/ 767).

(4)

فتح الباري (5/ 211).

ص: 251

5 -

التسمي بملك الأملاك وما في معناه:

يرى ابن حجر رحمه الله تحريم التسمي بملك الأملاك، وشاهن شاه، وحاكم الحكام، وقاضي القضاة. وأن ذلك كبيرة من كبائر الذنوب. حيث عد من الكبائر:"التسمية بملك الأملاك"

(1)

وأورد الأدلة على ذلك، ثم عقب عليها بقوله:

"عد ما ذكر [يعني: من الكبائر]

ظاهر، قال أئمتنا: وتحرم التسمية بكل من ملك الأملاك، وشاهِن شاه إذ هو بمعناه؛ وذلك أنه لا يوصف بذلك غير الله عز وجل.

وألحق بذلك بعض أئمتنا حاكم الحكام، وقاضي القضاة

"

(2)

.

التقويم:

لما كان الله سبحانه هو مالك الملك، ولا ملك أعظم وأكبر منه، كان إطلاق هذا الاسم على غيره لا يجوز؛ حفظًا للتوحيد ودفعًا لوسائل الشرك

(3)

، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخنع

(4)

اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك"

(5)

.

وقد نص غير واحد من أهل العلم على أنه يلحق بملك الأملاك ما في معناه كشاهن شاه، وسلطان السلاطين، وأحكم الحاكمين. واختلفوا في التسمي بقاضي القضاة وحاكم الحكام هل يلحقان بذلك أم لا؟

(1)

الزواجر (1/ 212).

(2)

المصدر السابق (1/ 212)، وانظر: تنبيه الأخيار (ل 18/ أ).

(3)

انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (14/ 122)، تهذيب السنن لابن القيم (7/ 258)، زاد المعاد (2/ 340)، تحفة المودود (ص 130)، فتح الباري (10/ 590)، تيسير العزيز الحميد (ص 612)، فتح المجيد (2/ 711)، القول المفيد (3/ 3).

(4)

أخنع أي: أوضع أو أذل، والخانع: الذليل الخاضع، والمعنى: أشد الأسماء ذلًا وأوضعها عند الله.

انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (2/ 18)، والنهاية (2/ 84).

(5)

أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله (4/ 1951) برقم (6205)، ومسلم، كتاب الأدب، باب تحريم التسمي بملك الأملاك (3/ 1688) برقم (2143).

ص: 252

والراجح -والله أعلم- أنهما يلحقان بذلك لكون علة النهي متحققة فيهما كما هي متحققة في ملك الملوك وشاهن شاه وسلطان السلاطين

(1)

.

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "ومن المحرم التسمية بملك الملوك، وسلطان السلاطين، وشاهن شاه

وقال بعض العلماء: وفي معنى ذلك كراهية التسمية بقاضي القضاة، وحاكم الحكام؛ فإن حاكم الحكام في الحقيقة هو الله

"

(2)

.

وبناء على ما سبق فما ذهب إليه ابن حجر رحمه الله من تحريم التسمي بملك الأملاك وما في معناه موافق لِمَا عليه أهل العلم من أهل السنة والجماعة.

6 -

التوسل:

يرى ابن حجر- غفر الله له- استحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: "التوسل به صلى الله عليه وسلم

حسن في كل حال قبل خلقه، وبعد خلقه في الدنيا والآخرة

"

(3)

.

ويبين مراده بالتوسل به صلى الله عليه وسلم المستحب فيقول: "معنى التوسل به صلى الله عليه وسلم طلب الدعاء منه"

(4)

، أو الدعاء بحقه "والمراد بحقه رتبته ومنزلته إليه، أو الحق الذي جعله الله سبحانه وتعالي له على الخلق، أو الحق الذي جعله الله بفضله له عليه"

(5)

.

ويرى أن "السؤال به صلى الله عليه وسلم ليس سؤالًا له حتى يوجب اشتراكًا وإنما هو سؤال الله بمن له عنده قدر عليّ ومرتبة رفيعة وجاه عظيم فمن كرامته على ربه أن لا يخيب السائل به والمتوسل بجاهه"

(6)

.

(1)

انظر: زاد المعاد (2/ 340)، تحفة المودود (ص 130)، فتح الباري (10/ 591)، تيسير العزيز الحميد (ص 613 - 614).

(2)

تحفة المودود (ص 130).

(3)

الجوهر المنظم (ص 61)، وانظر: تحفة الزوار (ص 87) وما بعدها، وحاشية الإيضاح (ص 499)، فتح الإله بشرح المشكاة (ص 363).

(4)

الجوهر المنظم (ص 62)، وانظر: حاشية الإيضاح (ص 500).

(5)

الجوهر المنظم (ص 61).

(6)

المصدر السابق (ص 61).

ص: 253

ويقرر أن التوسل به مشروع في كل أحواله صلى الله عليه وسلم سواء كان ذلك قبل خلقه، أو بعد خلقه في الدنيا أو الآخرة، ويسوق الأدلة على ذلك فيقول:

"مما يدل لطلب التوسل به قبل خلقه

ما أخرجه الحاكم

(1)

وصححه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لَمّا اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما غفرت لي، فقال الله: يا آدم كيف عرفت محمدًا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لَمّا خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبًا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليّ، إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك

"

(2)

.

"وفي حياته: ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه

أن رجلًا ضريرًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير لك، قال: فادعه، وفي رواية: ليس لي قائد وقد شق عليّ، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي اللهم شفّعه فيّ.

وصححه البيهقي وزاد: فقام وقد أبصر.

وفي رواية: اللهم شفّعه فيّ وشفعني في نفسي"

(3)

.

"ومما يستدل به على التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في توسله بالاستسقاء بعم النبي صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب، وكان يقول:

(1)

هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي، أبو عبد الله، المعروف بابن البَيِّع الحاكم النيسابوري، إمام محدث، من مؤلفاته: المستدرك على الصحيحين، والمدخل إلى الصحيح، ومعرفة علوم الحديث، توفي سنة (405 هـ).

انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 162)، شذرات الذهب (3/ 176).

(2)

الجوهر المنظم (ص 61)، وانظر: تحفة الزوار (ص 89)، وحاشية الإيضاح (ص 500).

(3)

الجوهر المنظم (ص 61)، وانظر: تحفة الزوار (ص 98)، وحاشية الإيضاح (ص 500).

ص: 254

اللهم إنّا كنّا إذا قحطنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا هانا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون

وهذا أوفى دليل في هذا المعنى لأن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم إنا كنا إذا قحطنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، دليل ظاهر على أنه في حياته، وهو ما نحن فيه"

(1)

.

"وبعد وفاته

استعمل السلف هذا الدعاء [يعني: الدعاء الوارد في حديث الضرير السابق] في حاجاتهم بعد موته، وقد علّمه عثمان بن حنيف الصحابي راويه لمن كان له حاجة عند عثمان بن عفان زمن إمارته بعده صلى الله عليه وسلم وعسر عليه قضاؤها منه، وفعله فقضاها منه، رواه الطبراني

(2)

والبيهقي.

وروى الطبراني بسند جيد أنه صلى الله عليه وسلم ذكر في دعائه: بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي"

(3)

.

"وقد صح في حديث طويل أن الناس أصابهم قحط في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه صلى الله عليه وسلم في النوم فأخبره أنهم يسقون فكان كذلك.

وفيه: ائت عمر فاقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون، وقل له: عليك الكيس الكيس، أي: الرفق

فأتاه فأخبره فبكى، ثم قال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه.

وفي رواية: أن رائي المنام بلال بن الحارث المزني الصحابي رضي الله عنه.

فعلم أنه صلى الله عليه وسلم يطلب منه الدعاء بحصول الحاجات كما في حياته

(1)

تحفة الزوار (ص 107).

(2)

هو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني، أبو القاسم، من حفاظ الحديث المكثرين من التصنيف فيه، من مصنفاته: ص المعاجم الثلاثة الكبير والأوسط والصغير، توفي سنة (360 هـ).

انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 119)، شذرات الذهب (3/ 30).

(3)

انظر: الجوهر المنظم (ص 61)، وانظر: تحفة الزوار (108)، حاشية الإيضاح (ص 500).

ص: 255

وأنه صلى الله عليه وسلم يتوسل به في كل خير قبل بروزه لهذا العالم وبعده في حياته وبعد وفاته وكذا في عرصات القيامة فيشفع إلى ربه، وهذا مما قام الإجماع عليه، وتواترت به الأخبار"

(1)

(2)

.

وابن حجر حينما يقرر استحباب التوسل لا يرى ذلك مقتصرًا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل يشمل ذلك التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين، يقول في ذلك: "ولا فرق بين ذكر التوسل

به صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء وكذا الأولياء

وذلك:

لأنه ورد جواز التوسل بالأعمال كما في حديث الغار الصحيح مع كونها أعراضًا فالذوات الفاضلة أولى.

ولأن عمر بن الخطاب توسل بالعباس رضي الله عنهما في الاستسقاء ولم ينكر عليه"

(3)

.

وقد شنع ابن حجر- عفا الله عنه- على شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريمه التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

"من خرافات ابن تيمية التي لم يقلها عالم قبله، وصار بها بين أهل الإسلام مثلة، أنه أنكر الاستغاثة والتوسل به صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك كما أفتى، بل التوسل به حسن في كل حال

فقول ابن تيمية ليس له أصل من افترائه"

(4)

.

التقويم:

التوسل: طلب الوسيلة، والوسيلة، القربة والشفاعة، يقال: وَسلَ وتَوَسلَ إلى الله تَوسُّلًا؛ إذا عمل عملًا تقرب به إليه.

(1)

انظر: الجوهر المنظم (ص 62، 63)، وانظر: تحفة الزوار (ص 111)، وما بعدها.

(2)

توسع ابن حجر في ذكر الأدلة التي استدل بها على استحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في أحواله كلها في كتابه تحفة الزوار إلا أن كلامه فيه كان نقلًا عن السبكي ولهذا اعتمدت على الأدلة التي ساقها من نفسه في كتابه الجوهر المنظم مع الإشارة إلى مواضعها من تحفة الزوار.

(3)

انظر: الجوهر المنظم (ص 1 - 62).

(4)

انظر: المصدر السابق (ص 61).

ص: 256

فالتوسل في اللغة: التقرب

(1)

.

وهو في الشرع: التقرب إلى الله تعالى بوسيلة

(2)

.

وهو قسمان:

الأول: توسل مشروع: وهو التقرب إلى الله تعالى بوسيلة مشروعة، وهو ثلاثة أنواع:

1 -

التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته.

2 -

التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة.

3 -

التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من الصالحين الأحياء.

والثاني: توسل ممنوع: وهو التقرب إلى الله تعالى بوسيلة ممنوعة، وهو أربعة أنواع:

1 -

التوسل إلى الله تعالى بسؤال الأموات ودعائهم.

2 -

التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من الأموات.

3 -

التوسل إلى الله تعالى بذوات المخلوقين.

4 -

التوسل إلى الله تعالى بجاه المخلوقين أو حقهم

(3)

.

وهي مترددة بين الشرك والبدعة فالتوسل بسؤالهم ودعائهم وطلب الدعاء منهم بعد وفاتهم شرك أكبر، والتوسل بذواتهم أو جاههم أو حقهم بدعة منكرة

(4)

.

(1)

انظر: تهذيب اللغة (4/ 3892)، معجم مقاييس اللغة (ص 1091)، الصحاح (5/ 1841)، لسان العرب (11/ 724)، القاموس المحيط (1389).

(2)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية (ص 79)، والتوصل إلى حقيقة التوسل لمحمد نسيب الرفاعي (ص 20)، والتوسل أنواعه وأحكامه للألباني (ص 13).

(3)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 17)، قاعدة في الوسيلة لابن تيمية (ص 79)، كشف ما ألقاه إبليس لعبد الرحمن بن حسن (ص 295، 296)، النبذة الشريفة لابن معمر (ص 94)، صيانة الإنسان (ص 197)، التوصل (ص 22)، التوسل للألباني (ص 31)، التوسل لابن عثيمين (ص 13).

(4)

انظر: المصادر السابقة.

ص: 257

إذا تقرر ذلك فالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لفظ مجمل مشترك ترد عليه الأنواع المشروعة والممنوعة حسب مورد التوسل به واعتباراته وبكون حكمه تابعًا لحكمها.

فإن أريد به التوسل بالإيمان به ومحبته، أو التوسل بطلب الدعاء منه حال حياته صلى الله عليه وسلم فهو توسل مشروع.

وإن أريد به التوسل بسؤاله ودعائه، أو طلب الدعاء منه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، أو التوسل بذاته أو جاهه وحقه فهو توسل ممنوع

(1)

.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لفظ التوسل بالشخص، والتوجه به، والسؤال به، فيه إجمال واشتراك غلط بسببه من لم يفهم

يراد به التسبب به لكونه داعيًا وشافعًا مثلًا، أو لكون الداعي محبًا له مطيعًا لأمره، مقتديًا به، فيكون التسبب إما لمحبة السائل له واتباعه له، وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته.

ويراد به الإقسام به والتوسل بذاته، فلا يكون التوسل لا لشيء منه، ولا لشيء من السائل بل بذاته، أو بمجرد الإقسام به على الله.

فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه"

(2)

.

وعليه فقول ابن حجر باستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى طلب الدعاء منه بعد وفاته، أو السؤال بحقه وجاهه قول باطل؛ إذ هو بهذا المعنى توسل ممنوع لا يجوز، فلم يكن الصحابة والتابعون وأتباعهم يفعلونه ولو كان مشروعًا لكانوا أولى الناس به، فإنهم عدلوا عن الاستسقاء به إلى الاستسقاء بعمه، ولم يعرف عن أحد منهم أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وحقه

(3)

.

وأما زعمه كون السؤال به صلى الله عليه وسلم ليس سؤالًا له، واعتماده على ذلك

(1)

انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 793)، قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 82)، كشف ما ألقاه إبليس لعبد الرحمن بن حسن (ص 217)، الكشف المبدي للفقيه (ص 263)، القول الجلي لمحمد أحمد خضر (ص 54).

(2)

انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 793).

(3)

انظر: اللمعة في الأجوبة السبعة لابن تيمية (ص 36)، قاعدة جليلة (ص 115)، كشف ما ألقاه إبليس (ص 215 - 216).

ص: 258

في تجويزه فمردود بكون السؤال به صلى الله عليه وسلم يجمع بين الشرك والبدعة.

فهو شرك من جهة كون السائل اعتقد أن السؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم سببًا لتحقق المسؤول، واتخاذ ما لم يجعله الله سببًا لا شرعًا ولا كونًا سببًا شرك أصغر.

وهو بدعة من جهة كون السؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معروفًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكل ما لم يكن موجودًا في عهدهم مع قيام المقتضي له فهو بدعة

(1)

.

وقوله بذلك مبني على شبهة المجاز العقلي وقد سبق الجواب عنها بما يغني عن إعادته

(2)

.

وأما ما أورده ابن حجر من الأدلة لقوله باستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله فهي مما لا يمكن الاستدلال به؛ لكونها إما مطعونًا في ثبوتها، أو في دلالتها، أو فيهما جميعًا، وفيما يلي مناقشة هذه الأدلة:

أولًا: مناقشة الأدلة التي استدل بها ابن حجر على قوله باستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل خلقه:

استدل ابن حجر بحديث توسل آدم عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم حين وقعت منه الخطيئة ومغفرة الله له بسبب توسله.

والحديث أخرجه الحاكم

(3)

، والبيهقي

(4)

، والطبراني

(5)

، من طرق عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن جده، عن عمر بن الخطاب مرفوعًا.

قال الحاكم بعد إخراجه له: "صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب"

(6)

.

(1)

انظر: التوسل لابن عثيمين (ص 33).

(2)

انظر: (ص 162).

(3)

انظر: المستدرك (2/ 615).

(4)

انظر: دلائل النبوة (5/ 489).

(5)

انظر: المعجم الصغير (2/ 82).

(6)

المستدرك (2/ 615).

ص: 259

وأخرجه الآجري

(1)

من وجه آخر عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم به موقوفًا من قول عمر رضي الله عنه

(2)

.

والحديث معلول سندًا ومتنًا.

فأما السند ففيه ثلاث علل:

1 -

ضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم- وعليه مدار الحديث-

(3)

.

2 -

جهالة من دون عبد الرحمن بن زيد، وقد أشار إلى ذلك الهيثمي

(4)

حيث قال: "فيه من لم أعرفهم"

(5)

.

ومن هؤلاء عبد الله بن مسلم الفهري

(6)

.

3 -

اضطراب عبد الرحمن، ومن دونه في إسناده، فتارة يروونه مرفوعًا، وتارة موقوفًا على عمر رضي الله عنه

(7)

.

وأما المتن فهو يخالف القرآن الكريم في موضعين منه:

1 -

أن ظاهر الحديث ينص على أن مغفرة الخطيئة كانت بسبب توسل آدم بنبينا محمد-صلى الله عليه وسلم، وهذا مخالف لنص القرآن الكريم، إذ المغفرة كانت بسبب الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال عز وجل: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ

(1)

هو محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي، أبو بكر، أحد أعلام السلف ومصنفيهم، من مؤلفاته: الشريعة، والأربعون، وأخلاق العلماء وغيرها، توفي سنة 360 ص. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 133)، شذرات الذهب (3/ 35).

(2)

انظر: الشريعة (3/ 1415) برقم (956).

(3)

انظر: ترجمته في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/ 234)، والتاريخ الكبير للبخاري (5/ 284)، والمجروحين لابن حبان (2/ 57 - 59)، والكامل لابن عدي (4/ 1581)، وميزان الاعتدال للذهبي (2/ 264).

(4)

هو علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، أبو الحسن، المصري، المحدث الحافظ، من مؤلفاته: مجمع الزوائد، وترتيب الثقات لابن حبان، وزوائد ابن ماجه على الكتب الستة، توفي سنة (807 ص).

انظر: الضوء اللامع (5/ 200)، الأعلام (4/ 266).

(5)

مجمع الزوائد (8/ 253).

(6)

انظر: ميزان الاعتدال (2/ 504)، ولسان الميزان (3/ 359 - 360).

(7)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 175)، والتوسل للألباني (ص 124).

ص: 260

فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} [البقرة: 37]. وقد قيل: إن الكلمات هي ما ذكر في قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف: 23]

(1)

.

2 -

أن الحديث جاء في آخره: "ولولا محمد ما خلقتك"، وهذا مخالف للقرآن الكريم في بيانه أن الحكمة من خلق الجن والإنس هي عبادة الله وحده، كما في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]

(2)

.

وقد أعل الحديث بهذه العلل أو بعضها جماعة من المحدثين كالبيهقي

(3)

، وشيخ الإسلام ابن تيمية

(4)

، والحافظ الذهبي

(5)

، والإمام ابن عبد الهادي

(6)

، والحافظ الهيثمي

(7)

، والحافظ ابن حجر العسقلاني

(8)

، والعلامة الألباني

(9)

(10)

.

وأما تصحيح الحاكم لهذا الحديث فيجاب عنه بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: "رواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قال في كتاب المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم: عبد الرحمن بن

(1)

انظر: الرد على البكري لابن تيمية (ص 10)، التوسل للألباني (ص 125)، التوصل للرفاعي (ص 224).

(2)

انظر: التوسل للألباني (ص 125)، التوصل للرفاعي (ص 227).

(3)

انظر: دلائل النبوة (5/ 489).

(4)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 167)، الرد على البكري (ص 5 - 11، 60).

(5)

انظر: ميزان الاعتدال (2/ 504).

(6)

انظر: الصارم المنكي (ص 43).

(7)

انظر: مجمع الزوائد (8/ 253).

(8)

انظر: لسان الميزان (3/ 359)، النكت على ابن الصلاح (1/ 320 - 321).

(9)

هو محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي بن آدم الألباني، أحد علماء المحدثين المعاصرين، من مؤلفاته: التوسل أنواعه وأحكامه، تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، سلسلة الأحاديث الصحيحة، وغيرها، توفي سنة 1420 هـ.

انظر: الألباني حياته وآثاره لمحمد الشيباني.

(10)

انظر: التوسل (ص 115).

ص: 261

زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة، لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه

وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله، فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث، وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث وهي موضوعة مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث

ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم، وإن كان غالب ما يصححه فهو صحيح، لكن هو في المصححين بمنزلة الثقة الذي يكثر غلطه، وإن كان الصواب أغلب عليه. وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه

"

(1)

.

وعليه فالحديث معلول لا يحتج به، وكلام عامة أهل العلم فيه دائر بين الحكم بوضعه أو ضعفه الشديد.

ثانيًا: مناقشة الأدلة التي استدل بها ابن حجر على قوله باستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته:

استدل ابن حجر بحديث الضرير وحديث توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما على استحباب التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وحقه في حياته، وهما حديثان صحيحان، ولكنهما لا يدلان على ما ذهب إليه ابن حجر.

فأما حديث الضرير

(2)

فيجاب عنه بما يلي:

1 -

أن المراد بالتوسل به صلى الله عليه وسلم في الحديث هو التوسل بدعائه وهو

(1)

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 168 - 170).

(2)

أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات (5/ 569) برقم (3578)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب عمل اليوم والليلة ذكر حديث عثمان بن حنيف (6/ 168 - 169) برقم (10494)، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الحاجة (1/ 441) برقم (1385)، وأحمد (28/ 478) برقم (17240)، والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 209 - 210)، وابن خزيمة (2/ 225) برقم (1219)، والطبراني في الكبير (9/ 31 - 32) برقم (8311) والصغير (1/ 307) برقم (508)، والحاكم (1/ 313)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 166) من طرق عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه به.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب

".

وقال الحاكم: "هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.

ص: 262

مشروع في حياته صلى الله عليه وسلم بخلاف التوسل بجاهه أو حقه أو ذاته فهو لا يشرع بحال، ومما يؤيد كون التوسل المراد في الحديث التوسل بدعائه قول الأعمى: ادع الله أن يعافيني، ووعده صلى الله عليه وسلم بالدعاء مع بيان الأفضل له، ثم إصرار الأعمى على الدعاء، وقوله: اللهم فشفعني فيه، وشفعه فيّ، كل ذلك يدل على أن المراد به التوسل بدعائه؛ لأن هذه الصيغة لا تحتمل غير ذلك

(1)

.

2 -

أنه لو كان المراد بالتوسل به صلى الله عليه وسلم في الحديث التوسل بذاته أو جاهه، أو حقه، لا دعائه، لكان كل أعمى من الصحابة ومن بعدهم إلى هذا الزمان، يتوسلون إلى الله بذات النبي صلى الله عليه وسلم وجاهه وحقه عند الله، ولن يبقى بعد ذلك أعمى

(2)

.

وأما حديث توسل عمر بن الخطاب بالعباس

(3)

رضي الله عنهما فيجاب عنه من وجهين:

1 -

أن المقصود بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الوارد في الحديث طلب الدعاء منه وهو مشروع في حياته دون وفاته- كما سبق- لا التوسل بذاته أو حقه وجاهه فهو ممنوع مطلقًا، فلا دلالة في الحديث على ما ذهب إليه ابن حجر

(4)

.

(1)

انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 783 - 784)، قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 115)، اللمعة في الأجوبة السبعة لابن تيمية (ص 48 - 50)، تلخيص كتاب الاستغاثة لابن تيمية (ص 129 - 130)، النبذة الشريفة لابن معمر (ص 83)، صيانة الإنسان (ص 125)، الصواعق المرسلة الشهابية لابن سحمان (ص 162)، الضياء الشارق له أيضًا (ص 537)، كشف ما ألقاه إبليس لعبد الرحمن بن حسن (ص 216)، الكشف المبدي للفقيه (ص 245)، التوصل للرفاعي (ص 236)، التوسل للألباني (ص 75).

(2)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 260)، تلخيص كتاب الاستغاثة (ص 130).

(3)

الحديث أخرجه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام إذا قحطوا (1/ 302) برقم (1010) من حديث أنس رضي الله عنه به.

(4)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 82)، تلخيص الاسثغاثة (ص 126)، اللمعة في الأجوبة السبعة، كشف ما ألقاه إبليس لعبد الرحمن بن حسن (ص 55)، الصواعق المرسلة الشهابية (ص 262)، الضياء الشارق (ص 551 - 552)، صيانة الإنسان (ص 136)، الكشف المبدي (ص 243)، التوصل للرفاعي (ص 261)، التوسل للألباني (ص 55).

ص: 263

ومما يدل على أن المراد بالتوسل في الحديث طلب دعائه صلى الله عليه وسلم لا التوسل بذاته أو جاهه أو حقه أمران:

أ- الأحاديث الواردة في الاستسقاء، ومنها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه:"أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة من باب نحو دار القضاء- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب- فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا

" الحديث"

(1)

.

فدل هذا الحديث دلالة قوية ظاهرة على أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم كان توسلًا بدعائه، لا بجاهه، وهذا ظاهر من قوله:"فادع الله لنا".

ب- أن توسل عمر بن الخطاب بالعباس رضي الله عنه كان توسلًا بدعائه لا بذاته، فإن العباس لَمّا استسقى به عمر قال: "اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث

"

(2)

(3)

2 -

أن عدول عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بطلب الدعاء منه أو التوسل بذاته أو جاهه وحقه إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه وإقرار الصحابة له دليل على عدم جواز ذلك؛ إذ لا يمكن أن يتوسلوا بالمفضول ويدعوا الفاضل، خاصة مع جدبهم وحاجتهم، فالدليل حجة عليه لاله

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري، كتاب الاستسفاء، باب الاستسقاء في خطبة الجمعة (1/ 303) برقم (1014)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء (2/ 612) برقم (897) من حديث أنس رضي الله عنه به.

(2)

أخرجه الزبير بن بكار في الأنساب كما في فتح الباري (2/ 577).

(3)

انظر: التوسل للألباني (ص 56 - ص 68).

(4)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 82)، تلخيص الاستغاثة (ص 126)، اللمعة في الأجوبة السبعة (ص 50).

ص: 264

ثالثًا: مناقشة الأدلة التي استدل بها ابن حجر على قوله باستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته:

استدل ابن حجر على استحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وفاته بطلب الدعاء منه، أو التوسل بذاته أو جاهه بثلاثة أدلة:

الأول: فعل عثمان بن حنيف رضي الله عنه:

ونص القصة: "أن رجلًا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال عثمان بن حنيف: ايت الميضأة فتوضأ ثم ايت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد؛ إني أتوجه بك إلى ربي فتقضي لي حاجتي وتذكر حاجتك

".

والجواب عنها من وجهين:

1 -

أن القصة أخرجها الطبراني

(1)

والبيهقي

(2)

من طريق شبيب بن سعيد، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الحظمي، عن أبي أمامة سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف بها.

وهي بهذا الإسناد لا تثبت، بل هي معلولة بما يلي:

أ- ضعف شبيب بن سعيد

(3)

وتفرده بها

(4)

.

ب- الاختلاف على شبيب فيها فإنه تارة يذكر القصة في الحديث وتارة يهملها

(5)

.

(1)

انظر: المعجم الكبير (9/ 31) برقم (8310)، والمعجم الصغير (1/ 306 - 307) برقم (508).

(2)

انظر: دلائل النبوة (6/ 167 - 168).

(3)

انظر: التاريخ الكبير (4/ 233)، والجرح والتعديل (4/ 359)، والكامل لابن عدي (4/ 1346)، وميزان الاعتدال (2/ 262)، تهذيب الكمال (12/ 360).

(4)

نص على تفرده في هذه الرواية الطبراني في الصغير (1/ 307).

(5)

أخرجها البيهقي في دلائل النبوة (6/ 167 - 168) بالوجهين، وأخرجها الحاكم في المستدرك (1/ 526) وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص 581) برقم (628) دون ذكر القصة وهي الرواية المحفوظة لموافقتها لرواية الأثبات.

ص: 265

جـ- مخالفة شبيب للثقات الذين رووا الحديث مجردًا عن القصة في السند والمتن

(1)

.

2 -

أن فعل عثمان بن حنيف صلى الله عليه وسلم لو ثبت عنه فهو معارض بفعل الصحابة رضي الله عنهم فإنهم لم يكونوا- يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لا بطلب الدعاء منه ولا بالتوسل بذاته أو جاهه، بل عدلوا عن التوسل به بعد وفاته إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بطلب الدعاء منه أو التوسل بذاته وجاهه مشروعًا لم يعدلوا عن التوسل به صلى الله عليه وسلم

(2)

.

الثاني: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة فاطمة بنت أسد:

ونصه: "لَمّا ماتت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلامًا أسود يحفرون

فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاضطجع فيه فقال: "الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين

".

والجواب عنه:

أن الحديث أخرجه الطبراني

(3)

، ومن طريقه أبو نعيم

(4)

في الحلية

(5)

عن أحمد بن حماد، عن روح بن صلاح، عن سفيان الثوري، عن عاصم الأحول، عن أنس بن مالك رضي الله عنه به.

والحديث بهذا الإسناد ضعيف لا تقوم به الحجة، لضعف روح بن

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (1/ 268)، التوسل للألباني (ص 95).

(2)

انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 759 - 760)، صيانة الإنسان (ص 377)، الكشف المبدي (ص 267)، الصواعق المرسلة الشهابية (ص 162)، التوسل للألباني (ص 92)، هدم المنارة لعمرو عبد المنعم (ص 114).

(3)

انظر: المعجم الكبير (24/ 351) برقم (871)، والأوسط (1/ 152) برقم (191).

(4)

هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، أبو نعيم، حافظ محدث، مكثر من التصنيف، من مصنفاته: حلية الأولياء، ومعرفة الصحابة وغيرها، توفي سنة (430 هـ).

انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 453)، شذرات الذهب (3/ 245).

(5)

انظر: حلية الأولياء (3/ 121).

ص: 266

صلاح من جهة

(1)

، وتفرده به عن أصحاب سفيان الثوري من جهة أخرى

(2)

.

وأما زعم ابن حجر أن الطبراني رواه بسند جيد فلعله بناه على توثيق ابن حبان

(3)

(4)

والحاكم

(5)

لروح هذا، وهو متعقب بما يلي:

1 -

أن ابن حبان والحاكم قد عرفا بتساهلهما في التوثيق فلا يعارض قولهما قول جمهور المحدثين

(6)

.

2 -

أن روح تفرد بالحديث عن أصحاب سفيان، وقد عد أهل الحديث تفرد الرجل عمن أكثر الرواة عنه طعنًا فيه وفي روايته

(7)

.

الثالث: فعل بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه:

والجواب عنه من وجهين:

1 -

أن القصة أخرجها ابن أبي شيبة

(8)

(9)

من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار بها.

وهي معلولة سندًا ومتنًا.

(1)

انظر: الكامل لابن عدي (3/ 1005)، ميزان الاعثدال (2/ 58)، لسان الميزان (2/ 465).

(2)

نص على تفرده به أبو نعيم في الحلية (3/ 121).

(3)

هو محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ بن معبد التميمي الدارمي البستي، أبو حاتم، المحدث الحافظ، شيخ خراسان في وقته، من مؤلفاته: الصحيح، والمجروحين، وروضة العقلاء وغيرها، توفي سنة 354 هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 92)، شذرات الذهب (3/ 16).

(4)

انظر: الثقات (8/ 244).

(5)

انظر: سؤالات أبي مسعود السجزي للحاكم (ص 98).

(6)

انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (1/ 32)، والتوسل له (ص 112).

(7)

انظر: مقدمة صحيح مسلم (1/ 7).

(8)

هو عبد الله بن محمد بن إبراهيم أبي شيبة العبسي مولاهم، المشهور بابن أبي شيبة، من حفاظ الحديث وأعلام السلف، من مؤلفاته: المصنف، والإيمان، والأدب وغيرها، توفي سنة 235 هـ.

انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 122)، شذرات الذهب (2/ 85).

(9)

انظر: المصنف (12/ 31 - 32) برقم (12051).

ص: 267

أما السند ففيه علتان:

أ- جهالة مالك الدار حيث لم يُذكر فيه جرح ولا تعديل ولم يرو عنه إلا اثنان، وهذا يرفع عنه جهالة العين دون جهالة الحال، فيبقى على جهالته

(1)

.

ب- جهالة الرجل الذي جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما ذكره ابن حجر من كونه سمي في رواية أخرى، وأنه بلال بن الحارث المزني، فهذه الرواية رواها سيف بن عمر

(2)

، وسيف تفرد بها وهو ضعيف بالاتفاق، بل متهم بالوضع والكذب

(3)

.

وأما المتن: فإن القصة منكرة؛ لمخالفتها ما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء في مثل هذه الحالات، ومخالفتها ما اشتهر وتواتر عن الصحابة والتابعين، إذ ما جاء عنهم أنهم كانوا يرجعون إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأموات عند نزول النوازل واشتداد القحط يستدفعونها بهم وبدعائهم وشفاعتهم، بل كانوا يرجعون إلى الله تعالى واستغفاره وعبادته

(4)

.

2 -

أن القصة لو صحت فلا حجة فيها، إذ من شرط حجية قول الصحابي وفعله عدم مخالفته للأدلة أو معارضته بقول أو فعل صحابي آخر، وكلاهما غير متحقق في فعل بلال بن الحارث على التسليم بصحته عنه

(5)

.

(1)

انظر: ترجمته في الجرح والتعديل (8/ 213)، والتاريخ الكبير (7/ 304)، وتهذيب التهذيب (6/ 187).

(2)

نص على ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح (2/ 496) حيث قال: "روى سيف في الفتوح .. "، وبمراجعة كتاب الفتوح لسيف بن عمر لم أجد الرواية فلعلها في الجزء المفقود منه.

(3)

انظر: ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 278)، والمجروحين لابن حبان (1/ 345)، والكامل لابن عدي (3/ 1271)، وميزان الاعتدال (2/ 255)، والمغني في الضعفاء للذهبي (1/ 460) وتهذيب الكمال (12/ 324).

(4)

انظر: التوسل للألباني (ص 132).

(5)

انظر: الصواعق المرسلة الشهابية لابن سحمان (ص 169)، والتوصل للرفاعي (ص 256)، والتوسل للألباني (ص 130)، وتعليق الشيخ عبد العزيز بن باز على فتح الباري (2/ 495).

ص: 268

وبعد مناقشة أدلة ابن حجر التي ساقها للاستدلال على قوله باستحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بطلب الدعاء منه بعد وفاته أو التوسل بذاته وجاهه وبيان ضعفها وعدم دلالتها على قوله يظهر بطلان زعمه بكون ذلك مما تواترت به الأخبار وقام عليه الإجماع.

فإن الأخبار على خلافه، وكل ما استدل به فهو مطعون في ثبوته أو في دلالته، والمستدل عليه أن يبين صحة دليله ودلالته على قوله، وكلاهما غير متحقق فيما ساقه من الأدلة.

وأما الإجماع فإنه على نقيضه، فلم يعرف عن السلف الأوائل من الصحابة والتابعين وأتباعهم طلب الدعاء منه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أو التوسل بذاته وجاهه، ودعوى إجماعهم على خلاف ذلك تحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على ذلك

(1)

.

وقوله باستحباب التوسل بالأنبياء والأولياء وكونه لا يقتصر على النبي صلى الله عليه وسلم وحده، القول فيه كالقول في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وأما استدلاله بقياس التوسل بالأنبياء والأولياء على التوسل بالأعمال، وتوسل عمر بالعباس رضي الله عنهما فالجواب عنهما بأن يقال:

أما قياس التوسل بالأنبياء والأولياء على التوسل بالأعمال لكون التوسل بهم توسل بذوات والتوسل بها توسل بأعراض، والتوسل بالذوات أولى من التوسل بالأعراض فمردود من وجهين:

1 -

أنه لا ملازمة بين جواز التوسل بالأعراض وبين جواز التوسل بالذوات فالقياس بينهما قياس مع الفارق

(2)

.

2 -

أن التوسل بالأعمال هو تقرب إلى الله تعالى بما شرعه لعباده، وهو معقول لتزكيتها لنفس العامل وجعله أهلًا لقبول دعائه واستجابته، وأما ذوات غيره فلا تأثير لها في تزكيته البتة مهما كان فضلها فإن عملها مزكٍّ لها لا لغيرها

(3)

.

(1)

انظر: صيانة الإنسان (ص 227).

(2)

انظر: المصدر السابق (ص 277).

(3)

انظر: المصدر السابق (ص 278، 155)، والتوسل للألباني (ص 151).

ص: 269

وأما توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما فقد سبق الجواب عنه بما يغني عن إعادته

(1)

.

وأما تشنيع ابن حجر- عفا الله عنه- على شيخ الاسلام ابن تيمية في إنكاره التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم زعمه بكونه مما انفرد به فالجواب عنه من وجهين:

1 -

أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يمنع من عموم التوسل به صلى الله عليه وسلم- كما توهمه عبارة ابن حجر- وإنما ذهب إلى أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم منه ما هو مشروع ومنه ما هو ممنوع- وقد سبق نقل كلامه في ذلك

(2)

.

2 -

أن شيخ الإسلام لم ينفرد بمنع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بطلب الدعاء منه بعد وفاته أو التوسل بذاته أو جاهه، بل سبقه إلى ذلك جماعة من أهل العلم منهم أبو حنيفة النعمان، وصاحبه أبو يوسف

(3)

(4)

فالتشنيع عليه تشنيع عليهم، والاستطالة في عرضه استطالة في أعراضهم.

وقد رد على ابن حجر غير واحد من أهل العلم في القديم والحديث تشنيعه على شيخ الإسلام وزعمه بتفرده بتحريم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بما يغني عن التطويل بذكره

(5)

.

(1)

انظر: (ص 263).

(2)

انظر: (ص 258).

(3)

هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، الكوفي البغدادي، أبو يوسف، تلميذ أبي حنيفة وناشر مذهبه، من مؤلفاته: الخراج، والفرائض، والآثار وغيرها، توفي سنة 182 هـ.

انظر: تاريخ بغداد (14/ 242)، شذرات الذهب (1/ 298).

(4)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 187)، إتحاف السادة المتقين للزبيدي (2/ 285)، جلاء العينين للألوسي (ص 516 - 517، 551)، الصواعق المرسلة الشهابية لابن سحمان (ص 210).

(5)

انظر: جلاء العينين للألوسي (ص 485 - 577)، وللاستزادة: دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية لعبد الله الغصن (ص 428).

ص: 270