الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه فتوحيد الله تعالى معناه: إفراده تعالى بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات
(1)
.
والتوحيد - عند أهل السنة والجماعة - ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 -
توحيد الربوبية.
2 -
توحيد الألوهية.
3 -
توحيد الأسماء والصفات.
وقد دل على ذلك استقراء النصوص من الكتاب والسنة
(2)
.
ثانيًا: تعريف التوحيد وبيان أقسامه عند ابن حجر:
وقد عرف ابن حجر - عفا الله عنه - التوحيد بتعريفين ضمنهما أقسامه عنده:
الأول: هو الإقرار "بأنه تعالى واحد في ذاته فلا تعدد له بوجه، وصفاته فلا نظير له بوجه، وأفعاله فلا معين له ولا شريك له فيها بوجه"
(3)
.
وبناء على تعريفه هذا فإن التوحيد ينقسم عنده إلى ثلاثة أقسام:
1 -
توحيد الذات.
2 -
توحيد الصفات.
3 -
توحيد الأفعال.
(1)
انظر: مدارج السالكين لابن القيم (3/ 449)، تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله (ص 17)، لوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/ 57)، القول السديد لابن سعدي (ص 10)، القول المفيد لابن عثيمين (1/ 5).
(2)
انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (1/ 226)، مدارج السالكين (1/ 24 - 25)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/ 24)، تيسير العزيز الحميد (ص 32)، فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسن (1/ 79)، القول السديد لابن سعدي (ص 10)، أضواء البيان للشنقيطي (3/ 410 - 414)، القول المفيد لابن عثيمين (1/ 5)، وللاستزادة: القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد للعباد (ص 17 - 49).
(3)
المنح المكية (1/ 436).
وابن حجر في هذا التعريف يوافق المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم، كما يوافقهم في أقسامه
(1)
.
والثاني: هو أن "توحيد العبد لربه على مراتب: توحيد له بالقول والوصف بأن يخبر عن وحدانيته، وتوحيد له بالعلم وهو أن يعلمه بالبرهان على وحدانيته، وتوحيد له بالمعرفة وهو أن يعرفه بالبيان كما علمه بالبرهان"
(2)
.
وابن حجر وإن نقل هذا التعريف عن أبي القاسم القشيري
(3)
(4)
إلا أنه استحسنه وارتضاه، وهو بهذا يوافق الصوفية في تعريفهم للتوحيد
(5)
.
وقد عقد ابن حجر - غفر الله له - مقارنة بين توحيد المتكلمين وتوحيد الصوفية فقال: "إن توحيد الله تعالى باللسان العلمي المقرر في كتب أئمة الكلام القول فيه مشهور عند من مارس ذلك الفن واطلع على دقائقه وأحاط بما فيه
…
وأما التوحيد بالأحوال الشهودية
(6)
والمواجيد
(1)
انظر: المغني للقاضي عبد الجبار (1/ 241)، الإنصاف للباقلاني (ص 33)، مجرد مقالات الأشعري لابن فورك (ص 55)، نهاية الإقدام للشهرستاني (ص 90)، التوحيد للماتريدي (ص 23، 119)، بحر الكلام للنسفي (ص 4، 19).
(2)
الفتاوى الحديثية (ص 437).
(3)
هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد، أبو القاسم القشيري النيسابوري، ممن جمع بين الأشعرية والتصوف، من مؤلفاثه: الرسالة القشيرية، شرح أسماء الله الحسنى، لطائف الإشارات، توفي سنة 465 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 227)، شذرات الذهب (3/ 319).
(4)
بحثت عن قول القشيري فلم أجده بهذا اللفظ فيما وقفت عليه من كتبه، فلعل ابن حجر أورده بمعناه، انظر: الرسالة القشيرية (2/ 463).
(5)
انظر: منازل السائرين للهروي (ص 47)، الرسالة القشيرية (2/ 462)، روضة التعريف للسان الدين الخطيب (ص 497).
(6)
يُعرّف الصوفية الأحوال الشهودية: بأنها ما يرد على القلب من طرب أو حزن أو بسط أو قبض من أثر المشاهدة بحيث يشهد له بصحة كونه محيطًا من مشاهدة شهوده، وقيل: هي المواهب الفائضة على العبد من ربه، إما واردة عليه ميراثًا للعمل الصالح، وإما نازلة من الحق تعالى امتنانًا محضًا.
انظر: معجم اصطلاحات الصوفية للكاشاني (ص 52، 170)، الرسالة القشيرية (1/ 154)، المعجم الصوفي للحنفي (ص 71).
العرفانية
(1)
فهو حال أئمة التصوف الذين أتحفهم الله بما لم يتحف أحدًا سواهم
…
فتوحيدهم هو الذي عليه المُعوَّل، وحالهم هو الحال الأكمل، ومن ثم قال بعض محققيهم فارقًا بينهم وبين علماء الكلام: أولئك قوم اشتغلوا بالاسم عن المسمى، ونحن قوم اشتغلنا بالمسمى عن الاسم"
(2)
.
ويظهر مما سبق أن ابن حجر يرى أن التوحيد له جانبان: جانب علمي وهو ما وافق فيه تعريف المتكلمين، وجانب عملي وهو ما وافق فيه تعريف الصوفية.
وما ذهب إليه ابن حجر - عفا الله عنه - في تعريف التوحيد سواء من الجانب العلمي أو الجانب العملي مخالف للحق الذي عليه أهل السنة والجماعة.
حيث يؤخذ على تعريفه الأول - والذي وافق فيه المتكلمين - ما يلي:
1 -
اشتمال التعريف على بعض الألفاظ المجملة التي ضمنها المتكلمون بعض العقائد الباطلة، كتضمينهم نفي علو الله على عرشه ومباينته لخلقه قولهم:"إنه واحد في ذاته لا تعدد له"، وتضمينهم نفي الصفات الثابتة له تعالى قولهم:"إنه واحد في صفاته فلا نظير له"
(3)
.
وهذه المعاني الباطلة التي ضمنها المتكلمون تعريف التوحيد يقر بها ابن حجر - وسيأتي بيان أقواله في ذلك والرد عليها -
(4)
.
2 -
إهمال التعريف لتوحيد الألوهية - الذي هو قطب رحى الدين،
(1)
يُعرّف الصوفية المواجيد العرفانية: بأنها كل ما صادف القلب من غم أو فرح، ولها عندهم ثلاث مراتب: التواجد وهو استدعاء الوجد، والوجد وهو إما أن يرجع إلى الأحوال أو إلى المكاشفات والمشاهدات، والوجود ويكون بمشاهدة الحق سبحانه في الوجد على وجه الدوام، ويستعان لتحقيق الوجد بأنواعه الثلاثة بوسائل صناعية كآلات اللهو والطرب.
انظر: معجم اصطلاحات الصوفية للكاشاني (ص 317)، الرسالة القشيرية (1/ 161)، المعجم الصوفي للحنفي (ص 256).
(2)
الفتاوى الحديثية (ص 437).
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (3/ 99 - 100).
(4)
انظر: (ص 290).
وأساس الملة، والمقصود بشهادة أن لا إله إلا الله - حيث لم يذكر في التعريف، فإن غاية ما ذكر فيه توحيد الربوبية الذي يقر به المشركون، ولم ينكره أحد من بني آدم.
ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن بين خطأ المتكلمين في تعريفهم السابق: "ما يسمونه توحيدًا: فيه ما هو حق، وفيه ما هو باطل، ولو كان جميعه حقًّا؛ فإن المشركين إذا أقرّوا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم الله به في القرآن، وقاتلهم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل لا بد أن يعترفوا أنه لا إله إلا الله"
(1)
.
وما أخذ على التعريف الأول من إهمال توحيد الألوهية والاقتصار على توحيد الربوبية يؤخذ على التعريف الثاني - والذي وافق فيه ابن حجر مذهب الصوفية -.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكذلك طوائف من أهل التصوف، والمنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد - يعني: توحيد الربوبية - وأن يشهد أن الله رب كل شيء، ومليكه وخالقه، لا سيما إذا غاب العارف بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمعروفه عن معرفته، ودخل في فناء توحيد الربوبية بحيث يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها.
ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد، ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلمًا، فضلًا عن أن يكون وليًا لله، أو من سادات الأولياء"
(2)
.
وبهذا يعلم خطأ ابن حجر - غفر الله له - في تعريف التوحيد وبيان أقسامه، ومخالفته لما عليه أهل السنة والجماعة.
(1)
مجموع الفتاوى (3/ 101).
(2)
المصدر السابق (3/ 101 - 102).