الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهم، وهي في مجملها لا تخرج عن كونها ضعيفة لا يثبت بها حكم، أو تدل على مطلق الفضل لا التفضيل المطلق
(1)
.
وعليه فقول ابن حجر رحمه الله بأن أكثر الأحاديث تدل على أفضلية إسرافيل متوقف على صحتها من جهة، وصراحة دلالتها من جهة أخرى، وهما كير متحققين.
ثانيًا: المفاضلة بين الملائكة وبين صالحي البشر:
ذكر ابن حجر رحمه الله أقوال الناس في المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر، ورجح ما رآه منها، وبين أدلته على قوله
(2)
.
يقول في بيان ذلك: "في المسألة أقوال:
أحدها: مذهب المعتزلة أن الملائكة أفضل مطلقًا، ووافقهم أئمة من أهل السنة كالباقلاني
…
والرازي
…
(والثاني): السكوت عن التفاضل، " وقالوا: ليست المسألة مما كلفنا الله تعالى بمعرفة الحكم فيها، فلنفوض إلى الله تعالى ونعتقد أن الفضل لمن فضله الله"
(3)
.
(والثالث): "الذي عليه محققو أهل السنة أن خواصنا وهم الأنبياء أفضل منهم مطلقًا، وعوامنا وهم الصلحاء كأبي بكر رضي الله عنه أفضل من عوامهم، وخواصهم كجبريل أفضل من عوامنا"
(4)
.
وقد "قامت الأدلة على تفضيل نبينا بل سائر الأنبياء على الملائكة:
ومنها: قوله تعالى بعد ذكر جمع من الأنبياء: {وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 86]، والملائكة من جملة العالمين، وقوله:{خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7][البينة: 7] والبرية: الخليقة، والملائكة من جملتهم
…
وقوله:
(1)
انظر: الحبائك (ص 19 - 37).
(2)
انظر: الدر المنضود (ص 36 - 41)، فتح المبين (ص 20)، التعرف (ص 119)، حاشية الإيضاح (ص 4)، المولد الشريف (ص 20)، الفتاوى الحديثية (ص 223، 252، 255، 256، 424)، المنح المكية (1/ 121، 126، 145، 273، 420).
(3)
الدر المنضود (ص 40 - 41).
(4)
المصدر السابق (ص 36).
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] وهذا يشملهم، ولا شك أن المسخَّر له مقصود بالذات، وغيره بالعَرضَ.
ومنها: اختصاص الأنبياء بأنهم الذين قامت بهم حجة الله على خلقه، وبأن آدم منهم سجد له الملائكة، والمسجود له أفضل من الساجد.
ومنها: أن للبشر طاعاتٍ لم يثبت مثلها للملائكة، كالجهادِ والغزو، ومخالفة الهوى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على البلايا والمحن.
ومنها: أن طاعات البشر أكمل، لأن الله كلفهم بها مع وجود صوارف عنها قائمة بهم وخارجة عنهم، ولا شك أن فعل الشيء مع مشقة ووجود الصارف عنه أبلغ في الطاعة والإذعان مع فعله مع عدم ذلك، إذ لا امتحان فيه بوجه
…
"
(1)
.
التقويم:
مسألة المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر مسألة أثرية سلفية صحابية
(2)
، وقد أكثر الناس الخوض فيها، وتعددت أقوالهم حيالها، وحاصلها ثلاثة:
الأول: القول بتفضيل صالحي البشر على الملائكة، وهو المشهور من مذهب السلف
(3)
، ومن وافقهم من الأشاعرة
(4)
.
والثاني: القول بتفضيل الملائكة على صالحي البشر، وهو مذهب المعتزلة
(5)
، وبعض أهل السنة والأشاعرة
(6)
والصوفية
(7)
.
(1)
الدر المنضود (ص 38 - 39).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (4/ 357).
(3)
انظر: المصدر السابق (4/ 343)، بدائع الفوائد (3/ 684)، لوامع الأنوار البهية (2/ 368).
(4)
انظر: المواقف (ص 367)، وشرحها للجرجاني (8/ 283).
(5)
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 296)، الكشاف (1/ 316 - 317).
(6)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 410).
(7)
انظر: التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي (ص 69).
والثالث: السكوت وعدم القطع فيها بقول
(1)
.
هذه هي أهم الأقوال في المسألة، وقد احتج أصحاب كل قول بأدلة، ورد عليهم الآخرون بما يرد عليها
(2)
.
والتحقيق: هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: "بأن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية، والملائكة أفضل باعتبار البداية، فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى، منزهون عما يلابسه بنو آدم، مستغرقون في عبادة الرب، ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر، وأما يوم القيامة بعد دخول الجنة، فيصير حال صالحي البشر أكمل من حال الملائكة"
(3)
.
قال ابن القيم معقبًا على ذلك: "وبهذا التفصيل يتبين سر التفضيل، وتتفق أدلة الفريقين، ويصالح كل منهم على حقه، فعلى المتكلم في هذا الباب أن يعرف أسباب الفضل أولًا، ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض، والموازنة بينها ثانيًا، ثم نسبتها إلى من قامت به ثالثًا كثرة وقوة، ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعًا، فرب صفة هي كمال الشخص، وليست كمالًا لغيره، بل كمال غيره بسواها، فكمال خالد بن الوليد بشجاعته وحروبه، وكمال ابن عباس بفقهه وعلمه، وكمال أبي ذر بزهده وتجرده عن الدنيا، فهذه أربعة مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل، وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص، وأبعد عن الهوى والغرض"
(4)
.
(1)
انظر: شعب الإيمان للبيهقي (1/ 182)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 423)، فتح القدير للشوكاني (1/ 542)(3/ 22 - 23، 244).
(2)
انظر: المحلى (1/ 13)، والفصل (5/ 15 - 17)، مجموع الفتاوى (4/ 350 - 392)، الاستغاثة لشيخ الإسلام (2/ 634)، بدائع الفوائد (1/ 70)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 410 - 423)، فتح الباري (13/ 386 - 388)، الحبائك (ص 203 - 226)، لوامع الأنوار البهية (2/ 368)، وللاستزادة: مباحث المفاضلة في العقيدة د. محمد الشظيفي (ص 354 - 360)، معتقد فرق المسلمين في الملائكة (ص 205 - 209).
(3)
مجمع الفتاوى (4/ 343).
(4)
بدائع الفوائد (3/ 684).
وقد أفاض شيخ الإسلام - ابن تيمية رحمه الله في الاستدلال لقوله حيث ذكر ثلاثة عشر دليلًا عليه، ورد على المخالفين بما لا مزيد عليه
(1)
.
ومما تجد الإشارة إليه أن المفاضلة جائزة بين الملائكة وصالحي البشر ما لم تكن على وجه التنقص أو الحمية والعصبية للجنس، فإن أفضت إلى ذلك فلا شك في ردِّها
(2)
.
* * *
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (4/ 350 - 393).
(2)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 412).