الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني آراؤه في مسائل الكفر والتكفير
عرض ابن حجر رحمه الله لجملة من المسائل المتعلقة بالكفر والتكفير، ومنها: تعريف الكفر، والتحذير من التكفير بغير حق، وضرورة الاحتياط في الحكم به، وبيان موانعه، وحكم اعتبار المقاصد واللوازم فيه
(1)
.
أولًا: تعريف الكفر:
عرف ابن حجر رحمه الله الكفر الذي هو بمعنى الردة بأنه قطع الإسلام، وبين أنه يكون بالنية والقول والفعل، حيث قال: "كفر المسلم أي: قطعه للإسلام.
إما أن يكون بنية بالقلب حالًا أو مآلًا
…
أو تعمّد فعل
…
أو تعمّد قول.
باعتقاد لذلك الفعل أو القول أي معه، أو مع عناد من الفاعل أو القائل، أو مع استهزاء أي استخفاف منهما ظاهر"
(2)
.
وقال أيضًا: "ويحصل [أي: الكفر] باطنًا باعتقاده ما يوجب الكفر وإن لم يظهره، وظاهرًا إما بفعل كالسجود لمخلوق، أو ذبح على اسمه تقربًا إليه، وطرح نحو قرآن أو حديث أو علم شرعي على مستقذر ولو طاهرًا كبزاق، وطرح المستقذر عليه، وطرح فتوى علم على الأرض مع
(1)
ساق ابن حجر رحمه الله جملة من المكفرات في كتابه الإعلام بقواطع الإسلام وأغلبها نقلًا عن غيره، وما كان منها من كلامه أوردته في مواضعه من البحث.
(2)
فتح الجواد (2/ 298).
قوله أي شيء هذا الشرع، وإما بقول مع اعتقاد أو عناد أو استهزاء
…
وإذا حكمنا بردته بواحد من هذه المذكورات ونحوها حكمنا بها باطنًا وإن كان مصدقًا بقلبه؛ لأن ملحظ الإكفار بها دلالتها إما على عدم الانقياد الباطني وإما على تكذيب الشرع وكلاهما كفر وإن وجد في القلب تصديق كما مرّ ذلك مستوفى في بحث الإيمان"
(1)
.
التقويم:
الكفر لغة: مصدر كَفَرَ يَكْفُرُ كُفْرًا
(2)
.
يقول ابن فارس: "الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية
…
والكفر: ضد الإيمان، سمي بذلك تغطية الحق"
(3)
.
وأما في الشرع: فالكفر ضد الإيمان
(4)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الكفر عدم الإيمان باتفاق المسلمين"
(5)
.
ولَمّا كان الناس مختلفين في حقيقة الإيمان، اختلفوا في حقيقة الكفر على نحو اختلافهم فيه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضًا: "والناس لهم فيما يجعلونه كفرًا طرق متعددة:
فمنهم من يقول: الكفر تكذيب ما علم بالاضطرار من دين الرسول، ثم الناس متفاوتون في العلم الضروري بذلك.
(1)
فتح المبين (ص 150)، وانظر: تحفة المحتاج (4/ 106 - 111)، الإعلام بقواطع الإسلام (ص 192 - 194).
(2)
انظر: تهذيب اللغة (4/ 3160)، الصحاح (2/ 807)، لسان العرب (5/ 144)، القاموس المحيط (ص 605).
(3)
معجم مقاييس اللغة (ص 930 - 931).
(4)
انظر: تعظيم قدر الصلاة (ص 2/ 549)، التبصير في معالم الدين لابن جرير (ص 162)، مجموع الفتاوى (7/ 639)(12/ 335)، مختصر الصواعق المرسلة (2/ 421).
(5)
مجموع الفتاوى (2/ 86).
ومنهم من يقول: الكفر هو الجهل بالله تعالى، ثم قد يجعل الجهل بالصفة كالجهل بالموصوف، وقد لا يجعلها، وهم مختلفون في الصفات نفيًا وإثباتًا.
ومنهم من لا يحد بحد، بل كل ما تبين له أنه تكذيب لِمَا جاء به الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر، جعله كفرًا، إلى طرق أخرى
…
"
(1)
.
ولهذا فتأسيسًا على ما سبق من كون الإيمان عند أهل السنة والجماعة اعتقادًا بالقلب وقولًا باللسان وعملًا بالجوارح، وكونه عند جمهور الأشاعرة مجرد تصديق القلب.
قال أهل السنة والجماعة بأن الكفر يكون بالاعتقاد، أو القول، أو العمل، أو بها جميعًا، وأن الكفر بالقول والعمل يقع بمجرده، دون اشتراط اقترانه بالتكذيب أو عدم الانقياد، أو كونهما علامة أو دليلًا عليهما
(2)
.
وقال جمهور الأشاعرة بأن الكفر يكون بالاعتقاد، والقول، والعمل؛ إلا أن وقوع الكفر بالقول والعمل لكونهما دليلًا على التكذيب أو عدم الانقياد وعلامة عليهما، لا لأنهما كفر بمجردهما
(3)
، وهو ما قرره ابن حجر -عفا الله عنه- في كلامه المتقدم.
والقول بذلك ظاهر البطلان، والرد عليه من طريقين:
أحدهما: النقض، وذلك بأن يقال:
أولًا: أن القول بذلك فرع عن القول بأن الإيمان هو مجرد التصديق وهو باطل -كما سبق-
(4)
فما هو فرع له كذلك.
(1)
منهاج السنة (5/ 251).
(2)
انظر: تعظيم قدر الصلاة (2/ 930)، مجموع الفتاوى (7/ 220، 557 - 558)، الصارم المسلول (3/ 955) وما بعدها، الدرر السنية (10/ 149) وما بعدها، وللاستزادة: التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد لعلوي السقاف.
(3)
انظر: أصول الدين للبغدادي (ص 266)، المواقف (ص 388)، وشرحها (8/ 331 - 332)، شرح المقاصد (5/ 224 - 225).
(4)
انظر: (ص 665).