الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك يبعثك الله يوم القيامة"
(1)
…
"
(2)
.
وبما سبق يُعلم أن ما قرره ابن حجر من القول بخلق الجنة والنار ووجودهما الآن موافق لقول أهل السنة والجماعة.
2 - دوام الجنة والنار:
يرى ابن حجر رحمه الله دوام الجنة والنار، ويرد على من قال بفنائهما، حيث يقول: "قال قوم: إن عذاب الكفار منقطع وله نهاية، واستدلوا:
بهذه الآية [يريد قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود: 107]].
وبـ {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} [النبأ: 23].
وبأن معصية الظلم متناهية، فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم"
(3)
.
"ونقل غير واحد هذه المقالة عن ابن مسعود وأبي هريرة.
قال ابن تيمية: وهو قول عمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، وذهب إليه الحسن البصري، وحماد بن سلمة
(4)
، وجماعة من المفسرين"
(5)
.
والجواب: "دلت الآيات والأحاديث على أن عذاب الكفار في جهنم دائم مؤبد، وما ورد مما يخالف ذلك يجب تأويله، فمن ذلك:
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي (1/ 409) برقم (1379)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه (4/ 2199) برقم (2866).
(2)
شرح الطحاوية (2/ 614 - 616).
(3)
الزواجر (1/ 37).
(4)
هو حماد بن سلمة بن دينار، أبو سلمة البصري، إمام قدوة محدث، سلفي المعتقد، شديد على المبتدعة، توفي سنة 167 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (7/ 444)، شذرات الذهب (1/ 262).
(5)
الزواجر (1/ 37)، وانظر: كلام شيخ الإسلام في رسالة الرد على من قال بفناء الجنة والنار (ص 53).
قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود: 107] فظاهره أن مدة عقابهم مساوية لمدة بقاء السموات والأرض إلا ما شاء الله من هذه المدة فلا يكونون خالدين فيها، وقد أوله العلماء بنحو عشرين وجهًا يرجع بعضها إلى حكمة التقييد بدوام السموات والأرض، وبعضها إلى حكمة الاستثناء ومعناه
…
وقوله: {أَحْقَابًا} لا يقتضي أن له نهاية؛ لأن العرب يعبرون به وبنحوه عن الدوام.
ولا ظلم في ذلك؛ لأن الكافر كان عازمًا على الكفر ما دام حيًّا فعوقب دائمًا، فهو لم يعاقب بالدائم إلا على دائم فلم يكن عذابه إلا جزاء وفاقًا"
(1)
.
"ويرد ما نقله -يعنى: ابن تيمية- عن الحسن قول غيره
…
قال العلماء: قال ثابت: سألت الحسن عن هذا فأنكره.
والظاهر أن هؤلاء الذين ذكرهم لم يصح عنهم من ذلك شيء وعلى التنزل بمعنى كلامهم -كما قاله العلماء- ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين، أما مواضع الكفار فهي ممتلئة بهم لا يخرجون عنها أبدًا كما ذكره الله تعالى في آيات كثيرة"
(2)
.
"واعلم أن التقييد والاستثناء في أهل الجنة ليس المراد بهما ظاهرهما باتفاق الكل، لقوله تعالى: {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] فيؤول بنظير ما مر، ويكون المراد بها إذا جعلناها بمعنى من أهل الأعراف وعصاة المؤمنين الذين لم يدخلوها إلا بعد"
(3)
.
وقد نقل ابن حجر القول بفناء النار عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وعده من جملة ما خالف به الناس، وخرق به الإجماع
(4)
.
(1)
الزواجر (1/ 36 - 37).
(2)
المصدر السابق (1/ 37).
(3)
المصدر السابق (1/ 38)، وانظر: الفتاوى الحديثية (ص 165، 166، 234، 257).
(4)
انظر: الفتاوى الحديثية (ص 158 - 159).
التقويم:
أجمع أهل السنة والجماعة
(1)
ومن وافقهم
(2)
على القول ببقاء الجنة، ودوام نعيمها، وخلود أهلها، وخالف في ذلك الجهمية فقالوا بفنائها وأهلها.
وأما النار فقد اختلف الناس في بقائها، ودوام عذابها، وخلود أهلها على ثمانية أقوال
(3)
، أهمها ثلاثة:
الأول: أن النار كالجنة باقية لا تفنى، وأن الله تعالى يخرج منها من يشاء، ويبقى فيها الكفار بقاءً أبديًا لا انقضاء له.
والثاني: أن النار تفنى، وأن الله تعالى يخرج منها من يشاء، ثم يبقيها ما يشاء، ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمدًا تنتهي إليه.
والثالث: الإمساك عن ذلك كله، والوقوف عند قوله سبحانه:{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107].
والقول الصحيح -والله أعلم- أن النار كالجنة باقية لا تفنى، وهو قول جمهور أهل السنة والجماعة
(4)
، وحكاه بعضهم إجماعًا
(5)
.
(1)
انظر: الشرح والإبانة (ص 208)، أصول السنة لابن زمنين (ص 139 - 140)، عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 364)، مراتب الإجماع لابن حزم (ص 13)، الحجة في بيان المحجة (2/ 253)، بيان تلبيس الجهمية (1/ 581)، حادي الأرواح (ص 323)، شرح الطحاوية (2/ 620).
(2)
انظر: الفصل (4/ 83)، أصول الدين للبغدادي (ص 238)، أصول الدين للبزدوي (ص 165 - 166)، المسايرة (ص 247 - 249).
(3)
انظر: حاي الأرواح (ص 329 - 332)، شرح الطحاوية (2/ 624)، فتح الباري (11/ 421 - 422).
(4)
انظر: أصول) السنة لابن أبي زمنين (ص 139 - 140)، عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 364)، الحجة في بيان المحجة (2/ 263، 436)، التمهيد (5/ 11)، الاقتصاد في الاعتقاد (ص 176)، شرح الطحاوية (2/ 620 - 621)، توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين لمرعي الكرمي (ص 62)، كشف الأستار في إبطال قول من قال بفناء النار للشوكاني (2/ 789)، لوامع الأنوار (2/ 230).
(5)
انظر: مراتب الإجماع (ص 13)، بيان تلبيس الجهمية (1/ 581)، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار للصنعاني (ص 116).
وأدلة ذلك متظافرة من الكتاب والسنة:
فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} [فاطر: 36].
وقوله سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} [المائدة: 37].
وقوله عز وجل: {أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} [الشورى: 45].
ومن السُّنَّة: قوله صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة، وبدخل أهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، كل خالد فيما هو فيه"
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم -أو قال بخطاياهم- فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحمًا أذن بالشفاعة
…
"
(2)
.
والقولان الآخران لا تنهض أدلتهما لمعارضة هذه الأدلة الصريحة، والجواب عنها يطول المقام بتسطيره، وما ذكره ابن حجر في كلامه السابق يغني عن إعادته.
وأما ما ذكره ابن حجر عن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله من القول بفناء النار، فالجواب عنه:
أن الناس على اختلاف مشاربهم قد اختلفوا في موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من هذه المسألة، وذهبوا في ذلك ثلاثة مذاهب:
الأول: من ينفي قوله بفناء النار.
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب (4/ 2049) برقم (6544)، ومسلم، كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفة (4/ 2189) برقم (2850) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما به.
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة (1/ 172) برقم (185) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به.
الثاني: من يثبت قوله بفناء النار.
الثالث: من يقول بميله إلى القول بفناء النار دون جزمه به
(1)
.
ونصوص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة محتملة لهذه المذاهب كلها
(2)
، وسواء ثبت عنه القول بذلك أو الميل له أو عدمه فإنه لا طعن عليه فيه؛ إذ الخلاف في المسألة مشهور مأثور، والمجتهد فيها دائر بين الأجر والأجرين، والتثريب عليه ممتنع
(3)
.
* * *
(1)
انظر: رفع الأستار (ص 61) وما بعدها، إيثار الحق على الخلق لابن الوزير (ص 203)، جلاء العينين (ص 420 - 424)، لوامع الأنوار البهية (2/ 235)، مقدمة العلامة الألباني على رفع الأستار (ص 8 - 45)، مقدمة الدكتور السمهري على الرد على من قال بفناء الجنة والنار (ص 18 - 27)، كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء الجنة والنار المنسوب لشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم للدكتور علي بن علي الحربي، دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية للدكتور عبد الله الغصن (ص 608 - 624).
(2)
جمع جملة منها العلامة الألباني في مقدمة تحقيقه لرفع الأستار (ص 8 - 20)، والدكتور علي الحربي في رسالته كشف الأستار (ص 58 - 71)، والدكتور عبد الله الغصن في دعاوى المناوئين (ص 611 - 616).
(3)
انظر: جلاء العينين (ص 427).