الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: أن القول بذلك يستلزم لوازم باطلة، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم، منها:
1 -
أن لا يكون للقول والعمل المكفر أثر في التكفير وجودًا وعدمًا، وإنما المؤثر في التكفير على الحقيقة هو الاعتقاد، والاعتقاد بمجرده مكفر سواء صاحبه القول والعمل أو لم يصاحباه؛ وعليه فلا معنى لوقوع الكفر بهما
(1)
.
2 -
أن لا يكون شيء من الأقوال والأعمال كفرًا إلا مع الاعتقاد، والاعتقاد من السرائر المحجوبة؛ وعليه فلا يتحقق كفر كافر قط إلا بالنص الخاص في شخص خاص
(2)
.
3 -
أن لا يكفر من قال قولًا كفريًا أو عمل عملًا كفريًا وزعم أن قوله لذلك أو فعله له ليس اعتقادًا وإنما غيظًا أو سفهًا أو عبثًا أو لعبًا
(3)
.
ثالثًا: أن القول بذلك يؤدي إلى التساهل في الأقوال والأعمال الكفرية بدعوى عدم اعتقاد ما دلت عليه، وتعطيل الحكم بالكفر على من يستحقه بزعمه عدم اعتقاده
(4)
.
ثانيهما: المعارضة:
بما دلت عليه النصوص المتكاثرة من إطلاق الكفر على بعض الأقوال والأعمال، ووصف المقارف لها بالكفر.
ثانيًا: التحذير من التكفير بغير حق، وضرورة الاحتياط في الحكم به:
حذر ابن حجر رحمه الله من التكفير بغير حق، وبين أن من قال لأخيه: يا كافر دائر بين الوقوع في الكفر والوقوع في الكبيرة، حيث قال: "قول إنسان لمسلم: يا كافر أو يا عدو الله
…
إما كفر بأن يسمى المسلم كافرًا أو عدو الله من جهة وصفه بالإسلام، فيكون قد سمى الإسلام كفرًا ومقتضيًا لعداوة الله وهذا كفر.
(1)
انظر: الصارم المسلول (3/ 963).
(2)
انظر: إيثار الحق على الخلق (ص 419).
(3)
انظر: الصارم المسلول (3/ 963).
(4)
انظر: الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 384، 386).
وإما كبيرة بأن لا يقصد ذلك فرجوع ذلك إليه حينئذ كناية عن شدة العذاب والإثم عليه وهذا من أمارات الكبيرة"
(1)
.
وبين ابن حجر رحمه الله ضرورة احتياط المفتي والحاكم في الحكم بالكفر، حيث قال:
"ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظيم خطره، وغلبة عدم قصده سيما من العوام، وما زال أئمتنا على ذلك قديمًا وحديثًا"
(2)
.
التقويم:
الكفر حكم شرعي متلقى من نصوص الشريعة، والحكم به بمحض العقل ومجرد الرأي من القول على الله بغير علم
(3)
.
ولهذا وردت النصوص بالتحذير من التكفير بغير حق، وضرورة الاحتياط في الحكم به.
وفي الحديث: "من دعا رجلًا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه"
(4)
.
وقد اختلف أهل العلم في المراد بالحديث، وحكم من تلفظ بإحدى هاتين اللفظتين على أقوال كثيرة
(5)
.
(1)
الزواجر (2/ 125)، وانظر: الإعلام بقواطع الإسلام (ص 175 - 184).
(2)
تحفة المحتاج (4/ 110)، وانظر: الإعلام بقواطع الإسلام (ص 218 - 219).
(3)
انظر: الشفا للقاضي عياض (2/ 1065)، درء التعارض (1/ 242)، منهاج السنة (5/ 244)، مختصر الصواعق المرسلة (2/ 421)، العواصم من الفواصم (4/ 178).
(4)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم (1/ 80) برقم (61) من حديث أبي ذر رضي الله عنه به.
(5)
انظر: شرح صحيح مسلم (1/ 249)، فتح الباري (10/ 466).
يقول الحافظ ص ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "التحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم
…
وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به، وقيل: يُخشى عليه أن يؤول به ذلك إلى الكفر كما قيل: المعاصى بريد الكفر فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة.
وأرجح الجميع أن يقال: من قال ذلك لمن لا يعرف منه إلا الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر، فإنه يكفر بذلك ..
فمعنى الحديث: فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر فكأنه كفر نفسه؛ لكونه كفّر من هو مثله، ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام"
(1)
.
وقد ذكر الفقهاء من شتى المذاهب في كتبهم كتاب المرتد، وبينوا فيه من الأحكام المترتبة على الردة ما يؤكد خطورة التكفير، وضرورة الاحتياط في الحكم به
(2)
.
"ولهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم، لأن الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله"
(3)
.
وبما سبق يتضح صحة ما قرره ابن حجر رحمه الله من خطورة التكفير بغير حق، وضرورة الاحتياط في الحكم به، وحكم من قال لأخيه: يا كافر أو يا عدو الله.
(1)
فتح الباري (10/ 466).
(2)
انظر: بدائع الصنائع للكاساني (7/ 134)، فتح القدير لابن الهمام (6/ 91)، جامع الأمهات لابن الحاجب (ص 512)، الذخيرة للقرافي (12/ 13)، روضة الطالبين (7/ 283)، كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين للمحلي (4/ 267)، الفروع لابن مفلح (6/ 164)، كشاف القناع للبهوتي (6/ 167).
(3)
الرد على البكري (1/ 381).