الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد استدل - ابن حجر - غفر الله له - بالعقل في بعض المسائل العقدية، وجانب الصواب فيها؛ نظرًا لمخالفته منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال به - كما سيأتي -.
ثانيًا: منهجه في تقرير العقيدة:
سلك - ابن حجر - عفا الله عنه - في تقرير العقيدة منهج المتكلمين، وبرز ذلك في عدة جوانب، منها:
1 - معارضته النقل بالعقل، وتقديمه العقل عليه. وحكمه بموجبه:
من الأصول المقررة أن "ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط"
(1)
.
فالمعارضة بين النقل الصحيح والعقل الصريح وَهْم عقلي لا وجود له في الواقع.
وأول من عارض بين العقل والنقل وقدم المعقول على المنقول هم الجهمية
(2)
، ثم انتقل ذلك إلى المعتزلة
(3)
، وتبعهم عليه الأشاعرة
= الاستقامة له أيضًا، الصواعق المرسلة لابن القيم (4/ 1277)، شرح الطحاوية (1/ 277)، وللاستزادة: منهج السلف والمتكلمين في موافقة العفل للنقل لجابر إدريس.
(1)
درء التعارض (1/ 147).
(2)
الجهمية: هم طائفة من أهل الباع، ينتسبون إلى الجهم بن صفوان السمرقندي، من بدعهم: القول بنفي الأسماء والصفات عن الله تعالى، وأن العبد مجبور على فعله ولا قدرة له ولا اختيار، وأن الإيمان إنما هو المعرفة، وأنه لا يزيد ولا ينقص، وغيرها.
انظر: التنبيه والرد (ص 110)، مقالات الإسلاميين (1/ 214)، الفرق بين الفرق (ص 211)، الملل والنحل للبغدادي (ص 145)، الفصل (4/ 204)، الملل والنحل للشهرستاني (1/ 86)، البرهان (ص 4).
(3)
المعتزلة هي فرقة ظهرت في الإسلام في أوائل القرن الثاني، وسلكت منهجًا عقليًا متطرفًا في بحث العقائد الإسلامية، ورأسها واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وجملة أصولهم خمسة هي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ستروا تحت كل واحد منها معنى باطلًا يخالف المتبادر منه.
انظر: التنبيه والرد للملطي (ص 49)، مقالات الإسلاميين (1/ 235)، الفرق بين الفرق (ص 114)، الملل والنحل للبغدادي (ص 183)، الفصل (5/ 57)، التبصير في الدين =
والماتريدية وبخاصة المتأخرون منهم، حتى صار ذلك علامة عليهم تميزهم عن أهل السنة والجماعة.
يقول العلامة أبو المظفر السمعاني
(1)
رحمه الله: "اعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل، فإنهم أسّسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعًا للمعقول"
(2)
.
وشبهة هؤلاء على اختلافهم أن العقل هو الذي دل على صحة النقل، وذلك بمعرفة الله وصدق الرسول، فلو قدم النقل على العقل لكان في ذلك تقديم للفرع على الأصل، ولكان فيه إبطال للأصل، وإذا بطل الأصل الدال على الفرع بطل بالتالي الفرع المترتب عليه، وقد ذكر هذا المعنى كثير من أهل الكلام بعبارات متنوعة، وأساليب مختلفة
(3)
.
وقد قرر - ابن حجر - عفا الله عنه - ذلك في كتبه، وفرّع عليه جملة من المسائل العقدية.
حيث قال: "وكالنص، حكم العقل القطعي، فالاعتقاد المستند إليه صحيح، وإن لم يرد فيه نص، بل لو ورد النص بخلافه، وجب تأويل النص إليه، كآيات الصفات وأحاديثها؛ إذ ظاهرها محال على الله عقلًا، فوجب صرفها عنه بتأويلها بما يوافق العقل"
(4)
.
= (ص 53)، الملل والنحل للشهرستاني (1/ 43)، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 27)، البرهان (ص 49).
(1)
هو منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي السمعاني، أبو المظفر، الحنفي ثم الشافعي، أصولي مفسر سلفي، له مصنفات منها: تفسيره المشهور، والقواطع في أصول الفقه، والانتصار لأهل الحديث، توفي سنة 489 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 114)، شذرات الذهب (3/ 393).
(2)
نقله عنه السيوطي في صون المنطق (ص 182).
(3)
انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص 212، 233، 262، 226)، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد للجويني (ص 301)، معالم أصول الدين للرازي (ص 24)، غاية المرام للآمدي (ص 200)، المسامرة شرح المسايرة لابن أبي شريف (ص 99).
(4)
المنح المكية (2/ 868).
وبناء على هذا أوّل ابن حجر - غفر الله له - نصوص الصفات كالعلو
(1)
، واليمين
(2)
، والأصابع
(3)
، والنور
(4)
، والصورة
(5)
، والكلام
(6)
، والنزول
(7)
، والقرب
(8)
، والمحبة
(9)
، والرحمة
(10)
، والغضب
(11)
، ونفى دلالاتها اللائقة بالله تعالى.
ولا شك في بطلان ما قرره ابن حجر من المعارضة بين العقل والنقل وتقديم العقل والحكم بموجبه عليه، لِمَا يلزم على ذلك من فتح باب الزندقة والإلحاد في آيات الله وأسمائه على مصراعيه، بدعوى مخالفتها لصرائح العقول.
ولهذا فمن طرد هذا الأصل الباطل أدّاه إلى الكفر والنفاق والإلحاد، ومن لم يطرده تناقض وفارق العقل والنقل وظهر ما في قوله من التفريق بين المتماثلات القاضي ببطلانه وفساده
(12)
.
وهو ما وقع فيه ابن حجر - غفر الله له - حيث أنكر على المعتزلة طردهم هذا الأصل، ومعارضتهم النقل بالعقل وحكمهم بموجبه بزعمهم في جملة من المسائل كذبح الموت
(13)
، وفتنة القبر، وعذابه ونعيمه، والصراط، والميزان، والحوض، والرؤية
(14)
.
وبسط الكلام في بيان بطلان هذا الأصل، والرد عليه مذكور في مواضعه من كتب أهل العلم
(15)
.
(1)
انظر: (ص 303).
(2)
انظر: (ص 312).
(3)
انظر: (ص 314).
(4)
انظر: (ص 318).
(5)
انظر: (ص 321).
(6)
انظر: (ص 327).
(7)
انظر: (ص 340).
(8)
انظر: (ص 347).
(9)
انظر: (ص 349).
(10)
انظر: (ص 352).
(11)
انظر: (ص 354).
(12)
انظر: درء التعارض (5/ 322)(6/ 3)، الصواعق المرسلة لابن القيم (4/ 1353).
(13)
انظر: الفتاوى الحديثية (ص 234).
(14)
انظر: الزواجر (1/ 100).
(15)
انظر: درء التعارض (5/ 244) وما بعدها، مجموع الفتاوى (3/ 338)، الاستقامة لابن تيمية (1/ 23)، الصواعق المرسلة (4/ 1277) وما بعدها، شرح الطحاوية لابن أبي العز =