الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره أو أنفق من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنًا من كان، وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث
…
والأحاديث المذكورة
…
لا تدلّ على أفضلية غير الصحابة على الصحابة؛ لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضًا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد
…
"
(1)
.
خامسًا: عدالة الصحابة:
قرر ابن حجر رحمه الله عدالة جميع الصحابة، وحكى إجماع أهل العلم عليها، ورد على من قصرها على من لازم النبي صلى الله عليه وسلم ونصره منهم.
يقول في ذلك: "اعلم أن الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب على كل أحد تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم، والكف عن الطعن فيهم، والثناء عليهم، فقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في آيات من كتابه"، والنبي صلى الله عليه وسلم في "الأحاديث الكثيرة الشهيرة
…
[بما] يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه؛ لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام ببذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين القطع بتعديلهم والاعتقاد بنزاهتهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يُعتمد قوله، ولم يخالف فيه إلا شذوذ من المبتدعة الذين ضلوا وأضلوا، فلا يُلتفت إليهم، ولا يعول عليهم
…
وزَعْمُ المازري
(2)
اختصاص الحكم بالعدالة بمن لازمه ونصره دون
(1)
فتح الباري (7/ 6 - 7).
(2)
هو محمد بن علي بن عمر التميمي أبو عبد الله المازري، أشعري المعتقد، مالكي المذهب، من مؤلفاته: المعلم بفوائد مسلم، شرح التلقين، إيضاح المحصول من برهان الأصول وغيرها. توفي سنة 546 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 104)، شذرات الذهب (4/ 114).
من اجتمع به يومًا أو لغرض غير موافق عليه بل اعترضه جماعة من الفضلاء.
قال شيخ الإسلام العلائي
(1)
: "هو قول غريب يخرج كثيرًا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة، كوائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وعثمان بن أبي العاص وغيرهم ممن وفد عليه صلى الله عليه وسلم، ولم يقم عنده إلا قليلًا وانصرف، والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور، وهو المعتبر". انتهى"
(2)
.
التقويم:
العدالة في اللغة: مصدر عَدُل، يقال: عَدُل يعدِلُ عدولة وعدالة
(3)
.
يقول ابن فارس: "العين والدال واللام أصلان صحيحان، لكنهما متقابلان كالمتضادين: أحدهما يدل على استواء، والآخر يدل على اعوجاج.
فالأول: العدل من الناس: المرضي المستوي الطريقة، يقال: هذا عَدْلٌ، وهما عَدْلٌ
…
وتقول: هما عَدْلان أيضًا، وهم عدول
…
والآخر: يقال في الاعوجاج، عَدَل، وانعدَل: أي: انعرج"
(4)
.
وأما في الاصطلاح: فقد اختلف أهل العلم في تعريفها اختلافًا
(1)
هو خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي المعروف بصلاح الدين العلائي، شافعي متفنن، من مؤلفاته: تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة، جزء في تفسير الباقيات الصالحات، جامع التحصيل لأحكام المراسيل وغيرها. توفي سنة 761 هـ.
انظر: الدرر الكامنة (2/ 91)، شذرات الذهب (6/ 190).
(2)
الصواعق (2/ 603 - 608)، وانظر: تطهير الجنان (ص 166)، المنح المكية (3/ 1179)، الإعلام بقواطع دين الإسلام (ص 300)، التعرف (ص 73، 126)، الإيعاب (1/ 34).
(3)
انظر: تهذيب اللغة (3/ 2358)، الصحاح (5/ 1765)، لسان العرب (11/ 430)، القاموس (ص 1331).
(4)
معجم مقاييس اللغة (ص 745).
كثيرًا
(1)
، وأجمع ما رأيته من أقوالهم فيها قول الحافظ السيوطي رحمه الله فإنه عرفها بقوله:"هي ملكة - أي: هيئة راسخة في النفس - تمنع من اقتراف كبيرة، أو صغيرة دالة على الخسة، أو مباح يخل بالمروءة".
ثم أعقب ذلك بقوله: "وهذه أحسن عبارة في حدها"
(2)
.
والصحابة رضي الله عنهم قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته، وتبليغ شرعه وإعلاء كلمته، وكلهم رضي الله عنهم عدول، قد تحققت فيهم صفة العدالة، وظهر فيهم معناها على ما مرّ ذكره في تعريفها.
يقول الحافظ العلائي رضي الله عنهم: "الذي ذهب إليه جمهور السلف والخلف أن العدالة ثابتة لجميع الصحابة رضي الله عنهم وهي الأصل المستصحب فيهم إلى أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد منهم لِمَا يوجب الفسق مع علمه، وذلك مما لم يثبت صريحًا عن أحد منهم - بحمد الله - فلا حاجة إلى البحث عن عدالة من ثبت له الصحبة ولا الفحص عنها بخلاف من بعدهم"
(3)
.
والأدلة على ذلك متظافرة:
"أحدها: ثناء الله عليهم، ومدحه إياهم، ووصفه لهم بكل جميل
…
الثاني: ثناء النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره بما منحهم الله تعالى من كونهنم خير القرون من أمته وأفضلها، وأن أحدًا ممن يأتي بعدهم لا يبلغ أدنى جزء من شأنهم ولو أنفق ملء الأرض ذهبًا في سبيل الله
…
الثالث: الإجماع على ذلك ممن يعتد به
…
فإنه لم يخالف في عدالة الصحابة من حيث الجملة أحد من أهل السنة"
(4)
.
وما ذكره الحافظ العلائي رحمه الله من ثبوت الإجماع منقول عن جماعة من أهل العلم، منهم: الخطيب البغدادي
(5)
، وابن عبد البر
(6)
،
(1)
انظر: الكفاية في علوم الحديث للخطيب (ص 102).
(2)
الأشباه والنظائر (ص 413).
(3)
تحقيق منيف الرتبة (ص 60).
(4)
تحقيق منيف الرتبة (ص 62 - 78).
(5)
انظر: الكفاية في علم الرواية (ص 67).
(6)
انظر: الاستيعاب (1/ 129).