الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يكن السلف الأوائل يستعملونه بمعناه الاصطلاحي الذي تعارف عليه من بعدهم.
وأما المتأخرون فقد اصطلحوا على استعمال هذا اللفظ في الدلالة على خوارق الأولياء
(1)
.
يقول العلامة محمود شكري الألوسي رحمه الله: "كل من يذكر تعريف الكرامة وحَدَّها يقول: هي خرق الله العادة لوليه؛ لحكمة أو مصلحة تعود عليه أو على غيره"
(2)
.
وبهذا يظهر أن تعريف ابن حجر رحمه الله الكرامة بما سبق لا يخرج عن قول من عرفها من المتأخرين.
ثانيًا: الفرق بين الكرامة والمعجزة وخوارق السحر:
بيّن ابن حجر رحمه الله -الفرق بين الكرامة والمعجزة، فقال: "الذي عليه معظم الأئمة أنه يجوز بلوغها مبلغ المعجزة في جنسها وعظمها، وإنما يفترقان في:
أن المعجزة تقترن بدعوى النبوة
…
والكرامة تقترن بدعوى الولاية، أو تظهر على يد الولي من غير دعوى شيء وهو الأكثر
…
وأن دلالة المعجزة على النبوة قطعية وأن النبي يعلم أنه نبي، ودلالة الكرامة ظنية، ولا يعلم مظهرها أو من ظهرت عليه أنه ولي وقد يعلم ذلك
…
"
(3)
.
كما بين ابن حجر أيضًا الفرق بين الكرامة وخوارق السحر، فقال: "أما الفرق بين الكرامة والسحر فهو أن الخارق الغير مقترن بتحدي النبوة إن ظهر على يد صالح وهو القائم بحقوق الله وحقوق خلقه فهو الكرامة، أو على يد من ليس كذلك فهو السحر أو الاستدراج
…
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (11/ 311)، شرح العقيدة الطحاوية (2/ 746).
(2)
فتح المنان (ص 413)، وانظر: لوامع الأنوار البهية (2/ 392)، تيسير العزيز الحميد (ص 413)، الدرر السنية (11/ 211)، فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (1/ 388).
(3)
الفتاوى الحديثية (ص 396 - 400)، وانظر: فتح المبين (ص 21)، المنح المكية (3/ 1464)، فتح الإله (ص 127).
وتمييز الصالح المذكور عن غيره بيِّن لا خفاء فيه؛ إذ ليست السيما كالسيما، ولا الآداب كالآداب، وغير الصالح لو لبس ما عسى أن يلبس لابد أن يرْشح من نتن فعله أو قوله ما يميزه عن الصالح"
(1)
.
التقويم:
اختلف الناس في الخوارق هل هي جنس واحد أم لا؟
فذهب أهل السنة والجماعة إلى أنها ليست من جنس واحد
(2)
، وفرقوا بينها بما سيأتي.
وذهب المعتزلة والأشاعرة إلى أنها من جنس واحد، ثم اختلفوا فأثبت المعتزلة المعجزات ونفوا ما عداها
(3)
، وأثبت الأشاعرة الجميع واضطربوا في الفرق بينها
(4)
.
وما ذكره ابن حجر - غفر الله له - في الفرق بين الكرامة والمعجزة بناه على مذهبه الأشعري؛ حيث حصر الفرق بينهما في دعوى النبوة ودلالة كل منهما، دون اختلافهما في قدر خرق العادة وهو أظهر، لأن جمهور الأشاعرة يقولون باستوائها وأن كل ما جاز خرقه للنبي جاز للولي
(5)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض الرد عليهم: "أصلهم أن ما يأتي به النبي والساحر والكاهن والولي من جنس واحد، لا يتميز بعضه عن بعض بوصف، لكن خاصة النبي اقتران الدعوى، والاستدلال والتحدي بالمثل بما يأتي به.
فلم يجعلوا لآيات الأنبياء خاصة تتميز بها عن السحر، والكهانة، وعما يكون لآحاد المؤمنين، ولم يجعلوا للنبي مزية على عموم المؤمنين، ولا على السحرة والكهان من جهة الآيات التي يدل الله بها العباد على صدقه
…
(1)
الفتاوى الحديثية (ص 399)، وانظر: المنح المكية (3/ 1467).
(2)
انظر: النبوات (1/ 526، 606)(2/ 1040).
(3)
انظر: المغني (15/ 241 - 243)، أعلام النبوة (ص 62)، الكشاف (4/ 150).
(4)
انظر: البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات (ص 91، 96)، الإرشاد (ص 269)، المواقف (ص 346)، شرح المقاصد (5/ 11، 72 - 74).
(5)
انظر: أصول الدين للبغدادي (174 - 175)، الإرشاد (ص 269)، المواقف (ص 340).
فهؤلاء سووا بين الأجناس الثلاثة"
(1)
، وقالوا: "الفرق هو دعوى النبوة والتحدي بالمثل، وهذا غلط فإن آيات الأنبياء عليه السلام التي دلت على نبوتهم، هي أعلى مما يشتركون فيه هم وأتباعهم؛ مثل الإتيان بالقرآن، ومثل الإخبار بأحوال الأنبياء المتقدمين وأممهم، والإخبار بما يكون يوم القيامة، وأشراط الساعة
…
"
(2)
.
وعليه فإن الحق أن الكرامة دون المعجزة في خرقها للعادة، وأن الفرق بينهما لا ينحصر في دعوى النبوة ودلالة كل منهما، بل إنهما يفترقان في أمور عديدة، منها:
1 -
أن الكرامة دون المعجزة في خرق العادة.
2 -
أن الكرامة معتادة في الصالحين بخلاف المعجزة فهي خارقة لعادة البشر.
3 -
أن الكرامة تابعة للمعجزة ودليل من دلائل النبوة، فإن الولي لم تحصل له الكرامة إلا لاتباعه النبي، ولو لم يتبعه لما وقعت له.
4 -
أن الكرامة ينالها الولي بفعله كعبادته ودعائه، بخلاف المعجزة فإنها غير مكتسبة
(3)
.
وأما ما ذكره ابن حجر رحمه الله في الفرق بين الكرامة وخوارق السحر فهو موافق لما عليه أهل السنة والجماعة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وبين كرامات الأولياء وبين ما يشبهها من الأحوال الشيطانية فروق متعددة، منها: أن كرامات الأولياء سببها الإيمان والتقوى، والأحوال الشيطانية يكون سببها ما نهى الله عنه ورسوله، ويستعان بها على ما نهى الله عنه ورسوله"
(4)
.
(1)
النبوات (1/ 606).
(2)
المصدر السابق (1/ 526).
(3)
انظر: النبوات (1/ 558 - 560)، وللاستزادة: كرامات الأولياء لعبد الله العنقري (ص 30 - 37).
(4)
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص 327)، وانظر: قطر الولي على حديث الولي للشوكاني (ص 272).