الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورسوله بل هو قول ورأي القائل وذوقه من غير دليل شرعي، والرأي والذوق بدون دليل شرعي لا يجوز.
الرابع: أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر، وأما تلك الأمور فلا يمكن الفرق بها بين الكبائر والصغائر؛ لأن تلك الصفات لا دليل عليها
…
الخامس: أن تلك الأقوال فاسدة
…
"
(1)
.
وبما تقدم يظهر من كلام ابن حجر رحمه الله في هذه المسألة أنه يرى أن الكبيرة يمكن تعريفها بالحد، ولكن تعريفها به لا يخلو من اعتراض وتعقب؛ ولهذا فالأولى عنده تعريفها بالعد ويؤيد ذلك اعتباره حدها في سياقه للكبائر، وبيانه لبعض حدودها في كلامه السابق.
وعليه فلا تعارض في كلامه بين ترجيح تعريفها بالعد وتعريفه لها ببعض الحدود.
وقوله بهذا كافٍ في ردّ ما أورده من حدود الكبيرة، ومغنٍ عن ذكر الاعتراضات الواردة عليها.
2 - حكم مرتكب الكبيرة:
يرى ابن حجر رحمه الله أن مرتكب الكبيرة إذا مات على الإيمان فإنه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وهو تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، خلافًا للخوارج والمعتزلة من جهة، والمرجئة من جهة أخرى.
يقول في ذلك:
"الحق ما عليه أهل السنة والجماعة وهو أن الميت مؤمنًا فاسقًا تحت المشيئة فإن شاء تعالى عذبه كما يريد ثم مآله إلى أن يعفو عنه فيخرجه من النار
…
وإن شاء الله تعالى عفا عنه ابتداء فسامحه وأرضى عنه خصماءه ثم يدخل الجنة مع الناجين.
وأما قول الخوارج إن مرتكب الكبيرة كافر، وقول المعتزلة إنه مخلد
(1)
مجموع الفتاوى (11/ 650 - 657).
في النار حتمًا وأنه لا يجوز العفو عنه كما لا يجوز عقاب المطيع فهو من تقولهم وافترائهم على الله، تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا
…
وأما قول المرجئة لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة فهو من افترائهم أيضًا على الله تعالى، وما ورد مما قد يؤيده لم يُرَد به ظاهره بدليل نصوص أخر قاطع برهانها واضح بيانها
…
"
(1)
.
التقويم:
اختلف الناس في مرتكب الكبيرة من جهتين:
الأولى: اسمه.
والثانية: حكمه.
فذهب الخوارج
(2)
والمعتزلة
(3)
إلى أنه في الآخرة خالدٌ في النار، واختلفوا في اسمه في الدنيا وحكمه فيها.
فقالت الخوارج: هو كافر، واختلفوا في كفره هل هو كفر شرك أو كفر نعمة؟
فمن قال بأن كفره كفر شرك قال: تجرى عليه أحكام الكفار في الدنيا.
ومن قال منهم بأن كفره كفر نعمة قال: تجرى عليه أحكام المسلمين في الدنيا
(4)
.
وقالت المعتزلة: هو في منزلة بين المنزلتين، أي: بين الإيمان
(1)
الزواجر (1/ 31 - 32)، وانظر:(2/ 90، 94)، فتح المبين (ص 182)، تحفة المحتاج (1/ 2093)، تطهير الجنان واللسان (ص 133)، فتح الإله (ص 238)، العمدة (ص 634 - 677)، تنبيه الأخيار (ل 10 / أ).
(2)
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 168)، الملل والنحل (1/ 115)، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 51)، البرهان (ص 19).
(3)
انظر: شرح الأصول الخمسة (ص 666).
(4)
انظر: الموجز في تحصيل السؤال وتلخيص المقال في الرد على أهل الخلاف لأبي عمار عبد الكافي الإباضي ضمن كتاب آراء الخوارج للدكتور عمار طالبي (2/ 116).
والكفر، وحكمه في الدنيا حكم باقي المسلمين
(1)
.
وذهب المرجئة إلى أن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، وأنه في الآخرة من أهل الجنة إذا مات موحدًا مؤمنًا وإن زنى وسرق وقتل، وقال المرجئة الخالصة منهم: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة
(2)
.
وتوسط أهل السنة والجماعة وهم الوسط الخيار، فقالوا: إن مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وأن حكمه في الدنيا حكم بقية المسلمين، وهو في الآخرة إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
(3)
.
يقول الإمام الصابوني رحمه الله: "ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن أذنب ذنوبًا كثيرة، صغائر وكبائر؛ فإنه لا يكفر بها، وإن خرج عن الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد والإخلاص؛ فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة يوم القيامة سالمًا غانمًا غير مبتلى بالنار، ولا معاقبًا على ما ارتكبه واكتسبه ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار، وإذا عذبه لم يخلده فيها بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار"
(4)
.
وقد نقل إجماع أهل السنة والجماعة على ذلك غير واحد من أهل العلم
(5)
.
وعليه فما رجحه ابن حجر رحمه الله في هذه المسألة وحكاه عن أهل السنة والجماعة من القول بأن مرتكب الكبيرة مؤمن لإيمانه فاسق بكبيرته، وهو في الآخرة تحت مشيئة الله تعالى، وتبريهم من قولي الوعيدية والمرجئة موافق لِمَا قرروه.
(1)
انظر: شرح الأصول الخمسة (ص 697، 701، 712)، المنية والأمل (ص 6).
(2)
انظر: التنبيه والرد (ص 155)، الملل والنحل (1/ 139 - 140)، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 108)، البرهان (ص 33).
(3)
انظر: شرح السنة للبربهاري (ص 73)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 162، 175، 176)، الشرح والإبانة (ص 265)، شرح السنة للبغوي (1/ 103)، عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 276)، مجموع الفتاوى (3/ 151، 374)(4/ 307)، شرح الطحاوية (2/ 524).
(4)
عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 276).
(5)
انظر: الشرح والإبانة (ص 265)، رسالة إلى أهل الثغر (ص 274)، شرح السنة للبغوي (1/ 103).