الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في مسألة السماع ومباحثها
(1)
.
واعتماد - ابن حجر - غفر الله له - على هؤلاء متفاوت بين اختصاره لبعض كتبهم دون نقد أو تعليق، أو تبنيه لآرائهم في المسائل العقدية دون تحقق من صحتها، وهو في الغالب لا يشير إلى ذلك، وإنما يعرف بالبحث والمقارنة.
9 - تعصبه لمذهبه، وحصره الحق فيه:
من سمات أهل الكلام ومعالم منهجهم أنهم يُوهِمُون الناس بأنهم وحدهم الذين على الحق والاستقامة ولزوم السنة والجماعة، ويتجاهلون أهل السنة والجماعة على الحقيقة، أو يلمزونهم؛ ليصرفوا أنظار الناس عنهم.
"فإذا قالوا: قال أهل الحق، أو المحققون، أو اتفقوا، أو أجمعوا، أو نحو ذلك فإنما يعنون طائفتهم من أهل الكلام، أو سائر أهل الكلام من غير اعتبار لأهل السنة غالبًا، وإذا ذكروا أهل السنة لمزوهم بالحَشَوية، أو المقلدة، أو أهل الحديث، أو الحنابلة، أو العامة
…
"
(2)
.
وقد جرى على هذا ابن حجر - غفر الله له - حيث زعم أن أهل الحق طائفتان هما: الأشاعرة والماتريدية، وأن أهل البدع من خالفهم
(3)
.
يقول في ذلك: "المراد بأصحاب البدع من كان على خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة، والمراد بهم: أتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري، وأبي منصور الماتريدي إمامي أهل السنة"
(4)
.
= أشعري مالكي، من مؤلفاته: الجامع لأحكام القرآن، والتذكرة بأحوال الموتى والآخرة، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وغيرها، توفي سنة 671 هـ. انظر: شذرات الذهب (5/ 335)، شجرة النور الزكية (ص 197).
(1)
انظر: (ص 718).
(2)
بيان تلبيس الجهمية، تحقيق: اللاحم (2/ 634 - 537).
(3)
انظر: الفتاوى الحديثية (ص 370)، المولد الشريف (ص 65)، الزواجر (1/ 99)، فتح المبين (ص 68)، تطهير الجنان (ص 36)، المنح المكية (3/ 1453).
(4)
الفتاوى الحديثية (ص 370).
بل إنه تجاوز ذلك فادّعى أن المدار في الاعتقاد ليس إلا ما عليه أهل السنة والجماعة، الذين هم بزعمه الأشاعرة والماتريدية.
حيث قال: "اعلم أن المدار في الاعتقاد ليس إلا ما عليه أهل السنة والجماعة وهم:
أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي وتابعوهما، وأنهما أعني الأشعرية والماتريدية، إذا اختلفا في مسألة فالتحقيق والمعمول به ما عليه الأشاعرة كما هو مقرر في الأصول.
على أن بعض المحققين منا معشر الأشاعرة بيّن أن الاختلاف الواقع بين الفريقين إنما هو في مسائل قليلة وأنه يرجع إلى الاختلاف اللفظي؛ لأنه إذا حقق المناط رُئي أن كلًّا من الفريقين لا يخالف الآخر"
(1)
.
والحق أن مصطلح أهل السنة له إطلاقان:
أحدهما: عام:
والمراد به ما يكون مقابل الرافضة، فيدخل فيه جميع الفرق المنتسبة إلى الإسلام - عدا الرافضة -.
وثانيهما: خاص:
والمراد به ما يكون مقابل أهل البدع والمقالات المحدثة، فلا يدخل فيه إلا أهل السنة والجماعة المحضة
(2)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لفظ أهل السنة:
يراد به من أثبت خلافة الثلاثة، فيدخل في ذلك - أي: في لفظ أهل السنة - جميع الطوائف إلا الرافضة.
وقد يراد به: أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى، ويقول القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة،
(1)
المولد الشريف (ص 65 - 66).
(2)
انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/ 221)، الرد على المنطقيين له (ص 523).
ويثبت القدر، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل السنة والحديث"
(1)
.
وعليه فدعوى ابن حجر - غفر الله له - أن الأشاعرة والماتريدية هم أهل الحق وأهل السنة والجماعة، وهم الذين عليهم المدار في الاعتقاد منقوضة من وجوه:
أ - أن مصطلح أهل السنة والجماعة معروف في صدر الإسلام، وقد ورد التعبير به على ألسنة جماعة من السلف قبل الأشعري والماتريدي
(2)
، فحصره فيهما ومن سار على منهجهما لا يصح.
ب - أن أهل الشيء في اللغة هم أخص الناس به، يقال: أهل الرجل: أخص الناس به، وأهل البيت: سكانه، وأهل الإسلام: من يدين به
(3)
.
وعليه فمعنى أهل السنة والجماعة: هم أخص الناس بها، وأكثرهم تمسكًا بها، واتباعًا لها، قولًا وعملًا واعتقادًا، وهذا الوصف إنما يتحقق في الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن سلك سبيلهم.
وأما الأشاعرة والماتريدية فإن هذا الوصف بإطلاقه لا يتحقق فيهم، لإعمالهم العقل وتقديمه على النقل، وردهم خبر الآحاد واستعاضتهم عنه بمعقولاتهم.
جـ - أن الحق واحد لا يتعدد، والأشاعرة والماتريدية اختلفوا في جملة من المسائل العقدية الكبار، وقد عني جماعة منهم بتحقيق الخلاف فيها، واضطربت أقوالهم في الترجيح بينها
(4)
، ومما أقروا بأن الخلاف فيه
(1)
منهاج السنة (2/ 221).
(2)
ورد التعبير بذلك عن ابن عباس رضي الله عنه وأيوب السختياني، وسفيان الثوري، والفضيل بن عياض، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وابن جرير، والطحاوي رحمهم الله.
انظر: الإيمان لأبي عبيد (ص 53)، صريح السنة لابن جرير (ص 20)، وتهذيب الآثار له (2/ 182)، العقيدة الطحاوية (ص 5)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 60، 61، 64، 72).
(3)
انظر: تهذيب اللغة للأزهري (1/ 227)، لسان العرب لابن منظور (11/ 29).
(4)
ذكر الدكتور شمس الدين الأفغاني رحمه الله في رسالته الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات سبعة وعشرين باحثًا عنوا بذلك استقلالًا أو ضمن بحوث لهم.