الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنكر رحمه الله على الجاحظ
(1)
زعمه أنه لا يوجد في القرآن الكريم تقرير الأدلة العقلية على المسائل العقدية بالطريقة البرهانية، حيث قال:
"زعم الجاحظ أنه لا يوجد فيه [يعني: القرآن الكريم] شيء من المذهب الكلامي، الذي هو احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته، بحجة تقطع الخصم على طريقة أرباب الكلام، ولا من النوع المنطقي الذي يستنتج منه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة.
وردوا عليه: بأنه مشحون من ذلك، إذ ما من برهان، ودلالة، وتقسيم، وتحديد يبنى منه كليات العلوم العقلية، إلا وكتاب الله قد نطق به، وقد بين الإسلاميون من أهل هذه العلوم كثيرًا من ذلك، منه أن من أول سورة الحج إلى قوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ
…
} [الحج: 7] خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات
…
قال الأئمة: إنما أوردت حججه على عادة العرب، دون دقائق المتكلمين، لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]، ولأن من استطاع أن يفحم غيره بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون لا ينبغي له أن ينحط إلى الأغمض الذي لا يفهمه إلا الأقلون، وإلا كان ملغزًا؛ ومن ثم أخرج تعالى في مخاطباته محاجات خلقه في أجلى صورة، وأوضحها، ليفهم العامة ما يقنعهم، أو يلزمهم الحجة بسببه، والخاصة ما يليق بهم من دقائق المعارف التي هي منتهى كل أحد، ومبلغ أربه"
(2)
.
وقد استدل ابن حجر رحمه الله بالقرآن الكريم في كثير من المسائل العقدية، وبيّن وجه دلالته عليها تارة، وأهملها أخرى.
2 - السنة النبوية:
عَرَّف ابن حجر رحمه الله السنة بقوله: "هي لغة: الطريقة، واصطلاحًا:
(1)
هو عمرو بن بحر بن محبوب البصري، المشهور بالجاحظ، أديب معتزلي، من مؤلفاته: الحيوان، والبيان والتبيين، والرد على اليهود، توفي سنة 250 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 526)، شذرات الذهب (2/ 121).
(2)
المنح المكية (2/ 813)، وانظر: الفتاوى الحديثية (ص 276).
أقواله صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وأحواله"
(1)
.
وأدخل تقريراته صلى الله عليه وسلم في جملة أفعاله
(2)
.
وبين ابن حجر رحمه الله أن السنة النبوية ليست على درجة واحدة في الحُجِّية، وإنما تختلف بحسب وصولها إلينا من جهة، وبحسب استجماعها شروط القبول من جهة أخرى.
حيث ذكر أن السنة من حيث وصولها إلينا قسمان: متواترة وآحادية، وبين ما يفيده كل منهما، فقال:
"المتواتر: هو خبر جمع عقلاء
…
يمتنع تواطؤهم على الكذب عن محسوس، فإن تعددت طبقاته اشترط ذلك في كل منها
…
والعلم عنه ضروري.
وما لم ينته للتواتر آحاد مظنون الصدق، ومنه: المستفيض
(3)
، والمشهور
(4)
…
وقد يفيد خبر الواحد العلم لقرينة، ويجب العمل به
…
"
(5)
.
وما قرره في ذلك هو الصحيح عند المحققين من أهل العلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الصحيح أن خبر الواحد قد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تفيد العلم"
(6)
.
كما ذكر رحمه الله أيضًا أن السنة من حيث قبولها وعدمه ثلاثة أقسام:
(1)
فتح المبين (ص 24)، وانظر: التعرف (ص 65).
(2)
انظر: المصدرين السابقين.
(3)
يعرف المحدثون المستفيض بأنه المشهور، ومنهم من يغاير بينهما بأن المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه سواء، والمشهور أعم من ذلك، ومنهم من يغاير بينهما على كيفيات أخرى.
انظر: نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر لابن حجر العسقلاني (ص 63).
(4)
يعرف المحدثون المشهور بأنه ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين ولم يبلغ حد التواتر. انظر: نزهة النظر (ص 62).
(5)
التعرف (ص 68)، وانظر: إلصاق عوار الهوس ممن لم يفهم الاضطراب في حديث البسملة عن أنس (ل 6/ أ).
(6)
مجموع الفتاوى (18/ 40)، وانظر:(8/ 41، 70)، (18/ 16 - 17) والمسودة في =
صحيحة، وحسنة، وضعيفة، وبين حكم كل منها، فقال:
"الحديث الصحيح: هو ما اتصل إسناده - الذي هو حكاية عن طريق المتن -
…
بنقل العدل الضابط
…
إلى منتهاه، وقد خلا عن الشذوذ والعلة
…
وأما الحديث الحسن: لكونه بالنظر إلى قسميه الآتيين يتجاذبه الصحة والضعف اختلف تعبير الأئمة في تعريفه، وكلها مدخولة
…
وأقربها أن الحسن هو ما اتصل إسناده وعرفت رواته بالصدق، لكن في ضبطهم قصورًا عن ضبط رواة الصحيح.
وبهذا مع ما تقرر قبله يعلم أن الحسن رتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف، وأن هذه المرتبة لها طرفان:
أعلى: ويسمى الحسن لذاته
…
وأدنى: ويسمى الحسن لغيره
…
وقد أكثر الأئمة في إطلاق الحسن، وإطلاق الاحتجاج به، والحاصل أن الأصح أنه يجوز إطلاقه، دون إطلاق الاحتجاج به بل يفصل بين الحسن لذاته فيحتج به، أو لغيره فيفصل بين ما تكثر طرقه أو يعتضد به فيحتج به، وما لا فلا.
وأما الضعيف:
…
فيُعَرف بأنه ما فَقَدَ شرطًا من شروط القبول الأعم من الصحيح والحسن، وهي ستة: اتصال السند، والعدالة، والضبط، ونفي كل من الشذوذ، والعلة القادحة، والعاضد عند الاحتياج إليه"
(1)
.
وقد استدل - ابن حجر رحمه الله بالسنة النبوية على كثير من المسائل
= أصول الفقه لآل تيمية، ومختصر الصواعق المرسلة لابن القيم اختصار الموصلي (2/ 359 - 360)، اختصار علوم الحديث لابن كثير (1/ 126)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 501)، نزهة النظر (ص 73)، النكت على كتاب - ابن الصلاح لابن حجر (1/ 371) وما بعدها، وللاستزادة: أخبار الآحاد في الحديث النبوي للشيخ عبد الله بن جبرين (ص 77)، خبر الواحد وحجيته للدكتور أحمد الشنقيطي (ص 67 - 122)، حجية خبر الآحاد في العقيدة لمنيرة العقلا (ص 45 - 69).
(1)
إلصاق عوار الهوس (ل 5/ ب - ل 7/ أ).