الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من حال إلى حال، فناسب هذا أنه بين خلق آدم ونفخ الروح فيه تكتب أحواله، ومن أعظمها كتابة سيد ولده"
(1)
.
3 -
قول صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الأنبياء خلقًا وآخرهم بعثًا":
الجواب عنه: أن الحديث أخرجه ابن أبي حاتم
(2)
، وأبو نعيم
(3)
من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. وهو بهذا الإسناد لا يصح، لما يلي:
أ - عنعنة الحسن البصري، وهو معدود فيمن احتمل الأئمة تدليسه
(4)
، إلا أن في سماعه من أبي هريرة كلام، والصحيح أنه سمع منه أحاديث معدودة ليس هذا منها
(5)
.
ب - عنعنة قتادة بن دعامة السدوسي، وهو معدود فيمن أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع
(6)
.
جـ - ضعف سعيد بن بشير، خاصة في روايته عن قتادة
(7)
، والحديث من روايته عنه، ولهذا ذكره الذهبي في ترجمته وعده من غرائبه
(8)
.
وعليه فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة
(9)
.
2 - اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأئه خلق من نور:
يقول في ذلك: "نور نبوته متقدم على جميع المخلوقات، وشاهده:
(1)
تلخيص كتاب الاستغاثة (1/ 66 - 67).
(2)
انظر: التفسير (9/ 3116) رقم: (17594)(17595).
(3)
انظر: دلائل النبوة (1/ 42) رقم: (3).
(4)
انظر: تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفية بالتدليس لابن حجر (ص 102).
(5)
انظر: التدليس في الحديث للدميني (ص 291).
(6)
انظر: تعريف أهل التقديس (ص 146).
(7)
انظر: التاريخ الكبير (3/ 460)، المجروحين لان حبان (1/ 315)، ميزان الاعتدال (2/ 129)، تهذيب التهذيب (4/ 9).
(8)
انظر: ميزان الاعتدال (2/ 129).
(9)
انظر: الكامل لابن عدي (3/ 1209)، ميزان الاعتدال (2/ 129)، الأسرار المرفوعة للقاري (ص 272)، الفوائد المجموعة (ص 326)، السلسلة الضعيفة (2/ 115).
حديث عبد الرزاق بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء، قال: "يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح، ولا قلم، ولا جنة، ولا نار، ولا ملك، ولا سماء، ولا أرض، ولا شمس، ولا قمر، ولا جن، ولا إنس، فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء:
فخلق من الجزء الأول: القلم، ومن الثاني، اللوح، ومن الثالث: العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء:
فخلق من الأول: السماوات، ومن الثاني: الأراضين، ومن الثالث: الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء:
فخلق من الأول: نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني: نور قلوبهم وهو المعرفة بالله، ومن الثالث: نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله
…
" الحديث
…
وفي حديث
…
"كنت نورًا بين يدي ربي قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام".
وفي الخبر: "لما خلق الله تعالى آدم جعل ذلك النور يدور في ظهره، فكان يلمع في جبينه، فيغلب على سائر نوره" الحديث
…
"
(1)
.
"وكان يكثر الدعاء بأن الله تعالى يجعل كلًّا من حواسه وأعضائه وبدنه نورًا، إظهارًا لوقوع ذلك
…
ومما يؤيد أنه صلى الله عليه وسلم صار نورًا، أنه كان إذا مشى في الشمس أو القمر لم يظهر له ظل؛ لأنه لا يظهر إلا لكثيف، وهو صلى الله عليه وسلم قد خصه الله من سائر الكثائف الجسمانية، وصيره نورًا صرفًا لا يظهر له ظل أصلًا خرقًا للعادة، كما خرقت له في شق صدره وقلبه مررًا ولم يتأثر بذلك"
(2)
.
(1)
المنح المكية (1/ 139).
(2)
المصدر السابق (1/ 229)، وانظر: المولد الشريف (ص 30، 34، 37، 38)، مولد النبي صلى الله عليه وسلم (ص 39)، العمدة شرح البردة (289).
التقويم:
ما ذكره ابن حجر - غفر الله له - من كون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خلق من نور منقول عن جماعة من غلاة الصوفية
(1)
، وهو قول باطل من وجوه:
1 -
أن القول بذلك ينافي بشرية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن البشر مخلوقون من التراب لا من النور، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)} [الروم: 20]. وقال صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم"
(2)
.
فهذا خبر عام في جميع البشر، فتخصيص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه خلق من نور يحتاج إلى مخصص، ولا مخصص
(3)
.
2 -
أن القول بذلك يفضي إلى بعض العقائد الفاسدة كاعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى، وأن العالم كله خلق من نوره، وأنه أول المخلوقات، وأن خلقه متقدم على العرش والقلم، وقد التزم جماعة من القائلين بذلك بهذه العقائد
(4)
، ومنهم ابن حجر.
3 -
أن القول بذلك مأخوذ من بعض الفلسفات القديمة، والنظريات الفاسدة
(5)
.
4 -
أن ما استدل به القائلون بذلك - ومنهم ابن حجر- لا يصح، وبيان ذلك فيما يلي:
(1)
انظر: الفتوحات المكية لابن عربي (1/ 119)، الإنسان الكامل للجيلي (2/ 46)، الإبريز للدباغ (ص 252).
(2)
سبق تخريجه (ص 361).
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (11/ 94 - 95)، فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 309)، فتاوى ابن عثيمين (1/ 333).
(4)
انظر: الفتوحات المكية (1/ 119)، الإنسان الكامل (2/ 46)، الإبريز (ص 252).
(5)
انظر: الجواب الصحيح (3/ 384)، حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ لعبد الرؤوف القاسم (ص 280)، التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق لزكي مبارك (1/ 210، 279، 201)، الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود إدريس (1/ 393)، خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء (ص 100 - 109).
أ- أما حديث جابر رضي الله عنه: "إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره
…
".
فهو حديث باطل، ولم يخرجه أحد من أئمة الحديث، ومن القواعد المقررة التي يعرف بها وضع الحديث أن لا يتداوله المحدثون في كتبهم.
وعزو ابن حجر الحديث إلى عبد الرزاق باطل؛ إذ هو ليس في شيء من كتبه
(1)
.
ب - وأما حديث: "كنت نورًا بين يدي ربي قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام":
فلم أجد من أخرجه بهذا اللفظ، وقد عزاه العجلوني
(2)
(3)
لابن القطان
(4)
في أحكامه، وبعد البحث في المطبوع من كتبه لم أجده في شيء منها
(5)
.
وقد أخرج القطيعي
(6)
في زوائده على فضائل الصحابة لأحمد
(7)
،
(1)
انظر: تنبيه الحذاق على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور للشنقيطي، النور المحمدي لعداب الحمش (ص 50)، ملحق عن قصيدة البردة لعبد الله الصديق الغماري بذيل كتاب البوصيري مادح الرسول صلى الله عليه وسلم للحمامصي (75).
(2)
هو إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي العجلوني الدمشقي، أبو الفداء، من مؤلفاته: كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، شرح الحديث المسلسل بالدمشقيين، الفيض الجاري شرح صحيح البخاري وغيرها، توفي سنة 1162 هـ، انظر: سلك الدرر (1/ 259)، الأعلام (1/ 325).
(3)
انظر: كشف الخفاء (1/ 311).
(4)
هو علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى الفاسي، أبو الحسن، المشهور بابن القطان، من مؤلفاته: بيان الوهم والإبهام الواقعين في كتب الأحكام، النظر في أحكام النظر، رسالة في حديث عاشوراء، وغيرها، توفي: سنة 628 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (22/ 306)، وشذرات الذهب (5/ 128).
(5)
وهي بيان الوهم، والنظر في أحكام النظر.
(6)
هو أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبو بكر القطيعي، من كبار أئمة الحنابلة، سمع من عبد الله بن أحمد كتب أبيه، ورواها عنه، توفي سنة 368 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 210)، شذرات الذهب (3/ 65).
(7)
انظر: فضائل الصحابة (2/ 662) رقم: (1130).