الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
أن ابن حجر لم يذكر دليلًا يعتمد عليه في دعواه، والقائلون بقوله غاية ما استدلوا به أحاديث موضوعة لا تقوم بها الحجة.
ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه: "ما يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كوكبًا، أو أن العالم كله خلق منه، أو أنه كان موجودًا قبل أن يخلق أبواه، أو أنه كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه به جبريل، وأمثال هذه الأمور، فكل ذلك كذب مفترى باتفاق أهل العلم بسيرته.
والأنبياء كلهم لم يخلقوا من النبي صلى الله عليه وسلم، بل خلق كل واحد من أبويه، ونفخ الله فيه الروح.
ولا كان كلما يعلم الله لرسله وأنبيائه بوحيه يأخذونه بواسطة سوى جبريل، بل تارة يكلمهم الله وحيًا يوحيه إليهم، وتارة يكلمهم من وراء حجاب كما كلم موسى بن عمران، وتارة يبعث ملكًا فيوحي بإذنه ما يشاء، ومن الأنبياء من يكون على شريعة غيره، كما كان أنبياء بني إسرائيل على شريعة التوراة.
وأما كونهم كلهم يأخذون من واحد فهذا يقوله ونحوه أهل الاتحاد من أهل الوحدة والاتحاد كابن عربي صاحب الفتوحات المكية والفصوص وأمثالهما"
(1)
.
4 - اختصاصه صلى الله عليه وسلم بإحياء أبويه وإيمانهما به:
يقول في ذلك: "اختلف الناس في أبويه هل هما مؤمنان في الجنة أم لا
…
واعلم أن الحق الواضح الجلي الذي لا غبار عليه أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم ناجيان لا عقاب عليهما، وكذا أهل الفترة جميعهم
…
روى الطبراني بسنده عن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك الحجون كئيبًا حزينًا، فأقام به ما شاء الله عز وجل، ثم رجع مسرورًا، قال: سألت ربي عز وجل، فأحيا لي أمي فآمنت بي، ثم ردَّها".
(1)
مجموع الفتاوى (18/ 367 - 368).
ورواه ابن شاهين
(1)
عنها بلفظ: حج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ومر بي على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم، فبكيت لبكائه، ثم إنه نزل فقال:"يا حميراء، استمسكي" فاستندت إلى جنب البعير، فمكثت مليًا، ثم عاد إليَّ وهو فرح مبتسم فقال:"ذهبت لقبر أمي، فسألت ربي أن يحييها، فأحياها فآمنت بي".
وكذا جاء من حديثيهما أيضًا: أحيا أبويه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما حتى آمنا به، رواه الخطيب وكذا السهيلي
(2)
، وقال: في سنده مجاهيل، وابن كثير قال: منكر جدًّا وسنده مجهول، وليس كما قال مطلقًا"
(3)
.
"والأحاديث مصرحة لفظًا في أكثره، ومعنى في كله، أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم غير الأنبياء وأمهاته إلى آدم وحواء ليس فيهم كافر؛ لأن الكافر لا يقال في حقه إنه مختار، ولا كريم، ولا طاهر، بل نجس كما في الآية:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]،
…
وأيضًا قال تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} [الشعراء: 219]، على أحد التفاسير فيه أن المراد تنقل نوره من ساجد إلى ساجد
…
"
(4)
.
التقويم:
القول بحياة أبوي النبي وإيمانهما به بعد وفاتهما قرره غير واحد من المتصوفة
(5)
وهو قول باطل من وجوه:
(1)
هو عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد البغدادي، أبو حفص، المشهور بابن شاهين، سلفي ثقة حافظ، من مؤلفاته: شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين، وناسخ الحديث ومنسوخه، وتاريخ أسماء الثقات وغيرها، توفي سنة 385 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 431)، شذرات الذهب (3/ 117).
(2)
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي، عالم باللغة والسير، من مؤلفاته: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، تفسير سورة يوسف، نتائج الفكر وغيرها، توفي سنة 581 هـ. انظر: وفيات الأعيان (1/ 280)، تذكرة الحفاظ (4/ 137).
(3)
المولد الشريف (ص 65)، وانظر: أشرف الوسائل (ص 39)، المنح المكية (1/ 151، 165)، الزواجر (1/ 33)، العمدة شرح البردة (ص 324).
(4)
المنح المكية (1/ 151).
(5)
انظر: الرسائل التسع للسيوطي (ص 139 - 197، 201 - 221). الحاوي له (2/ 202 - 333).
الأول: أن القول بذلك معارض بدلالة الكتاب والسنة والإجماع
(1)
.
فمن دلالة الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} [النساء: 17، 18].
وقوله سبحانه: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)} [غافر: 85].
وقوله عز وجل {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة: 113].
ومن دلالة السنة: قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن والده: "إن أبي وأباك في النار"
(2)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي"
(3)
.
وأما الإجماع: "فقد اتفق السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر المجتهدين على ذلك؛ من غير إظهار خلاف لما هنالك، والخلاف من اللاحق لا يقدح في الإجماع السابق"
(4)
.
الثاني: أن القول بذلك ينافي "القواعد الشرعية الدالة على عدم قبول الإيمان بعد مشاهدة الأحوال الغيبية، ودعوى الخصوصية تحتاج إلى إثبات بالأدلة القوية.
وأما الاستدلال بالقدرة الإلهية، وقابلية الخصوصية للحضرة النبوية،
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (4/ 324)، رسالة في حق أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم لإبراهيم الحلبي (ص 456)، أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول للقاري (ص 64).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار (1/ 191) برقم (203) من حديث أنس رضي الله عنه به.
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل -في زيارة قبر أمه (2/ 672) برقم (976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.
(4)
أدلة معتقد أبي حنيفة (ص 84)، وانظر: رسالة في حق أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم (ص 461).
فأمر لا ينكره أحد من أهل الملة الحنيفية، وإنما الكلام في إثبات هذا المرام، بالأدلة على وجه النظام، لا بالاحتمال الذي لا يصلح للاستدلال، خصوصًا في معارضة نصوص الأقوال"
(1)
.
الثالث: أن القول بذلك قد جر بعض القائلين به - ومنهم ابن حجر- إلى القول بنجاة كل أصول النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ردّ ذلك العلامة القاري رحمه الله فقال: "وأما ما ذكر ابن حجر المكي
…
من أن الأحاديث مصرحة لفظًا في أكثره، ومعنى في كله، أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم غير الأنبياء وأمهاته إلى آدم وحواء، ليس فيهم كافر؛ لأن الكافر لا يقال في حقه إنه مختار، ولا كريم، ولا طاهر؛ فمردود عليه، إذ ليس في الأحاديث لفظ صريح يشير إليه، وأما المعنى؛ فكأنه أراد به لفظ:(المختار) و (الكريم) و (الأطهار)، وهو لا دلالة فيه على الإيمان أصلًا، وإلا فيلزم منه أن تكون قبيلة قريش كلهم مؤمنين؛ لحديث:"إن الله اصطفى بني كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة"
(2)
. ولم يقل به أحد من المسلمين
…
فتأمل؛ فإنه موضع زلل، ومقام خطل، واحذر أن تكون ضالًا مضلًا في الوحل"
(3)
.
الرابع: أن الأدلة التي ساقها ابن حجر في الدلالة على قوله لا تصح وبيان ذلك فيما يلي:
1 -
أما استدلاله بكونهم من أهل الفترة على نجاتهم فهو مردود من وجهين:
أ- أن ذلك معارض بقوله بحياتهما بعد وفاتهما وإيمانهما بالنبي صلى الله عليه وسلم؛
(1)
أدلة معتقد أبي حنيفة (ص 88 - 89).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 1782) برقم (2276) من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه به.
(3)
أدلة معتقد أبي حنيفة (ص 118 - 119)، وانظر: رسالة في حق أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم (ص 463 - 468).
فإنهما لو كانا من أهل الفترة لما احتاجا إلى الإحياء والإيمان بالنبوة بناء على أنهما من أهل النجاة
(1)
.
ب - أن أهل الفترة القول الصحيح في حقهم أنهم يمتحنون بنار في عرصات القيامة، لا القول بنجاتهم مطلقًا
(2)
.
2 -
أن الأحاديث التي أوردها ابن حجر في الدلالة على قوله موضوعة لا تصح.
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أحيى له أبويه حتى أسلما على يديه، ثم ماتا بعد ذلك؟
فأجاب بقوله: "لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث، بل أهل الحديث متفقون على أن ذلك كذب مختلق، وإن كان قد رُوي
…
بإسناد فيه مجاهيل
…
فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذبًا؛ كما نص عليه أهل العلم؛ فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوفَّر الهمم والدواعي على نقله فإنه من أعظم الأمور خرقًا للعادة
…
"
(3)
.
وأما تفصيل الكلام على ما أورده منها، فيمكن بيانه فيما يلي:
أ- حديث عائشة رضي الله عنهما في زيارته لقبر أمه صلى الله عليه وسلم بالحجون، وحياتها وإيمانها: أخرجه ابن شاهين
(4)
، ومن طريقه الخطيب
(5)
، وعنه الجورقاني
(6)
(7)
، والدارقطني
(8)
، وابن عساكر
(9)
من طريق محمد بن الحسن
(1)
انظر: أدلة معتقد أبي حنيفة (ص 91).
(2)
انظر: الجواب الصحيح (1/ 312)، أضواء البيان (3/ 483).
(3)
مجموع الفتاوى (4/ 324).
(4)
انظر: ناسخ الحديث ومنسوخه (ص 489) رقم: (656).
(5)
انظر: السابق واللاحق (ص 377 - 378).
(6)
هو الحسين بن إبراهيم بن الحسين بن جعفر الجورقاني الهمداني، أبو عبد الله، سلفي حافظ، من مؤلفاته: الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير، توفي سنة 543 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (12/ 184)، شذرات الذهب (4/ 136).
(7)
انظر: الأباطيل والمناكير (1/ 222).
(8)
انظر: لسان الميزان (4/ 305) فقد عزاه إلى غرائب مالك له.
(9)
انظر: المصدر السابق (4/ 305) فقد عزاه إلى غرائب مالك له.