الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقولهم: إن اقتضت المشيئة المطلوب فلا حاجة إلى الدّعاء. قلنا: بل قد تكون إليه حاجة، من تحصيل مصلحة أخرى عاجلة وآجلة، ودفع مضرّة أخرى عاجلة وآجلة.
وكذلك قولهم: وإن لم تقتضه فلا فائدة فيه. قلنا: بل فيه فوائد عظيمة من جلب منافع ودفع مضار كما نبّه عليه النبي صلى الله عليه وسلم، بل ما يُعجِّل للعبد من معرفته بربّه، وإقراره به، وبأنّه سميع قريب قدير عليم رحيم، وإقراره بفقره إليه، واضطراره إليه، وما يتبع ذلك من العلوم العليَّة، والأحوال الزّكيّة، التي هي من أعظم المطالب"
(1)
.
وبما سبق يعلم صحّة ما ذهب إليه ابن حجر رحمه الله في تقريره عدم منافاة الدّعاء للقدر، وردّه على من زعم المعارضة بينهما.
وأمّا ما ذكره من كون المقادير على قسمين مبرم ومعلّق، وأنّ المقدّرات المعلّقة يقع فيها المحو والإثبات، وهي المعبّر عنها باللوح المحفوظ.
فمتعقّب بأنّ المحو والإثبات على الصّحيح إنّما هو في المكتوب عند الملائكة، وأمَّا اللوح المحفوظ فلا يقع فيه محو ولا إثبات
(2)
، وهو المراد بأمّ الكتاب في الآية (
3).
3 -
زيادة العمر بالبرّ والصلة:
ساق ابن حجر رحمه الله جملة من الأحاديث الدّالّة على زيادة العمر بالبرّ والصّلة، ثم عقب عليها بقوله: "في الأحاديث أنّ صلّة الرّحم تزيد في العمر، وللعلماء فيها قولان هما:
الأوّل: أنّها زيادة حقيقيّة.
والثّاني: أنّها زيادة مجازيّة، والمراد زيادة الأعمال والبركة والآثار
(1)
شرح الطحاوية (2/ 680 - 682).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (8/ 517، 540)(14/ 488 - 492)، فتح الباري (4/ 302)(10/ 416)(1/ 489)، لوامع الأنوار البهية (1/ 349).
(3)
انظر: تفسير ابن جرير (7/ 403)، تفسير البغوي (4/ 324)، تفسير ابن كثير (2/ 570).
الصّالحة التي يدوم له ثوابها بعد الموت
…
"
(1)
.
وقال في موضع آخر: "الأحاديث المصرّحة بأنّ صلة الرّحم تزيد في العمر محمولة على ظاهرها وأنّ الزّيادة فيها حقيقيّة، أي: بالنّسبة لعلم الملائكة واللوح المحفوظ بأن يكتب به معلّقا، كإن وصل فلان رحمه عاش عشرين سنة، وإلا عاش عشرة، وما في أمّ الكتاب الواقع لا غير، لأنّها علم الله القديم وهو لا تعليق فيه ولا يطّلع أحد عليه.
وقيل: المراد بالزّيادة في العمر البركة فيه، بأن يبارك له في عشرين مثلًا، فيحصل له من أعمال الخير ما لا يحصله غيره في أربعين مثلًا"
(2)
.
التقويم:
زيادة العمر بالبرّ والصّلة ثابتة بالسّنّة المتواترة، حيث وردت أحاديثها عن سبعة وعشرين صحابيًّا، وتعدّدت طرقها، واختلفت ألفاظها، بما يؤكّد دلالتها، وجمعها غير واحد من أهل العلم وتكلّموا عليها رواية ودراية
(3)
، ومنها:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من أحبّ أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه"
(4)
.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من سرّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه"
(5)
.
وقد اختلفت مذاهب أهل العلم في إثبات الزّيادة وعدمها، وذهبوا فيها مذهبين:
(1)
أسنى المطالب (ص 130)، وانظر:(ص 118)، الإنافة (ص 162).
(2)
الإنافة (ص 54).
(3)
انظر: إرشاد ذوي العرفان لِمَا للعمر من الزيادة والنقصان لمرعي الكرمي (ص 41)، تنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصانه من الدلائل للشوكاني (ص 11)، وللاستزادة: جمع جهود الحفاظ النقلة بتواتر روايات زيادة العمر بالبر والصلة للطفي بن محمد الصغير (ص 27) وما بعدها.
(4)
أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق (2/ 616) برقم (2067)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (4/ 1982) برقم (2557) واللفظ له.
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم (4/ 1895) برقم (5985).
أحدهما: القول بعدمها، واستدلّ هؤلاء بعموم النّصوص الدّالّة على تقدير الأعمال وضرب الآجال.
والثّاني: القول بإثباتها، واستدلّ هؤلاء بالأحاديث الدّالّة عليها
(1)
.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "الحقّ أنّ النّزاع لفظي، وأنّ الذي سبق في علم الله لا يتغيّر ولا يتبدّل، وأنّ الذي يجوز عليه التّغيير والتّبديل ما يبدو للنّاس من عمل العامل، ولا يبعد أن يتعلّق ذلك بما في علم الحفظة والموكلين بالآدمي، فيقع فيه المحو والإثبات كالزّيادة في العمر والنّقص، وأمّا ما في علم الله فلا محو فيه ولا إثبات، والعلم عند الله"
(2)
.
واختلفت أيضًا مذاهبهم في المراد بالزّيادة على مذهبين:
أحدهما: أنّ الزّيادة حقيقيّة.
والثّاني: أنّ الزّيادة مجازيّة.
والرّاجح -والله أعلم- الأوّل واعتمده جمع من المحقّقين، منهم: الإمام ابن قتيبة
(3)
، وشيخ الإسلام ابن تيمية
(4)
، والحافظ ابن حجر
(5)
، والعلّامة مرعي الكرمي
(6)
، والعلّامة الشّوكاني
(7)
.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "والجواب المحقّق أنّ الله يكتب للعبد أجلًا في صحف الملائكة، فإذا وصل رحمه زاد في المكتوب، وإن عمل ما يوجب النّقص نقص من ذلك المكتوب"
(8)
.
وعليه فما ذكره ابن حجر رحمه الله في زيادة العمر بالبرّ والصّلة موافق لِمَا عليه المحقّقون من أهل العلم، سوى قوله بوقوع المحو والإثبات في اللوح المحفوظ -وقد سبق تعقّب ذلك-.
(1)
انظر: إرشاد ذوي العرفان (ص 41)، تنبيه الأفاضل (ص 11).
(2)
فتح الباري (11/ 488)، وانظر: إرشاد ذوي العرفان (ص 64).
(3)
انظر: تأويل مختلف الحديث (ص 202).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (14/ 490 - 491).
(5)
انظر: فتح الباري (11/ 488)(10/ 416).
(6)
انظر: إرشاد ذوي العرفان (ص 64).
(7)
انظر: تنبيه الأفاضل (ص 29).
(8)
مجموع الفتاوى (14/ 490 - 491).