الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن ابن حجر لم يتقيد بما ذكره هنا حيث ادعى للنبي صلى الله عليه وسلم من الخصائص ما لم يثبت له، ولم يأذن به، وفيما يلي بيان ذلك:
1 - اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأنه أول النبيين في الخلق والنبوة:
يقول في ذلك: "اعلم أن الله شرف نبيه صلى الله عليه وسلم بسبق نبوته في سابق أزليته؛ وذلك أن الله تعالى لما تعلقت إرادته بإيجاد الخلق أبرز الحقيقة المحمدية من محض نوره
…
ثم أعلمه بنبوته، وبشره برسالته، هذا وآدم لم يكن
…
روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، ومن جملة ما كتب في الذكر وهو أم الكتاب أن محمدًا خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته"
…
وصح أيضًا: متى كنت نبيًّا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد"
…
وجاء "أنا أول الأنبياء خلقًا وآخرهم بعثًا
…
"
(1)
.
التقويم:
القول بأن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أول الكائنات خلقًا، وأنه متقدم على سائر الأنبياء بالنبوة قرره غير واحد من غلاة المتصوفة ومن وافقهم
(2)
.
وما ذكره ابن حجر -عفا الله عنه- لا يخرج عما قرروه، وهو باطل من وجوه:
الأول: أن الأدلة النقلية والعقلية والحسية كلها تدل على أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء خلقًا، وخاتمهم نبوة.
الثاني: أن النصوص الشرعية وإن اختلفت في تحديد أول ما خلق الله
(1)
المولد الشريف (ص 27)، وانظر: أشرف الوسائل (ص 34 - 37)، المنح المكية (1/ 139)(2/ 653)، مولد النبي صلى الله عليه وسلم (ص 34).
(2)
انظر: الفتوحات المكية لابن عربي (1/ 134)، الخصائص الكبرى للسيوطي (1/ 7)، الإبريز للدباغ (ص 253).
من الكائنات إلا أنه لم يصح في شيء منها أن أول المخلوقات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو نوره -كما سيأتي-.
الثالث: أن ما استدل به ابن حجر على دعواه لا يصح، وبيان ذلك فيما يلي:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، ومن جملة ما كتب في الذكر وهو أم الكتاب أن محمدًا خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته":
الحديث بهذا اللفظ لم يخرجه مسلم -كما ذكر ابن حجر- وإنما خرَّج أوله
(1)
.
وأما آخره ومحل الاستدلال منه وهو قوله: "ومن جملة ما كتب في الذكر
…
" فقد أخرجه أحمد
(2)
، والبخاري في التاريخ الكبير
(3)
، ويعقوب بن سفيان
(4)
(5)
، وابن حبان
(6)
، والطبراني
(7)
، والبيهقي
(8)
، وأبو نعيم
(9)
من طرق عن سعيد بن سويد الكلبي، عن عبد الله
(10)
بن هلال السلمي، عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم عليه السلام لمنجدل في طينته
…
".
وهو بهذا الإسناد لا يصح فيه سعيد بن سويد الكلبي.
(1)
انظر: الصحيح، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى (4/ 2044) برقم (2653) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(2)
انظر: المسند (28/ 379، 382، 395) بالأرقام التالية: (17150، 17151، 17163).
(3)
انظر: (6/ 68 - 69).
(4)
هو يعقوب بن سفيان الفارسي الفسوي، المحدث الحافظ، من مؤلفاته: المعرفة والتاريخ، كتاب السنة، كتاب البر والصلة وغيرها، توفي سنة 277 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 180)، شذرات الذهب (2/ 171).
(5)
انظر: المعرفة والتاريخ (2/ 345).
(6)
انظر: الصحيح (14/ 312) برقم (6404).
(7)
انظر: المعجم الكبير (18/ 629).
(8)
انظر: الدلائل (2/ 130).
(9)
انظر: الدلائل (1/ 48، 49).
(10)
كذا وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي وهو خطأ، والصواب عبد الأعلى، وقد نبه على ذلك الإمام عبد الله بن أحمد في المسند (28/ 386)، وللاستزادة: انظر: تحقيق المسند (28/ 380).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني عنه: "سعيد بن سويد الكلبي الشامي، روى عن العرباض بن سارية، وربما أدخل بينهما عبد الأعلى بن هلال
…
ذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري: لم يصح حديثه، يعني الذي رواه معاوية عنه مرفوعًا:"إني عبد الله وخاتم النبيين في أم الكتاب، وآدم منجدل في طينته"، وخالفه ابن حبان والحاكم فصححاه
…
"
(1)
.
2 -
قوله صلى الله عليه وسلم جوابًا لمن سأله: متى كنت نبيًّا؟ : "وآدم بين الروح والجسد".
الحديث أخرجه الترمذي
(2)
، والحاكم
(3)
، وأبو نعيم
(4)
من طرق عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه"
(5)
.
والجواب عنهما: أن الحديثين لا يدلان على ما ذهب إليه ابن حجر من تقدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء في الخلق والنبوة، وإنما غاية ما يدلان عليه أنه صلى الله عليه وسلم كتب نبيًّا وآدم لم تنفخ فيه الروح بعد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هؤلاء الضلال يتوهمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حينئذ موجودًا، وأن ذاته خلقت قبل الذوات
…
والمقصود هنا أن الله - سبحانه الله وتعالى- كتبه نبيًّا بعد خلق آدم وقبل نفخ الروح فيه.
وهو موافق لما أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك
…
"
(6)
إلى آخره، بين فيه خلق الجنين، وتنقله
(1)
تعجيل المنفعة (1/ 583 - 584)، وانظر: التاريخ الكبير (3/ 476)، الجرح والتعديل (4/ 29)، الثقات (6/ 361).
(2)
انظر: السنن، كتاب المناقب، باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم (5/ 545)، برقم (3609).
(3)
انظر: المستدرك (2/ 609).
(4)
انظر: الدلائل (1/ 48).
(5)
السنن (5/ 546).
(6)
أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (2/ 993) برقم (3208)، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي (4/ 2036) برقم (2643).