الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول معنى الإيمان بالكتب وما يتضمنه
بَيّن ابن حجر رحمه الله معنى الإيمان بالكتب، وأن ذلك يتضمن أمورًا عديدة، فقال:" [الإيمان بالكتب]: أي بأنها كلام الله تعالى الأزلي القديم بذاته، المنزه عن الحرف والصوت، وبأنه تعالى أنزلها على بعض رسله بألفاظ حادثة في ألواح أو على لسان الملك، وبأن كل ما تضمنته حق وصدق، وبأن بعض أحكامها نسخ وبعضها لم ينسخ"
(1)
.
ويذكر ما يتميز به القرآن الكريم على جملة الكتب المنزلة، فيقول: "ويميز القرآن بأنه لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر أحد منهم على الإتيان بمثل أقصر سورة منه، وبأن يتلوه حق تلاوته خشوعًا وتدبرًا، ورعاية لما يجب له مما اتفق عليه القراء، ويذب عنه تأويل المحرفين، وطعن الطاعنين، ويصدق بجميع ما فيه، ويقف مع أحكامه، ويتفهم أمثاله وعلومه
…
"
(2)
.
التقويم:
الإيمان بالكتب هو الركن الثالث من أركان الإيمان التي لا يصح إيمان العبد إلا بها، والكتب المنزلة من عند الله تعالى قسمان:
الأول: ما لم يرد تسميته في القرآن والسنة، وهي أكثرها، فهذه يجب الإيمان بها إجمالًا.
(1)
فتح المبين (ص 71).
(2)
المصدر السابق (ص 124)، وانظر: فتح الإله بشرح المشكاة (ص 114)، والإيعاب (1/ 27).
الثاني: ما ورد تسميته في القرآن والسنة، وهي:
1 -
التوراة: المنزل على موسى عليه السلام.
2 -
الإنجيل: المنزل على عيسى عليه السلام.
3 -
الزبور: المنزل على داوود عليه السلام.
4 -
صحف إبراهيم عليه السلام.
5 -
صحف موسىى عليه السلام.
6 -
القرآن العظيم المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو آخرها.
فهذه يجب الإيمان بها على التعيين، ويزيد القرآن عليها - خاصة - بعد نزوله ونسخه لها بوجوب تصديقه والعمل بما فيه
(1)
.
يقول العلامة ابن أبي العز رحمه الله: "وأما الإيمان بالكتب المنزلة على المرسلين، فنؤمن بأن لله تعالى سوى ذلك كتبًا أنزلها على أنبيائه، ولا يعرف أسماءها وعددها إلا الله تعالى.
وأما الإيمان بالقرآن، فالإقرار به، واتباع ما فيه، وذلك أمر زائد على الإيمان بغيره من الكتب
…
"
(2)
.
وبناء على ما سبق فما ذكره ابن حجر رحمه الله في تقريره لمفهوم الإيمان بالكتب، وبيانه لما يتضمنه يشتمل على حق وباطل.
فأما ما اشتمل عليه من الحق:
فقوله: بأن الإيمان بها يتضمن الإيمان بكونها كلام الله تعالى، وأنه سبحانه أنزلها على رسله عليهم السلام وأن ما تضمنته حق وصدق، وأن النسخ واقع بينها وفيها، وأن القرآن الكريم يتميز عنها بوجوب الإقرار بما فيه، والعمل به.
(1)
انظر: تعظيم قدر الصلاة للمروزي (1/ 293)، المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (1/ 317 - 323)، شعب الإيمان للبيهقي (1/ 447)، شرح الطحاوية لابن أبي العز (2/ 424 - 425)، فتح الباري (12/ 172)، معارج القبول (2/ 675)، أضواء البيان للشنقيطي (1/ 148 - 149)، فتاوى ابن عثيمين (3/ 241 - 242).
(2)
شرح الطحاوية (2/ 424 - 425).
وأما ما اشتمل عليه من الباطل، فيمكن إجماله ومناقشته فيما يلي:
1 -
قوله بأن الكتب هي كلام الله القديم بذاته؛ ووجه كون كلامه هذا باطلًا، أن وصف القدم إما أن يريد به الكلام الذي هو صفته سبحانه، أو الكتب التي تضمنت ذلك الكلام، وعلى كلا التقديرين فكلامه باطل؛ لأن كلام الله تعالى الذي هو صفته من حيث هو قديم النوع حادث الآحاد فإطلاق القدم عليه مطلقًا لا يصح إلا على قول الأشاعرة ومن وافقهم من أن كلام الله تعالى معنى قائم بنفسه سبحانه - وقد تقدم مناقشته والرد عليه - وأما وصف كتبه سبحانه بكونها كلامه القديم أو أنها قديمة فمما لا يعرف عن السلف رحمهم الله وأول من عرف عنه أنه أطلق القدم على القرآن هو عبد الله بن كلاب.
وهاتان المسألتان - أعني: وصف كلام الله ووصف كتبه بالقدم - متلازمتان، وكل واحدة منهما فرع عن الأخرى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكما لم يقل أحد من السلف [يعني: عن القرآن] إنه مخلوق، فلم يقل أحد منهم إنه قديم، لم يقل واحدًا من القولين أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ولا من بعدهم من الأئمة الأربعة ولا غيرهم
…
وأول من عرف أنه قال هو قديم عبد الله بن سعيد بن كلاب، ثم افترق الذين شاركوه في هذا القول.
فمنهم من قال: الكلام معنى واحد قائم بذات الرب
…
ومنهم من قال: هو حروف أو حروف وأصوات قديمة أزلية
…
وكلا الحزبين يقول: إن الله تعالى لا يتكلم بمشيئته وقدرته
…
"
(1)
.
2 -
قوله بأن الكتب هي كلام الله المنزه عن الحرف والصوت - وقد تقدم الرد على ذلك وبيان مخالفته لمعتقد أهل السنة والجماعة بما يغني عن إعادته -
(2)
.
3 -
قوله بأن ألفاظ الكتب حادثة أي: مخلوقة - وقد تقدم الرد عليه كسابقه -
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (12/ 301)، وانظر:(12/ 589 - 590).
(2)
انظر: (ص 335).
(3)
انظر: (ص 330).