الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الإمام المبجل أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: "من السنة الواضحة الثابتة البينة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، والكف عن ذكر ما شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدًا منهم أو انتقصه أو طعن عليه أو عرّض بعيبهم أو عاب أحدًا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة"
(1)
.
وبما سبق يعلم موافقة ابن حجر رحمه الله لِمَا عليه أهل السنة والجماعة من الإقرار بفضل الصحابة رضي الله عنهم ومحبتهم، والترضي عنهم.
ثالثًا: المفاضلة بين الصحابة:
بيّن ابن حجر رحمه الله أن الصحابة رضي الله عنهم متفاوتون في الفضل، وذكر أقوال أهل العلم في المفاضلة بينهم، ورجّح ما يراه منها، فقال:
"اعلم أن الذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة أن أفضل هذه الأمة أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم اختلفوا:
فالأكثرون - ومنهم الشافعي وأحمد وهو المشهور عن مالك - أن الأفضل بعدهما عثمان ثم علي رضي الله عنهم.
وجزم الكوفيون - ومنهم سفيان الثوري - بتفضيل علي على عثمان.
وقيل: بالوقف عن التفاضل بينهما، وهو رواية عن مالك
…
وتوقفه هذا رجع عنه، فقد حكى القاضي عياض عنه أنه رجع عن التوقف إلى تفضيل عثمان
…
"
(2)
.
"والأصح عثمان ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، وقيل: أهل أحد"
(3)
.
(1)
طبقات الحنابلة (1/ 30).
(2)
الصواعق (1/ 169)، وانظر: الفتا وى الحديثية (ص 355).
(3)
المنح المكية (3/ 1191)، وانظر: الزواجر (2/ 232)، أشرف الوسائل (ص 488)، التعرف (ص 124).
"ثم الصحابة أصناف: مهاجرون، وأنصار، وحلفاء وهم من أسلم يوم الفتح أو بعده.
فأفضلهم إجمالًا: المهاجرون، فمن بعدهم على الترتيب المذكور.
وأما تفصيلًا: فسُبَّاق الأنصار أفضل من جماعة من متأخري المهاجرين، وسُبَّاق المهاجرين أفضل من سُبَّاق الأنصار، ثم هم بعد ذلك يتفاوتون، فرب متأخر إسلامًا كعمر أفضل من متقدّم كبلال"
(1)
.
التقويم:
اختلف الناس في الكلام في المفاضلة بين الصحابة رضي الله عنهم:
فمنهم من أمسك عن الخوض فيها.
ومنهم من تكلم بمقتضى النصوص.
والذي عليه إجماع أهل السنة والجماعة قاطبة القول بأفضلية أبي بكر ثم عمر رضي الله عنهما
(2)
واختلفوا بعدهما في عثمان وعلي رضي الله عنهما.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة، وإنما اختلف من اختلف منهم في علي وعثمان"
(3)
.
قال البيهقي رحمه الله بعد ذكره قول الشافعي هذا بسنده: "وروينا عن جماعة من التابعين وأتباعهم نحو هذا"
(4)
.
وقال يحيى بن سعيد القطان
(5)
رحمه الله: "من أدركت من أصحاب النبي
(1)
الصواعق (2/ 617).
(2)
انظر: السنة لابن أبي عاصم (ص/568)، السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 574)، السنة للخلال (2/ 404)، شرح أصول الاعتقاد (7/ 136)، الاعتقاد للبيهقي (ص 522)، شرح صحيح مسلم (15/ 148)، مجموع الفتاوى (3/ 153)(4/ 421)، منهاج السنة (8/ 223 - 224).
(3)
الاعتقاد للبيهقي (ص 522).
(4)
المصدر السابق (ص 522).
(5)
هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان، إمام في الحديث والسنة، توفي سنة 197 هـ. انظر: تاريخ بغداد (14/ 135)، سير أعلام النبلاء (9/ 175).
والتابعين لم يختلفوا في أبي بكر وعمر وفضلهما، إنما كان الاختلاف في علي وعثمان"
(1)
.
وجملة أقوال السلف رحمهم الله في المفاضلة بين عثمان وعلي ثلاثة:
الأول: تفضيل عثمان على علي، وهو قول جمهورهم
(2)
.
افماني: تفضيل علي على عثمان، وهو قول أكثر أهل الكوفة
(3)
.
ونسبة ابن حجر رحمه الله القول بذلك إلى سفيان الثوري رحمه الله متعقبة بكونه رجع عنه إلى قول الجمهور
(4)
.
الثالث: التوقف عن المفاضلة بينهما، وهو قول بعض أهل المدينة، ورواية عن الإمام مالك رحمه الله
(5)
.
وما ذكره ابن حجر رحمه الله من رجوع الإمام مالك عنها إلى قول الجمهور هو المعتمد عند المحققين من أصحابه
(6)
وغيرهم
(7)
.
وقد استقر إجماع أهل السنة والجماعة بَعْدُ على تقديم عثمان على علي.
يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله بعد ذكره الأقوال السابقة: "وأهل السنة اليوم على ما ذكرت لك من تقديم أبي بكر في الفضل على عمر،
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة (7/ 1367).
(2)
انظر: الاستيعاب (3/ 214)، معالم السنن (3/ 304)، منهاج السنة (2/ 73، 82 - 85)(8/ 85)، فتح الباري (7/ 16).
(3)
انظر: معالم السنن (4/ 303)، منهاج السنة (8/ 224)، مجموع الفتاوى (4/ 426)، فتح الباري (7/ 16).
(4)
انظر: معالم السنن (4/ 303)، مجموع الفتاوى (4/ 426)، منهاج السنة (2/ 73)، فتح الباري (7/ 16).
(5)
انظر: المدونة (6/ 451)، جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 186)، الانتقاء له (ص 35 - 36)، فتح الباري (7/ 16).
(6)
انظر: الجامع في المقدمات لابن رشد (ص 174)، البيان والتحصيل له أيضًا (18/ 458 - 459).
(7)
انظر: مجموع الفتاوى (4/ 426)، لوامع الأنوار البهية (2/ 356).
وتقديم عمر على عثمان، وتقديم عثمان على علي رضي الله عنهم"
(1)
.
ويقول الحافظ ابن الصلاح رحمه الله: "تقديم عثمان هو الذي استقرت عليه مذاهب أصحاب الحديث والسنة"
(2)
.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان على علي"
(3)
.
ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "الإجماع انعقد بأخرة بين أهل السنة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة"
(4)
.
وأفضل الصحابة بعدهم بقية العشرة المبشرين بالجنة وهم طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد رضي الله عنهم أجمعين -.
ثم أهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر.
ثم أهل بيعة الرضوان، على الصحيح.
ثم أهل أحد.
ثم بقية المهاجرين ثم بقية الأنصار
(5)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة: "ومن أصول أهل السنة والجماعة [أنهم]
…
يقبلون ما جاء به الكتاب أو السنة أو الإجماع من فضائلهم ومراتبهم.
فيفضلون من أنفق من قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل.
ويقدمون المهاجرين على الأنصار.
(1)
الاستيعاب (3/ 214).
(2)
مقدمة ابن الصلاح (ص 149).
(3)
مجموع الفتاوى (3/ 153).
(4)
فتح الباري (7/ 34)، وانظر:(7/ 58).
(5)
انظر: شرح السنة للبربهاري (ص 68)، مقدمة ابن الصلاح (ص 149)، الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي (ص 198 - 203)، مجموع الفتاوى (3/ 152 - 153)، اختصار علوم الحديث لابن كثير (1/ 501)، فتح الباري (7/ 58)، لوامع الأنوار البهية (2/ 357)، معارج القبول (3/ 1126).