الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول آراؤه في الحياة البرزخية
تحدث ابن حجر رحمه الله عن فتنة القبر، وعذابه ونعيمه، وعرض للبحث في حقيقة الروح، وفيما يلي بيان آرائه في ذلك وتقويمها.
أولًا: فتنة القبر:
1 - عموم فتنة القبر، وبيان من يستثنى منها:
ذكر ابن حجر رحمه الله أن مما يجب الإيمان به فتنة القبر، فقال: "ومما يجب الإيمان به
…
عذاب القبر، وسؤال الملكين منكر ونكير لغير نبي، وصبي، ومن اتصل جنونه ببلوغه بعد رد الحياة فيه بقدر ما يقعد ويفهم"
(1)
.
وبيّن أن فتنة القبر تعم كل ميت مقبور أو غير مقبور، سوى من استثني كمن لم يكلف، والشهيد، والمرابط، والنبي، والملك، ومن مات ليلة الجمعة أو يومها، والكافر، حيث قال:
"سؤال الملكين يعم كل ميت ولو غير مقبور كحريق وغريق وأكيل سبع.
والذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون له تكليف، وبه جزم غير واحد من أئمتنا الشافعية
…
ومن ثم خالف في ذلك القرطبي وغيره فجزموا بأن الطفل يُسأل.
ولا يُسأل الشهيد كما صحت به الأحاديث، وألحق به:
(1)
التعرف (ص 121)، وانظر: الفتاوى الحديثية (ص 361)، الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 399، 401، 430).
من مات مرابطًا لظاهر حديث رواه أحمد وأبو داود، وهو:"كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمَّن من فتَّاني القبر"
(1)
…
والصّدّيق؛ لأنه أعلى مرتبة من الشهيد، ومنه يؤخذ انتفاء السؤال في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حق سائر الأنبياء.
وبحث بعض المحققين والحفاظ أن المَلَك لا يُسأل؛ لأن السؤال يختص بمن شأنه أن يُفتن.
وفي حديث حسنه الترمذي والبيهقي وضعفه الطحاوي: "من مات ليلة الجمعة أو يومها لم يُسأل"
(2)
.
ووردت أخبار بنحوه فيمن يقرأ كل ليلة سورة تبارك، وفي بعضها ضم سورة السجدة إليها.
(1)
أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب الرباط (3/ 20) برقم (2500)، والترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل من مات مرابطًا (4/ 142) برقم (1621)، وأحمد (39/ 374) برقم (23951)، وابن أبي عاصم في كتاب الجهاد (2/ 709) برقم (3187)، والطحاوي في مشكل الآثار (3/ 102)، وابن حبان (10/ 484) برقم (4624)، والطبراني في الكبير (18/ 311) برقم (803)، والحاكم في المستدرك (2/ 79، 144)، والبيهقي في الشعب (4/ 40) برقم (4287) من طرق عن عمرو بن مالك الجنبي، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه به.
قال الترمذي: "حسن صحيح".
وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 474).
(2)
أخرجه الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن يموت يوم الجمعة (3/ 386)، وأحمد (11/ 147) برقم (5682)، والطحاوي في مشكل الآثار (1/ 250) برقم (277) من طرق عن هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه به.
قال الترمذي: "حديث غريب ليس إسناده بمتصل، إنما يروى عن أبي عبد الرحمن الحلبي، عن عبد الله بن عمرو، ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعًا من عبد الله بن عمرو".
وبهذا أعله الطحاوي في مشكل الآثار.
وجزم الترمذي الحكيم
(1)
(2)
بأن المعلن بكفره لا يسأل ووافقه ابن عبد البر
(3)
، ورواه عن بعض كبار التابعين، لكن خالفه القرطبي وابن القيم، واستدلاله بآية {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]، وبحديث البخاري:"وأما الكافر والمنافق"
(4)
بالواو، ورجحه شيخ الإسلام ابن حجر
(5)
بأن الأحاديث متفقة على ذلك، وهي مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة"
(6)
.
التقويم:
فتنة القبر: هي امتحان الميت واختباره بعد عودة الروح إلى جسده وإقعاده
(7)
.
وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
"وتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفتنة من حديث البراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم: "
(8)
.
وأجمعت الأمة على وقوعها، والتعوذ بالله عز وجل منها
(9)
.
وهي عامة لكل ميت مقبور وغير مقبور، وإضافتها للقبر للغالب
(10)
.
(1)
هو محمد بن علي بن الحسن بن بشر، أبو عبد الله، المشهور بالحكيم الترمذي؛ من مؤلفاته: ختم الولاية، ونوادر الأصول، وعلل الشريعة وغيرها، توفي سنة 319 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 439)، طبقات الشافعية الكبرى (2/ 245).
(2)
انظر: نوادر الأصول له (ص 324).
(3)
انظر: التمهيد (22/ 252).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر (1/ 408) برقم (1374) من حديث أنس رضي الله عنه به.
(5)
انظر: فتح الباري (3/ 238 - 239).
(6)
الفتاوى الحديثية (ص 20).
(7)
انظر: مجموع الفتاوى (4/ 257)، لوامع الأنوار البهية (2/ 3).
(8)
مجموع الفتاوى (4/ 257)، وانظر:(4/ 285)، الروح لابن القيم (1/ 284)، شرح الطحاوية (2/ 578)، نظم المتناثر للكتاني (ص 125).
(9)
انظر: رسالة إلى أهل الثغر للأشعري (ص 279).
(10)
انظر: الروح (1/ 299)، شرح الطحاوية (2/ 579)، شرح الصدور بشرح حال الموتى =