الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
المطلب الثالث: الاستدراك الأصولي
على الدليل، وتطبيقاته
سبق حد الدليل (1)، والمراد بالاستدراك على الدليل: تعقيب الدليل بما يخالفه في نفسه.
واستدراك الأصولي على الدليل من وجهين:
الأول: الاستدراك على الدليل الإجمالي.
الثاني: الاستدراك على الدليل التفصيلي.
• والدليل الإجمالي: هو الدليل الكلي الذي لا يدل على مسألة معينة. (2)
فالمراد بالاستدراك على الدليل الإجمالي: التعقيب على الأدلة الكلية بمخالف لها في نفسها.
ويمكن التمثيل لهذا النوع من الاستدراكات باستدراكات الجمهور على المالكية في اعتمادهم عمل أهل المدينة دليلاً يُستنبط منه الأحكام الشرعية.
وكالاستدراكات بين الخصوم في اعتبار قول الصحابي والاستحسان والاستصلاح وسد الذريعة وغير ذلك دليلا كليًا إجماليًا لاستنباط الحكم الشرعي.
وأقرره بالمثال التالي:
قال ابن الحاجب: "إجماع المدينة من الصحابة والتابعين حجة عند مالك _رحمه الله تعالى_.
(1) يُنظر: (ص: 278) من البحث.
(2)
يُنظر: الإبهاج (1/ 59)؛ التحبير شرح التحرير (1/ 170)؛ أصول الفقه لمحمد أبو النور زهير (1/ 14)؛ أصول الفقه للبرديسي (ص: 29).
وقيل: محمول على أن روايتهم متقدمة. وقيل: على المنقولات المُستمِرَّة كالأذان والإقامة. والصحيح التعميم" (1).
فاستدرك عليه الأصفهاني في عد إجماع أهل المدينة دليلاً كليًا بقوله: "والحق: أن العبرة بقول الجميع، ولا مدخل للمكان في كون إجماع أهله حجة"(2).
• وأما الدليل التفصيلي فهو: الدليل الجزئي الذي يدل على مسألة معينة. (3)
فالمراد بالاستدراك على الدليل التفصيلي: التعقيب على الأدلة الجزئية بمخالف لها في نفسها.
فالمستدرِك والمستدرَك عليه متفقان على جنس الدليل الكلي، والاستدراك إنما هو في الدليل الجزئي المستدل به لتقرير الدليل الكلي.
وأقرره بالتالي:
ذكر الرازي في مسألة (إثبات أن القياس حجة) من أدلة الجمهور القائلين: إن القياس حجة في الشرع: "المسلك الثاني: التمسك بخبر معاذ (4)،
وهو مشهور، روي أنه صلى الله عليه وسلم أنفذ معاذًا وأبا موسى الأشعري (5) رضي الله عنهما إلى اليمن، فقال
(1) مختصر ابن الحاجب (1/ 459 - 461).
(2)
بيان المختصر (1/ 566).
(3)
أصول الفقه لمحمد أبو النور زهير (1/ 14)؛ أصول الفقه للبرديسي (ص: 29).
(4)
هو: أبو عبدالرحمن، معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ الخزرجي الأنصاري، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبدالله بن مسعود، شهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها، أعلم الأمة بالحلال والحرام، أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيًا ومعلمًا للناس، مات في طاعون عمواس سنة (18 هـ) في أصح الأقوال.
تُنظر ترجمته في: حلية الأولياء (1/ 228)؛ أسد الغابة (5/ 204)؛ الإصابة (6/ 136).
(5)
هو: أبو موسى، عبدالله بن قيس بن سُلَيْم الأشعري، التميمي، اليمني، من قراء الصحابة وفقهائهم، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن مع معاذ، كان من أحسن الصحابة صوتًا بالقرآن، (ت: 42 هـ)، وقيل: غير ذلك.
تُنظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (2/ 380)؛ معرفة القراء الكبار (1/ 39)؛ الإصابة (7/ 390).
- عليه الصلاة والسلام لهما: «بِمَ تقضيان؟ ، فقالا: إذا لم نجد الحكم في السنة نقيس الأمر بالأمر، فما كان أقرب إلى الحق عملنا به. فقال عليه الصلاة والسلام: أصبتما» (1). (2)
فهذا الدليل من السنة والمخالف أورد عليه أسئلة ليس لأنه لا يحتج بالدليل
(1) حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن «قال له: كيف تقضي إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي لا آلو. قال: فضرب بيده في صدري وقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله» . في مسند أحمد (5/ 230/ح: 22060)(5/ 242/ح: 22153)؛ سنن أبي داود، ك: الأقضية، ب: اجتهاد الرأي في القضاء، (3/ 303/ح: 3592 - 3593)؛ سنن التِّرمذي، ك: الأحكام، ب: باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، (3/ 616/ح: 1327 - 1328)؛ سنن البيهقي الكبرى (10/ 114/ح: 20126 - 20127). قال الترمذي: "هذا الحديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتَّصل". سنن الترمذي (3/ 616). والحديث في سنده مقال، فمن المحققين من حكم بقبوله؛ مثل: ابن القيم يُنظر: إعلام الموقعين (1/ 202 - 203)، ومنهم من ضعفه؛ مثل: عمر ابن الملقن، يُنظر: خلاصة البدر المنير (2/ 424)، ويُنظر كذلك أقوال المحققين في: تلخيص الحبير (4/ 183).
وأما اللفظ الذي ذكره الرازي عن معاذ وأبي موسى الأشعري فلم أجده في كتب الحديث التي وقفت عليها، والذي وقفت عليه إنما هو أثر عمر رضي الله عنهم وأمره لأبي موسى رضي الله عنهم بالقياس، يُنظر ذلك في مسند الدراقطني، ك: كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري (4/ 206/ح: 15)؛ سنن البيهقي الكبرى، ك: آداب القاضي، ب: ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي
…
(10/ 115/ح: 20134).
واستدرك ابن السبكي على المحصول وغيره جمعه بين قصة معاذ وأبي موسى فقال: "وأما قصة أبي موسى فقد جمع في المحصول وغيره بين القصتين وجعلهما واحدة، ولا أعرف ذلك؛ بل روى البيهقي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه كتابًا بليغًا وفيه: ثم قايس الأمور، واعرف الأمثال والأشباه. رواه البيهقي وقال: هو كتاب مشهور لابد للقضاة من معرفته والعمل به". يُنظر: الإبهاج (6/ 2197).
(2)
المحصول (5/ 38).
الكلي -وهو السنة-؛ وإنما أسئلته كانت على هذا الدليل الجزئي من السنة. (1)
وكما استدرك الأصفهاني أيضًا على هذا الدليل فقال: "اعلم أن هذا المسلك حسن مفيد لغلبة الظن، وأسئلته واضحة، وتمامه موقوف على بيان صحة الحديث وقد منع، فإن ثبت صحته أفاد المقصود؛ وإلا فلا"(2).
(1) يُنظر: المحصول (5/ 39 - 44).
(2)
الكاشف عن المحصول (6/ 199 - 201).