الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى؛ إذ هي غير معللة (1)، فعدم الفوائد لا يخرج عن أن يكون أمرًا" (2).
• المثال الثالث:
قال التفتازاني في (معاني الحروف) فيما يفيده حرف (مِن): "قوله (3): (وأما "من" فقد) تكون للتبيين، أو للتبعيض، أو غيرهما، والمحققون على أن أصلها ابتداء الغاية والبواقي راجعة إليها. وذهب بعض الفقهاء إلى أن أصل وضعها للتبعيض دفعًا للاشتراك، وهذا ليس بسديد؛ لإطباق أئمة اللغة على أنها حقيقة في ابتداء الغاية"(4).
•
رابعًا: صيغة (ليس بقوي):
• المثال الأول:
قال السرخسي في (باب البيان): "وقول من يقول من أصحابنا: حد البيان هو: الإخراج عن حد الإشكال إلى التجلي، ليس بقوي؛ فإن هذا الحد أشكل من البيان، والمقصود بذكر الحد زيادة كشف الشيء؛ لا زيادة الإشكال فيه. ثم هذا الحد لبيان المجمل خاصة، والبيان يكون فيه وفي غيره"(5).
• المثال الثاني:
قال صدر الشريعة المحبوبي في مسألة (حكم الإجماع): "وأما الرابع: ففي حكمه، وهو: أن يثبُتَ الحكم يقينًا حتى يُكفَّرَ جَاحدُهُ؛ لقوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
(1) والصواب: أنها معللة برعاية مصالح العباد. يُنظر: الموافقات (2/ 11).
(2)
يُنظر: الوصول إلى الأصول (2/ 38).
(3)
أي: صدر الشريعة المحبوبي في التنقيح. يُنظر: التنقيح (1/ 256).
(4)
يُنظر: التلويح إلى كشف حقائق التنقيح (1/ 256). ويُنظر معنى (مِن) في: حروف المعاني (ص: 50)؛ الجنى الداني في حروف المعاني (ص: 53).
(5)
يُنظر: أصول السرخسي (2/ 26).
الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] " (1).
ثم قال في شرحه: "واعلم أن هذا الاستدلال على أن الإجماع حجة ليس بقوي؛ لأنه يمكن أن يكون ما أتى به النبي عليه الصلاة والسلام عين سبيل المؤمنين، مع أنه لا يكون المعطوف عين المعطوف عليه؛ لأن مفهوم مشاقة الرسول عليه الصلاة والسلام غير مفهوم اتباع غير سبيل المؤمنين، فهذه الغيرية كافية لصحة العطف؛ كقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، مع أن طاعة الرسول من إطاعة الله تعالى في الوجود الخارجي لقوله تعالى: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، لكنه غيره بحسب المفهوم"(2).
• المثال الثالث:
ذكر العلاء البخاري في شرحه لجزئية (الحجج على جواز نسخ الكتاب بالسنة والعكس) اعتراضًا من القائلين بعدم جواز نسخ الكتاب بالسنة والعكس (3) فقال: "فإن قيل: لا نسلم أن التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتًا بالسنة؛ بل هو ثابت بالكتاب؛ فإنه كان من شريعة من قبلنا، وشريعة من قبلنا تلزمنا حتى يوجد الدليل على انتساخه، وهذا حكم ثابت بالكتاب؛ وهو قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] ".
ثم ذكر جواب شمس الأئمة السرخسي على هذا الاعتراض فقال: "وعبارة شمس الأئمة فيه: ولا خلاف أنَّ ما كان في شريعة من قبلنا ثبت انْتِسَاخُه في حَقِّنَا بقول أو فعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه، وهذا نسخُ الكتاب بالسنة (4).
(1) يُنظر: التنقيح للمحبوبي (2/ 108 - 109).
(2)
يُنظر: التوضيح للمحبوبي (2/ 111).
(3)
القائل بهذا القول الإمام الشافعي. يُنظر: الرسالة (ص: 181).
(4)
يُنظر: أصول السرخسي (2/ 77).
وإنما ظنَّ (1) النسخ من غير كتاب يُتْلَى؛ فإنه كان كاتب الوحي، ولم يَرُدَّ النبي عليه السلام عليه ظَنَّهُ، ولم يُنْكِرْ عليه فعِلهُ؛ فدلَّ على جواز نسخ التلاوة بغير كتاب، وإذا ثبت جواز نسخ التلاوة؛ ثبت جواز نسخ الحكم؛ لأن وجوب التلاوة والعمل بحكم المتلو كل واحد منهما ثابت بالكتاب (2) ".
ثم ذكر استدراك أبي اليسر (3) على كلام السرخسي فقال: "قال أبو اليسر رحمه الله: هذا ليس بقوي؛ لأن في ذلك الزمان كان القرآن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فربما اعتقد أنها نسخت بآية أخرى قبيل هذا الزمان ولم تبلغه لضيق الوقت، فلا يتعين النسخ بالحديث، ولعله ظن النسخ بالإنساء"(4).
• بيان الاستدراك:
اعترض الخصم القائل بعد جواز نسخ الكتاب بالسنة والعكس على استدلال الحنفية في قولهم بجواز النسخ بحادثة التوجه إلى بيت المقدس، فقال: لا نسلم لكم أن التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتًا بالسنة؛ بل هو ثابت بالكتاب، وبيان ذلك: أن التوجه إلى بيت المقدس كان شريعة من قبلنا، وشريعة من قبلنا تلزمنا حتى يقوم
(1) المراد به: أبي بن كعب رضي الله عنه، وسيترجم له قريبًا - إن شاء الله- عند ورود اسمه في المتن.
(2)
يُنظر: المرجع السابق (2/ 75). والعلاء البخاري قدم وأخر في كلام السرخسي، فهو اقتبس من كلامه ولم يُورده كله.
(3)
هو: أبو اليسر، محمد بن محمد بن الحُسين بن عبدالكريم بن موسى بن مجاهد البزدوي، يُلقب بالقاضي الصَّدْر، وكني بأبي اليسر؛ ليسر تصانيفه، أملى ببخارى الكثير، ودرس الفقه، وكان من فحول المناظرين، وقاضي القضاة بسمرقند، وشيخ الحنفية بعد أخيه الإمام فخر الإسلام علي البزدوي، تفقه عليه عبدالكريم بن محمد مصنف " طلبة الطلبة"، وأبو بكر محمد السمرقندي صاحب " التحفة " شيخ صاحب البدائع، (ت: 493 هـ).
تُنظر ترجمته في: الجواهر المضِيَّة (3/ 322)(4/ 98)؛ الفوائد البهية (ص: 188)؛ هدية العارفين (6/ 77).
(4)
يُنظر: كشف الأسرار للبخاري (3/ 344 - 345).
الدليل على انتساخه من شرعنا، ودليل أن شريعة من قبلنا تلزمنا: قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
فرد عليهم السرخسي: بأن قولك: شريعة من قبلنا تلزمنا، فهذا إنما يكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو عملاً، وإذا ثبت أن شرع من قبلنا يصير شرعًا لنا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فيصبح التوجه إلى الكعبة الثابت في القرآن نسخًا للسنة المقرة لشرع من قبلنا، مع أن السنة المقرة لشرع من قبلنا ما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم بمكة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الكعبة، ثم بعد مقدمه إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس، فانتسخت السنة بالسنة، ثم لما نزلت فرضية التوجه إلى الكعبة في الكتاب؛ انتسخت السنة بالكتاب.
ثم ذكر السرخسي ما يُثبت أن نسخ الكتاب يجوز أن يكون بغير الكتاب، واستشهد بذلك بحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته بسورة المؤمنين، فأسقط منها آية، ثم قال بعد فراغه من صلاته: «ألم يكن فيكم أُبي (1)؟
فقال: نعم يا رسول الله. قال: ما منعك أن تفتحها عليَّ؟ قال: ظننتُ أنها نسِخَت. فقال: لو نسخت لأنبأتكم بها» (2).
فاعتقد أُبي أن الآية نسخت بغير الكتاب. ودليل أنه اعتقد النسخ بغير الكتاب: أنه لو كان النسخ بالكتاب لعلمه؛ لأنه كاتب الوحي، فلما لم يعلمه دل أن قوله:(ظننت أنها نسخت) إشارة إلى أن النسخ غير الكتاب، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم اعتقاده ذلك، فإذا ثبت جواز نسخ التلاوة بغير الكتاب؛ فكذلك نسخ الحكم؛ لأن وجوب التلاوة والعمل بحكمها كل واحد منهما حكم ثابت بالكتاب.
(1) هو: أبو المنذر وأبو الطفيل، أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجاري الأنصاري المدني، سيد القراء، وكاتب الوحي، شهد العقبة الثانية وبدرًا والمشاهد كلها، وجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض على النبي عليه السلام وحفظ عنه، اختلف في سنة وفاته، وأثبت الأقاويل أنه في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة ثلاثين.
تُنظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (1/ 389)؛ الإصابة (1/ 27)؛ معرفة القراء الكبار (1/ 28).
(2)
لم أقف عليه إلا في جامع الأصول (5/ 649).