الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأننا إذا ظننا استناد الحُكم المخصوص في مورد النص إلى الحِكَمِ المخصوصة، ثم ظننا حصول تلك الحِكمة في صورة تولد لا محالة من ذينك الظنين؛ ظن حصول الحُكم في تلك الصورة، والعمل بالظن واجب، وإذا أقام الدليل على جواز التعليل بالحِكَمِ التي لا تنضبط؛ فليكن جائزًا فيما تنضبط بطريق أولى" (1).
•
الصيغة الثانية: ترتب المحال، يَدُلُّ على الرد وأن الصواب خلافه
. ومن أمثلته:
• المثال الأول:
قال الجصاص في مسألة (تخصيص العموم بالقياس): "كل ما لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد لا يجوز تخصيصه بالقياس؛ وذلك لأن خبر الواحد مقدم على القياس، فما لا يجوز تخصيصه فبالقياس أحرى ألا يخص وهذا مذهب أصحابنا"(2).
ثم ذكر استدراكًا مقدرًا من الخصم فقال: "فإن قال: استعمال القياس مع العموم أولى من الاقتصار على العموم دون القياس.
قيل له: هذا محال؛ لأنه لا يمكنك استعمال العموم مع استعمال القياس الموجب لتخصيصه، ولست تنفك معه من ترك العموم" (3).
• المثال الثاني:
قال الرازي في مسألة (إجماع أهل المدينة)، بعد أن ذكر حجة مالك (4): "ثم إنه معارض بأمور ثلاثة:
…
الثالث: أن القول به يؤدي إلى المحال؛ لأن من كان ساكنًا
(1) يُنظر: الإبهاج (6/ 2532 - 2535).
(2)
يُنظر: الفصول في الأصول (1/ 211).
(3)
يُنظر: المرجع السابق (1/ 216).
(4)
يُنظر قول المالكية في مسألة: إجماع أهل المدينة في: مختصر ابن الحاجب (1/ 459)؛ مفتاح الوصول (ص: 752)؛ تقريب الوصول (ص: 337).
بالمدينة كان قوله حجة، فإذا خرج منها لا يكون قوله حجة، ومن كان قوله حجة في مكان، كان قوله حجة في كل مكان؛ كالرسول صلى الله عليه وسلم " (1).
• المثال الثالث:
ذكر الإسنوي في مسألة (المصلحة المرسلة) دليلاً للإمام مالك (2) واستدرك عليه فقال: "
…
احتج مالك بوجهين: أحدهما: أن الشارع اعتبر جنس المصالح في جنس الأحكام - كما مر في القياس-، واعتبار جنس المصالح يُوجب ظن اعتبار هذه المصلحة؛ لكونها فردًا من أفرادها ....
والمصنف (3) تبع الإمام (4) في عدم الجواب عن هذين الدليلين.
وقد يُجاب عن الأول: بأنه لو وجب اعتبار المصالح المرسلة لا شتراكها للمصالح المعتبرة في كونها مصالح؛ لوجب إلغاؤها أيضًا؛ لاشتراكها مع المصالح الملغاة في ذلك؛ فيلزم اعتبارها وإلغاؤها، وهو محال" (5).
• تنبيهان:
الأول: الصيغ كثيرة جدًّا، وليس المراد حصرها؛ بل حسبي التمثيل لما تيسر لي الوقوف عليها.
(1) يُنظر: المحصول (4/ 164).
(2)
يُنظر: قول المالكية في الاحتجاج بالمصلحة المرسلة في: شرح تنقيح الفصول للقرافي (ص: 446)؛ مفتاح الوصول (ص: 704)؛ تقريب الوصول (ص: 409 - 410).
(3)
أي: البيضاوي. يُنظر: منهاج الوصول - مطبوع مع نهاية السول- (2/ 943).
(4)
أي الرازي. يُنظر: المحصول (6/ 165 - 166).
(5)
يُنظر: نهاية السول (2/ 945 - 946).
الثاني: لا يخفى عليك (1) أن الاستدراك الواحد قد يشمل أكثر من صيغة، وأذكر لذلك مثالاً:
قال ابن السبكي في استدراكه على ابن الحاجب في مسألة (أدلة الإجماع): "الأدلة على أن الإجماع حجة كثيرة، واعلم أن المصنف (2) انفرد بدليلين رآهما قاطعين، وسلك فيهما غير طريق الآمدي (3)، ونحن لا نرتضيهما، والرأي عندنا: أن نُخِلَّ كلامه ثم نتعقبه، ثم نشير إلى ما نرتضيه نحن"(4).
بل قد يشمل الاستدراك الواحد صيغة صريحة وأخرى غير صريحة، وأقرره بالمثال التالي:
قال الشيرازي في مسألة (دخول النبي صلى الله عليه وسلم في خطاب الأمة، والعكس بالعكس): "فأما إذا خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب خاص في حكم؛ فإنه يكون مقصورًا عليه، ومختصًّا به، لا يدخل فيه غيره بإطلاقه؛ وإنما يدخل فيه بدليل عليه؛ كقوله:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1]، و {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، و {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال: 64 - 65، 70/ التوبة: 73/ الأحزاب: 45، 50، 59/الممتحنة: 12/ الطلاق: 1/ التحريم: 1، 9]، وغير ذلك. ومن الناس من قال: تدخل فيه الأمة.
وهذا غير صحيح؛ لأن الخطاب لا يصلح لهم؛ وإنما يصلح له صلى الله عليه وسلم، ودخول المخاطب في الخطاب إنما هو بحكم صلاحه، فمن المحال دخوله في خطاب لا يصلح
(1) وعبرت بهذه الصيغة في هذا التنبيه لأن القارئ غالبًا قد تفطن لذلك؛ فقد جاء في الأمثلة السابقة للصيغة الصريحة ما يقرره.
(2)
أي ابن الحاجب. ويُنظر الدليلين في مختصره (1/ 436 - 437).
(3)
يُنظر: طريقة الآمدي في الاستدلال على حجية الإجماع من الكتاب والسنة والمعقول، فذكر من الكتاب خمس آيات، ومن السنة ثلاثة أدلة، ودليلاً من المعقول، وكان يورد بعد كل دليل الاعتراضات والإجابة عليها. يُنظر: الإحكام للآمدي (1/ 267 - 298).
(4)
رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (2/ 145 - 147).
له مقتضاه،
…
" (1).
وبعد معرفة الصيغ ناسب ذكر مظان الاستدارك، ثم العروج بذكر آثاره، وختم البحث بعرض طائفة من آدابه، وهذا موضوع الفصل القادم.
(1) يُنظر: شرح اللمع (1/ 282).
الفصل السادس