الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
القسم الثاني: أمثلة لورود الاستدراك في السنة بسبب دفع الوهم المتوقع من السامع:
• الحديث الثاني:
عن ابن عبَّاسٍ قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بِحائِطٍ من حِيطانِ المَدِينَةِ -أو مكَّةَ-، فسمع صَوتَ إِنسَانَيْنِ يُعذَّبَانِ في قُبُورِهِما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يُعذَّبَانِ، وما يُعذَّبَانِ في كبِيرٍ! ثمَّ قال: بَلَى؛ كان أحَدُهُمَا لا يَستَتِرُ من بَولِهِ، وكان الآخَرُ يَمشِي بِالنّمِيمَةِ. ثمَّ دعَا بِجرِيدَةٍ (1) فكَسَرَهَا كِسرَتَيْنِ، فوَضَعَ على كل قَبرٍ مِنهُمَا كِسرَةً، فقيل له: يا رسُولَ اللهِ، لمَ فعَلْتَ هذا؟ ! قال: لعَلَّهُ أنْ يُخفَّفَ عنهما ما لم تيْبَسَا -أو إلى أنْ ييْبَسَا-" (2).
• بيان الاستدراك:
قوله صلى الله عليه وسلم: «وما يعذبان في كبير» معناه: أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما، أو يشق عليهما فعله لو أرادا أن يفعلاه؛ وهو التنزه من البول وترك النميمة، ولم يرد أن المعصية في هاتين الخصلتين ليست بكبيرة، ولما خاف صلى الله عليه وسلم أن يتوهم مثل هذا؛ استدرك فقال:«بلى» أي: بلى إنه لكبير عند الله. (3)
سبب الاستدراك: دفع وهم قد يتولد للسامع من الكلام السابق.
نوع الاستدراك: استدراك تصحيح لخطأ قد يحصل في ذهن السامع.
(1) الجريدة: سعف النخل الأخضر، وجمعها جريد. يُنظر: النهاية في غريب الأثر (1/ 257)؛ غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 539).
(2)
يُنظر: صحيح البخاري، ك: الوضوء، ب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله، (1/ 88/ح: 213).
(3)
يُنظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/ 322)؛ الترغيب والترهيب (1/ 84)؛ فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار (1/ 60).
• الحديث الثالث:
عن أبي شُريْحٍ (1) أنَّهُ قال لِعمْرِو بن سعِيدٍ (2) -وهو يبْعَثُ الْبعُوثَ إلى مكَّةَ (3) -: ائذَنْ لي أَيّهَا الْأَميرُ أحَدِّثْكَ قَولًا قام بهِ النبي صلى الله عليه وسلم الغَدَ من يَومِ الفَتْحِ، سمعته أذُنَايَ، ووَعَاهُ قَلْبي، وَأَبصَرَتْهُ عَينَايَ حين تكَلَّمَ بهِ: حَمدَ اللهَ، وَأَثنَى عليه، ثمَّ قال:«إنَّ مكَّةَ حرَّمَهَا الله ولم يحَرِّمْهَا الناس، فلا يَحلُّ لامْرِئٍ يؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الْآخرِ أنْ يَسْفكَ فيها دمًا، ولا يَعْضدَ بها شجَرَةً، فَإنْ أحَدٌ ترَخَّصَ لقِتَالِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فيها فَقولُوا: إنَّ اللهَ قد أَذنَ لِرَسولِهِ ولم يَأذَنْ لَكمْ. وَإنَّمَا أَذنَ لي فيها ساعَةً من نهَارٍ، ثمَّ عادَتْ حرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحرْمَتِهَا بالْأَمْسِ، وَلْيبَلِّغْ الشَّاهدُ الْغَائبَ» . فقيل لأَبِي شرَيْحٍ: ما قال عَمرٌو؟ قال: أنا أَعلَمُ منْكَ يا أبَا شرَيْحٍ، لا يعِيذُ عَاصيًا (4)، ولا فارًّا بدَمٍ، ولا فارًّا بخَرْبَةٍ (5) ". (6)
(1) هو: خويلد بن عمرو، وقيل: عمرو بن خويلد، وقيل: عبدالرحمن بن عمرو، وقيل: هانئ بن عمرو، بن صخر بن عبدالعزى، الكعبي الخزاعي العدوي، أسلم قبل فتح مكة، وكان يحمل أحد ألوية بني كعب بن خزاعة، (ت: 68 هـ) بالمدينة.
تُنظر ترجمته في: الطبقات الكبرى (4/ 295)؛ الاستيعاب (4/ 1688).
(2)
هو: أبو أمية، عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد مناف، المدني القرشي الأموي، المعروف بـ (الأشدق)، تابعي، ووَهِمَ من زعم أن له صحبة؛ وإنما لأبيه رؤية، ولي إمارة المدينة لمعاوية ولابنه، استخلفه عبدالملك بن مروان على دمشق لما سار ليملك العراق، فتوثب عمرو على دمشق وبابعوه، فلما توطدت العراق لعبدالملك، وقتل مصعب؛ رجع وحاصر عمرًا بدمشق، وأعطاه أمانًا مؤكدًا، فاغتر به عمرو، ثم بعد أيام غدربه وقتله سنة (70 هـ).
تُنظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 35)؛ سير أعلام النبلاء (3/ 449)؛ فوات الوفيات (2/ 197).
(3)
لقتال عبدالله بن الزبير رضي الله عنه. يُنظر: شرح ابن بطال على صحيح البخاري (1/ 179)؛ شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 127).
(4)
قوله: (لا يعيذ عاصيا) أي لا يعصمه. يُنظر: شرح النووي (9/ 128).
(5)
قوله: (ولا فارًّا بخربة) هي بفتح الخاء وإسكان الراء هذا هو المشهور، ويقال بضم الخاء أيضًا، وأصلها سرقة الإبل، وتطلق على كل خيانة. يُنظر: شرح ابن بطال (1/ 182)؛ شرح النووي (9/ 128).
(6)
يُنظر: صحيح البخاري، ك: الحج، ب: لا يُعضد شجر الحرم
…
، (2/ 651/ح: 1735) ك: المغازي، ب: منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، (4/ 1563/ح: 4044)؛ صحيح مسلم، ك: تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولُقطَتها إلا لمُنشِدٍ على الدّوَامِ، (2/ 987/ح: 1354).
• بيان الاستدراك:
ذكر صلى الله عليه وسلم جوابًا على استدرك مقدر على المستدل بإباحة القتال في مكة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ بأن الله تعالى إنما أذن للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لغيره، وكان إذنه له ساعة من نهار، ثم عادت حرمة مكة كما كانت.
سبب الاستدراك: دفع وهم قد يحصل في ترخص القتال للرسول صلى الله عليه وسلم بقياس غيره عليه.
نوع الاستدراك: استدراك على شخص مقدر ببيان الفرق.
• الحديث الرابع:
عن أبي هُريْرَةَ رضي الله عنهم قال: وكَّلَنِي رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بحِفْظِ زكَاةِ رمَضَانَ، فأَتَانِي آتٍ فجَعَلَ يحْثُو من الطّعَامِ، فأَخَذْتُهُ فقلت: لأَرْفَعَنَّكَ إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم. فقَصَّ الحديث، فقال: إذا أوَيْتَ إلى فِراشِكَ فاقْرَأْ آيةَ الْكرْسِيِّ؛ لنْ يزَالَ معَكَ من اللهِ حافِظٌ، ولا يقْرَبُكَ شيْطَانٌ حتى تصْبِحَ. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدَقَكَ وهو كذُوبٌ، ذاكَ شيْطَانٌ" (1).
• بيان الاستدراك:
ما ذكره ابن حجر (2)
في شرحه للحديث: " (صدقك وهو كذوب) هو من
(1) يُنظر: صحيح البخاري، ك: فضائل القرآن، ب: فضل سورة البقرة، (4/ 1914/ح: 4723).
(2)
هو: أبو الفضائل، أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني -نسبة إلى عسقلان بفلسطين-، من الأئمة الأعلام، عالم بالحديث وعلله، كان فصيح اللسان، راوية للشعر، عارفًا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين، ولع بالأدب والشعر، ثم أقبل على الحديث، ولي قضاء مصر مرات، وانتشرت مصنفاته في حياته، وتهادتها الملوك، وكتبها الأكابر. ومن مصنفاته:" فتح الباري في شرح صحيح البخاري"، و" نزهة الفكر في توضيح نخبة الفكر"، و " تقريب التهذيب"، وغيرها كثير، (ت: 852 هـ).
تُنظر ترجمته في: الضوء اللامع (2/ 36)؛ البدر الطالع (1/ 87)؛ الأعلام (1/ 178).