الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخالفة يُعد نسخًا عندهم؛ وذلك لأن الحنفية لا يقولون بمفهوم المخالفة (1) حتى يكون رفعه نسخًا؛ إلا إن كان من باب التقدير؛ بأن يقال: لو كان المفهوم عند الحنفية ثابتًا كان رفعه نسخًا.
•
السبب الثاني: وَهَمُ المستدرَك عليه:
الوهم: قال ابن فارس: "الواو والهاء والميم كلمات لا تنقاس؛ بل أفراد؛ منها: .... الوهم: وَهْمُ القلب،
…
ووهمت: غلطت" (2).
وتوهم الشيء: تخيله وتمثله. ويجمع على أوهام (3).
وفي الاصطلاح: الحكم بالشيء مع احتمال نقيضه احتمالاً راحجاً. (4)
والوهم عند الأصوليين: تردد بين الاحتمالين مع تجويز مرجوح. (5)
ويتضح من السابق أن مراد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالوهم في استدراكها على ابن عمر رضي الله عنهما في الميت يُعذب ببكاء أهله: "وَهِم أبو عبدالرحمن، أو أخطأ، أو نسي"، المعنى اللُّغوي للوهم؛ وليس المعنى الاصطلاحي، وهو ما يطلق عليه علماء الأصول "الجهل المركب"؛ وهو: اعتقاد الشيء على خلاف ما هو به. (6) وعُرف أيضًا:
(1) يُنظر: أصول السرخسي (1/ 255)؛ كشف الأسرار للبخاري (2/ 465)؛ فواتح الرحموت (1/ 414).
(2)
يُنظر: مقاييس اللغة (6/ 149) مادة: "وهم".
(3)
يُنظر: لسان العرب (15/ 292)؛ مادة: "وهم".
(4)
يُنظر: الحدود الأنيقة (ص: 68)؛ شرح الكوكب المنير (1/ 74)؛ نثر الورود (1/ 49)؛ الكليات (ص: 528).
(5)
يُنظر: شرح مختصر الروضة (1/ 175)؛ إرشاد الفحول (1/ 53).
(6)
يُنظر: الورقات (ص: 17)؛ اللمع (ص 1/ 151)؛ إحكام الفصول (1/ 175)؛ كشف الأسرار للبخاري (4/ 534).
بالاعتقاد الجازم غير المطابق. (1)
فالمراد بالوهم في الأمثلة التالية: الجهل المركب.
أمثلة دفع وهم المستدرَك عليه:
• المثال الأول:
ما ذكره القرافي في تعريف الفقه اصطلاحًا: "وافق الإمام في دعوى أن الأحكام الشرعية معلومة شيخ الأصوليين القاضي أبا بكر الباقلاني (2)
…
وخالفه التبريزي، فقال: من الأحكام ما يعلم، ومنها ما يظن (3)، ووقع في الوهم الذي وقع فيه غيره" (4).
• بيان الاستدراك:
استدرك القرافي على التبريزي مخالفته للرازي في حد الفقه اصطلاحًا؛ حيث عرف الإمام الفقه بأنه: "العلم بالأحكام الشرعية العملية المستدل على أعيانها؛ بحيث لا يعلم كونها من الدين بالضرورة"(5)، فغير التبريزي كلمة "العلم" إلى "الفهم"؛ وذلك لأن الفقه منه ما هو مستفاد من الأدلة القطعية فيفيد العلم، ومنه ما يستفاد من الأدلة الظنية فيفيد الظن، فلا يصح أن يقال في تعريف الفقه: العلم بالأحكام.
(1) يُنظر: المحصول (1/ 84)؛ نهاية السول (1/ 22).
(2)
عرف الباقلاني الفقه: "العلم بأحكام أفعال المكلفين الشرعية التي يتوصل إليها بالنظر دون العقلية"، فنجده عرف الفقه بالعلم. مختصر التقريب والإرشاد (1/ 171).
(3)
يُنظر: تنقيح المحصول للتبريزي (1/ 5).
(4)
نفائس الأصول (1/ 152 - 153).
(5)
المحصول (1/ 78).
وما قاله التبريزي وهم وقع فيه؛ فإن مراد الإمام أن كل حكم شرعي ثابت بمقدمتين قطعيتين:
الأولى: وجدانية - أي يقطع المجتهد بالظن في نفسه -.
الثانية: إجماعية، وهي: كل مظنون يجب العمل به.
وكل حكم شرعي ثابت بمقدمتين قطعيتين، وكل ما هو ثابت بمقدمتين قطعيتين فهو معلوم، وبالتالي كل حكم شرعي فهو معلوم. (1)
• المثال الثاني:
ما ذكره القرافي عن السيف الآمدي: "قال سيف الدين: المحرم: هو ما ينتهض فعله سببًا للذم شرعًا بوجه ما من حيث هو فعل له. قال: فالقيد الأول (2) لخروج الواجب والمندوب، والثاني (3) لإخراج المخير كما تقدم في الواجب، والثالث (4) لإخراج المباح إذا استلزم تركه واجبًا؛ فإنه يذم عليه؛ لكن من جهة أنه ترك واجبًا (5)، وقد تقدم أن المخير لا يدخل في هذا الباب، ووافقه على دخول المخير أبو عمرو بن الحاجب
(1) يُنظر: المحصول (1/ 78 - 79)؛ نفائس الأصول (1/ 139 - 140).
وجواب الرازي لم يسلم به المحققون من علماء الأصول، وأجابوا بأنه فاسد؛ لأنه يقتضي حد الفقه بأنه: العلم بوجوب العمل، وهذا فيه تغيير لحقيقة الفقه وإفساد معناه.
وممن رد جواب الرازي: شيخ الإسلام ابن تيمية، والإسنوي، وابن الهمام. يُنظر على الترتيب المذكور: مجموع الفتاوى (13/ 112 - 120)؛ نهاية السول (1/ 26)؛ التحرير (ص: 4).
(2)
وهو: ما ينتهض فعله سببًا للذم شرعًا.
(3)
وهو: بوجه ما.
(4)
وهو: من حيث هو فعل له.
(5)
يُنظر: الإحكام للآمدي (1/ 153).
في مختصره (1)، وهو وهم لما تقدم (2) " (3).
• بيان الاستدراك:
استدرك القرافي على السيف الآمدي وابن الحاجب إيراد القيد الثاني؛ وهو: (بوجه ما) للاحتراز عن ترك المحرم المخير؛ فإنه سبب للذم بتقدير فعل البدل؛ وليس سببًا له بتقدير ترك البدل.
فالتخيير لا يدخل في هذا الباب، فما فيه التخيير لا تحريم فيه، فحيث وجد المحرم ذم فاعله على كل الوجوه، فلا معنى للاحتراز عن هذا القيد.
• المثال الثالث:
ما ذكره الإسنوي عند حديثه في الأدلة المختلف فيها، فذكر قول الصحابي، وما حكاه البيضاوي من أربعة أقوال في حجية قوله على غيره؛ وهي: الأول: أنه حجة مطلقًا. والثاني: أنه إن خالف القياس كان حجة؛ وإلا فلا. والثالث: أنه يكون حجة بشرط أن ينتشر ولم يخالفه أحد. والرابع وهو المشهور عن الشافعي وأصحابه: أنه لا يكون حجة مطلقًا، واختاره الإمام والآمدي وأتباعهما؛ كابن الحاجب والبيضاوي.
ثم قال: "واعلم أن حكاية الأقوال على الوجه الذي ذكره الإمام غلط، ولم ينتبه
(1) يُنظر: مختصر ابن الحاجب (1/ 283).
(2)
إشارة إلى قوله: "الخامس: أن الواجب والمخير والموسع وعلى الكفاية يرجع إلى الواجب المعبر في التحقيق: الذي يذم تاركه على كل الوجوه. وتحريره: أن مفهوم إحدى الخصال أو الأزمان أو الطوائف هو متعلق الوجوب، ولا تخيير فيه، والخصوصيات هي متعلق التخيير لا وجوب فيها، فالواجب واجب مطلقًا من غير تخيير، وما فيه التخيير لا وجوب فيه، فحيث وجد الوجوب ذم تاركه على كل الوجوه، فلا معنى للاحتراز عنها، وسيأتي بسطه في الواجب المخير". نفائس الأصول (1/ 246).
(3)
المرجع السابق (1/ 271).
له أحد من الشارحين؛ وسببه: اشتباه مسألة بمسألة؛ وذلك أن الكلام هنا في أمرين:
أحدهما: أن قول الصحابي هل هو حجة أم لا؟ وفيه ثلاثة مذاهب:
ثالثها: إن خالف القياس كان حجة؛ وإلا فلا. (1)
الأمر الثاني: إذا قلنا: إن قول الصحابي ليس بحجة فهل يجوز للمجتهد تقليده؟
فيه ثلاثة أقول للشافعي: الجديد (2): أنه لا يجوز مطلقًا.
والثالث - وهو قول قديم (3) -: أنه إن انتشر جاز؛ وإلا فلا (4). هكذا صرح به الغزالي في المستصفى (5)، والآمدي في الإحكام (6)، وغيرهما، وأفردوا لكل حكم مسألة، وذكر الإمام في المحصول (7) نحو ذلك أيضًا.
(1) ذكر القول الثالث، والقول الأول: قول الصحابي حجة مطلقًا، والقول الثاني: قول الصحابي ليس بحجة. وهناك قولان آخران في المسألة: أن قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حجة فقط، والقول الآخر: أن قول الخلفاء الأربعة إذا اتفقوا حجة. يُنظر: المستصفى (2/ 450)؛ المحصول (6/ 126)؛ الأحكام للآمدي (4/ 182)؛ الحاصل (3/ 316 - 317).
(2)
المراد بقول الشافعي الجديد: ما قاله الشافعي بمصر تصنيفًا؛ كالأم، والإملاء، ومختصر المزني، ومختصر البويطي، أو إفتاء. ومن أشهر رواته: المزني، والبويطي، والربيع المرادي، والربيع الجيزي. يُنظر: تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي (1/ 212)؛ مغني المحتاج (1/ 38)؛ نهاية المحتاج (1/ 50)؛ حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 14 - 15).
(3)
المراد بقول الشافعي القديم: ما قاله الشافعي بالعراق قبل انتقاله إلى مصر تصنيفًا؛ وهو كتاب الحجة، أو أفتي به. وأشهر رواته: أحمد بن حنبل، والزعفراني، والكرابيسي، وأبو ثور، وقد رجع الشافعي عنه وقال: لا أجعل في حل من رواه عني. يُنظر: المرجع السابق.
(4)
ذكر قولين، والقول الثالث: يجوز وإن لم ينتشر قوله. يُنظر: المستصفى (2/ 458)؛ المحصول (6/ 132)؛ الأحكام للآمدي (4/ 190)؛ الحاصل (3/ 318).
(5)
(2/ 458).
(6)
(4/ 190).
(7)
(6/ 132).
فتوهم صاحب الحاصل (1) أن المسألة الثانية أيضًا في كونه حجة؛ لكون المحصول في الصراحة ليس كالإحكام، فصرح بما توهمه.
فرأى المصنف (2) حالة اختصاره أن تفريق أقوال الحكم الواحد لا معنى له، فأخذ حاصل المسألتين من الأقوال وجمعه في هذا الموضع؛ فلزم منه أن القول المفصل بين الانتشار وعدمه: تفصيل في الاحتجاج به، وليس كذلك؛ بل إنما هو تفصيل في جواز التقليد، مع تسليم عدم الاحتجاج به، فافهمه.
والعجب إنما هو من فهم صاحب الحاصل؛ فإنه كيف يترجم مُصنف مسألة واحدة مرتين متواليتين بترجمتين مستقلتين؟ " (3).
• بيان الاستدراك
استدرك الإسنوي على التاج الإرموي توهمه أن الأقوال في مسألة: تقليد الصحابي تابعة للأقوال في مسألة: حجية قول الصحابي، وبين سبب التوهم؛ وهو عدم صراحة لفظ المحصول.
وبين أن هذا التوهم كان سببًا للخطأ الذي وقع فيه البيضاوي عند اختصاره للحاصل؛ حيثُ رأى أن تفريق أقوال المسألة الواحدة لا داعي له، فجمع حاصل المسألتين من الأقوال في موضع واحد؛ وهو القول في حجية قول الصحابي؛ فلزم منه أن القول المفصل بين انتشار قول الصحابي وعدمه: تفصيل في الاحتجاج به، والأمر ليس كذلك؛ بل هو تفصيل في جواز تقليد الصحابي في حالة التسليم بعدم حجية قوله.
(1) يُنظر: (3/ 316 - 318).
(2)
أي الإمام البيضاوي.
(3)
نهاية السول (2/ 952 - 953).