الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
المطلب الثاني
أمثلة لاستدراكات الصحابة والتابعين رضي الله عنهم
-
•
أولاً: أمثلة للاستدراكات الصحابة رضي الله عنهم
-.
العلوم في الأمم لا تظهر فجأة؛ إنما تمر بفترة مخاض فكرية؛ حتى تتبلور معانيها، فتتضح في الأذهان معالمها، وتتهيأ في الأسباب لتدوينها، ثم بعد ذلك كله هي خاضعة في نموها وازدهارها لقانون التطور والتدرج. (1)
فبعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كان الصحابة رضي الله عنهم يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وكانوا رضي الله عنهم يتفاوتون في إدراكهم للسنة، وكسبهم العلمي، ورسوخهم في المعرفة، فحصل من جراء ذلك اختلاف في اجتهاداتهم في المسألة الواحدة، مما كان له دور في استدراكات بعضهم على بعض.
وأذكر من استدراكاتهم الأمثلة التالية (2):
• المثال الأول:
" عن عبداللهِ بن أبي مُليْكَةَ (3) قال: قيلَ لأبي بكْرٍ رضي الله عنه: يا خلِيفَةَ اللهِ.
(1) يُنظر: الفكر الأصولي (ص: 60).
(2)
للاستزادة من استدراكات الصحابة بعضهم على بعض يُنظر: استدراكات السلف في التفسير في القرون الثلاثة الأولى (ص: 97 - 306)؛ استدراك بعض الصحابة ما خفي على بعضهم من السنن. علمًا بأن الأمثلة التي ذكرتها لم يذكرها الباحثان؛ وإنما هي من اجتهادي سوى المثال الرابع.
(3)
هو: أبو بكر، وقيل: أبو محمد، عبدالله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبدالله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي المكي، تابعي، قاضى مكة زمن ابن الزبير، ومؤذن الحرم، وولاه ابن الزبير قضاء الطائف، أدرك ثلاثين من الصحابة، وكان ثقة كثير الرواية للحديث، (ت: 117 هـ)، وقيل:(ت: 118 هـ).
تُنظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/ 256)؛ تذكرة الحفاظ (1/ 101)؛ تهذيب التهذيب (5/ 268).
فقال: بلْ خلِيفَةُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنا أرْضَى بهِ" (1).
• بيان الاستدراك:
استدرك أبو بكر رضي الله عنه على مَنْ فهم أنه خليفة الله، وبين له أن الصواب أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سبب الاستدراك: خطأ المستدرك عليه.
نوع الاستدراك: استدراك تصحيح على الفهم.
• المثال الثاني:
روي أن امرأة ذكرت عند عمر بالزنا، فبعث إليها، ففزعت، فألقت ما في بطنها، فاستشار الصحابة في ذلك، فقال له عبدالرحمن بن عوف وغيره: إنما أنت مؤدب، ولا شيء عليك. فقال لعلي: ما تقول؟ فقال: إن كان اجتهدوا فقد أخطؤوا، عليك الدية (2). (3)
• بيان الاستدراك:
استدراك علي على مَنْ أفتى عمر أنه لاشيء عليه؛ لأنه بمثابة المؤدب، وبين أنهم إن قالوا ذلك اجتهادًا فقد أخطؤوا، والصواب: أن عليه الدية، وقد نزل عمر على اجتهاد علي رضي الله عنهم.
سبب الاستدراك: خطأ المستدرَك عليهما.
نوع الاستدراك: تصحيح خطأ المستدرك عليه في الاجتهاد.
(1) يُنظر: مسند أحمد (1/ 11).
(2)
يُنظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 261).
(3)
ويُنظر الأثر في سنن البيهقي الكبرى، ك: الإجارة، ب: الإمام يضمن والمعلم يغرم من صار مقتولاً بتعزير الإمام وتأديب المعلم، (6/ 123/ح: 11452).
• المثال الثالث:
عن عروة بن الزبير (1) أن مروان بن الحكم (2) حدّثه أن عمر رضي الله عنه حين طُعن قال: إني رأيت في الْجَدِّ رأيًا، فإن رأيتم أن تتبعوه. فقال عثمان: إن نتبع رأيك فهو رشد، وإن نتبع رأي الشيخ قبلك (3) فنعم ذو الرأي كان! " (4).
• بيان الاستدراك:
استدرك عثمان على عمر في رأيه في ميراث الجد.
سبب الاستدراك: تكميل الفائدة.
نوع الاستدراك: استدراك الأولى.
(1) هو: أبو عبدالله، عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني، أخو عبدالله بن الزبير، أمهما أسماء بنت أبى بكر الصديق، من فقهاء المدينة، وأفاضل التابعين، وعباد قريش، كان يقرأ كل يوم ربع القرآن، كان فقيهًا عالماً حافظًا ثبتًا حجة، عالماً بالسير، وهو أول من صنف المغازي، (ت: 94 هـ) على المشهور.
تُنظر ترجمته في: مشاهير الأمصار (1/ 64)؛ صفة الصفوة (2/ 85)؛ البداية والنهاية (9/ 101).
(2)
هو: أبو عبدالملك، وقيل: أبو القاسم، وقيل: أبو الحكم، مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، القرشي الأموي، يقال: ولد بعد الهجرة بسنتين، وقيل: بأربع، وقيل: مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، كان كاتب ابن عمه عثمان بن عفان، سار مع طلحة والزبير للطلب بدم عثمان، شهد الجمل مع عائشة، ثم صفين مع معاوية، ثم ولي إمرة المدينة لمعاوية، ثم لم يزل بها إلى أن أخرجهم ابن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية، وبقي بالشام إلى أن مات معاوية بن يزيد بن معاوية، فبايعه بعض أهل الشام، واستوثق له ملك الشام، ثم توجه إلى مصر فاستولى عليها، ثم بغته الموت، فكانت مدته في الخلافة قدر نصف سنة، (ت: 65 هـ) في رمضان.
تُنظر ترجمته في: الطبقات الكبرى (5/ 35)؛ سير أعلام النبلاء (3/ 476)؛ الإصابة (6/ 257).
(3)
يعنى أبا بكر رضي الله عنه.
(4)
يُنظر: المستدرك على الصحيحين، ك: الفرائض، (4/ 377/ح: 7983)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
• المثال الرابع:
" عن عبيد بن عُميْرٍ (1) قال: بلَغَ عائِشَةَ أنَّ عبْدَاللهِ بن عمْرٍو (2) يأْمُرُ النِّساءَ إذا اغْتسَلْنَ أنْ ينْقُضْنَ رُؤُوسهُنَّ. فقالت: يا عجَبًا لابن عمْرٍو هذا؛ يأْمُرُ النِّساءَ إذا اغْتسَلْنَ أنْ ينْقُضْنَ رؤوسهن، أفَلَا يأْمُرُهُنَّ أنْ يحْلِقْنَ رؤوسهن (3)؟ ! لقد كنت أغْتَسِلُ أنا ورَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من إِناءٍ وَاحدٍ ولا أَزيدُ على أنْ أفْرِغَ على رَأْسي ثلَاثَ إفْرَاغَاتٍ"(4).
• بيان الاستدراك:
استدركت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على عبدالله بن عمرو في فتواه: بوجوب نقض المرأة شعرها عند الغسل، واستدلت في استدراكها هذا بحالها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) هو: أبو عاصم، عبيد بن عمير بن قتادة الليثي الجندعي المكي، الواعظ المفسر، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معدود فى كبار التابعين، له رواية عن عمر وعلي وأبي ذر وأبي بن كعب وأبي موسى وعائشة وابن عمر وغيرهم، (ت: 68 هـ).
تُنظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (4/ 156)؛ الاستيعاب (3/ 1018)؛ الإصابة (5/ 60).
(2)
هو: أبو محمد، وقيل: أبو عبدالرحمن، عبدالله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي، وكان أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنة، أسلم قبل أبيه، كان فاضلاً عالماً، هاجر بعد سنة سبع، وشهد بعض المغازي، كتب الكثير بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وترخيصه له بعد كراهيته للصحابة أن يكتبوا عنه سوى القرآن، (ت: 65 هـ).
تُنظر ترجمته في: أسد الغابة (3/ 356)؛ الكاشف للذهبي (1/ 580)؛ سير أعلام النبلاء (3/ 79).
(3)
قال النووي في شرحه للحديث: "وأما أمر عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما بنقض النساء رؤوسهن إذا اغتسلن؛ فيحمل على أنه أراد إيجاب ذلك عليهن، ويكون ذلك في شعور لا يصل إليها الماء، أو يكون مذهبًا له أنه يجب النقض بكل حال كما حكيناه عن النخعي ولا يكون بلغه حديث أم سلمة وعائشة. ويحتمل أنه كان يأمرهن على الاستحباب والاحتياط؛ لا للإيجاب، والله تعالى أعلم". شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 12 - 13).
(4)
يُنظر: صحيح مسلم، ك: الحيض، ب: حكم ضفائر المغتسلة، (1/ 260/ح: 331).
سبب الاستدراك: خطأ المستدرَك عليه.
نوع الاستدراك: استدراك تصويب خطأ المستدرك عليه في الاجتهاد.
• المثال الخامس:
" عن عطاء (1) عن أم كُرْز (2) وأبي كرز (3) قالا: نذرت امرأة من آل عبدالرحمن بن أبي بكر (4) إن ولدت امرأة عبدالرحمن نحرنا جزورًا. فقالت عائشة رضي الله عنها: لا؛ بل السنة أفضل: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة، تقطع جدُولاً (5)، ولا يكسر لها عظم، فيأكل ويطعم ويتصدق، وليكن ذاك يوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشر، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين". (6).
(1) هو: أبو محمد، عطاء بن أبي رباح، واسم ابن أبي رباح: أسلم، القرشي مولاهم، المكي، التابعي، مفتي الحرم، ولد أثناء خلافة عثمان، ونشأ بمكة، وكان ثقة فقيهًا عالماً كثير الحديث، (ت: 115 هـ).
تُنظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (5/ 78)؛ تهذيب التهذيب (7/ 179)؛ طبقات الحفاظ (ص: 45).
(2)
هي: أم كرز الكعبية الخزاعية المكية، لها صحبة ورواية، أسلمت يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحوم بدنه، لم تذكر التراجم تاريخ وفاتها؛ إلا أن الذهبي قال:"روى عنها سماع بن ثابت، وطاووس، وعروة، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح. وتأخرت وفاتها".
تُنظر ترجمتها في: تاريخ الإسلام (4/ 342)؛ تقريب التهذيب (1/ 758)؛ الإصابة (8/ 286).
(3)
هو: عبدالله بن كرز الليثي، له ذكر في حديث عائشة، وأخبرت عن شعره.
لم تذكر المراجع معلومات عنه غير حديث عائشة عنه وشعره، ويُنظر الحديث وترجمته في المراجع التالية: معرفة الصحابة (4/ 1760)؛ أسد الغابة (3/ 380)؛ الإصابة (4/ 217).
(4)
المراد بعبدالرحمن بن أبي بكر: عبدالرحمن بن أبي بكر بن الصديق رضي الله عنهما، شقيق أم المؤمنين عائشة، حضر بدرًا مع المشركين، ثم إنه أسلم وهاجر قبيل الفتح، وكان أسن أولاد الصديق، وكان من الرماة المذكورين والشجعان، قتل يوم اليمامة سبعة من كبارهم، وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أن يعمر أخته عائشة من التنعيم، (ت: 53 هـ)، وقيل: بعد ذلك.
تُنظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/ 555)؛ سير أعلام النبلاء (2/ 471)؛ الإصابة (4/ 325).
(5)
الجدول: جمع جدل -بالكسر والفتح- وهو العضو. يُنظر: النهاية في غريب الأثر (1/ 248).
(6)
يُنظر: المستدرك على الصحيحين، ك: الذبائح، (4/ 266/ح: 7595). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الشيخ الألباني: "
…
فظاهر الإسناد الصحة؛ ولكن له عندي علتان: الأولى: الإنقطاع بين عطاء وأم كرز
…
والأخرى: الشذوذ والإدراج، فقد ثبت الحديث عن عائشة من طريقين
…
وليس فيهما قوله: (تقطع جدولاً)، فالظاهر أنه مدرج من قول عطاء
…
". يُنظر: إرواء الغليل (4/ 395 - 396).