الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• المثال الثالث:
ذكر ابن قدامة في مسألة (الأمر المطلق هل يقتضي التكرار أو المرة؟ ) استدراكًا من الفريق القائل بأنه يقتضي التكرار: "فإن قيل: فَلِمَ حصل الاستفسار عنه؟
قلنا: هذا يلزمكم إن كان يقتضي التكرار فلمَ حسن الاستفسار؟ " (1).
• بيان الاستدراك:
استدرك ابن قدامة على الخصم بقادح القلب؛ حيث قلب عليه استدراكه.
فإن قال الخصم القائل بأن الأمر يفيد التكرار: إنه يحسن الاستفسار في الأمر؛ فيقال: أردت الأمر مرة واحدة أو دائماً؟ ولو كان الأمر يفيد المرة لما حَسُن الاستفسار عن المراد.
فأجيب عن هذا الاستدراك بقلبه على الخصم فيقال: لو كان يُفيد التكرار لما حَسُن الاستفسار عن المراد.
•
ثامنًا: الاستدراك بقادح (المعارَضة):
قادح المعارضة: على ضربين:
الأول: معارضة في الأصل: أن يذكر المعترض في الأصل الذي قاس عليه المستدل مُقتضيًا آخر للحكم غير ما ذكره المستدل.
مثال لمعارضة الأصل: أن يقول المستدل في القتل بالمثقَّل: قتلٌ عمدٌ عدوان؛ فيجب فيه القصاص قياسًا على القتل بالمحدَّد.
فيعترض عليه المعترض: بأن العلة في الأصل كون القتل عمدًا عدوانًا جارحًا. (2)
(1) يُنظر: روضة الناظر (2/ 567).
(2)
ينظر: الإحكام للآمدي (4/ 113)؛ مختصر ابن الحاجب (2/ 1151).
الثاني: معارضة في الفرع: أن يذكر المعترض في الفرع ما يقتضي نقيض حكم المستدل إما بنص أو إجماع ظاهر، أو بوجود وصفًا يمنع ثبوت الحكم فيه، أو يمنع سببية وصف المستدل (1). (2)
مثال منع السببية في الفرع: أن يقول الحنبلي في المرتدة: بَدَّلَتْ دينها فَتُقتل؛ كالرجل. فيقول الحنفي: أُنثى فلا تُقتل بكفرها؛ كالكافرة الأصلية. فيُبين أن تبديل الدين ليس سببًا لقتل المرأة. (3)
وجه كونه قادحًا: أن فيه إقامة دليل مخالف لدليل الخصم، ولا يمكن العمل بالدليل مع وجود معارض له.
• المثال الأول:
قال الطوفي في مسألة (التعبد بخبر الواحد عقلاً): "قوله: (وأجاب عن الأول) أي: هذا الخصم المانع لجواز التعبد بخبر الواحد أجاب عن الوجوه التي احتج بها المجوزون له؛ فأجاب عن الوجه الأول بأن قال: قولكم: (يجب العمل بخبر الواحد أخذًا بالاحتياط) معارض بأن الاحتياط في ترك العمل به لأن العمل به تصرف من المكلف في نفسه التي هي مملوكة لغيره - وهو خالقه عز وجل بالظن، وفي ذلك خطر؛
(1) أي أن المعارضة في الفرع تكون بأمرين: أحدهما: ذكر دليل آكد من قياس المستدل من نص أو إجماع يدل على خلاف ما دل عليه قياسه. وهذا هو فساد الاعتبار، وقد مر في (ص: 559) من هذا البحث.
الثاني: أن يُبدي المعترض في فرع قياس المستدل وصفًا يمنع ثبوت الحكم فيه، أو يمنع كون وصفه سببًا لثبوت الحكم. ومنع الحكم في الفرع لوصف يُبديه المعترض هو حقيقة القلب - وسبق ذكره في (ص: 359) من البحث، - وأما منع السببية فهو راجع إلى قياس الشبه المتردد بين أصلين. يُنظر: شرح مختصر الروضة (3/ 539 - 541).
(2)
يُنظر: الإحكام للآمدي (4/ 112، 124)؛ مختصر ابن الحاجب (2/ 1151، 1158)؛ شرح مختصر الروضة (3/ 527، 539 - 540).
(3)
يُنظر: شرح مختصر الروضة (3/ 541).
لجواز أن يقال له: لم تصرفت في ملكنا من غير مستند قاطع؟ وكيف أضعت حقنا من نفسك بظن لم تكن منه على يقين؟ وهذا كما قلنا في وجوب شكر المنعم عقلاً؛ حيث كان الخطر في تركه معارضًا بالخطر في فعله؛ حيث كان الشكر إتعابًا لنفس الشاكر بغير إذن مالكها" (1).
• المثال الثاني:
قال أبو الثناء الأصفهاني في مسألة (نفي المساواة هل يقتضي العموم؟ ): "نفي المساواة في مثل قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20]، يقتضي العموم - أعني نفي المساواة من كل وجه-؛ كما أن نفي غير المساواة يقتضي العموم.
وذهب أبو حنيفة إلى أن نفي المساواة لا يقتضي العموم (2).
احتج الحنفية بثلاثة وجوه:
…
الثالث: أن المساواة بين الشيئين في جانب الإثبات للعموم؛ كقولنا: زيد وعمرو متساويان؛ فإنه يقتضي تساويهما من جميع الوجوه؛ لأنه لو لم يقتض تساويهما في جميع الأمور؛ لم يستقم الإخبار بمساواتهما؛ إذ لا وجه لاختصاصهما حينئذ بوصف المساواة؛ إذ ما من شيئين إلا ويكون بينهما مساواة في بعض الصفات؛ لكنه يستقيم الإخبار بالمساواة بين الشيئين بالإجماع، فيكون للعموم، فيكون نفي المساواة بين الشيئين لا يعم؛ لأن نفي الإيجاب الكلي سلب جزئي (3).
أجاب عن الثالث: بالمعارضة؛ فإن المساواة بين الشيئين في جانب الإثبات للخصوص؛ لأنه لو لم يكن للخصوص لم يصدق مساواة بين الشيئين أصلاً، إذ ما من
(1) شرح مختصر الروضة (2/ 115).
(2)
يُنظر: تيسير التحرير (1/ 250)؛ فواتح الرحموت (1/ 289).
(3)
يُنظر موضوع التناقض عند أهل المنطق في: معيار العلم (ص: 80 - 83)؛ شرح السلم للملوي وحاشية الصبان (ص: 111)؛ آداب البحث والمناظرة (1/ 89).
شيئين إلا ويصدق بينهما نفي المساواة في شيء من الصفات. وأقله أن يصدق نفي المساواة بينهما في تعينهما؛ لأن كل واحد منهما لا يكون مساويًا للآخر في تعينه، فلا يصدق ثبوت المساواة بينهما من جميع الوجوه.
وإذا كانت المساواة في جانب الإثبات للخصوص تكون مساواة في جانب النفي للعموم؛ لأن نقيض الجزئي الموجب السالب الكلي (1) " (2).
• بيان الاستدراك:
استدل الحنفية في قولهم: إن نفي المساواة لا يدل على العموم: بأن المساواة بين الشيئين في الإثبات تفيد العموم في تساويهما؛ لأنه لو لم يقتض العموم لم يكن لوصف المساواة فائدة؛ لأن ما من شيئين إلا ويكون بينهما مساواة في بعض الصفات، فإذا ثبت ذلك فقولنا:(يستوي) معناه: كل وجه استواء ثابت في الإيجاب، فهذا كلي موجب.
وقولنا: (لا يستوي) نقيضه، ونقيض الكلي الموجب جزئي سالب، فيكون معنى قولنا:(لا يستوي) بعض وجوه الاستواء ليس بثابت، وهو المطلوب.
استدرك على دليل الحنفية هذا بقادح المعارضة، فقيل: الجواب بالمعارضة بالمثل بأن يقال: المساواة في الإثبات ليس للعموم؛ بل للخصوص؛ وهو بعض المساواة؛ وإلا لم يصدق إثبات مساواة لشيئين أبدًا؛ إذ ما من شيئين إلا وبينهما نفي مساواة ولو في تعينهما، فيكون قولنا:(يستوي) موجبًا جزئيًا بمثابة بعض وجوه المساواة ثابت.
وقولنا: (لا يستوي) نقيضه، ونقيض الجزئي الموجب كلي سالب، فيكون معنى قولنا:(لا يستوي) بمثابة لا شيء من وجوه المساواة بثابت، وهو المطلوب. (3)
(1) يُنظر: معيار العلم (ص: 80 - 83)؛ شرح السلم للملوي وحاشية الصبان (ص: 111)؛ آداب البحث والمناظرة (1/ 89).
(2)
يُنظر: بيان المختصر (2/ 169 - 173)، ويُنظر أيضًا الردود والنقود للبابرتي (2/ 151).
(3)
يُنظر: شرح العضد الإيجي (2/ 633).