الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• أمثلة
الاستدراك بـ (دليل العادة والعرف
(1)):
• المثال الأول:
ذكر الباجي في مسألة (دلالة صيغة افعل) من بين أدلة القائلين بالتوقف وعدم حمل الصيغة على أحد محتمليه إلا بقرينة تدل على المراد: "أما هم فاحتج من نصر قولهم في ذلك بأن لفظ (الأمر) لو كان يدل على الوجوب بمفرده؛ لوجب إذا صُرف إلى الندب بقرينة أن يكون ذلك مجازًا لا حقيقة.
والجواب: أن هذا ليس بصحيح؛ لأن اللفظ إنما يستغني عن قرينة فيما شهر بالاستعمال فيه، ويفتقر إلى قرينة فيما عُرْفه أن يستعمل في غيره أكثر؛ كالغائط الذي هو حقيقة في المطمئن من الأرض، ومجاز في قضاء الحاجة، ثم مع ذلك يفتقر إلى قرينة في استعماله في حقيقته، ولا يفتقر إلى قرينة في استعماله في مجازه؛ وإنما ذلك بحسب عرف الاستعمال" (2).
(1) العادة: ما استمر الناس عليه على حكم العقول، وعادوا إليه مرة بعد أخرى. يُنظر: التعريفات (ص: 188)؛ الكليات (ص: 617).
والعرف: ما استقر في النفوس من جهة شهادات العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول. يُنظر: التعريفات (ص: 193)؛ الكليات (ص: 671).
وقيل في الفرق بينهما ثلاثة أقول:
- الأول: أنه لا فرق بينهما، فهما بمعنى واحد.
- الثاني: أن العرف مخصوص بالقول، والعادة مخصوصة بالعمل.
- الثالث: بينهما عموم وخصوص مطلق، فالعادة أعم من العرف، إذ العادة تطلق على العادة الجماعية وهي العرف، وتطلق أيضا على العادة الفردية، فكل عرف عادة لا العكس. يُنظر: العرف والعادة في رأي الفقهاء (ص: 11 - 13).
(2)
إحكام الفصول (1/ 203).
• المثال الثاني:
قال الشيرازي في مسألة (تكرار الأمر وما يقتضيه الأمر الثاني): "إذا كرر الأمر فقال: (صَلِّ)؛ هل يقتضي الأمر الثاني استئناف فعلي أمور لا تنبني على ما ينبني عليه الأمر المفرد؟
فإن قلنا: إنه يقتضي التكرار؛ فلا فائدة في ذكر الأمر الثاني؛ لأن الأمر الأول قد استغرق الأوقات في التكرار، فيجب عليه ما استطاع إلى قيام الساعة، فلا يتصور تكليفه الفعل بحكم الأمر الثاني؛ لأنه لا سبيل إلى الامتثال لاشتغاله بالأمر الأول، ويحمل الثاني على التأكيد.
فإن قلنا: إن الأمر يقتضي مرة واحدة؛ ففيه وجهان: قال أبو بكر الصيرفي: لا يقتضي التكرار. ومنهم من قال: الأمر الثاني يقتضي فعلاً ثانيًا" (1).
واختار الشيرازي أنه يقتضي فعلاً ثانيًا، وذكر من بين أدلة المخالف القائل بأنه لا يقتضي التكرار قوله:"قالوا: ولأن السيد من العرب إذا قال لعبده: اسقني، وكرر الأمر عليه؛ لا يقتضي ذلك تكرار الفعل منه وإن وجد دال منه بلفظين واحد بعد الآخر، فلو كان الأمر يقتضي تكرار الفعل لاقتضاه في هذا الوضع"(2).
.... وجواب آخر: وهو أنا حملناه على مرة واحدة هناك بحكم العرف؛ وذلك لأن العرف أنه قصد باستدعاء الماء يشربه لحاجته إليه، وحمل الماء إليه مرة واحدة فيه كفاية له في الحال فلم يحتج إلى تكرار؛ بخلاف مسألتنا فإنه ليس بيننا وبين الله تعالى في خطابه عرف يحمل عليه، فوجب أن نحمله على موجبه في اللغة" (3).
(1) يُنظر: شرح اللمع (1/ 231 - 232).
(2)
يُنظر: المرجع السابق (1/ 233).
(3)
يُنظر: المرجع السابق.
• المثال الثالث:
قال الآمدي في مسألة (حجية الإجماع): "اتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم، خلافًا للشيعة والخوارج والنظام من المعتزلة"(1).
ثم ذكر عددًا من الاستدراكات بين الخصمين بدليل (العادة)، فبعد أن ذكر دليل القائلين بحجية الإجماع في استدلالهم بالسنة بعدد من روايات الصحابة المختلفة الألفاظ المتفقة المعنى في الدلالة على عصمة هذه الأمة عن الخطأ والضلالة أورد استدراكًا من الخصم القائل بعدم حجية الإجماع: (فإن قيل: هذه كلها أخبار آحاد تبلغ مبلغ التواتر ولا تفيد اليقين، وإن سلمنا التواتر؛ ولكن يحتمل أنه أراد به الخطأ والضلالة عن الأمة عصمة جميعهم عن الكفر لا بتأويل ولا شبهة. ويحتمل أنه أراد بهم عصمتهم عن الخطأ في الشهادة في الآخرة، أو فيما يوافق النص المتواتر، أو دليل العقل دون ما يكون بالاجتهاد ....
والجواب عن السؤال الأول من وجهين:
…
الوجه الثاني: أن هذه الأحاديث لم تزل ظاهرة مشهورة بين الصحابة ومن بعدهم متمسكًا بها فيما بينهم في إثبات الإجماع من غير خلاف فيها ولا نكير إلى زمان وجود المخالفين، والعادة جارية بإحالة اجتماع الخلق الكثير والجم الغفير مع تكرر الأزمان، واختلاف هممهم ودواعيهم ومذاهبهم على الاحتجاج بما لا أصل له في إثبات أصل من أصول الشريعة؛ وهو الإجماع المحكوم به على الكتاب والسنة من غير أن ينبه أحد على فساده وإبطاله وإظهار النكير فيه.
فإن قيل: من المحتمل أن أحدًا أنكر هذه الأخبار ولم ينقل إلينا، ومع هذا الاحتمال فلا قطع قولكم: إن الصحابة والتابعين استدلوا بها على الإجماع لا نسلم ذلك.
(1) الإحكام للآمدي (1/ 266).