الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- تخريج الفروع على الفروع.
والذي يهمنا في بحثنا القسم الأول- تخريج الأصول من الأصول- والقسم الثاني-تخريج الأصول من الفروع-.
•
أولاً: تخريج الأصول من الأصول:
تعريفه: استنباط قاعدة أصولية من قاعدة أصولية أخرى، أو أصل من أصول الدين. (1)
وبناء عليه فاستدراك تخريج الأصول من الأصول هو: التعقيب على استنباط الأصل الفقهي مِن أصل فقهي آخر أو عقدي.
محترزات التعريف:
التعقيب: جنس يدخل فيه كل تعقيب، وسبق الكلام عنه في حد الاستدراك.
استنباط: بيان نوع التعقيب، وهو مستفاد من معاني التخريج اللغوية.
الأصل: قيد يخرج به التعقيب على استنباط الفروع الفقهية.
الفقهي: قيد يخرج به التعقيب على استنباط أصول الدين.
مِنْ: ابتداء الغاية (2)، أي ابتداء هذا التخريج كان من أصل فقهي أو عقدي.
أصل فقهي آخر أو أصل عقدي: قيد يخرج به التخريج من الفروع الفقهية.
أو: للتقسيم؛ وليست للتشكيك.
قال الزركشي في مقدمة كتابه سلاسل الذهب (3): "فهذا الكتاب أذكر فيه
-بعون الله- مسائل من أصول الفقه، عزيزة المنال، بديعة المثال، منها ما تفرع
(1) وهذا تعريف د. عبدالوهاب الرسيني. يُنظر: تخريج الأصول من الفروع (ص: 34)، رسالة ماجستير بجامعة أم القرى.
(2)
يُنظر: العدة (1/ 202)؛ إحكام الفصول (1/ 181)؛ القواطع (1/ 61)؛ فتح الغفار (ص: 207).
(3)
(ص: 103).
على قواعد منه مبنية، ومنها ما نظر إلى مسائل كلامية
…
".
وأقرر الاستدراك على تخريج الأصول من الأصول بالأمثلة التالية:
• المثال الأول:
جاء في المسودة (1): "مسألة: يجوز أن يرد الأمر معلقًا باختيار المأمور، قال شيخنا (2): ذكره القاضي (3) وابن عقيل ولفظه: (يجوز أن يرد الأمر من الله مُعلقًا على اختيار المكلف، أو تركًا مُفوضًا إلى اختياره، بناء على أن المندوب مأمور به مع كونه مخيرًا بين فعله وتركه خلافًا للمعتزلة (4)) (5). وهذه تشبه أن يقال للمجتهد: احكم بما شئت.
قال شيخنا: وبحث أصحابنا في المسألة يدل على أنهم أرادوا أمر إيجاب، فلا يصح البناء على مسألة (المندوب مأمور به)؛ بل حرف المسألة شيئان:
أحدهما: جواز عدم التكليف. والثاني: جواز تكليف ما يشاؤه العبد ويختاره
…
".
• بيان الاستدراك:
استدرك شيخ الإسلام ابن تيمية على الحنابلة تفريع مسألة (جواز أن يرد الأمر معلقًا باختيار المأمور) على مسألة (المندوب مأمور به)، فذكر أن هذا التخريج لا يصح؛ وذلك لأن الأمر المراد في مسألة (جواز أن يرد الأمر معلقًا باختيار المأمور) أمر إيجاب، فلا يصح بناؤه على مسألة الأمر في الندب.
(1)(ص: 45).
(2)
المراد به: شيخ الإسلام ابن تيمية.
(3)
المراد به: أبو يعلى الفراء. يُنظر: العدة (1/ 302).
(4)
يُنظر: المغني للقاضي عبدالجبار (17/ 126)؛ المعتمد (1/ 165).
(5)
الواضح في أصول الفقه (3/ 189).
• المثال الثاني:
استدرك البرماوي (1) على الصفي الهندي تخريج مسألة (التعليل بالمحل (2) أو جزئه (3) على التعليل بالعلة القاصرة (4)) فقال: "لكن المتجه أنه من صورة القاصرة، فلا حاجة لجعله مبنيًا عليه؛ فإن ذلك مشعر بالمغايرة، وليس كذلك"(5).
• بيان الاستدراك:
ذكر علماء الأصول في شروط العلة: أن تكون متعدية، وذكروا الخلاف في التعليل بالعلة القاصرة، وخرج الصفي الهندي مسألة (التعليل بمحل الحكم
(1) هو: أبو عبدالله، محمد بن عبدالدائم بن موسى العسقلاني البرماوي المصري الشافعي، شمس الدين، أخذ عن السراج البلقيني وابن الملقن، كان علامة في الفقه وأصوله وأصول العربية والحديث، من مصنفاته:"اللامع الصبيح على الجامع الصحيح"، و" النبذة الألفية في الأصول الفقهية " وشرحها " الفوائد السنية في شرح الألفية"، (ت: 831 هـ).
تُنظر ترجمته في: طبقات ابن قاضي شهبة (4/ 101)؛ الضوء اللامع (7/ 280)؛ الأعلام (7/ 60).
(2)
محل الحكم: كقولنا: الذهب ربوي؛ لكونه ذهبًا، والخمر حرام؛ لأنه مسكر معتصر من العنب. يُنظر: التحبير شرح التحرير (7/ 3205).
والذين فرقوا بين التعليل بالعلة القاصرة والتعليل بمحل الحكم ذكروا الفرق بينهما:
أن المحل ما وضع اللفظ له؛ كوصف البرية. والعلة القاصرة هي: وصف اشتمل عليه محل النص ولم يوضع اللفظ له؛ كاشتمال البر على نوع من الحرارة والرطوبة، وهو ملائم لمزاج الإنسان ملاءمة لا تحصل بين الإنسان والأرز؛ فإن الأرز حار يابس يبسًا شديدًا منافٍ لمزاج الإنسان، فيحرم الربا في البر لأجل هذه الملاءمة الخاصة التي لا توجد في غير البر، فهذه علة قاصرة لا محل، وأما وصف البرية بما هو برية فهو المحل. يُنظر: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (5/ 413).
(3)
جزء المحل الخاص به: كالتعليل باعتصاره من العنب فقط. يُنظر: المرجع السابق.
(4)
يُنظر: نهاية الوصول (4/ 945).
(5)
شرح ألفية البرماوي حقق جزء منه في جامعة أم القرى، ولم يشمل التحقيق كتاب القياس. ويُنظر قول البرماوي في التحبير شرح التحرير (7/ 3205).
أو التعليل بجزء المحل الخاص به) على التعليل بالعلة القاصرة، فاستدرك عليه البرماوي بأن لا حاجة لهذا التفريع؛ وذلك لأن التعليل بمحل الحكم أو التعليل بجزء المحل الخاص هو من صور التعليل بالعلة القاصرة، فجعل التعليل بهما فرعًا للتعليل بالعلة القاصرة يشعر بالمغاير، وهما في الحقيقة من صور التعليل بالعلة القاصرة.
• المثال الثالث:
استدرك الزركشي على من خرج مسألة (شكر المنعم على التحسين والتقبيح) فقال: "إن الأصحاب جعلوا مسألة (شكر المنعم والأفعال) مفرعة على التحسين والتقبيح، وليس بجيد، أما الأول: فلأن الشكر هو اجتناب القبيح وارتكاب الحسن، وهو عين مسألة التحسين والتقبيح؛ فكيف يقال: إنها فرعها؟
…
وأما الثاني: فلأن ما لا يقضي العقل فيها بشيء لا يتجه تفريعه على الأصل السابق؛ فإن الأصل إنما هو حيث يقضي العقل هل يتبع حكمه؟ وإنما الأصحاب قالوا: هب أن ذلك الأصل صحيح فلم قضيتم حيث لا قضاء للعقل؟ ! وليس هذا تفريعًا على هذا الأصل" (1).
• المثال الرابع:
كما اعترض على ابن رفعة (2) تخريجه مسألة (حكم الأشياء هل هو على الإباحة
(1) البحر المحيط (1/ 159 - 160)؛ وينظر كذلك: سلاسل الذهب (ص: 118 - 119).
(2)
هو: أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي المصري، الفقيه الشافعي، الملقب بنجم الدين، والمعروف بـ (ابن رفعة)، كان بارعًا في الفقه، مشاركًا في العربية والأصول، من مصنفاته:"الكفاية في شرح التنبيه"، و"المطلب في شرح الوجيز للغزالي"، و"النفائس في هدم الكنائس"، (ت: 710 هـ).
تُنظر ترجمته في: طبقات الشافعية للإسنوي (1/ 296)؛ طبقات الشافعية لابن شهبة (2/ 273)؛ البداية والنهاية (14/ 60).