الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
ثامنًا: استمداده من علم المنطق
(1):
يُعد علم المنطق من العلوم المشاركة للاستدراك الأصولي؛ وذلك بسبب إقحام جملة من الموضوعات والألفاظ المنطقية إلى علم الأصول، ويمكن إبرازها في النقاط التالية:
أولاً: إضافة المقدمة المنطقية ضمن مقدمات علم أصول الفقه (2)، ومن ذلك مناقشة فكرة الحد وتعريفها، وذكر شرطها وغرضها، أو تقسيم العلم إلى ضروري ونظري، ونحو ذلك من المسائل التأصيلية التي جعلت في مقدمة الكتب الأصولية (3)
(1) علم المنطق: علم يتعرف منه كيفية اكتساب المجهولات التصورية أو التصديقية من معلوماتها. يُنظر: مفتاح السعادة (1/ 272). وقيل في حد المنطق: قانون تعصم مراعاته الذهن عن الخطأ في فكره. يُنظر: شرح الأخضري على السلم المنورق (ص: 23 - 24)؛ إيضاح المبهم من معاني السلم في المنطق (ص: 4).
(2)
كما فعل الغزالي في كتاب المستصفى (1/ 30 - 175)، وتبعه بعض الأصوليين في ذلك؛ كابن قدامة في الروضة (1/ 56 - 96)، وابن الحاجب في مختصره (1/ 206 - 223)؛ والأصفهاني في الكاشف عن المحصول (1/ 125)؛ والقرافي في شرح تنقيح الفصول (ص: 4 - 15).
(3)
افتتح القول في تقرير صناعة الحدود في كتب أصول الفقه القاضي الباقلاني في كتابه " مختصر التقريب والإرشاد " حيث عقد بابًا وعنونه " بالقول في حدِّ الحد "(1/ 199)، ثم تابعه في ذلك عدد من الأصوليين؛ كالقاضي أبي يعلى في العدة (1/ 74)؛ أبي الخطاب الكلوذاني في التمهيد في أصول الفقه (1/ 33)؛ والباجي في إحكام الفصول (1/ 174). كما عقد الباجي مصنفًا مفردًا بعنوان " الحدود في الأصول " ذكر فيه معنى الحد (ص: 23 - 25)، وكما تعرض الشيرازي لبعض مسائل الحد في اللمع (ص: 29)، وشرح اللمع (1/ 145)، وإمام الحرمين الجويني في التلخيص (1/ 107)، والإمام السمعاني مع غلبة الأثر والفقه عليه إلا أن غلبة المصنفات المتقدمة لم تمكنه من الانفكاك عن مناقشة حد الحد وشروطه في قواطعه (1/ 44 - 45)، وابن قدامة في الروضة (1/ 58 - 67)؛ والقرافي في شرح تنقيح الفصول (ص: 4 - 15)؛ وابن الحاجب في مختصره (1/ 207 - 210) وتبعه جميع الشراح للمختصر، المحبوبي في التلويح (1/ 28 - 30)؛ وابن عقيل في الواضح (1/ 14 - 17)؛ والمرداوي في التحبير شرح التحرير (1/ 270 - 279)؛ والزركشي في البحر المحيط (1/ 92 - 109).
والتي محلها كتب المنطق.
ثانيًا: إدراج المباحث اللفظية في علم المنطق ضمن المبادئ اللغوية في كتب الأصول؛ كالكلي (1) والجزئي (2)، والذاتي (3) والعرضي (4)، وبحث الكليات الخمس وغيرها (5). كما استخدموا بعض المصطلحات المنطقية في شرح التعريفات؛ كمصطلح "الجنس (6) " و"الفصل (7)
"، وهذا من الكثرة ما يغني عن التمثيل له.
(1) الكلي: كل مفهوم ذهني لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه. ومن أمثلته: الإنسان، الشمس، وينفسم الكلي باعتبار وجود أفراده في الخارج وعدم وجودها وباعتبار الكم والكيف إلى ستة أقسام مفصلة في كتب المنطق. يُنظر: معيار العلم (ص: 39 - 41)؛ ضوابط المعرفة (ص: 35 - 36).
(2)
الجزئي: كل مفهوم ذهني يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه. ومن أمثلته: قولك: زيد، هذا فرس. يُنظر: معيار العلم (ص: 39)؛ ضوابط المعرفة (ص: 35).
(3)
الذاتي: وهو ما كان جزءاً من الذات. وعرف بتعريفات آخرى. يُنظر: شرح الملوي على السلم مع حاشية الصبان (ص: 65 - 66).
(4)
العرضي: وهو ما كان خارجاً عن الذات. وعرف بتعريفات آخرى، يُنظر: المرجع السابق. وقيل في حده أيضًا: الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع أي محل يقوم به؛ كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم به. يُنظر: التعريفات (ص: 192). ويُنظر الفرق بين الذاتي والعرضي في آدب البحث والمناظرة (ص: 51).
(5)
ذكر الفخر الرازي ذلك في المحصول (1/ 221 - 224)؛ والآمدي في الإحكام (1/ 76)؛ والبيضاوي في المنهاج (ص: 199)، وتابعه على ذلك شُرَّاح منهاجه.
(6)
الجنس: ما يكون جزءًا من الماهية ومشتركًا بين الماهية وغيرها. وقيل أيضًا في حده: لفظ كلي يشتمل على أنواع كثيرة مختلفين في الحقيقة. مثال الجنس: (الحيوان) يتناول: الإنسان، الفرس، الغزال
…
إلخ وهذه الأنواع مختلفة في حقيقتها، إذ حقيقة الإنسان غير حقيقة الفرس والغزال. يُنظر: شرح الملوي على السلم مع حاشية الصبان (ص: 68)؛ ضوابط المعرفة (ص: 39).
(7)
الفصل: ما يكون جزءًا من الماهية خاصًا بها .. وقيل في حده أيضًا: لفظ كلي يتناول من الماهية الجزء الذي يميز النوع عن سائر الأنواع المشاركة في الجنس. مثال الفصل: (الناطق) كلي يتناول جزء ماهية الإنسان الذي يميزه عن غيره. يُنظر: شرح الملوي على السلم مع حاشية الصبان (ص: 69)؛ ضوابط المعرفة (ص: 40).
ثالثًا: إعمال صور وأشكال الأدلة المنطقية في الاستدلالات الأصولية كالتلازم (الشرطي المتصل)(1)، وقياس الخُلْف (2)، ودليل السَّبْر والتقسيم (الشرطي المنفصل)(3)، وصور القياس الاقتراني (4). (5)
فكل هذه النقاط كانت محلاًّ للاستدراك، فنجد مثلاً استدراك بعض الأصوليين على بعضهم في الحدود (6) والاستدلالات باستخدام الأساليب المنطقية؛ مثل: السبر والتقسيم، والتلازم، وصور القياس الاقتراني.
وأختم بمقولة الطوفي التي تدل على إقحام موضوعات من علم المنطق في علم
(1)"التلازم" عند المتكلمين، أما المنطقيون فيسمونه "الشرطي المتصل". وسيأتي تعريفه في (ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.).
(2)
قياس الخلف: أحد صور القياس الشرطي المتصل عند المنطقيين. وسيأتي تعريفه أيضًا في (ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.)، وهذا القياس يستخدمه الأصوليون كثيرًا في تقرير القواعد الأصولية. يُنظر مثلاً: المحصول (2/ 527)(6/ 242).
(3)
" السبر والتقسيم" عند المتكلمين، أما المنطقيون فيسمونه " الشرطي المنفصل". وسيأتي أيضًا تعريفه في (ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.). ويُنصح في هذا المجال بالاطلاع على السبر والتقسيم وأثره في التقعيد الأصولي، دراسة نظرية مع التطبيق على مسائل الحكم الشرعي والأدلة، رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للدكتور: سعيد بن متعب القحطاني.
(4)
وسيأتي تعريفه في (ص: 423)، وهذا القياس أيضًا يستخدمه الأصوليون في تقرير القواعد الأصولية. يُنظر: المحصول (6/ 113).
(5)
ينصح في هذا المجال بالاطلاع على كتاب "طرق الاستدلال ومقدماتها عند المناطقة والأصوليين" للدكتور يعقوب الباحسين؛ "علاقة علم أصول الفقه بعلم المنطق" رسالة ماجستير من جامعة أم القرى للأستاذ وائل بن سلطان الحارثي؛ "الصلة بين أصول الفقه الإسلامي وعلم المنطق" للدكتور: رافع طه الطيف الرفاعي العاني.
(6)
ظاهرة نقد الحدود نشأت متأثرة بنظرية الحدود المنطقية كأثر تطبيقي نتيجة لإعمال ضوابط وشرائط الحد. يُنظر: علاقة أصول الفقه بعلم المنطق (ص 390).
الأصول: "
…
العالم بأصول الفقه دون فروعه؛ ككثير من الأعاجم تتوفر دواعيهم على المنطق والفلسفة والكلام، فيتسلطون به على أصول الفقه؛ إما عن قصد، أو استتباع لتلك العلوم العقلية؛ ولهذا جاء كلامهم عريًّا عن الشواهد الفقهية المقربة للفهم على المشتغلين، ممزوجًا بالفلسفة؛ حتى إنَّ بعضهم تكلف إلحاق المنطق بأوائل كتب أصول الفقه، لغلبته عليه، واحتج بأنه من موادِّه
…
" (1).
(1) شرح مختصر الروضة (3/ 37).