الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التتميم البليغ؛ لأنه لما أوهم مدحه بوصفه الصدق في قوله: (صدقك) استدرك نفي الصدق عنه بصيغة مبالغة، والمعنى: صدقك في هذا القول مع أن عادته الكذب المستمر" (1).
سبب الاستدراك: دفع وهم قد يتولد للسامع من الكلام السابق.
نوع الاستدراك: استدراك تكميل للفائدة.
•
القسم الثالث: أمثلة لورود الاستدراك في السنة بسبب تصحيح خطأ المُستدرَك عليه:
• الحديث الخامس:
حديث أنَسِ بن مالِكٍ رضي الله عنه قال: جاءَتْ أمُّ سُليْمٍ (2)
إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالت له -وعَائِشَةُ عِنْدهُ-: يا رسُولَ اللهِ، الْمرْأَةُ ترَى ما يرَى الرَّجلُ في المَنَامِ، فتَرَى من نَفْسهَا ما يرَى الرَّجلُ من نَفْسهِ. فقالت عَائشَةُ: يا أمَّ سلَيْمٍ، فَضَحتِ النّسَاءَ (3) تَربَتْ يَمِينكِ (4)!
(1) فتح الباري (9/ 56).
(2)
هي: أمُّ سُليْمٍ، أم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في اسمها؛ فقيل: اسمها سهلة، وقيل: مليكة، وقيل: رميثة، وقيل: أنيفة، وقيل: الرميصاء، وقيل: الغميصاء، بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية الخزرجية، وكانت من فاضلات الصحابيات ومشهوراتهن، وهي أخت أم حرام بنت ملحان رضي الله عنهما، شهدت أحدًا وحنينًا، مات زوجها مالك بن النضر، ثم تزوجها أبو طلحة الأنصاري، وكان مهرها إسلامه.
تُنظر ترجمتها في: صفة الصفوة (2/ 65)؛ الاستيعاب (4/ 1940)؛ الإصابة (8/ 45).
(3)
قول عائشة -رضى الله عنها-: "فضحت النساء " معناه: حكيت عنهن أمرًا يستحيا من وصفهن به ويكتمنه؛ وذلك أن نزول المني منهن يدل على شدة شهوتهن للرجال. يُنظر: شرح النووي على صحيح مسلم (3/ 221).
(4)
قال النووي: "قولها: (تربت يمينك) فيه خلاف كثير منتشر جدًّا للسلف والخلف من الطوائف كلها، والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناه: أنها كلمة أصلها: افتقرت؛ ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي، فيذكرون: (تربت يداك)، و (قاتله الله ما أشجعه)، و (لا أم له)، و (لا أب لك)، و (ثكلته أمه)، و (ويل أمه)، وما أشبه هذا من ألفاظهم، يقولونها عند إنكار الشيء، أو الزجر عنه، أو الذم عليه، أو استعظامه، أو الحث عليه، أو الإعجاب به". المرجع السابق.
فقال لعَائِشَةَ: بلْ أَنتِ فَتَربَتْ يَمِينكِ (1)! نعم؛ فَلْتَغْتَسلْ يا أمَّ
سلَيْمٍ إذا رأَتْ ذاكِ" (2).
• بيان الاستدراك:
اشتمل الحديث على استدراكين:
الاستدراك الأول: استدراك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على أمِّ سُليْمٍ رضي الله عنها سؤالها عن أمر خاص بالنساء يُستحيا من ذكره عادة.
الاستدراك الثاني: استدراك النبي صلى الله عليه وسلم على استدراك عائشة رضي الله عنها، وإجابته عما سألت عنه أمُّ سُليْمٍ رضي الله عنها.
سبب الاستدراك: خطأ المستدرَك عليه - وهي عائشة- في استدراكها على أمِّ سُليْمٍ رضي الله عنهما.
نوع الاستدراك: استدراك تصحيح على المُستدرِك الأول (وهي عائشة رضي الله عنها).
• الحديث السادس:
" عَن الْمُغِيرةِ بن شُعْبةَ (3)
قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى نَجْرَانَ، فَقَالَ لِي أَهْلُ
(1) قال النووي: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: (بل أنت فتربت يمينك) فمعناه: أنت أحق أن يقال لك هذا؛ فإنها فعلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها فلم تستحق الإنكار، واستحققت أنت الإنكار؛ لإنكارك ما لا إنكار فيه". المرجع السابق.
(2)
صحيح مسلم، ك: الحيض، ب: وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، (1/ 250/ح: 310).
(3)
هو: أبو عيسى، ويقال: أبو عبدالله، وقيل: أبو محمد، المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن مُعَتِّب الثقفي، من كبار الصحابة، وأولي الشجاعة والمكيدة، أسلم عام الخندق وقدم مهاجرًا، وقيل: قبل عمرة الحديبية وشهدها، وشهد بيعة الرضوان، وكان رجلاً طوالاً مهيبًا، ولّاه عمر البصرة، ثم الكوفة، شهد القادسية وفتح نهاوند وغيرها، (ت: 50 هـ) بالكوفة.
تُنظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (3/ 21)؛ الاستيعاب (4/ 1445)؛ الإصابة (6/ 197).
نَجْرَانَ: أَلَسْتُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ: {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28]، وَقَدْ عَرَفْتُمْ مَا بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِمْ؛ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِي: أَفَلا أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ" (1).
• بيان الاستدراك:
استدرك صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى الذين كانوا يعارضونه بما لا يصلح للمعارضة، ويقدحون في القرآن بأدنى شبهة، ويخاطبون بذلك من أسلم، فقالوا للمغيرة بن شعبة: أنتم تقرؤون في كتابكم {يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28]، وموسى بن عمران كان قبل عيسى بسنين كثيرة، فظنوا أن هارون المذكور هو هارون أخو موسى، وهذا من فرط جهلهم، والمغيرة رضي الله عنه لما اتفق عنده أن مريم هذه بنت عمران، وذانك موسى وهارون ابنا عمران، فكان لفظ عمران فيه اشتراك، والاشتراك غالب على أسماء الأعلام؛ نشأت الشبهة (2)، فقال:"فَلَمْ أَدْرِ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِمْ"، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم كشف له ما التبس عليه، وأجاب عن استدراك الخصم من النصارى، فذكر أن من نُسِبَت إليه مريم عليها السلام ليس بالنبي هارون أخي موسى عليهما السلام؛ بل هو رجل في بني إسرائيل سموه باسم هارون النبي؛ لأنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم
(1) يُنظر: صحيح مسلم، ك: الآداب، ب: النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يُستحب من الأسماء، (3/ 1685/ح: 2135).
واللفظ المذكور في صحيح ابن حبان، ك: التاريخ، ذكر البيان بأن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء، (14/ 143/ح: 6250).
(2)
يُنظر: درء تعارض العقل والنقل (7/ 68 - 69).
والصالحين قبلهم.
سبب الاستدراك: خطأ المستدرَك عليه.
نوع الاستدراك: استدراك تصحيح على الخصم المخالف في المذهب العقدي.
• الحديث السابع:
عن أبي هرَيْرَةَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دخل الْمَسْجدَ، فدخل رجُلٌ فصَلَّى، فسَلَّمَ على النبي صلى الله عليه وسلم، فرَدَّ وقال: ارْجعْ فصَلِّ؛ فَإنَّكَ لم تُصلِّ. فرَجَعَ يُصَلّي كما صلى، ثمَّ جاء فسَلَّمَ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ارْجعْ فصَلِّ؛ فَإنَّكَ لم تُصلِّ - ثلَاثًا-. فقال: وَالَّذي بعَثَكَ بالْحَقِّ ما أُحْسنُ غيْرَهُ فَعَلّمْنِي. فقال: إذا قُمتَ إلى الصّلَاةِ فَكَبّرْ، ثمَّ اقْرأْ ما تيَسَّرَ معَكَ من القُرْآنِ، ثمَّ ارْكعْ حتى تَطْمَئنَّ رَاكعًا، ثمَّ ارْفعْ حتى تعتدل قائِمًا، ثمَّ اسجُدْ حتى تَطمَئِنَّ ساجِدًا، ثمَّ ارفَعْ حتى تَطمَئِنَّ جالِسًا، وَافعَلْ ذلك في صلَاتِكَ كُلِّها" (1).
• بيان الاستدراك:
معلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ، فاستدرك على المسيء في صلاته فعله، وأرشده للصواب.
سبب الاستدراك: خطأ المستدرَك عليه.
نوع الاستدراك: استدراك تصحيح على الفعل.
وهذا الحديث مثال على استدراك تصحيح الفعل بالقول.
• الحديث الثامن:
عن أنَسِ بن مالِكٍ رضي الله عنه قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبْلٌ ممْدُودٌ بين السّارِيَتَيْنِ
(1) صحيح البخاري، ك: صفة الصلاة، ب: وجوب القراءة للإِمام والمأْموم
…
، (1/ 263/ح: 724)، ك: صفة الصلاة، ب: استواء الظهر في الركوع، (1/ 274/ح: 760)؛ صحيح مسلم، ك: الصلاة، ب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة
…
، (1/ 298/ح: 397).
فقال: ما هذا الْحبْلُ؟ قالوا: هذا حبْلٌ لِزيْنَبَ (1)، فإذا فتَرَتْ تعَلَّقَتْ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، حلُّوهُ، لِيُصلِّ أحدكم نشَاطَهُ، فإذا فتَرَ فلْيَقْعُدْ" (2).
• بيان الاستدراك:
استدرك صلى الله عليه وسلم على زينب رضي الله عنها فعلها، وأرشد إلى الصواب بالإقبال على العبادة بنشاط.
سبب الاستدراك: خطأ المستدرَك عليه.
نوع الاستدراك: استدراك تصحيح على الفعل.
وهذا الحديث مثال على استدراك تصحيح الفعل بالفعل والقول (3).
أما تصحيح الفعل بالفعل فلأنه أمر بحل الحبل، وهذا فعل.
وأما تصحيح الفعل بالقول فقوله: «لِيُصلِّ أحدكم نشَاطَهُ، فإذا فتَرَ فلْيَقْعُدْ» .
(1) المراد: أم المؤمنين زينب بنت جحش، وهذا الراجح، وهناك أقوال أخرى. يُنظر: فتح الباري (3/ 36).
(2)
صحيح البخاري، ك: التهجد، ب: ما يُكْرهُ من التّشديد في العبادة، (1/ 386/ح: 1099)؛ صحيح مسلم، ك: صلاة المسافرين وقصرها، ب: باب أمر من نعَسَ في صلاته أو اسْتعْجَمَ عليه القرآن أو الذّكْرُ بأَن يرْقُدَ
…
، (1/ 541/ح: 784).
(3)
قال ابن حجر في شرحه للحديث: "وفيه إزالة المنكر باليد واللسان". يُنظر: فتح الباري (3/ 37).