الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
المطلب الثاني
أسباب الاستدراك الناشئة من المستدرِك
والمراد بها: الأسباب الدافعة للمستدرِك على الاستدراك مع سلامة عبارة المستدرَك عليه من الوهم والنسيان والخطأ.
ويندرج تحتها الأسباب التالية:
•
السبب الأول: استدراك بسبب التكميل
.
أي تكميل وإتمام عبارة المستدرَك عليه، ويندرج تحته الأسباب التالية:
1 -
استدراك باقي الأقوال والمذاهب.
2 -
استدراك صيغة التفضيل.
3 -
استدراك الفوائد.
• أولاً: استدراك باقي الأقوال والمذاهب.
والغرض منه: تكميل عبارة المستدرَك عليه بذكر الأقوال والمذاهب التي لم يذكرها في المسألة الأصولية.
وأقرره بالأمثلة الآتية:
• المثال الأول:
قال الرازي في المحصول (1) في مسألة (تعليل الحكم الواحد بعلتين): "
…
المسألة الأولى: يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين منصوصتين خلافًا لبعضهم".
فذكر مذهبين في المسألة، وأكمل الأصفهاني مستدركًا بقية المذاهب فقال في
(1)(5/ 271).
شرحه: "اختلف علماء الأصول والجدل والفقهاء في أن الحكم الواحد هل يجوز تعليله بعلتين مختلفتين؛ كنواقض الوضوء إذا اجتمعت، والقتل ظلمًا والردة والزنا إذا اجتمعت، والحيض والعدة والإحرام في تحريم الوطء، والجامع والفارق إذا اجتمعا في الأصل، أم لا؟ (1) على مذاهب: الأول: أنه يجوز مطلقًا. الثاني: أنه لا يجوز مطلقًا. الثالث: أنه يجوز في المنصوصة، ولا يجوز في العلة المستنبطة، وهو اختيار القاضي والمصنف (2). الرابع: عكسه. الخامس: مذهب إمام الحرمين: أنه جائز غير واقع، وأن الواقع في اجتماع العلل أحكام مختلفة (3)، ووافقه الغزالي في تعدد الأحكام؛ حيث يقول: يجوز اجتماع العلل، وبنى مذهبه على تفسير العلة وقال: إن فسرنا العلة بـ (الأمارة) أو (الباعث)؛ جاز اجتماع علتين على حكم واحد؛ وإلا فلا (4)، وذاك إذا فسرنا العلة بـ (الموجِب)؛ وهو: الذي جعله الشارع موجبًا على وزان الموجبات العقلية، وإليه ميل الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني (5)،
(1) هذا الاستدراك ناشي من عدم تحرير محل النزاع في المسألة؛ وذلك لأن المراد بتعليل الحكم الواحد بعلتين: أي الثابت بدليل واحد. فلو كان ثابت بدليلين فإنه يصح تعليله بعلتين بالإتفاق. فمثلاً: نقض الوضوء حكم واحد جاءت فيه أدلة تثبت أن الخارج من السبيلين ناقض، واللمس ناقض، فهذه أدلة مختلفة؛ وبالتالي يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين؛ لأن كل حكم منها وارد بدليل مستقل. لكن لو كان الحكم ثابت بدليل واحد فهل يصح أن يعلل بعلتين، هذا محل الخلاف؟
وذكر إمام الحرمين أن تعليل الحكم الواحد بعلتين جائز عقلاً؛ ولكن غير واقع في أحكام الشرع؛ إنما الواقع هو في أحكام مختلفة، ليس حكم واحد. يُنظر: البرهان (2/ 832).
(2)
أي الفخر الرازي.
(3)
يُنظر: البرهان (2/ 832).
(4)
يُنظر: شفاء الغليل (ص: 415 - 418)؛ المستصفى (3/ 723).
(5)
هو: أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفرائيني، الملقب بركن الدين، فقيه شافعي، وأصولي متكلم، قرين الباقلاني في الأخذ على تلاميذ أبي الحسن الأشعري، كان بحرًا في العلوم، تتلمذ على يده عامة مشايخ نيسابور. من مصنفاته:"تعليقة في الأصول"، و" جامع الحلي في أصل الدين والرد على الملحدين"، (ت: 418 هـ) في يوم عاشوراء.
تُنظر ترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي (ص: 134)؛ طبقات الشافعية لابن شهبة (1/ 147 - 148)؛ أصول الفقه تاريخه ورجاله (ص: 151 - 152).
وهذا ما يتعلق بنقل المذاهب" (1).
• المثال الثاني:
قال القرافي في التنقيح (2) في مسألة (موضوع صيغة: افعل): "وأما اللفظ الذي هو مدلول الأمر فهو موضوع عند مالك وعند أصحابه للوجوب، وعند أبي هاشم للندب، وللقدر المشترك بينهما عند قوم، وعند آخرين لا يعلم حاله".
فالقرافي اكتفى بذكر أربعة أقوال في المسألة، فأكمل الرَّجْرَاجِيّ (3) باقي المذهب في شرحه حيث قال:(وأما اللفظ الذي هو مدلول الأمر) أي: أما الصيغة التي هي موضوع الأمر فهي موضوعة عند مالك وعند أصحابه للوجوب، ذكر المؤلف هاهنا أربعة أقوال في موضوع صيغة (افعل):
أحدها: الوجوب
…
القول الثاني: أنه موضوع حقيقة للندب
…
القول الثالث: أنه موضوع للقدر المشترك بين الوجوب والندب؛ أي هو موضوع للطلب المشترك بينهما، وهو رجحان الفعل على الترك
…
القول الرابع: أنه حقيقة في أحدهما من غير تعين وجوب ولا ندب
…
هذه أربعة أقوال ذكرها المؤلف هاهنا، وذكر المؤلف في الشرح سبعة مذاهب ونصه: في الأمر سبعة مذاهب: للوجوب، وللندب، للقدر المشترك بينهما، مشترك بينهما لأحدهما لا يعلم حاله، للإباحة، للوقف في ذلك كله،
(1) الكاشف عن المحصول (6/ 510).
(2)
(ص: 126).
(3)
هو: أبو علي، حسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي، الفقيه الأصولي. من مصنفاته:"الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة"، و " شرح على تنقيح القرافي"، و " النوازل في الفقه"، (ت: 899 هـ).
تُنظر ترجمته في: نيل الابتهاج (ص: 163)؛ الإعلام بمن حل مراكش من الأعلام (3/ 148)؛ كشف الظنون (2/ 1296).
ذكر الإمام فخر الدين في المحصول (1) والمعالم (2) بعضها هاهنا وبعضها هاهنا (3)؛ انتهى نصه.
وذكر قطب الدين الشيرازي (4) قولاً ثامنًا: بأنه موضوع بالاشتراك اللفظي (5) بين ثلاثة أشياء: الوجوب، والندب، والإباحة.
وذكر أيضًا قولاً تاسعًا: بأنه موضوع بالاشتراك المعنوي (6)، وهو القدر المشترك، وهو مطلق الإذن بين الوجوب، والندب، والإباحة.
وذكر قولاً عاشرًا: بالاشتراك اللفظي بين أربعة أشياء؛ وهي: الوجوب، والندب، والإباحة، والتهديد. وهو مذهب الشيعة.
(1)(2/ 44 - 45).
(2)
(1/ 241 - 242).
(3)
يُنظر: شرح التنقيح للقرافي (ص 127).
(4)
هو: محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي، قطب الدين الشيرازي، الشافعي، العلامة الكبير، برع في المعقولات، وتعلم الطب، واشتغل في آخر حياته بالحديث والنظر في "جامع الأصول" و"شرح السنة للبغوي"، وولي القضاء. من مصنفاته:"شرح مختصر ابن الحاجب" و"شرح المفتاح للسكاكى" و"شرح الكليات لابن سينا"، (ت: 710 هـ) في شهر رمضان.
تُنظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (10/ 386)؛ بغية الوعاة (2/ 282)؛ البدر الطالع (2/ 299).
قلت: وشرحه على مختصر ابن الحاجب حقق في رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية، ولم يتيسر لي الوقوف عليها.
(5)
الاشتراك اللفظي: ما تعدد معناه ووضعه. يُنظر: فتح الغفار بشرح المنار (ص: 134). وهو المراد باللفظ المشترك عند علماء الأصول عند الإطلاق، ويمثلون له بلفظ " القرء " فإنه موضوع للدلالة على معنيين، وهما: الطهر والحيض. يُنظر: معجم مصطلحات أصول الفقه (ص: 409).
(6)
الاشتراك المعنوي: ما تعدد معناه دون وضعه؛ كلفظ (الإنسان) فإنه مشترك ينطبق على جميع بني آدم. يُنظر: المرجعان السابقان.
فهذه عشرة أقوال ذكر المؤلف منها هاهنا أربعة أقوال؛ وهي: الوجوب، والندب، والقدر المشترك، والوضع لأحدهما لا بعينه" (1).
وذكر حلولو (2) هذه الأقوال في شرحه وزاد عليها ثلاثة أقوال: "الثامن: أنه مشترك بين الثلاثة (3) والتهديد. التاسع: أنه مشترك بين الأربعة (4) والإرشاد أيضًا. العاشر: أنه مشترك بين الأحكام الخمسة. الحادي عشر: أن أمر الله تعالى حقيقة في الوجوب، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة في الندب إذا كان مبتدأً - أي ليس ببيانٍ لمجمل، ولا موافق لنص من كتاب، فإن كان كذلك فهو للوجوب - حكاه القاضي عبدالوهاب عن الأَبْهَري، وحكى المازري (5) عنه أيضًا أنه للندب مطلقًا (6) "(7).
(1) يُنظر: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (2/ 452 - 456).
(2)
هو: أبو العباس، أحمد بن عبدالرحمن بن موسى بن عبدالحق الأزليتني ثم القروي المغربي المالكي، الشهير بـ (حلولو)، أحد الأئمة الحافظين لفروع المذهب، ولي قضاء طرابلس سنين ثم عزل عنها، ورجع إلى تونس فتولى مشيخة مدارس أعظمها المنسوبة للقائد تنبك عوضُا عن إبراهيم الأخضري. من مصنفاته:"شرح مختصر خليل" في الفقه، و" شرح جمع الجوامع" و" شرح التنقيح للقرافي " و" شرح الإشارات للباجي " وكلها في الأصول، ولم تذكر المصادر سنة وفاته وإنما ذكرت أنه في سنة (898 هـ) كان حيًّا.
تُنظر ترجمته في: الضوء اللامع (2/ 260)؛ نيل الابتهاج (ص: 127)؛ شجرة النور الزكية (ص: 259).
(3)
المراد بالمشترك بين الثلاثة: مشترك بين الوجوب، والندب، والإباحة.
(4)
المراد بالمشترك بين الأربعة: مشترك بين الوجوب، والندب، والإباحة، والتهديد.
(5)
هو: محمد بن علي بن عمر التميمي، المازري، المالكي، كان جامعًا متفننًا في كثير من العلوم، مع حسن خلق، وأنس مجلس. من مصنفاته:"شرح التلقين " في الفقه المالكي، و " شرح البرهان " في الأصول، و"المعلم بشرح صحيح مسلم"، (ت: 536 هـ).
تُنظر ترجمته في: الدبياج المذهب (2/ 231)؛ شذرات الذهب (4/ 114)؛ الأعلام (6/ 277).
(6)
يُنظر: إيضاح المحصول (ص: 202).
(7)
يُنظر: التوضيح شرح التنقيح لحلولو (ص: 332 - 333).
• المثال الثالث:
قال الصدر المحبوبي في مسألة (الزيادة على النص): "فقد اختلفوا أن الزيادة على النص نسخ أم لا؟ وذكروا أنها إما بزيادة جزء كزيادة ركعة على ركعتين مثلاً، أو شرط كالإيمان في الكفارة، وإما برفع مفهوم المخالفة؛ كما لو قال:(في المعلوفة الزكاة) بعد قوله: (في السائمة زكاة). وهي نسخ عندنا. ويجب استثناء الثالث؛ إذ لا نقول بالمفهوم (1).
وعند الشافعي رحمه الله لا مطلقًا. (2) وقيل: نسخ في الثالث (3).
وقيل: نسخ إذا غيرت الأصل؛ حتى لو أتي به كما هو قبل الزيادة تجب الإعادة، كزيادة ركعة في الفجر، وعشرين في حد القذف مثلاً، والتخيير في الثلاثة بعد ما كان في الاثنين؛ كالشاهد واليمين (4) " (5).
فزاد التفتازاني مذهبين؛ وهما: "الخامس: إن اتحدت الزيادة مع المزيد عليه -
(1) أي يجب استثناء الثالث؛ وهو الزيادة بما يرفع مفهوم المخالفة فلا تكون نسخًا عند أبي حنيفة بناء على أنه لا يقول بمفهوم المخالفة. يُنظر: التوضيح شرح التنقيح للمحبوبي (2/ 85).
(2)
يُنظر: المحصول (3/ 363 - 364)؛ الإحكام للآمدي (3/ 211)؛ جمع الجوامع مع حاشية البناني (2/ 92).
(3)
أي قيل: إن رفع مفهوم المخالفة نسخ عند الشافعي.
(4)
وهو رأي القاضي عبدالجبار الهمداني المعتزلي. يُنظر: المعتمد (1/ 405).
والمراد بقوله: (التخيير في الثلاثة بعد ما كان في الاثنين؛ كالشاهد واليمين) أن الشهادة في قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} فيه تخيير بين أمرين: استشهاد رجلين أو رجل وامرأتين، ثم ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضَى بيَمِينٍ وَشَاهدٍ» فهذا زيادة في التخيير، فأصبح التخيير في الشهادة ثلاثة بعد ما كان في الاثنين. يُنظر: المعتمد (1/ 412 - 413).
- وحديث «قضَى بيَمِينٍ وَشَاهدٍ» في صحيح مسلم، ك: الأقضية، ب: القضاء باليمين والشَّاهد، (3/ 1337/ح: 1712) -.
(5)
التنقيح للمحبوبي (2/ 85).
بحيث يرتفع التعدد والانفصال بينهما - فنسخ؛ وإلا فلا. (1)
السادس: أن الزيادة إن رفعت حكمًا شرعيًا بعد ثبوته بدليل شرعي فنسخ؛ وإلا فلا (2) " (3).
• ثانيًا: استدراك صيغة التفضيل.
والغرض منه: تكميل عبارة المستدرَك عليه بتوجيهها للأولى والأصوب والأصح.
وأقرره بالأمثلة التالية:
• مثال صيغة (الأولى):
• المثال الأول:
قال البزدوي في أصوله في (باب موجب الأمر): "
…
ولعامة العلماء أن صيغة الأمر لفظ خاص من تصاريف الفعل، وكما أن العبارات لا تقصر عن المعاني؛ فكذلك العبارات في أصل الوضع مختصة بالمراد، ولا يثبت الاشتراك إلا بعارض، فكذلك في صيغة الأمر لمعنى خاص
…
" (4).
(1) أي: إن كانت الزيادة متصلة بالمزيد عليه اتصال اتحاد رافع للتعدد والانفصال كزيادة ركعتين فنسخ، وإن لم تكن الزيادة كذلك - كزيادة عشرين جلدة - فلا تعد هذه الزيادة نسخًا. وهذا رأي الغزالي. يُنظر: المستصفى (2/ 70 - 71).
(2)
وهذا اختيار ابن الحاجب. وضرب مثالاً لذلك فقال: "لو قال: (في السائمة الزكاة) ثم قال: (في المعلوفة الزكاة) فلا نسخ، فإن تحقق أن المفهوم مراد فنسخ؛ وإلا فلا. ولو زيد ركعة في الصبح فنسخ؛ لتحريم الزيادة ثم وجوبها، والتغريب على الحد كذلك) يُنظر: مختصر منتهى السول والأمل (2/ 1021).
(3)
التلويح (2/ 85 - 86).
(4)
يُنظر: أصول البزدوي (1/ 258 - 259).
استدرك عليه البخاري (1) بقوله: "قوله: (ولعامة العلماء) أي الذين قالوا بأن للأمر موجبًا متعينًا (أن صيغة الأمر لفظ خاص من تصاريف الفعل) والأولى أن يقال: صيغة الأمر أحد تصاريف الفعل كما قال شمس الأئمة (2)؛ لأن النزاع وقع في خصوصه، فلا يستقيم أن يجعل مقدمة الدليل،
…
" (3).
• بيان الاستدراك:
ذكر البزدوي أن للعلماء في موجب الأمر قولين: منهم من يرى للأمر موجبًا متعيناً، وهو قول عامة الفقهاء. ومنهم من قال: إنه مجمل، لا يجب به حكم إلا بدليل. ثم ذكر دليل الفريق الثاني، وأردفه بذكر أدلة الفريق الأول القائلين: إن للأمر موجبًا متعينًا، فذكر أن صيغة الأمر لفظ خاص من تصاريف الفعل، فاستدرك عليه البخاري في عبارته بأن الأولى أن يقال: صيغة الأمر أحد تصاريف الفعل؛ لأن الخلاف مع الخصم في خصوص صيغة الأمر لمعنى خاص، فلا يصح أن يجعل الخلاف مقدمة للدليل؛ لأن من شروط المقدمة: أن تكون متفقًا عليها بين الخصمين.
ومعنى الدليل الذي ذكره البزدوي: أن كل عبارة لها معنى خاص باعتبار أصل الوضع، ولا يثبت الاشتراك في المعنى إلا بعارض، فكذلك صيغة الأمر؛ لأنه أحد تصاريف الكلام، ويلزم من ذلك أن يكون لها معنى خاص في أصل الوضع، ولا يثبت الاشتراك في صيغة الأمر إلا بعارض مغير له ولم يوجد.
(1) هو: عبدالعزيز بن أحمد بن محمد البخاري، علاء الدين، من علماء الحنفية الأجلاء. من مصنفاته:"كشف الأسرار" شرح فيه أصول البزدوي، وهو من أعظم الشروح وأكثرها فائدة، وله " غاية التحقيق " وهو شرح أصول الأخسيكثي، وله شرح على " الهداية " وصل فيه إلى النكاح، (ت: 730 هـ).
تُنظر ترجمته في: الجواهر المضِيَّة (2/ 428)؛ الفوائد البهية (ص: 94 - 95)؛ تاج التراجم (ص: 188 - 189).
(2)
يُنظر: أصول السرخسي (1/ 16).
(3)
كشف الأسرار للبخاري (1/ 259).
• المثال الثاني:
قال الزَّركشي في تعريف الاستثناء: "واصطلاحًا: الإخراج بإِلَّا أو إحدَى أخواتها من مُتَكَلِّمٍ واحد؛ ليخرج ما لو قال اللهُ - سبحانه -: اقتلوا المشركين، فقال عليه السلام: إلا زيدًا، فإنه لا يسمَّى استثناء كما قاله الْقَاضِي (1)
…
والأولى أَنْ يُقَالَ: الحكم بإخراج الثاني من الحكم الأول بواسطةٍ موضوعةٍ لذلك.
فقولنا: (الحكم) جنس؛ لأن الاستثناء حكم من أحكام اللفظ، فيشمل المتصل والمنقطع. وخرج بـ (الوسائط الموضوعة له) نحو: قام القوم وأستثني زيدًا، وخرجوا ولم يخرج زيد" (2).
• بيان الاستدراك:
استدرك الزركشي على من عرف الاستثناء بـ (الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها من متكلم واحد)، وهذا الاستدراك ليس استدراكًا مخالفًا؛ بل استدراك الأولى، فقال الزكشي: الأولى أن يقال في حد الاستثناء: "الحكم بإخراج الثاني من الحكم الأول بواسطةٍ موضوعةٍ لذلك".
فقوله: (الحكم) جنس يشمل الاستثناء المتصل والمنقطع.
- الاستثناء المتصل: ما كان المستثنى جزءًا من المستثنى منه؛ كقولهم: قام القوم إلا زيدًا. (3)
- والاستثناء المنقطع: هو الاستثناء من غير الجنس، ويعبر عنه بالمنفصل أيضًا،
(1) لم أقف على قول القاضي في مختصر التقريب والإرشاد المطبوع. يُنظر: التلخيص (2/ 25).
(2)
البحر المحيط (3/ 275).
(3)
وذكرت له تعاريف أخرى. يُنظر: البحر المحيط (3/ 277).
كقولهم: قام القوم إلا حمارًا. (1)
ولعل تقييد الإخراج بقوله: (الحكم بإخراج) لأن الاستثناء حكم من أحكام اللفظ، فيخرج بذلك من استدراك مقدر: بأن الإخراج في إطلاقه ينبني عن فعل لا يضاهي الأقوال (2).
وقوله في تعريف الاستثناء: (بواسطة موضوعة لذلك) حتى يخرج قول القائل: (قام القوم وأستثني زيدًا) وقول: (خرج القوم ولم يخرج زيد)؛ فإن هذا القول لا يعد استثناء لعدم وجود أداة الاستثناء.
• مثال صيغة (الأصح):
• المثال الأول:
قال ابن الحاجب في مسألة (وقوع التعبد بالقياس شرعًا): "القائلون بالجواز قائلون بالوقوع، إلا دَاوُدَ، وابنه (3)، والقَاسَانِي، والنَّهْرَوَانِي (4) "(5).
(1) وذكرت له تعاريف أخرى. يُنظر المرجع السابق.
(2)
يُنظر: التلخيص (2/ 61).
(3)
هو: أبو بكر، محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري الأصفهاني، والده إمام أهل الظاهر، فسار على مذهب والده، وخلفه في التدريس، كان أديبًا، مناظرًا، شاعرًا ظريفًا، ويعد من أذكياء العالم. له مصنفات عديدة؛ منها:"الوصول إلى معرفة الأصول"، و" الإنذار"، و" الانتصار على محمد بن جرير وعبدالله بن شرشير وعيسى الضرير"، (ت: 297 هـ) تاسع شهر رمضان.
تُنظر ترجمته في: طبقات الفقهاء للشيرازي (ص: 175)؛ وفيات الأعيان (4/ 259)؛ المحمدون في الشعراء (1/ 430).
(4)
قال الزركشي: "القاساني والنهرواني ذكرهما في المختصر في القياس. قال بعضهم: لا يعرف لهما ترجمة. وسألت الحافظين: أبا الحسن السبكي وأبا عبدالله الذهبي فقالا: لا نعلم لأحد منهما ترجمة
…
ثم قال: وأما النهرواني فالظاهر أنه محرف، وأصله الياء لا الواو؛ فإن الشيخ أبا إسحاق - أي الشيرازي- ذكر الحسن بن عبيد النهرياني من جملة أصحاب داود؛ ، إلا أنه خالفه في مسائل قليلة، وكذا ذكر الإمام أبو بكر الصيرفي في كتاب الدلائل في جملة منكري القياس وكناه فقال: أبو سعيد النهرياني، وذكر السمعاني (نَهْريين) من قرى بغداد". المعتبر (ص: 278)، ويُنظر كذلك: طبقات الفقهاء للشيرازي (ص: 176)؛ الأنساب (13/ 218).
(5)
. مختصر ابن الحاجب (2/ 1117 - 1118).
فاستدرك عليه ابن السبكي بقوله: " (القائلون بالجواز قائلون بالوقوع إلا دَاوُدَ، وابنه، والقَاسَانِي والنَّهْرَوَانِي) كذا أطلق المصنف النقل عنهم، وسبقه إلى ذلك ابن السمعاني (1)، والآمدي ذكر أنهم وافقوا على وقوع ذي العلة المنصوصة (2)، أو المومئ إليها (3)، وهو الأصح في النقل عنهم، وكذلك لا ينكرون قياس الأولى (4)، ولا يصح عن أحد من القائلين بالجواز إنكار وقوع القياس بجملته إلا عن أبي محمد بن حزم من أئمة الظاهرية (5) "(6).
• المثال الثاني:
قال البزدوي في تعريف الخاص: "أما الخاص: فكل لفظ وضع لمعنى واحد على
(1) يُنظر: قواطع الأدلة (4/ 10).
(2)
العلة المنصوصة: التي ثبتت بالنص. يُنظر: شرح مختصر الروضة (3/ 716)؛ التقرير والتحبير (3/ 304). مثل لها الجويني: " كقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يبُولَنَّ أحدكم في المَاءِ الدّائِمِ» فقالوا: لو جمع البول في كوب وصبه في الماء الراكد؛ لكان في معنى البول في الماء. يُنظر: البرهان (2/ 775).
- والحديث في صحيح البخاري، ك: الطهارة، ب: البول في الماء الدائم، (1/ 94/ح: 236)؛ صحيح مسلم، ك: الطهارة، ب: النهي عن البول في الماء الرَّاكد، (1/ 235/ح: 282).-
(3)
يُنظر: الأحكام للآمدي (4/ 31)، وسيأتي نص كلامه (ص: 280).
مثال العلة المؤمى إليها: ما دل عليه كلام الشارع على التعليل به، سهى فسجد، زنى ماعز فرجمه، وربما يلحقون به الفحوى -مفهوم الموافقة-. يُنظر: البرهان (2/ 774).
(4)
قياس الأولى: ما كان الجامع فيه باقتضاء الحكم في الفرع أولى منه في الأصل. كتحريم ضرب الوالدين أولى بالحكم من تحريم التأفيف لهما. يُنظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 5).
(5)
يُنظر: الإحكام لابن حزم (8/ 546). وسبق ذكر نص كلامه في (ص: 175) من البحث.
(6)
رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (4/ 374 - 375).
الانفراد وانقطاع المشاركة، وكل اسم وضع لمسمى معلوم على الانفراد
…
فصار الخصوص عبارة عما يوجب الانفراد ويقطع الشركة" (1).
فقال البخاري: "
…
ثم ذكر ههنا (لمعنى واحد)، وذكر شمس الأئمة رحمه الله (لمعنى معلوم)(2) مكان (واحد)، فعلى ما ذكر هنا يكون المجمل (3)
داخلاً فيه؛ لأن اللفظ خاص؛ سواء كان معلومًا أو مجهولًا؛ لأن خصوصية اللفظ بالنسبة إلى الواقع؛ لا بالنسبة إلى القائل والسامع، فلا يشترط فيه العلم. وعلى ما ذكر شمس الأئمة رحمه الله لا يدخل وهو الأصح؛ لأن الشيخين (4) اتفقا في بيان حكم الخاص أنه لا يحتمل التصرف فيه بيانًا؛ لأنه بين بنفسه، والمجمل لا يعرف إلا بالبيان، فيكون خلاف الخاص" (5).
• بيان الاستدراك:
لم يكتفِ البخاري بشرح تعريف البزدوي للخاص؛ بل ذكر التعريف الأصح؛ وهو تعريف السرخسي؛ وذلك لأن البزدوي استعمل عبارة (لمعنى واحد) فدخل المجمل في حد الخاص، في حين أن عبارة السرخسي (لمعنى معلوم) لا يدخل المجمل في حد الخاص، وهذا هو الصحيح؛ حيث اتفق الشيخان أن الخاص بين بنفسه بخلاف المجمل.
(1) أصول البزدوي (1/ 88 - 90).
(2)
قال السرخسي: "فالخاص: كل لفظ موضوع لمعنى معلوم على الانفراد". أصول السرخسي (1/ 124).
(3)
المجمل في اللغة: يطلق على معان؛ ومنها: الجمع، يُقال: أجملت الشيء إجمالاً: جمعته من غير تفصيل. يُنظر: المصباح المنير (1/ 110)؛ القاموس المحيط (ص: 979) مادة: (جمل).
وفي اصطلاح الأصوليين: ما لا يفهم المراد به من لفظه، ويفتقر في بيانه إلى غيره. يُنظر: الحدود (ص: 45)؛ أصول السرخسي (1/ 168)؛ الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (3/ 11).
(4)
المراد بهما: البزدوي والسرخسي.
(5)
كشف الأسرار للبخاري (1/ 91 - 92).
• مثال صيغة (الأصوب):
قال الزركشي عند ذكره لأدوات التعليل الصريحة: "رابعها: كيْ، كذا جعَلَهَا الإِمام في البرهان (1) من الصريح، وخالفه الرّازِي (2)، والأول أصوب"(3).
• ثالثًا: استدراك الفوائد.
والغرض منه تكميل عبارة المستدرَك عليه بذكر فوائد للمسألة الأصولية لم يذكرها.
وأقرره بالأمثلة التالية:
• المثال الأول:
بعد أن ذكر القرافي مسألة (أقل الجمع) قال: "فائدة: ضابط جمع القلة: اللفظ الموضوع لضم الشيء إلى مثله، أو إلى أكثر منه؛ على خلاف في أصل مسماه، بوصف كونه لا يتعدى العشرة.
وضابط مسمى جمع الكثرة: أنه اللفظ الموضوع للأحَدَ عَشَر فما فوقها من غير حصر.
وهذا علة ما لم يُعرف من الجموع، فإذا عُرفت صارت كلها للعموم، ولا تعتبر بعد ذلك عشرة ولا غيرها؛ لذلك نص عليها إمام الحرمين في البرهان (4)، وأفرد لها مسألة تختص بالجمع بين قول الأدباء: جمع القلة: للعشرة فما دونها، وقول الأصوليين:
(1) يُنظر: (2/ 806).
(2)
لم يذكر صيغة (كي) في المحصول ولا في المعالم. يُنظر: المحصول (5/ 139 - 141)، يُنظر المعالم (2/ 310 - 311).
(3)
البحر المحيط (5/ 188).
(4)
(1/ 334).
هو للعموم، وجمع بالتعريف والتنكير. وقال: هو من المهمات. (1)
فائدة: قال إمام الحرمين في البرهان (2): يُستثنى عن هذه المسألة بالإجماع ضميرُ المتكلم المتصل والمنفصل؛ نحو: نحن، وفعلنا؛ فإنه يكفي المتكلم وآخر معه إجماعًا، ولا يشترط الثلاثة؛ ولذلك لا يصح الاستدلال به على أن أقل الجمع اثنان؛ لأن اللغة لا تُوجد قياسًا" (3).
• المثال الثاني:
قال ابن السبكي بعد شرح مسألة (حكم الاستثناء الواقع عقيب جمل عطف بعضها على بعض (4)): "فائدة: الخلاف المتقدم في أن الاستثناء هل يختص بالأخيرة، أو يعود إلى الجميع، أو غير ذلك؟ إنما هو فيما إذا لم يقم دليل على واحد بعينه
…
" (5).
(1) خلاصة الكلام: أن أئمة النحو جعلوا جمع السلامة - جمع المذكر السالم، والمؤنث السالم- من أبنية جمع القلة، وجعلوا جمع التكسير من أبنية جمع الكثرة، فقولهم في جمع السلامة يتعارض مع قول الأصوليين القائلين بالعموم في حملهم جمع السلامة المتجرد عن القرائن على الاستغراق، فجمع إمام الحرمين بين قول علماء النحو والأصول فقال: إن جمع السلامة المنكر يفيد جمع القلة، فيحمل على أقل الجمع، وأما جمع السلامة المعرف بأل فإنه يفيد العموم، فيحمل على الاستغراق. يُنظر أبنية جمع القلة في كتب النحو: اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 321)؛ توضيح المقاصد والمسالك (3/ 1378)؛ همع الهوامع (2/ 348).
(2)
(1/ 350 - 351).
(3)
نفائس الأصول (4/ 1870 - 1871).
(4)
ذكر له مثالاً قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)} [النور: 4 - 5]، فالاستثناء وقع بعد ثلاث جمل: الأولى: أمره بجلدهم. الثانية: ناهية عن قبول شهادتهم. الثالثة: مخبرة بفسقهم. فهل يعود الاستثناء على الجميع، أم يختص بالجملة الأخيرة؟ . يُنظر: الإبهاج (4/ 1413 - 1414).
(5)
المرجع السابق (4/ 1423).