الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأشرت إلى أسباب الخطأ في التخريج. (1)
الثالثة: أثر تصحيح تخريج الفروع من الأصول.
وهذا الأثر ظهر في تصحيح ضرب الأمثلة للقاعدة الأصولية، وأشرت لذلك سابقًا. (2)
•
خامسًا: الأثر التجديدي:
أصل كلمة (التجديد): من جد، (والجيم والدال) أصول ثلاثة: الأول: العظمة، والثاني: الحَظ، والثالث: القطع.
والمناسب هنا المعنى الأول، ومنه قوله تعالى:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن: 3] أي عظمته وجلاله وغناه. (3)
والتجديد لغة: تصيير الشيء جديدًا، يقال: أجدَّه واستجدَّه وجَدَّدَهُ: أي صيَّره جديدًا، وهو نقيض الخَلِق (4).
وجاء في الحديث: «إنَّ اللهَ يبْعَثُ لِهذِهِ الْأُمّةِ على رأْسِ كل مِائةِ سنَةٍ من يُجدِّدُ لها دِينهَا» .
فالمراد بالتجديد في الحديث: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة، والأمر بمقتضاهما. (5)
وبهذا يُعلم أن التجديد أحد الطرق التي يتحقق بها حفظ الدين.
(1) يُنظر: (ص: 390 - 397).
(2)
يُنظر: (ص: 379 - 384).
(3)
يُنظر: مقاييس اللغة (1/ 406)، مادة:(جد).
(4)
يُنظر: الصحاح (ص: 158)؛ لسان العرب (3/ 92)، مادة:(جدد).
(5)
يُنظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/ 260).
ومما سبق ندرك أن التجديد لا يعني الإتيان بجديد منقطع عما كان عليه الأمر أولاً؛ ولكنه يمر بمراحل؛ وهي:
- المرحلة الأولى: كون الشيء المراد تجديده موجودًا في أول الأمر، وللناس به عهد.
- المرحلة الثانية: أتت الأيام على الشيء فصار قديمًا خَلِقًا فتُرك.
- المرحلة الثالثة: إعادة الشيء إلى حاله الأولى التي كان عليها قبل أن يُبلى ويَخْلَق.
فالمرحلة الثالثة هي استدراك لما كان للمرحلة الثانية.
وعليه أقرر أن المراد بالأثر التجديدي: نتيجة إحياء ما اندرس من أصول الفقه على طريقة السلف.
ويمكن تلخيص أهم ملامح التجديد في علم أصول الفقه من القرن الثالث إلى القرن الرابع عشر والتي بُنيت على استدراكات سابقة في الصورتين التاليتين:
• الصورة الأولى: التجديد بمعنى التنمية والتوسيع، وإضافة ماله صلة وثيقة بالمجدَّد، فيُضاف إليه ما يكتمل به بنيانه.
وهذا المعنى ظهر من بداية التصنيف في أصول الفقه، فقد مر معنا سابقًا أن الإمام الشافعي يُعد مستدركًا لما في مدرستي الأثر والرأي؛ حتى ذكر أنه المجدد للمئة الثانية (1).
وبعد أن صنف الرسالة ألف بعدها ثلاثة مؤلفات لنفس الغرض الذي من أجله ألف الرسالة، فصنف كتاب جماع العلم، واختلاف الحديث، وإبطال الاستحسان.
(1) يُنظر: طبقات الشافعية لابن السبكي (4/ 201)؛ طبقات الفقهاء للشافعية (1/ 375)؛ تهذيب الأسماء (1/ 27).
ويدخل أيضًا في هذه الصورة من التجديد ما قام به العلماء بعد الإمام الشافعي من حركة علمية نشطة أضافت إلى علم الأصول الشيء الكثير، وكانت الطرق في التصنيف ذات اتجاهات مختلفة، فظهرت طريقة الجمهور، وصحبها طريقة الحنفية، ثم ظهرت في القرن السابع طريقة الجمع بين الطريقتين، والتي كانت كاستدراك للطريقتين السابقتين -كما مر معنا-، وظهرت طريقة تخريج الفروع على الأصول، وطريقة بناء القواعد الأصولية على مقاصد الشريعة، كل هذا جدد في علم الأصول ما اكتمل به بنيانه. (1)
• الصورة الثانية: التجديد بمعنى التمحيص والتحرير والترجيح فيما تنازع فيه الأصوليون، وهذا أيضًا واقع في كتب المتقدمين، ولا يكاد يخلو منه مصنف أصولي. (2)
ومن الشخصيات المجددة لعلم الأصول التي يذكرها الكاتبون في هذا المجال (3):
• ابن حزم: ومن آثاره التجديدية في علم الأصول التي استدرك بها على السابقين:
- القول بحجج العقول.
- القول بأن خبر الواحد يوجب العلم والعمل معًا.
- رفض التقليد بكل صوره.
- خلو بحوثه الأصولية من الآثار الكلامية.
- ترك البحوث التي ليس وراءها عمل.
(1) يُنظر: التجديد في أصول الفقه (ص: 38).
(2)
يُنظر: المرجع السابق (ص: 39).
(3)
يُنظر: التجديد والمجددون في أصول الفقه (ص: 117 - 334)؛ محاولات التجديد في أصول الفقه ودعواته (1/ 69 - 416).
• الجويني: ومن آثاره التجديدية في علم الأصول التي استدرك بها على السابقين:
- وضع مدخل تعريفي في علم الأصول.
- حسن التقسيم.
- الحرية في البحث، والتقاط من كل مذهب خياره.
• الغزالي: ومن آثاره التجديدية في علم الأصول التي استدرك بها على السابقين:
- ابتكار ترتيب بديع لمادة علم الأصول.
- سلاسة التعبير، والإعراض عن التكلف والتعقيد في العبارة.
- الدعوة إلى تنقية الأصول من المواد الدخيلة.
- إدخال المنطق في علم الأصول.
• شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن آثاره التجديدية في علم الأصول التي استدرك بها على السابقين:
- نقضه للطريقة الكلامية في أصول الفقه. (1)
- موقفه من علم المنطق. (2)
- عنايته بالأصول التي يتأسس عليها العمل (3).
(1) فذكر أن هذه الطريقة مُقدرات نظرية لا تنبني على معرفة بالواقع العلمي لعلم الأصول ابتداءً، ولا تسوق إلى ثمرة فقهية علمية انتهاءً. يُنظر: مجموع الفتاوى (20/ 402).
(2)
حيث سعى إلى نقضه، ونفى أن يكون وسيلة لضبط العلوم. يُنظر: المرجع السابق (9/ 5) وما بعدها.
(3)
ومن ذلك كلامه في قاعدة: أن جنس فعل المأمور أعظم من جنس ترك المنهي، حيث جمع بين التنظير والتطبيق. يُنظر: مجموع الفتاوى (20/ 85).
- فتح آفاق جديدة في علم الأصول (1).
• الشاطبي: ومن آثاره التجديدية في علم الأصول التي استدرك بها على السابقين:
- الدعوة إلى تنقية الأصول من المواد الدخيلة.
- بناء المادة الأصولية على مقاصد الشريعة.
- تفتيق مباحث ومسائل جديدة في علم الأصول. (2)
(1) ذكر الباحث عبدالسلام بن عبدالكريم خمسة عشر مثالاً ما بين مسائل وبحوث وقواعد مبتكرة تكلم فيها ابن تيمية بطريقة خاصة؛ ومن ذلك: الرد على من زعم أن أكثر علم الفقه ظنون، وقاعدة: جنس فعل المأمور أعظم من جنس ترك المنهي. يُنظر: التجديد والمجددون في أصول الفقه (ص: 262 - 263). ويُنظر: مجموع الفتاوى (13/ 120)؛ (20/ 85).
(2)
ذكر عبدالسلام بن عبدالكريم ثلاثين مسألة فجر ينبوعها الإمام الشاطبي؛ ومن ذلك: كل خصلة أُمِرَ بها أو نُهي عنها مطلقًا من غير تحديد ولا تقدير؛ فالأمر والنهي على مراتب بحسب الاجتهاد. وهذه المسألة جليلة القدر، من ثمراتها: أن يعلم ما يقدم وما يؤخر عند تزاحم المصالح والمفاسد. يُنظر: التجديد والمجددون في أصول الفقه (ص: 298). ويُنظر: الموافقات (3/ 135).