الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
المبحث الثاني
موضوع الاستدراك الأصولي
إن معرفة موضوع العلم يُعد من الأمور المهمة عند العلماء؛ لذلك جعلوه أحد المبادئ العشرة للعلوم.
والمراد بموضوع العلم: ما يبحث فيه ذلك العلم عن عوارضه الذاتية (1). (2) وشبهوا ذلك بمادة حسية يضعها إنسان بين يديه ليُوقع فيها أثرًا ما؛ كالخشب الذي يُؤثر فيه النجار حتى يصير سريرًا، أو بابًا، وكالفضة التي يُؤثر فيها الصائغ حتى يصير خاتمًا أو سِوارًا ونحوه. (3)
وتكمن أهمية البحث في موضوع العلم؛ لأن العلم لا يتميز عند العقل إلا بعد العلم بموضوعه؛ وذلك لأن جنس العلوم واحد، وإنما تنوعت وتميزت بتغاير الموضوعات، حتى لو لم يكن لهذا العلم موضوع مغاير بالذات أو الاعتبار لم يكونا عِلمين، ولم يصح تعريفهما بتعريفين مختلفين. (4)
(1) العوارض الذاتية: هي التي تلحق الشيء لذاته؛ كالتعجب اللاحق لذات الإنسان، أو تلحق الشيء لجزئه؛ كالحركة بالإرادة اللاحقة للإنسان بواسطة أنه حيوان، أو تلحقه بواسطة أمر خارج عنه مساوٍ له؛ كالضحك العارض للإنسان بواسطة التعجب. يُنظر: تحرير القواعد المنطقية (ص: 23)؛ شرح الشمسية في المنطق للتفتازاني (ص: 114).
(2)
يُنظر: المرجع السابق، ويُنظر أيضًا: الإحكام للآمدي (1/ 19)؛ التحرير شرح التحبير (1/ 139)؛ البحر المحيط (1/ 26)؛ التوضيح للمحبوبي وشرحه التلويح (1/ 56).
(3)
يُنظر: البحر المحيط (1/ 30 - 31).
(4)
يُنظر: تحرير القواعد المنطقية (ص: 6)؛ شرح الشمسية في المنطق للتفتازاني (ص 94).
وتوضيح ذلك بالأمثلة: موضوع علم الطب: بدن الإنسان؛ فإنه يبحث فيه عن الأمراض اللاحقة له، ووصف الدواء لها.
وموضوع علم النحو: الكلمة؛ إذ يُبحث فيه عما يعرض لها من حيثُ الإعراب والبناء، وأنواع الإعراب؛ من رفع ونصب وجر وجزم.
وموضوع علم أصول الفقه على الراجح: الأدلة؛ إذ يُبحث فيه عما يعرض لها من حيث الحجية وعدمها. (1)
إذا تقرر هذا فيمكن أن يُقال: إن موضوع الاستدراك الأصولي هو الخلل فيما يذكره الأصوليون، ويُستأنس لهذا بقول أبي عبدالله الأصفهاني (2) بعد أن ذكر تعريف الرازي للفقه في الاصطلاح بأنه: عبارة عن العلم بالأحكام الشرعية العملية، المُسْتَدَلِّ على أعيانها؛ بحيث لا يعلم كونها من الدين بالضرورة. قال: "لا يقال: هذا التعريف فاسد، وبيانه من وجوه:
الأول: ما ذكره المصنف؛ وهو قوله: "الفقه من باب الظنون؛ فكيف جعلته علمًا؟ !
…
والجواب عن الأول: مذكور في المتن، فلنشرحه أولاً، ثم نبيِّن ما فيه من الخلل
…
" (3).
(1) يُنظر: البحر المحيط (1/ 31)؛ التحبير شرح التحرير (1/ 139 - 140)؛ فواتح الرحموت (1/ 16).
(2)
هو: أبو عبدالله، محمد بن محمود بن محمد بن عباد الأصبهاني، شمس الدين، القاضي، انتهت إليه الرئاسة في معرفة أصول الفقه، وله معرفة جيدة بالنحو والأدب والشعر؛ لكنه قليل البضاعة من الفقه والسنة والآثار، وولي تدريس الصاحبية وغيرها، ورحل إليه الطلبة، فتخرج به خلق. من مصنفاته:"شرح المحصول"، و"الفوائد في الأصلين"، و"الخلاف والمنطق"، (ت: ب 688 هـ)، وقيل غير ذلك، بالقاهرة.
تُنظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (8/ 100)؛ عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان (3/ 387)؛ بغية الوعاة (1/ 240).
(3)
الكاشف عن المحصول في علم الأصول (1/ 135، 140، 144).
وقال أبو الثناء الأصفهاني (1)
في استدراكه على من أرجع ضمير "ينحصر (2) " في قول ابن الحاجب (3) في مختصره على العمل بالأحكام فقال: "
…
وهذا وإن كان أقرب إلى الصواب، ولكن فيه خلل
…
" (4).
فالخلل شامل لإكمال نقص، أو دفع وهم، أو تصحيح خطأ، أو نقد، وبالتالي لا يدخل فيه ما ذكره الأصوليون بصيغة "أفعل التفضيل"؛ مثل: هذا أولى، أو أصح
…
؛ لأنه لا يُعدُّ خللاً؛ بل هو صحيح أو يخالف الأولى.
والذي يترجح لدي أن موضوع " الاستدراك الأصولي" هو ما يذكره الأصوليون في مصنفاتهم الأصولية من ألفاظ ومعانٍ، وما يعرض لها من جهة إكمال نقص، أو دفع وهم، أو تصحيح خطأ، أو نقد، أو توجيه لأولى.
والذي يؤكد هذا ما جاء في أصل مادة "الاستدراك" والتعريف اللُّغوي بأنه: اللحوق والتتبع، وما جاء بصيغة "أفعل" التفضيل لا يخلو من اللحوق والتتبع للسابق.
(1) هو: أبو الثناء، محمود بن عبدالرحمن بن أحمد الأصفهاني، شمس الدين، كان إمامًا متميزًا في شتى الفنون، فقيه شافعي، أصولي. من مصنفاته:"بيان مختصر ابن الحاجب"، و"شرح المنهاج الوصولي"، و"شرح الطوالع"، (ت: 749 هـ) بالطاعون.
تُنظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (10/ 383)؛ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (3/ 71)؛ شذرات الذهب (6/ 165).
(2)
وعبارة ابن الحاجب في مختصره منتهى السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل: "وينحصر في المبادئ، والأدلة السمعية، والاجتهاد، والترجيح". (1/ 200).
(3)
هو: أبو عمرو، عثمان بن عمرو بن أبي بكر الرويني المصري، جمال الدين، الفقيه المالكي، كان أصولياً متكلماً عالماً باللغة العربية، كان محبًّا للشيخ عز الدين بن عبدالسلام الشافعي. من أهم مصنفاته:"مختصره في أصول الفقه"، ومختصره في الفقه المعروف" بجامع الأمهات"، و" الكافية " في النحو، (ت: 646 هـ).
تُنظر ترجمته في: بغية الوعاة (2/ 134)؛ البداية والنهاية (13/ 17)؛ وفيات الأعيان (3/ 248).
(4)
بيان المختصر (1/ 11).