الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وينبغي أن يكون التأويل على هذا الوجه؛ لأنا لا نظن أن أحدًا من هذه الأمة لا يقطع بتضليل اليهود والنصارى والمجوس، وأن قولهم باطلاً قطعًا؛ لأن الدائل القطعية قد قامت لأهل الإسلام في بطلان قول هؤلاء الفرق، والدلائل القطعية توجب الاعتماد القطعي، فلم يكن بُد من القول بأنهم ضالون مخطئون قطعًا " (1).
• المثال الثالث:
ما ذكره الإسنوي في مسألة (تقليد المجتهد للصحابي): "الأمر الثاني: إذا قلنا: إن قول الصحابة ليس بحجة فهل يجوز للمجتهد تقليده؟ فيه ثلاثة أقوال للشافعي: الجديد: أنه لا يجوز مطلقاً. والثالث -وهو القديم-: أنه إن انتشر جاز؛ وإلا فلا، هكذا صرح به الغزالي في المستصفى (2)، والآمدي في الإحكام (3)، وغيرهما
…
واعلم أن القول بجواز التقليد نص عليه في الأم في مواضع متعددة؛ فهو إذن جديد لا قديم" (4).
•
السبب السابع: الاختصار المخل للمصنفات
.
اختصار المتون من أغراض التأليف؛ بيد أن هذا الاختصار قد يعتريه خلل من حذف شيء مهم، أو تغيير صياغة تؤدي إلى الوقوع في الخطأ.
وأذكر لتقرير هذا السبب قول البابرتي في مقدمة كتابه الردود والنقود (5): "
…
منهم الإمام المحقق سيف الدين الآمدي صنف كتاب الإحكام، وجمع فيه اللطائف في العلل والأحكام، ولم يأل جهدًا في التهذيب والإحكام إلى حيث يصل إليه
(1) يُنظر: قواطع الأدلة (5/ 11 - 12).
(2)
(2/ 458).
(3)
(4/ 190).
(4)
نهاية السول (2/ 953).
(5)
(1/ 78).
منهم الإفهام. ومنهم الإمام المختصر المدقق جمال الدين ابن الحاجب، اختصر الإحكام اختصارًا كاد أن يخرجه عن الإفهام، فأغرب به بما أعجب ذوي الأوهام".
• المثال الأول:
ما ذكره الإسنوي في مسألة (تقسيم الحكم باعتبار الوقت المضروب للعبادة): "وقوله: (ووجد فيه سبب وجوبها) مردود من وجهين:
…
الثاني: أن دخول الوقت هو السبب في الوجوب، وقد ذكر عند قوله:(والقضاء يتوقف على السبب لا الوجوب)، فكيف يجعله مغايرًا له حتى يشترطه أيضًا مع مضي الوقت؟
فإن كان مراده أنه لا يوصف بالقضاء إلا ما كان أداؤه واجبًا فهو فاسد؛ لأنه سيُصرح بعد هذا بقليل عكسه، وقد وقع صاحب التحصيل (1) فيما وقع فيه المصنف فقال: وإن أديت خارج وقتها المضيق أو الموسع سميت قضاء إن وجد سبب وجوب الأداء.
والمحصول (2) والحاصل (3) سالمان من هذا الاعتراض؛ وذلك لأن الإمام ذكر في أول التقسيم أن الواجب إذا أُدي بعد خروج وقته المضيق أو الموسع سُمي قضاء، ولم يذكر غير ذلك، ثم قال بعد ذلك: وههنا بحثان، فذكر الأول، ثم قال: الثاني: أن الفعل لا يسمى قضاء إلا إذا وجد سبب وجوب الأداء مع أنه لم يوجد الأداء. ثم تارة يجب الأداء، وتارة يمتنع عقلاً، وتارة يمتنع شرعًا. إلى آخر ما قال.
فذكر أولاً أن القضاء هو ما فعل بعد خروج وقته، وعبر عنه ثانيًا بتقدم سبب الوجوب؛ ولكن عبر بذلك ردًّا على من قال: إن القضاء يتوقف على الوجوب.
فضم المصنف الثاني إلى الأول حالة الاختصار وعطفه عليه، وكذلك صاحب
(1)(1/ 179).
(2)
(1/ 116 - 118).
(3)
(2/ 38).
التحصيل؛ ظنًّا منهما أنه قيدا في المسألة وهو غلط بلا شك" (1).
• بيان الاستدراك:
استدرك الإسنوي على السراج الإرموي والبيضاوي في حدهم للقضاء بعبارة: "تقدم سبب الوجوب" وجعلها قيدًا في الحد؛ إذ إن النوافل تقضى على مذهب الرازي، وبهذا القيد تخرج من الحد، وهذا اختصار مخل للمحصول، فالرازي ذكر في أول التقسيم أن العبادة توصف بالأداء والقضاء والإعادة، ولم يخصها بالواجب.
• المثال الثاني:
ذكر الإمام البيضاوي في مسألة (حكم الأفعال الاختيارية قبل البعثة) توقف الأشعري وتفسير الرازي لهذا التوقف بعدم الحكم. (2)
فاستدرك عليه الإسنوي: بقوله: "فأما قوله: (وفسره الإمام بعدم الحكم) فممنوع؛ فإن عبارته في أول هذه المسألة (ثم هذا الوقف تارة يفسر بأنه لا حكم، وهذا لا يكون وقفًا؛ بل قطعًا بعدم الحكم، وتارة بأنا لا ندري هل هناك حكم أو لا، وإن كان هناك حكم فلا ندري أنه إباحة أو حظر)(3). هذه عبارته، وليس ههنا اختيار شيء من هذه الاحتمالات التي نقلها.
ثم إنه في آخر المسألة اختار تفسيره بعدم العلم فقال: (وعن الأخير أن مرادنا بالوقف: أنا لا نعلم أن الحكم هو الحظر أو الإباحة)، هذا لفظ الإمام في المحصول بحروفه (4)، وذكر مثله أيضًا في المنتخب.
ولعل الذي أوقع المصنف في هذا الغلط هو صاحب الحاصل؛ فإنه قال في
(1) نهاية السول (1/ 71).
(2)
يُنظر: منهاج الوصول - مطبوع مع شرح الإسنوي- (1/ 131).
(3)
المحصول (1/ 159).
(4)
المرجع السابق (1/ 165).
اختصاره للمحصول: (ثم التوقف مرة يفسر بأنا لا ندري الحكم، ومرة بعدم الحكم وهو الحق)(1) هذه عبارته" (2).
• بيان الاستدراك:
استدرك الإسنوي على البيضاوي الخطأ في نقل كلام الإمام الرازي، وكان سبب هذا الخطأ الاختصار المخل من صاحب الحاصل لعبارة الإمام الرازي في المحصول.
• المثال الثالث:
ما ذكره الإسنوي عند الحديث عن (أقسام المناسب)، فذكر المؤثر وقال:
" والمؤثر هو: ما أَثَّر جنسه في نوع الحكم لا غير؛ كالمشقة مع سقوط الصلاة على ما مرَّ.
هكذا ذكره المصنف، وهو خلاف ما في أصلية الحاصل والمحصول.
فأما المحصول (3) ففيه قبيل الكلام على الشبه: أن المؤثِّر: هو ما أثَّر نوعه في جنس الحكم. قال: كامتزاج النسبين (4) مع التقديم -كما تقدم إيضاحه -. وهذا عكس ما ذكره المصنف.
وأما الحاصل (5) ففيه في الموضع المذكور أيضًا: أن المؤثِّر: هو ما أثَّر جنسه في
(1) الحاصل (5/ 58).
(2)
نهاية السول (1/ 133 - 134).
(3)
يُنظر: المحصول (5/ 199).
(4)
يقصد به: تقديم الأخ من الأب والأم على الأخ من الأب في الميراث، فيقاس عليه تقديمه في ولاية النكاح، فجنس الحكم واحد وهو التقديم، والنوع مختلف؛ إذ التقديم في ولاية النكاح مغاير للتقديم في الإرث. يُنظر: المحصول (5/ 199)؛ نهاية السول (2/ 857).
(5)
(3/ 162).
جنس الحكم.
والظاهر اشتبه عليه كلام الإمام، فغلط في اختصاره له" (1).
• بيان الاستدراك:
استدرك الإسنوي على البيضاوي تعريفه للمؤثر بأنه: ما أثر جنسه في نوع الحكم لا غير مخالف لأصل المنهاج الذي هو الحاصل والمحصول. وسبب هذه المخالفة: اشتباه كلام الرازي على على التاج الإرموي؛ فغلظ في اختصاره له، وكذلك فعل البيضاوي؛ فكان تعريف المؤثر الذي ذكراه على خلاف ما عند الرازي.
• المثال الرابع:
ذكر الإسنوي والزركشي: "إذا تعارض قياسان كل منهما يدل بالمناسبة على تقديم مصلحة إحداهما متعلقة بالدين والثانية بالدنيا؛ فالأول مقدم؛ لأن ثمرة الدينية هي السعادة الأبدية التي لا يعادلها شيء، كذا جزم به الإمام فخر الدين (2) والآمدي (3)، وحكى ابن الحاجب (4) قولًا: إن المصلحة الدنيوية مقدمة؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، ولم يذكر الآمدي ذلك قولاً؛ بل ذكره سؤالًا"(5).
• بيان الاستدراك:
استدرك الإسنوي والزركشي على ابن الحاجب إيراده قولاً بتقديم المصلحة الدنيوية على الدينية، وذكرا منشأ الخطأ في ذلك؛ وهو ما أورده الآمدي من اعتراض على المسألة التي قررها فأخطأ ابن الحاجب في اختصاره وجعله قولاً مستقلاً.
(1) نهاية السول (2/ 861).
(2)
المحصول (5/ 458).
(3)
الإحكام (4/ 338).
(4)
مختصر ابن الحاجب (2/ 1305).
(5)
يُنظر: التمهيد للإسنوي (ص: 515)؛ البحر المحيط (6/ 189). ويُنظر كذلك: نهاية السول (2/ 1016)