الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
سابعًا: الاستدراك بقادح (القَلْب):
المراد بقادح القلب: إثبات نقيض الحكم بعين العلة. (1)
وهو ثلاثة أقسام: قلب لإبطال مذهب المستدل صريحًا، وقلب لإبطال مذهب المستدل ضمنًا، وقلب يذكره المعترض لتصحيح مذهبه. (2)
مثاله: أن يقول المستدل الحنفي في مسح ربع الرأس: مسح الرأس ركن من أركان الوضوء، فلا يكفي فيه أقل ما ينطلق عليه الاسم؛ قياسًا على الوجه.
فيقول الشافعي: مسح الرأس ركن من أركان الوضوء؛ فلا يقدر بالربع؛ قياسًا على الوجه. (3)
وجه كونه قادحًا: أن فيه معارضة لقياس الخصم بقياس آخر يماثله في الأصل والعلة، ويخالفه في الحكم، ولا يصح العمل بالدليل مع وجود دليل آخر يعارضه.
• المثال الأول:
ذكر القاضي أبو يعلى في مسألة (التعبد بالقياس شرعًا) دليل الخصم القائلين بعدم جواز التعبد بالقياس فقال: "واحتج بأنه لو كان العمل بالقياس واجبًا لم يخلُ العمل بذلك من أن يكون ضرورةً أو استدلالاً، وليس يسوغ ادعاء العلم الضروري في وجوب ذلك؛ لأنا نجد نفوسنا مضطرة إلى العلم بذلك ولا تتعرى من الشكوك.
وإن كان العلم بوجوده استدلالاً؛ لم يخلُ إمَّا أن يكون استدلالاً عقلاً أو شرعًا، والعقل لا مدخل له في إيجاب ذلك؛ لأن العلم بأصول الأشياء التي يُقاس عليها
(1) يُنظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي (ص: 401). ويُنظر قادح القلب في: أصول ابن مفلح (4/ 1497)؛ نهاية السول (2/ 897 - 898)؛ فواتح الرحموت (2/ 351).
(2)
يُنظر: مختصر ابن الحاجب (2/ 1162 - 1163)؛ أصول ابن مفلح (4/ 1497)؛ نهاية السول (2/ 897 - 898).
(3)
يُنظر: أصول ابن مفلح (4/ 1497)؛ نهاية السول (2/ 897).
لا يقع من ناحية العقول، ولا يجوز أن يفرق الله تعالى بين الخمر وسائر الأشربة في الحكم فيُحرم الخمر ويُبيح غيرها مع تساويها في الإسكار، والعقل يسوي بينهما، ولو كان ثبوته شرعًا لظهر، وليس في وجوب ذلك خبر.
وتحرير هذه الدلالة: أن العلم بوجوبه إذا لم يكن من ناحية المعقول ولا شرع ورد بذلك لم يجز القضاء به.
والجواب: أنَّا نَقْلِبُ هذا الدليل فنقول: لو كان القياس باطلاً لم يخلُ العلم ببطلانه من أن يكون ضرورةً أو استدلالاً، ولا يمكن ادعاء الضرورة؛ لما يعترينا في بطلانه من الشك، والعقول لا مجال لها في بطلانه.
ولأن نفاة القياس يجوزون أن يتعبد الله تعالى بإلحاق سائر الأشربة المسكرة بالخمر من طريق القياس، فلو بطل الحكم بالقياس لم يبطل إلا شرعًا، والشرع هو الخبر عن الله تعالى وعن رسوله، ولا خبر بذلك، فلم يجز الحكم ببطلانه" (1).
• المثال الثاني:
ذكر الباجي في مسألة (الأمر المطلق هل يقتضي الفور أم لا؟ ) من أدلة القائلين على حمل الأمر على الفور فقال: "فإن قال قائل: إن الأمر إذا ورد فإنما يقتضي فعلاً واحدًا، والفعل الواحد لا يقع في زمانين، وقد أجمعت الأمة على أنه إن فعله في أول الوقت بَرِئت ذمته وأدى المأمور به، فيجب أن يكون ما بعده غير مأمور به.
قيل له: تقلب هذا السؤال وتقول: إذا فعله متراخيًا فقد أدى المأمور به، فيجب أن يكون المتقدم غير مأمور به، فإن لم يلزم هذا لم يلزم ما قلته" (2).
(1) العدة في أصول الفقه (4/ 1315 - 1316).
(2)
يُنظر: إحكام الفصول (1/ 218 - 219).