الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم استدرك أبو اليسر على جواب السرخسي فقال: الاستدلال بحديث أُبي ليس بقوي؛ لأن الواقعة كانت في زمان نزول الوحي، وربما اعتقد أُبي أن الآية التي أسقطها النبي صلى الله عليه وسلم نسخت بآية أخرى قبل زمن الواقعة ولم يبلغه أنها نسخت؛ لضيق الوقت. أو لعل أُبيًّا ظن أن النسخ يكون بالإنساء (وهو رفع حفظه من القلوب).
•
خامسًا: صيغة (ليس بشيء):
• المثال الأول:
قال السمعاني في مسألة (هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟ ): "وادعى أبو زيد في هذه المسألة قولًا ثالثًا وقال: إنَّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده على وجه الكراهة؛ لا على وجه التحريم.
وهذا ليس بشيء؛ لأن الأمر إذا كان يفيد الوجوب؛ فلا بدَّ أن يقتضي الكفَّ عن ضده على وجه التحريم، حتى يستقيم حمله على الإيجاب. وقد أجمع الفقهاء على أن الأمر يفيد الإيجاب (1)، ومع هذا لا يكون لما قاله وجه - والله أعلم -" (2).
• المثال الثاني:
قال شهاب الدين ابن تيمية (3): "ولا أثر للترجيح بالذكورية والحرية خلافًا
(1) لا يخفى عليك أن التعبير بالإجماع لا يستقيم؛ لوجود الخلاف في مسألة دلالة صيغة الأمر المطلقة، وإن كان ما ذكره السمعاني هو قول الجمهور. يُنظر: البرهان (1/ 216)؛ العدة (1/ 224)؛ شرح تنقيح الفصول للقرافي (ص: 127)؛ فواتح الرحموت (1/ 273).
(2)
يُنظر: قواطع الأدلة (1/ 233 - 234).
(3)
هو: أبو المحاسن، وأبو أحمد، عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني، الشيخ شهاب الدين، ابن الشيخ مجد الدين أبي البركات، وهو والد شيخ الإِسلام تقي الدين أبي العباس، قرأ المذهب على والده حتى أتقنه، ودرس وأفتى وصنف، وصار شيخ البلد بعد أبيه، له يد طولى في الفرائض والحساب، (ت: 682 هـ).
تُنظر ترجمته في: تاريخ الإسلام (51/ 104)؛ الوافي بالوفيات (18/ 42)؛ ذيل طبقات الحنابلة (4/ 185).
لبعضهم في قولهم: يرجح بالحرية والذكورية، وهذا ليس بشيء" (1).
• المثال الثالث:
قال الطوفي في مسألة (الترجيح في الأدلة): "قوله: (وحُكِي عن ابن الباقلاني (2) إنكار الترجيح في الأدلة كالبينات) أي قال: لا يرجح بعض الأدلة على بعض كما لا يرجح بعض البينات.
قوله: (وليس بشيء) يعني قول الباقلاني هذا ليس بشيء؛ لأن العمل بالأرجح متعين عقلاً وشرعًا، وقد عمل الصحابة بالترجيح مجمعين عليه
…
" (3).
• سادسًا: صيغة (غير مرضي (4)، ليس بمرضي):
• المثال الأول:
قال الجويني في مسألة (اتفاق فعل أهل الإجماع ولم يصدر قولهم): "إذا اتفق أهل الإجماع على عمل، ولم يصدر منهم فيه قول؛ فقد قال قوم من الأصوليين:
(1) يُنظر: المسودة (ص: 211).
(2)
إنكار الباقلاني الترجيح في الأدلة لأنه يقول بتساوي الأدلة، فيجعل للمجتهد التخيير بينها. وهو أول من تبنى هذا القول من الأصوليين، وهذه المسألة كلامية مبنية على القول بأنَّ كل مجتهد مصيب. يُنظر قول الباقلاني في: التلخيص (3/ 391).
والحق الذي عليه السلف والجمهور: أنَّ كل مسألة لا بد لها من دليل شرعي، فلا يجوز عند التعارض أن نقول: تساوت الأدلة وتكافأت؛ بل يجب أن يكون بين الأدلة مرجح. يقول شيخ الإسلام: "فالأدلة الدالة على العلم لا يجوز أن تكون متناقضة متعارضة، وهذا مما لا ينازع فيه أحد من العقلاء، ومن صار من أهل الكلام إلى القول بتكافؤ الأدلة والحيرة؛ فإنما ذاك لفساد استدلاله؛ إما لتقصيره، وإما لفساد دليله. ومن أعظم أسباب ذلك: الألفاظ المجملة التي تشتبه معانيها". يُنظر: درء تعارض العقل والنقل (1/ 274 - 275). ويُنظر هذه المسألة في: المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين (ص: 322 - 323).
(3)
يُنظر: شرح مختصر الروضة (3/ 679).
(4)
وهذه الصيغة تكررت في عدة مواطن في البرهان والمستصفى.
فعل أصحاب الإجماع كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد سبق تفصيل المذاهب في أفعال رسول الله عليه السلام (1).
ومتعلق هؤلاء: أن العصمة ثابته لأهل الإجماع ثبوتها للشارع؛ فكانت أفعالهم كفعل الشارع صلى الله عليه وسلم. قال القاضي: وهذا غير مرضي عند المحققين من أوجه
…
" (2).
• المثال الثاني:
ذكر الصفي الهندي في مسألة (الاجتهاد في عصره صلى الله عليه وسلم للحاضرين والغائبين عنه) أقوال الأصوليين، ومن بين هذه الأقوال: "وثالثها: الذين قالوا بجواز ذلك مطلقًا إذا لم يوجد من ذلك منع، فأما إذا وجد ذلك فلا.
وهذا ليس بمرضي؛ لأن ما بعده أيضًا كذلك، فلم يكن له خصوصية بزمانه عليه السلام " (3).
• المثال الثالث:
قال الطوفي معللاً ذكر مبحث النسخ عقيب الكتاب والسنة: "ثم لما كان النسخ لاحقًا للكتاب والسنة جميعًا؛ عقبناهما به، وما ذكره الغزالي عذرًا في تقديمه على السنة غير مرضي (4)
- والله أعلم -" (5).
(1) يُنظر هذه المسألة في البرهان (1/ 483 وما بعدها).
(2)
يُنظر: البرهان (1/ 715 - 716).
(3)
يُنظر: نهاية الوصول في دراية الأصول (8/ 3817).
(4)
الغزالي ذكر النسخ بعد الكلام على الكتاب، وقبل الكلام على السنة، واعتذر عن ذلك بوجهين:
الأول: أن النسخ أخص بالقرآن لإشكاله وغموضه بالنسبة إليه، مع اشتباهه بالبداء، واستحالة البداء على الله تعالى.
الثاني: أن الكلام على السنة طويل؛ لتعلقه ببيان أحكام التواتر والآحاد، ومراتب ألفاظ الرواة، وغير ذلك، فكأنه قصد بضم النسخ إلى القرآن التعديل بينهما في المقدار. يُنظر: المستصفى (2/ 33).
(5)
يُنظر: مختصر الروضة - البلبل في أصول الفقه - (2/ 250).