الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بخبر الواحد وفاقًا، والجامع بينهما: رفع المفسدة الناشئة من إلغاء الخاص.
وجوابه: أنَّا نمنع الحكم أولاً؛ وهذا لأن بعض أهل العلم القائلين بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد يجوز نسخه به أيضًا" (1).
•
ثالثًا: الاستدراك قادح (التقسيم):
المراد بقادح التقسيم: احتمال لفظ المستدل لأمرين فأكثر على السواء؛ أحدهما ممنوع، والآخر مسلم. (2)
مثاله: أن يقول المستدل في عدم وجوب الزكاة في مال الصبي: الزكاة عبادة، فلا تجب على الصبي قياسًا على الصلاة.
فيقول المعترض: قولك: (عبادة) إما أن تريد بها العبادة المحضة، وهذا ممنوع؛ لأن الزكاة فيها جانب المؤنة، وإما أن تريد بها العبادة غير المحضة فهو مسلم؛ لكنه لا يفيدك في عدم الزكاة على الصبي؛ لأنها عبادة من جهة، ومؤنة من جهة أخرى، فهي واجبة عليه في ماله من الجهة الثانية، والمخاطب بإخراجها الولي. (3)
وجه كونه قادحًا: أن فيه منع دلالة قياس الخصم على مذهبه.
• المثال الأول:
قال الطوفي في مسألة (الحقيقة الشرعية (4)): "قوله (5): (قالوا: العرب
(1) نهاية الوصول (4/ 1642).
(2)
يُنظر: الإحكام للآمدي (4/ 95)؛ شرح الكوكب المنير (4/ 251)؛ نشر البنود (2/ 241).
(3)
يُنظر: شرح مختصر الروضة (3/ 494).
(4)
الحقيقة الشرعية: ما نقله الشرع فوضعه إزاء معنى شرعي؛ كالصلاة والصيام. وهذا تعريف الطوفي. يُنظر: شرح مختصر الطوفي (2/ 490)، ويُنظر تعريف الحقيقة الشرعية أيضًا في: المحصول (1/ 298)؛ المعتمد (1/ 18)؛ تقريب الوصول (ص: 134).
(5)
أي: قوله في مختصر الروضة (البلبل في أصول الفقه).
لم تضعها) إلى آخره. هذا دليل الخصم على نفي الحقائق الشرعية.
وتقريره: لو ثبتت الحقائق الشرعية على ما ذكرتم لم تكن عربية؛ لأن العرب لم تضعها، وكل ما لم تضعه العرب فليس بعربي، فالحقائق الشرعية لو ثبتت لم تكن عربية، ولو لم تكن عربية لم يكن القرآن عربيًّا؛ لكن القرآن عربي، فهذه الحقائق الشرعية عربية.
أما الملازمة فلأن أسماء هذه الحقائق -كالصلاة ونحوها- مذكورة في القرآن، فهي بعضه، فلو لم تكن عربية، لكان بعض القرآن غير عربي، وإذا كان بعض القرآن غير عربي؛ لم يكن جميعه عربيًّا.
وأما انتفاء اللازم وهو أن القرآن عربي فبالنص والإجماع، وإذا انتفى اللازم انتفى ملزومه؛ وهو أن هذه الحقائق غير عربية، فتكون عربية والعربي ما وضعته العرب، فتكون هذه الحقائق من موضوعات العرب، وذلك ينفي كونها من موضوعات الشرع وضعًا استقلاليًا، فثبت أنه أبقاها على موضوعاتها في الأصل، وزادها شروطًا شرعية، وهو المطلوب ....
وموضع المؤاخذة في المقدمة المذكورة أن يقال: ما المراد بقولكم: (إن العرب لم تضعها؟ )، إن أردتم لم تضعها وضعًا أوليًّا في اللغة فمسلم، لكن لا يلزم من ذلك أن لا تكون عربية، بدليل المجاز اللغوي، فإنه عربي وليس موضوعًا وضعًا أوليًّا.
وإن أردتم أنهم لم يستعملوها أصلاً فممنوع؛ إذ هي مشهورة في لغتهم، وباستعمالهم لها صح استعارة الشارع لها، وتجوزه بها إلى المعاني الشرعية، وذلك يصحح كونها عربية مجازًا؛ لأن حد المجاز موجود فيها" (1).
• بيان الاستدراك:
استدل القائلون بنفي وقوع الحقائق الشرعية وبأنها باقية على معانيها اللغوية،
(1) يُنظر: روضة الناظر (1/ 496 - 497).
وإنما زاد الشارع في أحكامها قيودًا وشروطًا (1): بأن هذه الحقائق - أي الشرعية- لو ثبتت - كما قلتم - لم تكن عربية، ولو لم تكن عربية لم يكن القرآن عربيًا؛ لكن القرآن عربي، ونفي اللازم نفي الملزوم، وهذا قياس الخُلف.
فقولهم: (لو لم تكن عربية لم يكن القرآن عربيًا) هذه المقدمة الكبرى.
والملزوم فيها: (لو لم تكن عربية).
واللازم قوله: (لم يكن القرآن عربيًا).
وقوله: (لكن القرآن عربي) فهذه هي المقدمة الصغرى، وبه حصل انتفاء اللازم، ودليل انتفاء اللازم -وهو أن القرآن عربي- ثابت بالنص؛ كقوله تعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]، وقوله:{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 195]، ونحوها من الآيات الدالة على أن الله تعالى لم يخاطبهم في كتابه بشيء من غير لغتهم، ولأن الأمة مطبقة على إطلاق القول بأن الله ما بعث نبيه وخاطب المكلفين على لسانه إلا باللسان العربي (2).
وإذا انتفى اللازم - وهو قوله: (لم يكن القرآن عربيًا) - انتفى الملزوم - وهو قوله: (لو لم تكن عربية) - فتكون عربية، والعربي ما وضعته العرب، فتكون هذه الحقائق من موضوعات العرب؛ وليست من موضوعات الشرع، فثبت أن الشرع أبقى هذه الحقائق على ما وضعته العرب، وزادها شروطًا شرعية.
فاستدرك الطوفي على استدلال هذا القول بقادح التقسيم فقال: ماذا أردتم بقولكم: (إن العرب لم تضعها؟ )، إن أردتم لم تضعه وضعًا أوليًا في اللغة؛ فهذا نسلم به؛ لكن لا يلزم منه أن لا تكون هذه الحقائق - أي الشرعية - عربية. ودليل ذلك
(1) وهذا قول القاضي الباقلاني، والقاضي أبي يعلى، وأبي الوليد الباجي. يُنظر على الترتيب المذكور: مختصر التقريب والإرشاد (1/ 387)؛ العدة (1/ 190)؛ إحكام الفصول (1/ 298).
(2)
يُنظر: مختصر التقريب والإرشاد (1/ 392).
بقياسنا هذه الحقائق على المجاز اللغوي؛ فإن العرب لم تضع المجاز اللغوي وضعًا أوليًا ومع ذلك فهو عربي.
وإن أردتم بقولكم: (إن العرب لم تضعها) أي لم تستعملها أصلاً؛ فهذا ممنوع؛ لأن هذه الحقائق مشهورة في لغتهم، وباستعمالهم لها صح استعارة الشارع لها في المعاني التي أرادها، وهذا يُصحح كون هذه الحقائق الشرعية عربية مجازًا؛ لأن حد المجاز _وهو: اللفظ المستعمل في غير معناه لعلاقة بينهما (1) - قد وجد في هذه الحقائق.
• المثال الثاني:
ذكر الصفي الهندي في مسألة (تخصيص الكتاب بخبر الواحد) من بين أدلة القائلين بعدم جواز التخصيص به: "وثالثها: أن الكتاب مقطوع به، وخبر الواحد مظنون، فتقديمه عليه تقديم للمرجوح على الراجح، وهو ممتنع عقلاً.
وجوابه من وجوه: أحدها: نقول: ما المراد من قولكم: إن الكتاب مقطوع به؟ تعنون به أنه مقطوع به في متنه فقط، أو في متنه وفي دلالته على العموم معًا؟
والأول مسلم؛ لكن لا نسلم أن تقديم خبر الواحد الخاص عليه حينئذ تقديم للمرجوح على الراجح؛ وهذا لأنه حينئذ يكون مظنون الدلالة على العموم، وخبر الواحد وإن كان مظنون المتن لكنه مقطوع الدلالة، فلم يترجح العام عليه من جهة القطع" (2).
• بيان الاستدراك:
استدرك الهندي على دليل القائلين بعدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد في قولهم: إن الكتاب مقطوع به، وخبر الواحد مظنون، فتخصيص الكتاب بخبر الواحد فيه تقديم لخبر الواحد على الكتاب، وهذا يلزم منه تقديم المرجوح على
(1) يُنظر: تقريب الوصول (ص: 133)؛ القاموس المبين في اصطلاحات الأصوليين (ص: 261).
(2)
نهاية الوصول (6/ 1638 - 1639).