الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
المطلب الثاني
صيغ الاستدراك غير الصريحة، وتطبيقاتها
المراد بصيغ الاستدراك غير الصريحة: ما دلت على الاستدراك ضمنًا.
وتحصل لي من ذلك صيغتان:
•
الصيغة الأولى: ترتب لازم باطل أو ممتنع يَدُّلُ على الرد وأن الصواب خلافه
. ومن أمثلته:
• المثال الأول:
قال الرازي في مسألة (مبدأ اللغات): "كون اللفظ مفيدًا للمعنى: إمَّا أن يكون لذاته، أو بالوضع؛ سواء كان الوضع من الله تعالى، أو من الناس، أو بعضه من الله تعالى وبعضه من الناس، فهذه احتمالات أربعة، الأول مذهب عبَّادِ بنِ سُلَيمَانَ الصَّيمرِيِّ (1) .... والذي يدلُّ على فساد قول عبَّادِ بنِ سُلَيمَانَ: أن دلالة الألفاظ لو كانت ذاتية لما اختلفت باختلاف النواحي والأمم، ولاهتدى كل إنسان إلى كل لغةٍ،
(1) هو عباد بن سليمان الصيمري البصري المعتزلي، من الطبقة السابعة عند المعتزلة، وهو من أصحاب هشام بن عمرو الفوطي، خالف المعتزلة في أشياء اخترعها لنفسه، وكان أبو علي يصفه بالحذق في الكلام، من مصنفاته:"إثبات الجزء الذي لا يتجزأ"، و" إنكار أن يخلق الناس أفعالهم"، و" تثبيت دلالة الأعراض"، ولم تذكر المراجع سنة وفاته، وإن كان معظم تلك الطبقة في الربع الأول من القرن الثالث، وفي سير أعلام النبلاء: عباد بن سلمان - بدون الياء-.
تُنظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (10/ 551 - 552)؛ طبقات المعتزلة (ص: 77)؛ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة (ص: 255).
وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم (1) " (2).
• المثال الثاني:
ذكر الآمدي في مسألة (هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟ ): "
…
وعلى هذا يكون الحكم فيما إذا ورد العام على سبب خاص لا تعلق له بالسؤال؛ كما روي عنه: صلى الله عليه وسلم أنه مر بشاة ميمونة وهي ميتة، فقال صلى الله عليه وسلم:«أيُّمَا إهابٍ دبِغَ فقَدْ طهُرَ» .
والمختار إنما هو القول بالتعميم إلى أن يدل الدليل على التخصيص".
ثم ذكر دليله على ذلك، وذكر استدراكًا مقدرًا من الخصم القائل بأن العبرة بخصوص السبب فقال:"فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بما يدل على اختصاص العموم بالسبب، وبيانه من ستة أوجه: الأول: أنه لو لم يكن المراد بيان حكم السبب لا غير؛ بل بيان القاعدة العامة؛ لما أخر البيان إلى حالة وقوع تلك الواقعة، واللازم ممتنع، وإذا كان المقصود إنما هو بيان حكم السبب الخاص؛ وجب الاقتصار عليه"(3).
• المثال الثالث:
قال ابن السبكي في مسألة (التعليل بالحكمة): "جوز قوم التعليل بالحكمة،
(1) قال الأصفهاني في شرحه: "والدليل على فساد قول عباد بن سليمان: أن دلالة الألفاظ على معانيها لو كانت ذاتية لما اختلفت باختلاف النواحي والأمم، ولعرف كل إنسان اللغات بأسرها، واللازم باطل، فالملزوم كذلك. أما الملازمة فظاهرة؛ وذلك لأن الأمور الذاتية يهتدي إليها العقل، ولا يتصور الاشتراك في طريق معرفة الشيء مع الاختلاف في العلم والجهل. وأما بطلان اللازم فلأن اللغة لا يهتدى إليها بالعقل، وكذلك سائر اللغات، فينتفي الملزوم؛ فلا تكون دلالة الألفاظ على معانيها ذاتية، وهو المطلوب". يُنظر: الكاشف عن المحصول (1/ 431).
(2)
يُنظر: المحصول (1/ 181 - 183).
(3)
يُنظر: الإحكام للآمدي (2/ 293 - 294).
واختاره المصنف (1) تبعًا للإمام (2)، ومنع منه آخرون (3). وفصل قوم فقالوا: إن كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها؛ جاز التعليل بها؛ وإلا فلا، واختاره الآمدي (4) وصفي الدين الهندي (5)، وأطبق الكل على جواز التعليل بالوصف المشتمل عليها ما حاد عن ذلك قياس؛ كالقتل والزنا والسرقة وغير ذلك.
واحتج المفصل بما أشار إليه في الكتاب (6) من أن الحِكَمَ التي لا تنضبط كالمصالح والمفاسد لا يعلم لعدم انضباطها: أن القدر الحاصل منها في الأصل حاصل في الفرع أم لا فلا يمكن التعليل بها؛ لأن القياس فرع ثبوت ما في الأصل من المعنى في الفرع.
وأجاب (7): بأنه لو لم يجز التعليل بالحكم التي لا تنضبط؛ لم يجز بالوصف المشتمل عليها أيضًا، واللازم باطل بالاتفاق؛ فبطل الملزوم.
وبيان الملازمة: أن الوصف بذاته ليس بعلة للحُكم؛ بل بواسطة اشتماله على الحِكمة، فَعلِّيَّةُ الوصف بمعنى أنه علامة على الحِكمة التي هي علَّة غائبة باعثة للفاعل، والوصف هو المُعَرِّف، فإذا لم تكن تلك الحكمة علة للحكم؛ لم يكن الوصف بواسطته علة له، وإذا بطل الملزوم فيجوز التعليل بالحِكَمِ التي لا تنضبط؛
(1) أي: البيضاوي. يُنظر: منهاج الوصول - مطبوع مع الإبهاج - (6/ 2532).
(2)
أي: الرازي. يُنظر: المحصول (5/ 287).
(3)
ونسب إلى الأكثرين. يُنظر: الإحكام للآمدي (3/ 254)؛ شرح تنقيح الفصول للقرافي (ص: 406)؛ شرح الكوكب المنير (4/ 47).
(4)
يُنظر: الإحكام للآمدي (3/ 255).
(5)
يُنظر: نهاية الوصول (8/ 3494).
(6)
أي: في منهاج الوصول للبيضاوي.
(7)
أي: البيضاوي.