الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدهما: ذلك المعنى. والثاني: الفعل الذي هو طريق إليه وأمر المكلف أن يفعل ذلك الفعل قاصدًا به ذلك المعنى، فالمعنى باعث له؛ لا للشارع، ومن هنا يعلم أن الحكم المعقول المعنى أكثر أجرًا من الحكم التعبدي.
نعم التعبدي فيه معنى آخر؛ وهو أن النفس لاحظ لها فيه، فقد يكون أجر الواحد يعدل الأجرين اللذين في الحكم غير التعبدي، ويعرف أيضًا أن العلة القاصرة - سواء كانت منصوصة أم مستنبطة - فيها فائدة، وقد ذكر الناس لها فوائد، وما ذكرناه فائدةٌ زائدةٌ؛ وهي قصد المكلف فعله لأجلها فيزداد أجره.
فانظر هذه الفائدة الجليلة، واستعمل في كل مسألة ترد عليك هذا الطريق، وميز بين المراتب الثلاث؛ وهي: حكم الله بالقصاص، ونفس القصاص، وحفظ النفوس، وهو باعث على الثاني لا على الأول، وكذا حفظ المال بالقطع في السرقة، وحفظ العقل باجتناب المسكر، فشد يديك بهذا الجواب" (1).
•
ثانيًا: الأثر المُعدَّل:
هو النتيجة المعاد تشكيلها بعد الاستدراك الأصولي.
فعلم أصول الفقه منذ النشأة إلى القرن الرابع عشر مر بمراحل مختلفة من النمو والتطور المعرفي، وهذا التطور تعرض لعدة جوانب من الاستدراكات التي أثرت في إعادة الصياغة الأصولية، وظهر هذا جليًا في الأمور التالية:
- إعادة صياغة القواعد الأصولية.
- إعادة صياغة الحدود.
- إعادة صياغة عنوان المسألة الأصولية.
- إعادة التبويب والترتيب في المباحث الأصولية.
(1) يُنظر: الإبهاج (6/ 2287 - 2289).
- استدراك الأصولي على نفسه، ففيه تعديل لقوله السابق.
وقد سبق ذكر أمثلة للاستدراكات كانت سببًا لإعادة صياغة العناوين (1) والحدود (2) والترتيب (3) في المسائل الأصولية. كما مرت أمثلة لاستدراكات الأصولي على نفسه (4) فأكتفي بها، وأذكر هنا مثالاً لاستدراك إعادة صياغة القاعدة الأصولية، وهو ما نقل عن أئمة المذهب الحنفي: أن رجلاً لو قال: أوصيتُ بداري لموالي، ومات قبل البيان؛ بطلت الوصية.
ففهم المتأخرون من الحنفية أن البطلان جاء من جهة أن لفظ (الموالي) مشترك بين العبيد الذين أعتقهم الموصي، والأسياد الذين أعتقوا الموصي؛ فالموصى له غير معين، ويشترط لصحة الوصية أن يكون الموصى له معينًا، وفوات الشرط يترتب عليه فوات المشروط، فتكون الوصية حينئذ باطلة.
ففهم الحنفية من القول بالبطلان أن كل لفظ وضع لأكثر من معنى - وهو: اللفظ المشترك - لا يمكن أن يُراد منه كل المعاني الموضوعة له، فوضعوا القاعدة الأصولية:(المشترك لا عموم له)؛ ولكنهم بعد أن قرروا هذه القاعدة اصطدموا بفرع فقهي لا يدخل تحت القاعدة؛ وهو ما نقل عن أئمتهم فيما لو قال رجل لآخر: والله لا أكلم مولاك؛ حنث بكلام المولى الأعلى - المُعتِق - والمولى الأسفل - المُعتَق-، فالحكم بالحنث - سواء كلم المولى الأعلى أو المولى الأدنى - إنما يصح باعتبار عموم المشترك، وهذا مخالف لما تم تقريره في القاعدة الأصولية عند الحنفية:(المشترك لا عموم له)، فيستدرك الحنفية هذا ويقومون بإعادة تشكيل القاعدة الأصولية بما يوافق
(1) يُنظر: (ص: 354 - 359).
(2)
يُنظر: (ص: 361 - 366).
(3)
يُنظر: (ص: 227 - 228)، ويُنظر كذلك (ص: 304 - 305).
(4)
يُنظر: (ص: 338 - 342).