الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
سابعًا: استمداده من علم الجدل
(1):
أدرج ابْنُ خَلدُون (2) الجدل ضمن متعلقات علم أصول الفقه (3).
وفرعه الطوفي عن أصول الفقه فقال: "واعلم أن مادة الجدل: أصول الفقه؛ من حيث هي إذ نسبته إليها نسبةَ معرفة نظم الشعر إلى معرفة أصل اللغة، فالجدل إذن: أصول فقه خاص، فهي تلزم الجدل وهو لا يلزمها؛ لأنها أعم منه، وهو أخص منها"(4).
ووافقه طَاشْ كُبْرَى زَادَه (5) فقال: "واعلم أنه يمكن جعل علم الجدل
(1) علم الجدل: علم أو آلة يتوصل بها إلى فتل الخصم عن رأيه إلى غيره بالحجة. ويقال أيضًا في حده: قانون صناعي يعرف أحوال المباحث من الخطأ والصواب على وجه يدفع عن نفس الناظر والمناظر الشك والارتياب. يُنظر: الجدل على طريقة الفقهاء (ص: 1)؛ الواضح في أصول الفقه (1/ 297)؛ علم الجَذَل في علم الجدل (ص: 3)؛ مفتاح السعادة (1/ 281).
(2)
هو: أبو زيد، عبدالرحمن بن محمد بن محمد الحضرمي الإشبيلي المالكي، المعروف بابن خلدون، برع في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر في الأدب والكتابة، ولي قضاء المالكية بمصر، وعزل ثم أعيد. من مصنفاته:"التاريخ الكبير " في سبع مجلدات ضخمة، " العبر ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر"، أوله " المقدمة"، و"رسالة في المنطق"، (ت: 808 هـ).
تُنظر ترجمته في: النجوم الزاهرة (13/ 155 - 156)؛ الضوء اللامع (11/ 246)؛ نفح الطيب (4/ 414).
(3)
مقدمة ابن خلدون (ص: 457).
(4)
علمُ الجَذَل في علمِ الجدل (ص: 4).
(5)
هو: أبو الخير، أحمد بن مصلح الدين، المشتهر بـ (طاش كبرى زادة)، عصام الدين، درس بعدة مدارس، ثم قلد قضاء قسطنطينية، فأجرى الأحكام الدينية إلى أن رمد رمدًا شديدًا انتهى إلى أن عميت عيناه فاستعفى عن المنصب. من مصنفاته:"المعالم في الكلام"، و" حاشية على حاشية التجريد للشريف الجرجاني"، و"مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم"، (ت: 968 هـ).
تُنظر ترجمته في: شذرات الذهب (8/ 352)؛ طبقات المفسرين للأدنه وي (ص: 387)؛ كشف الظنون (2/ 1762).
والخلاف من فروع علم أصول الفقه" (1).
ويمكن إبراز تأثير الجدل في علم أصول الفقه - الذي هو مادة الاستدراك الأصولي- في النقاط التالية:
أولاً: إضافة مقدمة في علم الجدل ضمن مقدمات علم أصول الفقه، وتفرد بهذا ابن عقيل في كتابه "الواضح في أصول الفقه"، وعلل ذلك بقوله: "
…
رأيتُ أن أُشْفِعَها بذكر حدود الجدل، وعقوده، وشروطه، وآدابه، ولوازمه؛ فإنه من أدوات الاجتهاد
…
فجمعتُ بذلك بين قواعد العِلمين: أصول الفقه والجدل". (2)
ثانيًا: إضافة مسائل وموضوعات علم الجدل في علم أصول الفقه؛ كقوادح القياس والاعتراضات الواردة على القياس، وفي هذا يقول الغزالي: "
…
وراء هذه اعتراضات؛ مثل: المنع (3)، وفساد الوضع (4)، وعدم التأثير (5)،
(1) مفتاح السعادة (1/ 284).
(2)
(1/ 295).
(3)
سيأتي التعريف به عند الحديث عن معايير الاستدراك في (ص: 562).
(4)
فساد الوضع: أن يعلق على العلة ضد ما تقتضيه. يُنظر: الواضح في أصول الفقه (2/ 288)؛ تشنيف المسامع (3/ 271 - 373)؛ فواتح الرحموت (2/ 346)؛ نشر البنود (2/ 233).
مثاله: أن يقول المستدل الحنفي أو الحنبلي في عدم وجوب الكفارة في القتل العمد: القتل العمد كبيرة من الكبائر فلا يُوْجِب الكفارة قياسًا على الردة. فيقول المعترض الشافعي: قياسكَ فاسد الوضع؛ لأن العلة _وهي كون القتل كبيرة_ تقتضي التغليظ في العقوبة لا التخفيف، وإيجاب الكفارة تغليط، وإسقاطها تخفيف. يُنظر: الواضح في أصول الفقه (2/ 288)؛ تشنيف المسامع (3/ 271 - 372).
(5)
عدم التأثير: اشتمال الكلام على لفظ لا أثر له، وله خمسة أقسام: الأول: عدم التأثير في الوصف، الثاني: عدم التأثير في الأصل، الثالث: عدم التأثير في الحكم، الرابع: عدم التأثير في محل النزاع، الخامس: عدم التأثير في الأصل والفرع معًا. يُنظر: البرهان في أصول الفقه (2/ 1007)؛ شرح الكوكب المنير (4/ 264 - 275)؛ فواتح الرحموت (2/ 338)؛ نثر الورود (2/ 524 - 529).
من أمثلته - عدم التأثير في الأصل-: أن يقول المستدل في عدم صحة بيع الغائب: مبيع غير مرئي فلا يصح بيعه قياسًا على الطير في الهواء. فيقول المعترض: الوصف - غير مرئي- عديم التأثير؛ وذلك لأن الحكم يثبت بدونه؛ فإن الطير في الهواء لا يصح بيعه ولو كُنَّا نراه. يُنظر: شرح مختصر الروضة (3/ 548)؛ شرح الكوكب المنير (4/ 226)؛ فواتح الرحموت (2/ 338)؛ نثر الورود (2/ 526).
والكسر (1)، والفرق (2)، والقول بالموجَب (3)، والتَّعْدِيَة (4)، والتَّرْكِيب (5).
وما يتعلق فيه تصويب نظر المجتهدين قد انطوى تحت ما ذكرناه، وما لم يندرج تحت ما ذكرناه فهو نظر جدلي يتبع شريعة الجدل التي وضعها الجدليون باصطلاحهم، فإن لم يتعلق بها فائدة دينية فينبغي أن نشح على الأوقات أن نضيعها بها وتفصيلها، وإن تعلق بها فائدة؛ من ضم نشر الكلام، ورد كلام المناظرين إلى مجرى الخصام؛ كيلا يذهب كل واحد عرضًا وطولاً في كلامه، منحرفًا مقصد نظره؛ فهي ليست فائدة من جنس أصول الفقه؛ بل هي من علم الجدل، فينبغي أن تفرد بالنظر، ولا تمزج بالأصول التي يقصد بها تذليل طرق الاجتهاد للمجتهدين" (6).
(1) سيأتي التعريف به عند الحديث عن معايير الاستدراك في (ص: 573).
(2)
سيأتي التعريف به عند الحديث عن معايير الاستدراك في (ص: 586).
(3)
سيأتي التعريف به عند الحديث عن معايير الاستدراك في (ص: 584).
(4)
التعدية: معارضة وصف المستدل بوصف آخر متعدِّ. مثاله: أن يقول المستدل: بكر فجاز خيارها كالصغيرة. فيقول المعترض: البكارة وإن تعدت إلى البكر البالغة؛ فالصغر متعد إلى الثيب الصغيرة. يُنظر: مختصر ابن الحاجب (2/ 1156 - 1157)؛ شرح الكوكب المنير (4/ 314)؛ إرشاد الفحول (2/ 237).
(5)
التركيب: إبداء أن قياس الخصم مركب من مذهبين مختلفين، وشرط حكم الأصل أن لا يكون ذا قياس مركب. يُنظر: مختصر ابن الحاجب (2/ 1038 - 1039، 1156)؛ شرح مختصر الروضة (3/ 552 - 554)؛ إرشاد الفحول (2/ 237 - 238).
مثاله: أن يقول المستدل الحنبلي في عدم صحة نكاح البكر البالغة بلا ولي: أنثى فلا تزوج نفسها بغير ولي كابنة خمس عشرة سنة. فيقول المعترض الحنفي: أنت عللت المنع في البالغة بالأنوثة، والمنع في بنت خمس عشرة عندي مُعلل بالصغر؛ فإن وافقتني على ذلك وإلا أجزتُ نكاح ابنة خمسة عشر سنة بلا ولي، فما اتفقت علة الأصل والفرع؛ فلا يصح قياسك. يُنظر: شرح مختصر الروضة (3/ 552 - 553).
(6)
المستصفى (3/ 746 - 747).
ثالثًا: استخدام الأسلوب الجدلي؛ كالفنقلة، وابتداء الأجوبة بالمنع أو التسليم، ووصف القائل بالمذهب المقابل بالخصم والمخالف، وهذا يظهر جليًّا في الكتب المصنفة على طريقة الجمهور مما يغني عن التمثيل. (1)
رابعًا: اقتران علم الجدل بعلم الأصول في بعض المصنفات الأصولية مما يدل على العلاقة بينهما؛ ككتاب "منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل" لابن الحاجب. كما صنف علماء الأصول مصنفات في علم الجدل؛ ككتاب "المنهاج في ترتيب الحِجاج" للباجي، و"المعونة في الجدل" لأبي إسحاق الشيرازي، و"الكافية في الجدل" لإمام الحرمين الجويني، و"الجدل على طريقة الفقهاء" لابن عقيل، و"علم الجَذَل في علم الجدل" للطوفي، وغيرها كثير. (2)
وأما عن تأثير الجدل في الاستدراك الأصولي فيظهر جليًّا في النقطة الثانية -إضافة مسائل وموضوعات علم الجدل في علم أصول الفقه-؛ حيث استخدمت قوادح العلة موادًا للاستدراك (3). ويظهر التأثير كذلك في النقطة الثالثة: استخدام الأسلوب الجدلي في الاستدراك (4).
(1) يُنظر: علاقة علم أصول الفقه بعلم المنطق (ص: 460 - 461).
(2)
يُنظر: الجدل عند الأصوليين (ص: 114 - 118).
(3)
يُنظر: (ص: 558 - 580).
(4)
يُنظر: (ص: 696).