الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن هذا قدمناه؛ وهو المنع (1).
ومن جواب المصنف هذا أخذ بعض الشارحين أن مراده (بأئمة النقل): التابعون، وهو عجيب؛ فإن في أئمة النقل من ليس بتابعي، وفي التابعين من ليس من أئمة النقل.
وأي معنى يوجب اختصاص التابعي وإن كان عاميًّا، فالمأخذ إن كان كونه من أئمة النقل لا اختصاص له بالتابعي، وإن كان كونه تابعيًّا لا وجه له. ثم لا نعرف أن أحدًا قال به، وإنما المصنف ظن أن جميع التابعين من أئمة النقل فقال: من احتج بهم لم يستفد تعميمًا -أي: في أئمة النقل وغيرهم-؛ لأن غيرهم ليس في معناهم، وهذا حينئذ واضح، وقد عرفت ما فيه" (2).
•
رابعاً: صيغة (بعيد):
• المثال الأول:
قال الجويني في (معنى الأحكام الشرعية): "فأما الواجب فقد قال قائلون: الواجب الشرعي هو الذي يستحق المكلف العقاب على تركه، وهذا بعيد عن مذهب أهل الحق في الثواب والعقاب؛ فإنا لا نرى على الله تعالى استحقاقًا، والرب تعالى يعذب من يشاء، وينعم من يشاء"(3).
• المثال الثاني:
قال ابن قدامة في مسألة (هل النهي يقتضي الفساد؟ ): "وحكي (4) عن طائفة
(1) يُنظر: رفع الحاجب (2/ 465 - 466).
(2)
يُنظر: المرجع السابق (2/ 469).
(3)
يُنظر: البرهان (1/ 380).
(4)
قول ابن قدامة (حكي) كأنه إشارة إلى اضطراب النقل في ذلك عن أبي حنيفة، فمن الأصوليين من نسب إليهم موافقة الجمهور بأن النهي يقتضي الفساد، ومنهم من نسب إليهم ما ذكره ابن قدامة. يُنظر مذهبهم في: أصول الجصاص (2/ 171)؛ أصول السرخسي (1/ 80)؛ تيسير التحرير (2/ 91).
-منهم أبو حنيفة -: أن النهي يقتضي الصحة؛ لأن النهي يدل على التصور؛ لكونه يراد للامتناع، والممتنع في نفسه، المستحيل في ذاته، لا يمكن الامتناع منه؛ فلا يتوجه إليه النهي؛ كنهي الزَّمِن (1) عن القيام، والأعمى عن النظر، وكما أن الأمر يستدعي مأمورًا يمكن امتثاله؛ فالنهي يستدعي منهيًا يمكن ارتكابه إذا ثبت تصوره. فلفظات الشرع تحمل على المشروع دون اللغوي، فإذا نهى عن صوم يوم النحر؛ دل على تصوره شرعًا (2) " (3).
فاستدرك ابن قدامة على هذا القول فقال: "وقولهم: إنه يدل على الصحة بعيد جدًّا فإنهم إذا لم يجعلوه دليلاً على الفساد مع قربه منه؛ كيف يجعلونه دليلاً على الصحة؟ ! "(4).
• المثال الثالث:
قال ابن الحاجب في مسألة (المباح هل هو مأمور به؟ ): "المباح غير مأمور به،
…
وقول الأستاذ (5): (الإباحة تكليف) بعيد".
(1) زمن الرجل زمنًا وزمانة فهو زمنٌ: أي مُبْتَلى بمرض يدوم زمانًا طويلاً. يُنظر: الصحاح (ص: 458)؛ المصباح المنير (1/ 256).
(2)
خلاصة دليل الإمام أبي حنيفة ومن معه: أنه لما استحال أن يقال للأعمى: لا تبصر، وللزمن: لا تَطِرْ؛ علمنا استحالة النهي عن هذه الأمور؛ لعدم تصور إمكان وقوعه، وهذا دليل على أن صحة النهي تعتمد على تصور وقوع المنهي عنه، فاقتضى ذلك أن النهي يدل على الصحة؛ ولذلك نجد الحنفية صححوا بيع درهم بدرهمين، فأثبتوا الملك في أحد الدرهمين ويرد الدرهم الآخر؛ لأن النهي يدل على الصحة، والصحة عبارة عن ترتيب الآثار والتمكن من التصرفات. يُنظر: شرح مختصر الروضة (2/ 434).
(3)
يُنظر: روضة الناظر (1/ 606).
(4)
يُنظر: المرجع السابق (1/ 611).
(5)
المراد به: أبو إسحاق الإسفرائيني، ومر تأويل قوله في هامش (ص: 681).