الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
المراد بالمبادئ
المبادئ: جمع مبدأ، ومبدأ الشيء: أوله ومادته التي يتكون منها (1).
ومبادئ أي علم أو فن: قواعدهُ الأساسية التي يَقُوم عليها، ولا يخرج عنها (2).
وهي ليست مقصودًا بالذات؛ بل يتوقف عليه المقصود (3)، فهي ليست من أجزاء العلم؛ لاشتمالها على حد العلم، وبيان غايته واستمداده، وليس هذا بشيء من أجزاء العلم (4).
وقد نظمها العلامة الصبان (5)
بقوله:
(1) يُنظر: معجم مصطلحات أصول الفقه (ص: 382).
(2)
يُنظر: المعجم الوسيط (1/ 72).
(3)
يُنظر: بيان المختصر (1/ 12)؛ رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (1/ 239)؛ شرح العضد على مختصر المنتهى (1/ 23).
(4)
يُنظر: الردود والنقول (1/ 92).
(5)
هو: أبو العِرفان، محمد بن علي المصري الحنفي، المعروف بالصبان. من مصنفاته: إتحاف أهل الإسلام بما يتعلق بالمصطفى وأهل بيته الكرام"، و" حاشية على شرح الأشموني لألفية ابن مالك"، و"حاشية على شرح الملوي للسلم"، (ت: 1206 هـ).
تُنظر ترجمته في: هدية العارفين (6/ 349)؛ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (2/ 347).
يُنظر النظم في حاشيته على شرح شيخه الْمَلَّوِي على السُّلَّم المنورق (ص: 35).
وقد نظم هذه المبادئ أكثر من واحد؛ منهم: ابن ذكري في كتابه "تحصيل المقاصد" كما نقل ذلك ابن عابدين عنه في حاشيته (1/ 36)؛ والمقري في إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة (ص: 23 - 27).
إنّ مبادئ كلِّ فنٍ عشرهْ
…
الحدُّ والموضوعُ ثم الثَّمرهْ
ونسبةٌ وفضلهُ والواضعْ
…
الاسمُ الاستمدادُ حكمُ الشارعْ
مسائلٌ، والبعضُ بالبعض اكتفى
…
ومَنْ درى الجميعَ حاز الشرفا
فهذه المبادئ العشرة بحسب ترتيبها المنطقي: الاسم، الحد، الموضوع، حكم الشارع، الاستمداد، النسبة، الفضل، الثمرة، الواضع، المسائل.
ووجه هذا الترتيب: أنك إذا أرادت أن تدرس أي علم فأول ما تبدأ به هو معرفة اسمه، فإذا عرفت اسمه فإنك بحاجة إلى تصور ماهية هذا العلم وحقيقته، فتحتاج إلى معرفة حده، ثم بعد ذلك تحتاج إلى أن تعرف ما الذي يتم بحثه في هذا العلم إجمالاً، وهذا هو موضوع العلم، فإذا تحقق ذلك ناسب أن تعرف حكم الشارع؛ وذلك لأن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصورهِ، فلا تنشغل بعلم مندوب قبل الواجب، أو فرض كفاية قبل فرض عين عليه، وبعد ذلك ينبغي أن تعرف إن كان هذا العلم يستمد بعض مسائله من علوم أخرى، وما هي هذه العلوم، وهذا ما يعرف باستمداد العلم، ويتعلق به الكلام على ما إذا كانت هنالك علوم أخرى تُستمد من هذا العلم، وهو ما يعرف بإمداد العلم، يلي ذلك معرفة موقع هذا العلم من العلوم الأخرى، ونسبته إلى الشرع أو غيره، وهذا ما يعرف بنسبة العلم، ثم بعد ذلك تحتاج إلى أن تعرف فضل هذا العلم وشرفه من بين سائر العلوم؛ فإن العلوم المنسوبة للشرع تتفاضل وإن كانت كلها فاضلة، ثم بعد ذلك تعرف ثمرة هذا العلم وفائدته؛ كي تتشوف نفسك إلى تعلمه، وتتشجع على دراسته، وتعقبها معرفة مَنْ أخرج هذا العلم من الصدور إلى السطور؛ بأن تعرف أول من ألف فيه، وهو ما يعرف بالكلام على الواضع.
وأخيرًا وبعد أن تُتْقنَ المبادئ التسعة بقي عليك العاشر وهو أطولها: أن تدرس مسائله تفصيلاً، وهو الكلام على مسائل الفن (1).
(1) ومما يجدر التنويه إليه: أن بعض طلبة العلم يعكس في أخذه بهذه المبادئ؛ فيبدأ بدراسة المسائل قبل أن يأخذ =
فهذه هي المبادئ العشرة لأي علم، من علمها جميعًا فقد تصور العلم تصورًا جيدًا؛ مما يؤهله للدخول في دراسته دراسة متمكنة.
وهذه المبادئ أشار إليها عدد من علماء الأصول (1) في مقدمة كتبهم؛ وفي مقدمتهم: إمام الحرمين الجويني (2) إذ يقول: (حق على كل من يحاول الخوض في فن من فنون العلوم أن يحيط بالمقصود منه، وبالمواد التي منها يُستمد ذلك الفن، وبحقيقته، وفنه، وحدِّه، إن أمكنت عبارةٌ سديدة على صناعة الحد، وإن عَسُر فعليه أن يحاول الدَّرْك بمسلك التقاسيم، والغرض من ذلك: أن يكون الإقدام على تعلمه مع الحظ من العلم الجُملي بالعلم الذي يحاول الخوض فيه)(3).
وبتطبيق هذه المبادئ على " الاستدراك الأصولي"(4) كمدخل له نستطيع أن نلم به إلماماً جيداً.
= المبادئ التسعة السابقة، وهذا خطأ، فالواجب على طالب العلم أن يعرف المبادئ التسعة أولاً، ثم يشرع في دراسة المسائل.
(1)
كالآمدي، وصفي الدين الهندي، وابن مفلح، والزركشي، وابن عبدالشكور، وعبدالعلي الأنصاري. يُنظر بالترتيب المذكور: الإحكام للآمدي (1/ 19 - 22)؛ نهاية الوصول (1/ 15 - 27)؛ أصول ابن مفلح (1/ 10 - 18)؛ البحر المحيط (1/ 15 - 32)؛ مسلم الثبوت وفواتح الرحموت (1/ 8 - 12).
(2)
هو: أبو المعالي، عبدالملك بن عبدالله بن يوسف بن محمد بن عبدالله الجويني، أحد كبار فقهاء الشافعية، وعلماء أصول الفقه، تفقه على والده وعلى القاضي الباقلاني. من مصنفاته:"نهاية المطلب" في الفقه، و"البرهان" في أصول الفقه، و"الشامل" في أصول الدين، (ت: 478 هـ).
تُنظر ترجمته في: العبر (3/ 293)؛ طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (5/ 165)؛ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 255 - 256).
(3)
البرهان في أصول الفقه (1/ 83).
(4)
على الرغم من وفرة المجال التطبيقي للاستدراك الأصولي؛ إلا أنني لم أقف على دراسة تُؤصله كعلم قائم بنفسه، فتبين حدوده، وموضوعه، ومباحثه؛ لذلك رأيت الكتابة في هذا الموضوع بإقامة دعامة له ومحاولة إثبات مبادئه العشرة، وقوى عزمي في ذلك ما ذكره د. عبدالفتاح أبو غدة: "أن فرط النضج في علم من =
المبدأ الأول: الاسم؛ فما لا يُعرف اسمه لا يَحْسن طلبه، فاسم هذا الجزء من البحث الأصولي:"الاستدراك الأصولي" أو "التعقيبات الأصولية".
وأما بقية المبادئ فسأذكرها في المباحث التالية.
= العلوم لا يفضي إلى احتراقه؛ وإنما يفضي - في الغالب - إلى إفراد بعض مباحثه بالبحث، فإذا اتسع الأمر في مبحث منها صار فنًا مستقلاً بنفسه وإن كان متفرعًا عن غيره، وكثيرًا ما يكون الفن المتفرع من غيره واسع الأطراف جدًا " لمحات من تاريخ السنة وعلوم الحديث (ص: 74).