الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أيضًا: "يجعلا قصدهما أحد أمرين، ويجتهدا في اجتناب الثالث:
فأعلى الثلاثة من المقاصد: نصرة الحق ببيان الحُجَّة، ودحض الباطل بإبطال الشُّبْهةِ؛ لتكون كلمة الله هي العليا.
الثاني: الإدمان للتقوي على الاجتهاد، والاجتهاد من مراتب الدين المحمودة، وهي رتبة الفُتْيا.
ونعوذ بالله من الثالث؛ وهو المغالبة، وبيان الفَراهةِ (1) على الخصم، والترجح عليه في الطريقة" (2).
فينبغي للمستدرِك والمستدرَك عليه أن ينصب هذا الغرض أمام عينه في الاستدراك وقبوله، ويخشى الله ويتقيه؛ فإن الغاية من الاستدراك: الوصول إلى الحق.
ويمكن تمثيل هذا في الاستدراك الأصولي برجوع طائفة من الأصوليين عن أقوالهم السابقة لما بان لهم أن طريق الحق في غير السابق.
ويمثل أيضًا بمخالفة طائفة منهم لمشايخهم - كالباقلاني والجصاص والغزالي والرازي والآمدي وغيرهم - لما بان لهم أن الحق في غير مذهب مشايخهم.
•
ثالثاً: التواضع:
وهذا الأدب مرتبط بسابقه، فلابد من التواضع لقبول الحق، أما المتكبر فإن كبره يمنعه من سماع الحق وقبوله.
فينبغي للمستدرِك أن يتواضع للمستدرَك عليه حتى يقبل منه كلامه، ولا يرى لنفسه منة على المستدرَك عليه، وكذلك ينبغي للمستدرَك عليه التواضع للمستدرِك، فلا يرى نفسه أعلم منه، وكل هذا طريق لقبول الحق.
(1) الفَارِهُ: الحاذق بالشيء. يُنظر: الصحاح (ص: 810)؛ المصباح المنير (2/ 471) مادة: (فره).
(2)
يُنظر: الواضح في أصول الفقه (1/ 518).
وهذا ما كان من نبي الله موسى والخضر عليهما السلام، فلما استدرك موسى على الخضر ما ظنه خطأ منه؛ كان يتكلم بما يراه حقًّا في تواضع تام، كيف لا وهو الذي أنزل نفسه منزلة التابع للخضر، وكذلك الشأن من الخضر عندما استدرك عليه عجلته وذكر له بعد ذلك ما ظنه خطأ كان يستدرك بتواضع تام.
وحكي عن أبي يوسف أنه قال: "يا قوم، أريدوا بعلمكم الله عز وجل؛ فإني لم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلس مجلساً قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى افتضح"(1).
ومن أمثلة تواضع المستدرَك عليه ما كان من شأنه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الحبَابُ بن المنْذِر (2) الأنصاري قال: "أشرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بخصلتين فقبلهما مني:
خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة بدر فعسكر خلف الماء، فقلت: يا رسول الله، أبوحي فعلت أو برأي؟ قال: برأي يا حباب. قلت: فإن الرأي أن تجعل الماء خلفك؛ فإن لجأت لجأت إليه. فقبل ذلك مني" (3).
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفيه في خلقه يتواضع لسماع استدراك حباب المتمثل بمشورته عليه ثم يقبلها لما رأى أنه الحق والأصلح للمسلمين.
ومن جميل ما يذكر في ذلك ما كان من عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما خطب
(1) يُنظر: الفقيه والمتفقه (2/ 49).
(2)
هو: أبو عمرو، الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، شهد بدرًا وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، كان يقال له:(ذو الرأي)؛ لإشارته على رسول صلى الله عليه وسلم أن ينزل على ماء بدر للقاء القوم. شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة المنورة.
تُنظر ترجمته في: الاستيعاب (1/ 361)، أسد الغابة (1/ 533)؛ الإصابة (2/ 10).
(3)
يُنظر: المستدرك على الصحيحين (3/ 482).
فتواضع عمر للحق وهو يومئذٍ أمير المؤمنين.
وسبق ذكر استدراك التابعين على الصحابة وتواضع كل منهما للآخر.
ويشهد لتواضع المستدرَك عليه في الأصول ما قام به ثلة من الأصوليين برجوعهم عن أقوالهم السابقة لما بان لهم الحق في غير تلك الأقوال.
وأما تواضع المستدرِك مع المستدرَك عليه فيمكن تقريره بما ذكر في الكتب الأصولية من الاستدراكات التي كان يلتمس فيها المستدرِك للمستدرَك عليه تفسيرات ومبررات لقوله؛ ومن أمثلة ذلك ما ذكره الغزالي في معرض حديثه عن المجاز في القرآن الكريم وحكاية قول من منع وجوده، فالتمس الغزالي لأصحاب هذا القول تعليلاً معقولاً فقال: "
…
فالقرآن يشتمل على المجاز خلافًا لبعضهم. فنقول: المجاز اسم مشترك قد يطلق على الباطل الذي لا حقيقة له، والقرآن منزه عن ذلك، ولعله أراده من أنكر اشتمال القرآن على المجاز، وقد يطلق على اللفظ الذي تجوز به عن موضوعه، وذلك لا ينكر في القرآن
…
" (4).
(1) عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(2)
ونص الآية المتواترة: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [النساء: 20].
(3)
يُنظر: مصنف عبدالرزاق، ك: النكاح، ب: غلاء الصداق، (6/ 180/ح: 10420).
(4)
يُنظر: المستصفى (2/ 24 - 25).