الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنقشواني (1) بما فيه نظر" (2).
•
ثانيًا: صيغة (تعقيب)
قال المرداوي في فصل (مستند غير الصحابي): "قوله: (ثم قصد) أي الشيخ، (إسماعه وحده، أو) قصد إسماعه (مع غيره) ساغ له أن يقول: حدثنا، أو أخبرنا، وقال، وسمعت، وكذا يقول: أنبأنا، ونبأنا؛ ولكنه قليل عندهم؛ لأنه أشهر استعمالها في الإجازة، فيجوز في التحديث إذا قرأ الشيخ أن يقول: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت فلانًا يقول، وقال: لنا فلان، وذكر لنا فلان.
وقد نقل القاضي عياض (3) الإجماع في هذا كله (4)؛ فلذا تعقب بعضهم على
(1) لم يصرح النقشواني باسم أبي الخطاب، ونص قوله:"الكلام - هاهنا- ليس في مطلق العموم؛ بل في العمومات الدالة على الأحكام الشرعية؛ فإن الفقيه ليس ينظر في غير أدلة هذه الأحكام، وكذلك الأصولي، وإذا كان كذلك فالعقل لا مجال له في تخصيص هذه العمومات إلا بالنظر في دليل آخر شرعي؛ لأن بديهة العقل ونظر العقل ليس مستقلاً بدرك الحكم الشرعي، فكيف يخصص العام الدال على الحكم الشرعي؟ ! فإذا فرضنا نصًّا عامًّا يقتضي إباحة الفعل؛ فالعقل إنما يخصصه لو أدرك الحظر، فإذا لم يتمكن العقل من إدراك شيء من الأحكام؛ كيف يخصص العام؟ ! ". تلخيص المحصول (ص: 527 - 529)، ويُنظر قول النقشواني أيضًا في: البحر المحيط (3/ 357).
(2)
يُنظر: التحبير شرح التحرير (6/ 2642).
(3)
هو: أبو الفضائل، عياض بن موسى اليحصبي الأندلسي المالكي، فقيه محدث إخباري، أخذ عن ابن رشد، وابن العربي، والمازري، تولي القضاء بسبتة ثم بغرناطة، ثم انتقل إلى مراكش، من مصنفاته:"إكمال المعلم بفوائد مسلم"، و" ترتيب المدراك"، و" مشارق الأنوار في غريب الحديث"، (ت: 544 هـ) بمراكش.
تُنظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (20/ 212)؛ الإحاطة في أخبار غرناطة (4/ 188)؛ الديباج المذهب (1/ 168).
(4)
ولفظه: "ولا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع منه: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت فلانا يقول، وقال لنا فلان، وذكر لنا فلان". يُنظر: الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع (ص: 69).
ابن الصلاح (1) في قوله بعد أن حكى ذلك: إن فيه نظرًا، أو إنه ينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ أن يكون مخصوصًا بما سمع من غير لفظ الشيخ (2).
وجه التعقيب عليه: معارضته للإجماع، وأنه لا يجب على السامع أن يبين: هل كان السماع من لفظ الشيخ أو عرضًا؟ " (3).
• المثال الثاني:
قال أمير حاج في مسألة (تقليد العوام لأعيان الصحابة): "تكملة: نقل الإمام في البرهان (4) إجماع المحققين على منع العوام من تقليد أعيان الصحابة؛ بل من بعدهم، أي بل قال: عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة الذين سبروا ووضعوا ودونوا؛ لأنهم أوضحوا طرق النظر، وهذبوا المسائل، وبينوها وجمعوها؛ بخلاف مجتهدي الصحابة فإنهم لم يعتنوا بتهذيب مسائل الاجتهاد، ولم يقرروا لأنفسهم أصولاً تفي بأحكام الحوادث كلها؛ وإلا فهم أعظم وأجل قدرًا،
…
وحاصل هذا: أنه امتنع تقليد غير هؤلاء الأئمة؛ لتعذر نقل حقيقة مذهبهم، وعدم ثبوته حق الثبوت؛ لا لأنه
(1) هو: أبو عمرو، عثمان بن عبدالرحمن بن عثمان الكردي الموصلي الشهرزوري الشافعي، تقي الدين، كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة، وهو شيخ ابن خلكان المؤرخ المشهور. من مصنفاته:"المقدمة في علوم الحديث"، وشرح قطعة من "صحيح مسلم" اعتمدها النووي في شرحه وله "الفتاوى"، (ت: 643 هـ).
تُنظر ترجمته في: وفيات الأعيان (3/ 243)؛ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 113)؛ طبقات الحفاظ (1/ 503).
(2)
يُنظر: مقدمة ابن الصلاح (ص: 132).
(3)
التحبير شرح التحرير (5/ 2031 - 2032)
(4)
(2/ 1360 - 1363).
لا يقلد، ومن ثمة قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام (1):(لا خلاف بين الفريقين في الحقيقة؛ بل إن تحقق ثبوت مذهب عن واحد منهم جاز تقليده وفاقًا؛ وإلا فلا). وقال أيضًا: (إذا صح عن بعض الصحابة مذهب في حكم من الأحكام؛ لم يجز مخالفته إلا بدليل أوضح من دليله هذا)(2).
وقد تعقب بعضهم أصل الوجه لهذا: بأنه لا يلزم من سير هؤلاء كما ذكر وجوب تقليدهم؛ لأن من بعدهم جمع وسبر كذلك إن لم يكن أكثر ولا يلزم وجوب اتباعهم؛ بل الظاهر في تعليله في العوام أنهم لو كلفوا تقليد الصحابي لكان فيه من المشقة عليهم من تعطيل معايشهم، وغير ذلك ما لا يخفى .... " (3).
• المثال الثالث:
قال أمير بادشاه في مسألة (جواز تكليف المجتهد عقلاً بطلب المناط ليحكم في محاله): "ثم بعد جوازه - أي: تكليف المجتهد بطلب المناط- وقع التكليف به سمعًا.
قيل: ثبت وقوعه ظنًّا، وهذا القول لأبي الحسين (4)،
…
وقيل: وقع قطعًا، وهو قول الأكثر؛ لقوله تعالى:{فَاعْتَبِرُوا يَاأُوْلِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]؛ فإن الاعتبار: رد الشيء إلى نظيره بأن يحكم عليه بحكمه، وكذا سمى الأصل الذي ترد إليه النظائر عبرة،
(1) هو: أبو محمد، عبدالعزيز بن عبدالسلام بن القاسم بن الحسن بن مُهَذَّب السُّلمي الشافعي، لقب بـ (عز الدين) و (سلطان العلماء)، من أكبر تلاميذ السيف الآمدي، درس عليه الأصول، كان زاهدًا ورعًا قويًّا في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، له مواقف معروفة في مواجهة التتار والفرنجة، من مصنفاته:"التفسير الكبير"، و"القواعد الكبرى"، و"الفتاوى الموصلية"، (ت: 660 هـ).
تُنظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (8/ 209)؛ البداية والنهاية (13/ 235)؛ طبقات ابن قاضي شهبة (2/ 109).
(2)
يُنظر: كلام العز بن عبدالسلام في: فتاويه (ص: 40)؛ البحر المحيط (6/ 290).
(3)
يُنظر: التقرير والتحبير (3/ 472).
(4)
يُنظر: المعتمد (2/ 331 - 332).
وهذا يشمل الاتعاظ، والقياس العقلي والشرعي، وسياق الآية للاتعاظ، فتدل عليه عبارة، وعلى القياس إشارة
…
وأما ظهور كونه - أي: الاعتبار- في الاتعاظ بالنظر إلى خصوص السبب؛ لنزول الآية المشار إليها بقوله، ولبعد أن يراد بقوله تعالى:{فَاعْتَبِرُوا} بعد قوله: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} ، فقيسوا الذرة بالبر، كما هو لازم الاستدلال لعدم المناسبة، فلا يحمل كلامه تعالى عليه.
والجواب عنه ما أفاده بقوله: (فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب)، فانتفى الأول (وهو ظهور كونه للاتعاظ)، وبه (أي: بأن العبرة لعمومه) انتفى الثاني أيضًا؛ إذ المرتب على السبب المذكور الاعتبار الأعم منه (أي: من قياس الذرة على البر) أي: فاعتبروا الشيء بنظيره في مناطه، الظرف متعلق بنظيره؛ لما فيه من معنى الفعل في المثلات (أي: العقوبات - جمع مثلة بفتح الثاء وضمها متعلق بالاعتبار -) وغيرها.
وهذا الطريق في إثبات التكليف بالقياس أيسر من إثباته (أي: التكليف به دلالة) كما ذهب إليه صدر الشريعة (1)؛ لأن فهم الأمر بالقياس من الأمر بالاعتبار بطريق اللغة من غير اجتهاد؛ لئلا يلزم إثبات القياس بالقياس بعيد جدًّا؛ فإن من المعلوم أنه لا يفهم كل من يعرف اللغة ذلك كما أفاده بقوله: (إذ لا يُفْهم فَهْمَ اللغة) نصب على المصدرية؛ فإن المنفي إنما هو هذا النوع من الفهم لا مطلقه، (الأمر بالقياس) قائم مقام فاعل يفهم، (في الأحكام) متعلق بالقياس من الأمر بالاتعاظ.
والشارح تعقب المصنف (2)
في هذا فليرجع إليه.
(1) يُنظر: التوضيح (2/ 125 - 127).
(2)
المراد بالشارح: أمير حاج، والمصنف: ابن الهمام. وعبارة أمير حاج: "وهذا الطريق في إثبات التكليف بالقياس بطريق القطع من الآية أيسر من إثباته -أي التكليف به- بطريق القطع منها دلالة، كما تنزل إليه صدر الشريعة وقال: وطريقها في هذه الصورة: أن الله ذكر هلاك قوم بناء على سبب؛ وهو اعتزازهم بالقوة والشوكة، ثم أمر بالاعتبار ليكف عن مثال ذلك السبب؛ لئلا يترتب عليه مثل ذلك الجزاء. فالحاصل: أن العلم بالعلة يوجب العلم بحكمها، فكذا في الأحكام الشرعية من غير تفاوت، وهذا المعنى يفهم من لفظ (الفاء) وهي للتعليل، فيكون مفهومًا بطريق اللغة من غير اجتهاد، فيكون دلالة نص لا قياسًا؛ حتى لا يكون إثبات القياس بالقياس؛ بل في التلويح. وفيه نظر؛ لأن الفاء؛ بل صريح الشرط والجزاء لا يقتضي العلة التامة حتى يلزم أن يكون علة وجوب الاتعاظ هذه القضية السابقة، غاية ما في الباب أن يكون لها دخل في ذلك، وهذا لا يدل على أن كل من علم وجود السبب يجب عليه الحكم بوجود المسبب؛ بل ما ذكره من التحقيق مما يشك فيه الأفراد من العلماء، فكيف يجعل من دلالة النص وقد سبق أنه يجب أن يكون مما يعرفه كل من يعرف اللغة؟ ! وإلى هذا أشار المصنف بقوله: (إذ لا يفهم فهمَ اللغة الأمر بالقياس في الأحكام من الأمر بالاتعاظ). وقد أجيب: أولاً: بأن الفاء تدل على العلية في الجملة، وظاهر أن لا علة هنا لوجوب الاتعاظ سوى القضية السابقة فتكون كل العلة، وعلى تقدير التسليم لكونها لها دخل في العلة تثبت أيضًا أن لها دلالة على العلية في الجملة .. وثانيًا: بأن التحقيق الذي ذكره صدر الشريعة مما لا ينبغي أن يشك فيه عارف باللغة، فلو شك فيه واحد من أفراد العلماء فقد يكون لعدم علمه باللغة أو ممن يظهر الشك عنادًا، هذا والشرط في دلالة النص أن يكون المعنى الذي هو مناط الحكم ثابتًا في المنصوص عليه لغة بحيث يعرفه أهل اللسان، وأما في غيره فلا يشترط أن يكون مناط الحكم مما يعرفه أهل اللسان". التقرير والتحبير (3/ 325 - 326).